تبني
Adoption - Adoption
التبني
التبني Adoption نظام يبيح للفرد أن يتخذ فرداً آخر غريباً عنه ولداً له، فيعامل من الناحيتين القانونية والاجتماعية معاملة أولاده. وهذا النظام سواء تحت اسم التبني أم تحت اسم استلحاق، كان قد أسهم إسهاماً كبيراً في رومة القديمة، وعرف منذ زمن طويل في بلدان الشرق، حيث كان مفهوم التبني يتيح قبول أحد الأفراد كولد، ولمصلحة هذا الولد، وهذا ما أخذ به بصورة خاصة القانون الروماني البيزنطي، إلا أنه خلال زمن طويل، لم ينتج هذا التبنِّي ـ على خلاف التبنِّي الذي كانت تغذيه الاهتمامات الدينية أو السياسية ـ سوى آثار محدودة، ولم يقوّض صلات المتبنَّى مع أسرته التي ولد فيها.
وقد كان العرب في الجاهلية ينزلون الولد المتبنى منزلة الولد من الصلب من جميع النواحي، حتى كانوا يحرمون على من تبناه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها منه أو موته عنها، كما كان يحرم عليه الزواج بامرأة ابنه من صلبه، وقد تبنى النبي r قبل رسالته زيد بن حارثة، فكان ينزله منزلة أولاده، حتى لقد كانوا يدعونه زيد بن محمد.
ولما جاء الإسلام حرَّم التبنِّي تحريماً باتاً، حماية للأنساب. قال تعالى: }وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم{ (الأحزاب 4 و5). والأدعياء هم الأبناء بالتبني، وبيَّن أن الابن الذي يحرم الزواج بامرأته، هو الابن من الصلب، كما ورد في آية المحرمات }وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم{ (النساء 23).
ولحرص الإسلام على القضاء على هذا النظام وإزالة جميع آثاره، لم يكتف بإلغائه بالقول، بل رأى أن يمحوه كذلك بطريق عملي وبفعل الرسول نفسه حين أمره الوحي أن يتزوج مطلقة زيد بن حارثة، ليبيِّن للناس بطريق عملي أنه لا تبني في الإسلام، وذلك في الآية الكريمة }فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً{ (الأحزاب 37)، أي إذا طلقوهن.
وإذا كانت مؤسسة التبني محرمة في الشريعة الإسلامية، وغير معتبرة في بعض تشريعات دول أمريكة اللاتينية، فإنها قد أخذت مكانة مهمة في قوانين غالبية بلدان العالم وأعرافها. وإذا كان مشرعو القانون المدني الفرنسي سنة 1804 قد أكدوا أن «التبني يفتح مجالاً واسعاً لعون الأطفال الفقراء» فإنهم لم يعطوه الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الوظيفة، ولخوفهم من أن يؤثر التبني في الانصراف عن الزواج، أكثروا من الشروط، وبخاصة منها ما يحافظ على فائدة البالغين، في حين أنه بالفعل، لم يحقق ـ إلا فيما ندر ـ دوراً حامياً للطفولة.
وغالباً ما تناط رقابةُ توفرِ الشروط بالقضاء، وفي حالات نادرة بأجهزة إدارية (كما كان الحال في بعض الدول الاشتراكية). ويمكن ترتيب الرقابة بطريقتين: إما أن ينتج التبني بموجب عقد خاضع لتحقيق مسبق أو تصديق تال من المحكمة، وذلك هو الحال المتبع في ألمانية والنمسة وبلجيكة وإسبانية وهنغارية وتركية، وكان هو الحل المتبع كذلك منذ البدء في القانون الفرنسي.
وقد رأى عدد من الفقهاء، وجوب تسهيل الشروط ومرونتها كي لا تشل التبني، وأن تكون دقيقة كي تتيح للتبني تحقيق وظيفته التي يرمي من ورائها لتقليد الطبيعة، وهو غالباً ما يتطلب شروطاً تتعلق بالعمر، ويرعى مصالح المتبنى دون إهمال مصالح الأسرة التي ولد منها، إن وجدت. وما عدا بعض الاستثناءات النادرة ـ كما في هنغارية مثلاً ـ فإن التشريعات القائمة في بلدان مختلفة تخضع التبني لمقتضى حد أدنى من السن للمتبنَّى، ولوجود فارق بالسن بين المتبنَّى والمتبنِّي. ويتبين لزوم هذا إذا أريد أن يكون النسب من التبني مشابهاً بعض الشيء للنسب الناشئ عن رابطة الدم. بيد أن التشريعات الحديثة تتجه نحو إضفاء بعض المرونة على شروط السن، خاصة حين يكون التبني بفعل الزوجين، وهكذا أَنقص القانون الفرنسي الحد الأدنى لعمر المتبني من 40 إلى 35 سنة (مرسوم صادر في كانون أول 1958) حتى إلى 30 سنة إذا كان التبني مطلوباً من زوجين مضى على زواجهما خمس سنوات، ويبقى هنالك شرط آخر، وهو أن يكون المتبنِّي أكبر من المتبنَّى بـ 15 سنة، ما لم يكن المتبنَّى ابن أحد الزوجين، ففي هذه الحالة أنقص القانون فارق السن إلى عشر سنوات، ويمكن أن يكون أقل من ذلك بناء على إعفاء من رئيس الجمهورية. ومتطلبات السن المتعلقة بالتبني حين يهدف التبني إلى ما أسماه القانون الصادر في 11 تموز 1966 التبني الكامل. فقد شرط أولاً أن يكون عمر المتبنَّى أقل من خمس سنوات ثم رفع السن إلى 7 سنوات، بموجب مرسوم، ثم إلى 15 سنة بموجب القانون الصادر في 11 تموز 1966، وذلك بهدف زيادة العدد الممكن من المستفيدين من التبني ذي الآثار الكاملة، ولم يشترط هذا القانون سوى أن يكون التبني الكامل مطلوباً من الزوجين.
وتنقسم التشريعات في بلدان العالم في تحديد آثار التبني بين مفهومين للأسرة المتبناة، فبعض الأنظمة القانونية لا تقبل سوى نوع من التبني، وهو الذي يقيم بين المتبني والمتبنى صلة تشبه الصلة التي تتولد من نسب صحيح، لكن آثاره محدودة بصورة ملموسة، فلا تتولد منه أيّ صلة بين المتبنى وأقارب المتبني، فلا يدخل المتبنى إذن فعلاً في أسرة المتبني، ولا يخرج من أسرته الأصلية التي يبقى مرتبطاً بها إلا في بعض النقاط. بيد أن هنالك أنظمة قانونية أخرى، تنظم إلى جانب هذا التبني ذي الآثار المحدودة تبنياً بعيداً أكثر في تماثل المتبنى مع الولد الشرعي. وبناء على القانون الفرنسي الصادر في 11 تموز 1966 لم يعد يوجد فيها سوى نوعين من التبني: التبني الكامل والتبني البسيط الذي يحافظ دائماً على صلات المتبنى مع أسرته بالدم. وقد كرّست هذا المفهوم الثنائي تشريعات أجنبية مختلفة تحتذى النموذج الفرنسي، وهكذا أصدرت رومانية قانوناً في سنة 1951 وشيلي قانوناً في سنة 1965 أضفيا الشرعية على التبني. كما جرى تكريس التمييز بين التبني البسيط والتبني الكامل في إسبانية سنة 1958 وفي اللوكسمبورغ سنة 1959 والبرتغال سنة 1966.
ولا ينشئ التبني البسيط صلات قرابة حقيقية بين عائلة المتبنى والمتبني، ولا يعطيه الحقوق الإرثية التي للأقارب بالدم، ولا يقوِّض العلاقات العائلية التي تربط المتبنى بأقاربه. وهو قابل للفسخ حسب قواعد مختلفة ينص عليها القانون. وعلى عكس التبني البسيط فإن التبني الكامل يرمي لإقامة التماثل الممكن بين المتبنى والابن الشرعي للمتبني، ويكون هذا التماثل سهلاً بمقدار ما يكون المتبنى حدثا أكثر وقُبِلَ في عائلة شرعية. وتختلف تشريعات الدول في مدى التبني الكامل، وأراد التشريع الفرنسي جعله كاملاً بما يمكن: فالمنتفع من تَبَنًّ كامل في العائلة المتبنية يتمتع بنفس حقوق الولد الشرعي، وهو يصير قريباً لأعضاء عائلة المتبنِّي، كما لو كان تولد من زواج فعلي، والفارق الوحيد هو أن وجود ولد متبنى لا يشكل عقبة أمام تبنيات جديدة تكون من حيث المبدأ ممنوعة فيما لو كان هنالك ولد شرعي.
ويتضح مما تقدم أن نظام التبني المرفوض في النظام الإسلامي يختلف جذرياً عن مؤسسة الإقرار بالنسب المعروفة في الشريعة الإسلامية التي تقوم على نوعين:
1ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على المقر ابتداء، ومثاله أن يقرر رجل لولد بأنه ابنه.
2ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على الغير، كأن يقول هذا أخي أو هذا عمي.
ويقرر الفقه الإسلامي أنه يصح إقرار الرجل ـ ولو في مرض الموت ـ بالولد وبالوالدين إذا تحققت الشروط الآتية:
أ ـ أن يصدقه الحس بحيث يكون فارق السن محتملاً.
ب ـ وأن لا يكذبه الشرع، وذلك بأن يكون المقر له مجهول النسب.
ج ـ وأن يصدقه المقر له إذا كان بالغاً، فإذا كذبه في هذا الإقرار كان باطلاً. ولم يثبت به النسب.
وإذا كان المقر ببنوة الغلام زوجة أو معتدة، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوته أيضاً، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير فلا يقبل إلا بتصديقه.
وإذا كان إقرار الإنسان لآخر بنسب محمول على غيره، كأن يقول عن رجل هذا أخي أو هذا عمي، فإن الشروط السابقة معتبرة أيضاً، ويشترط شرط آخر لثبوت النسب هو أن يصدق المحمول عليه بالنسب هذا الإقرار. وهذه الأحكام ورد عليها النص في المواد (134-136) من قانون الأحوال الشخصية في سورية الصادر بالمرسوم التشريعي 59 تاريخ 17/ 9/1953.
عبد الهاتبني
Adoption - Adoption
التبني
التبني Adoption نظام يبيح للفرد أن يتخذ فرداً آخر غريباً عنه ولداً له، فيعامل من الناحيتين القانونية والاجتماعية معاملة أولاده. وهذا النظام سواء تحت اسم التبني أم تحت اسم استلحاق، كان قد أسهم إسهاماً كبيراً في رومة القديمة، وعرف منذ زمن طويل في بلدان الشرق، حيث كان مفهوم التبني يتيح قبول أحد الأفراد كولد، ولمصلحة هذا الولد، وهذا ما أخذ به بصورة خاصة القانون الروماني البيزنطي، إلا أنه خلال زمن طويل، لم ينتج هذا التبنِّي ـ على خلاف التبنِّي الذي كانت تغذيه الاهتمامات الدينية أو السياسية ـ سوى آثار محدودة، ولم يقوّض صلات المتبنَّى مع أسرته التي ولد فيها.
وقد كان العرب في الجاهلية ينزلون الولد المتبنى منزلة الولد من الصلب من جميع النواحي، حتى كانوا يحرمون على من تبناه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها منه أو موته عنها، كما كان يحرم عليه الزواج بامرأة ابنه من صلبه، وقد تبنى النبي r قبل رسالته زيد بن حارثة، فكان ينزله منزلة أولاده، حتى لقد كانوا يدعونه زيد بن محمد.
ولما جاء الإسلام حرَّم التبنِّي تحريماً باتاً، حماية للأنساب. قال تعالى: }وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم{ (الأحزاب 4 و5). والأدعياء هم الأبناء بالتبني، وبيَّن أن الابن الذي يحرم الزواج بامرأته، هو الابن من الصلب، كما ورد في آية المحرمات }وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم{ (النساء 23).
ولحرص الإسلام على القضاء على هذا النظام وإزالة جميع آثاره، لم يكتف بإلغائه بالقول، بل رأى أن يمحوه كذلك بطريق عملي وبفعل الرسول نفسه حين أمره الوحي أن يتزوج مطلقة زيد بن حارثة، ليبيِّن للناس بطريق عملي أنه لا تبني في الإسلام، وذلك في الآية الكريمة }فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً{ (الأحزاب 37)، أي إذا طلقوهن.
وإذا كانت مؤسسة التبني محرمة في الشريعة الإسلامية، وغير معتبرة في بعض تشريعات دول أمريكة اللاتينية، فإنها قد أخذت مكانة مهمة في قوانين غالبية بلدان العالم وأعرافها. وإذا كان مشرعو القانون المدني الفرنسي سنة 1804 قد أكدوا أن «التبني يفتح مجالاً واسعاً لعون الأطفال الفقراء» فإنهم لم يعطوه الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الوظيفة، ولخوفهم من أن يؤثر التبني في الانصراف عن الزواج، أكثروا من الشروط، وبخاصة منها ما يحافظ على فائدة البالغين، في حين أنه بالفعل، لم يحقق ـ إلا فيما ندر ـ دوراً حامياً للطفولة.
وغالباً ما تناط رقابةُ توفرِ الشروط بالقضاء، وفي حالات نادرة بأجهزة إدارية (كما كان الحال في بعض الدول الاشتراكية). ويمكن ترتيب الرقابة بطريقتين: إما أن ينتج التبني بموجب عقد خاضع لتحقيق مسبق أو تصديق تال من المحكمة، وذلك هو الحال المتبع في ألمانية والنمسة وبلجيكة وإسبانية وهنغارية وتركية، وكان هو الحل المتبع كذلك منذ البدء في القانون الفرنسي.
وقد رأى عدد من الفقهاء، وجوب تسهيل الشروط ومرونتها كي لا تشل التبني، وأن تكون دقيقة كي تتيح للتبني تحقيق وظيفته التي يرمي من ورائها لتقليد الطبيعة، وهو غالباً ما يتطلب شروطاً تتعلق بالعمر، ويرعى مصالح المتبنى دون إهمال مصالح الأسرة التي ولد منها، إن وجدت. وما عدا بعض الاستثناءات النادرة ـ كما في هنغارية مثلاً ـ فإن التشريعات القائمة في بلدان مختلفة تخضع التبني لمقتضى حد أدنى من السن للمتبنَّى، ولوجود فارق بالسن بين المتبنَّى والمتبنِّي. ويتبين لزوم هذا إذا أريد أن يكون النسب من التبني مشابهاً بعض الشيء للنسب الناشئ عن رابطة الدم. بيد أن التشريعات الحديثة تتجه نحو إضفاء بعض المرونة على شروط السن، خاصة حين يكون التبني بفعل الزوجين، وهكذا أَنقص القانون الفرنسي الحد الأدنى لعمر المتبني من 40 إلى 35 سنة (مرسوم صادر في كانون أول 1958) حتى إلى 30 سنة إذا كان التبني مطلوباً من زوجين مضى على زواجهما خمس سنوات، ويبقى هنالك شرط آخر، وهو أن يكون المتبنِّي أكبر من المتبنَّى بـ 15 سنة، ما لم يكن المتبنَّى ابن أحد الزوجين، ففي هذه الحالة أنقص القانون فارق السن إلى عشر سنوات، ويمكن أن يكون أقل من ذلك بناء على إعفاء من رئيس الجمهورية. ومتطلبات السن المتعلقة بالتبني حين يهدف التبني إلى ما أسماه القانون الصادر في 11 تموز 1966 التبني الكامل. فقد شرط أولاً أن يكون عمر المتبنَّى أقل من خمس سنوات ثم رفع السن إلى 7 سنوات، بموجب مرسوم، ثم إلى 15 سنة بموجب القانون الصادر في 11 تموز 1966، وذلك بهدف زيادة العدد الممكن من المستفيدين من التبني ذي الآثار الكاملة، ولم يشترط هذا القانون سوى أن يكون التبني الكامل مطلوباً من الزوجين.
وتنقسم التشريعات في بلدان العالم في تحديد آثار التبني بين مفهومين للأسرة المتبناة، فبعض الأنظمة القانونية لا تقبل سوى نوع من التبني، وهو الذي يقيم بين المتبني والمتبنى صلة تشبه الصلة التي تتولد من نسب صحيح، لكن آثاره محدودة بصورة ملموسة، فلا تتولد منه أيّ صلة بين المتبنى وأقارب المتبني، فلا يدخل المتبنى إذن فعلاً في أسرة المتبني، ولا يخرج من أسرته الأصلية التي يبقى مرتبطاً بها إلا في بعض النقاط. بيد أن هنالك أنظمة قانونية أخرى، تنظم إلى جانب هذا التبني ذي الآثار المحدودة تبنياً بعيداً أكثر في تماثل المتبنى مع الولد الشرعي. وبناء على القانون الفرنسي الصادر في 11 تموز 1966 لم يعد يوجد فيها سوى نوعين من التبني: التبني الكامل والتبني البسيط الذي يحافظ دائماً على صلات المتبنى مع أسرته بالدم. وقد كرّست هذا المفهوم الثنائي تشريعات أجنبية مختلفة تحتذى النموذج الفرنسي، وهكذا أصدرت رومانية قانوناً في سنة 1951 وشيلي قانوناً في سنة 1965 أضفيا الشرعية على التبني. كما جرى تكريس التمييز بين التبني البسيط والتبني الكامل في إسبانية سنة 1958 وفي اللوكسمبورغ سنة 1959 والبرتغال سنة 1966.
ولا ينشئ التبني البسيط صلات قرابة حقيقية بين عائلة المتبنى والمتبني، ولا يعطيه الحقوق الإرثية التي للأقارب بالدم، ولا يقوِّض العلاقات العائلية التي تربط المتبنى بأقاربه. وهو قابل للفسخ حسب قواعد مختلفة ينص عليها القانون. وعلى عكس التبني البسيط فإن التبني الكامل يرمي لإقامة التماثل الممكن بين المتبنى والابن الشرعي للمتبني، ويكون هذا التماثل سهلاً بمقدار ما يكون المتبنى حدثا أكثر وقُبِلَ في عائلة شرعية. وتختلف تشريعات الدول في مدى التبني الكامل، وأراد التشريع الفرنسي جعله كاملاً بما يمكن: فالمنتفع من تَبَنًّ كامل في العائلة المتبنية يتمتع بنفس حقوق الولد الشرعي، وهو يصير قريباً لأعضاء عائلة المتبنِّي، كما لو كان تولد من زواج فعلي، والفارق الوحيد هو أن وجود ولد متبنى لا يشكل عقبة أمام تبنيات جديدة تكون من حيث المبدأ ممنوعة فيما لو كان هنالك ولد شرعي.
ويتضح مما تقدم أن نظام التبني المرفوض في النظام الإسلامي يختلف جذرياً عن مؤسسة الإقرار بالنسب المعروفة في الشريعة الإسلامية التي تقوم على نوعين:
1ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على المقر ابتداء، ومثاله أن يقرر رجل لولد بأنه ابنه.
2ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على الغير، كأن يقول هذا أخي أو هذا عمي.
ويقرر الفقه الإسلامي أنه يصح إقرار الرجل ـ ولو في مرض الموت ـ بالولد وبالوالدين إذا تحققت الشروط الآتية:
أ ـ أن يصدقه الحس بحيث يكون فارق السن محتملاً.
ب ـ وأن لا يكذبه الشرع، وذلك بأن يكون المقر له مجهول النسب.
ج ـ وأن يصدقه المقر له إذا كان بالغاً، فإذا كذبه في هذا الإقرار كان باطلاً. ولم يثبت به النسب.
وإذا كان المقر ببنوة الغلام زوجة أو معتدة، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوته أيضاً، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير فلا يقبل إلا بتصديقه.
وإذا كان إقرار الإنسان لآخر بنسب محمول على غيره، كأن يقول عن رجل هذا أخي أو هذا عمي، فإن الشروط السابقة معتبرة أيضاً، ويشترط شرط آخر لثبوت النسب هو أن يصدق المحمول عليه بالنسب هذا الإقرار. وهذه الأحكام ورد عليها النص في المواد (134-136) من قانون الأحوال الشخصية في سورية الصادر بالمرسوم التشريعي 59 تاريخ 17/ 9/1953.
عبد الهادي عباس
Adoption - Adoption
التبني
التبني Adoption نظام يبيح للفرد أن يتخذ فرداً آخر غريباً عنه ولداً له، فيعامل من الناحيتين القانونية والاجتماعية معاملة أولاده. وهذا النظام سواء تحت اسم التبني أم تحت اسم استلحاق، كان قد أسهم إسهاماً كبيراً في رومة القديمة، وعرف منذ زمن طويل في بلدان الشرق، حيث كان مفهوم التبني يتيح قبول أحد الأفراد كولد، ولمصلحة هذا الولد، وهذا ما أخذ به بصورة خاصة القانون الروماني البيزنطي، إلا أنه خلال زمن طويل، لم ينتج هذا التبنِّي ـ على خلاف التبنِّي الذي كانت تغذيه الاهتمامات الدينية أو السياسية ـ سوى آثار محدودة، ولم يقوّض صلات المتبنَّى مع أسرته التي ولد فيها.
وقد كان العرب في الجاهلية ينزلون الولد المتبنى منزلة الولد من الصلب من جميع النواحي، حتى كانوا يحرمون على من تبناه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها منه أو موته عنها، كما كان يحرم عليه الزواج بامرأة ابنه من صلبه، وقد تبنى النبي r قبل رسالته زيد بن حارثة، فكان ينزله منزلة أولاده، حتى لقد كانوا يدعونه زيد بن محمد.
ولما جاء الإسلام حرَّم التبنِّي تحريماً باتاً، حماية للأنساب. قال تعالى: }وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم{ (الأحزاب 4 و5). والأدعياء هم الأبناء بالتبني، وبيَّن أن الابن الذي يحرم الزواج بامرأته، هو الابن من الصلب، كما ورد في آية المحرمات }وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم{ (النساء 23).
ولحرص الإسلام على القضاء على هذا النظام وإزالة جميع آثاره، لم يكتف بإلغائه بالقول، بل رأى أن يمحوه كذلك بطريق عملي وبفعل الرسول نفسه حين أمره الوحي أن يتزوج مطلقة زيد بن حارثة، ليبيِّن للناس بطريق عملي أنه لا تبني في الإسلام، وذلك في الآية الكريمة }فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً{ (الأحزاب 37)، أي إذا طلقوهن.
وإذا كانت مؤسسة التبني محرمة في الشريعة الإسلامية، وغير معتبرة في بعض تشريعات دول أمريكة اللاتينية، فإنها قد أخذت مكانة مهمة في قوانين غالبية بلدان العالم وأعرافها. وإذا كان مشرعو القانون المدني الفرنسي سنة 1804 قد أكدوا أن «التبني يفتح مجالاً واسعاً لعون الأطفال الفقراء» فإنهم لم يعطوه الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الوظيفة، ولخوفهم من أن يؤثر التبني في الانصراف عن الزواج، أكثروا من الشروط، وبخاصة منها ما يحافظ على فائدة البالغين، في حين أنه بالفعل، لم يحقق ـ إلا فيما ندر ـ دوراً حامياً للطفولة.
وغالباً ما تناط رقابةُ توفرِ الشروط بالقضاء، وفي حالات نادرة بأجهزة إدارية (كما كان الحال في بعض الدول الاشتراكية). ويمكن ترتيب الرقابة بطريقتين: إما أن ينتج التبني بموجب عقد خاضع لتحقيق مسبق أو تصديق تال من المحكمة، وذلك هو الحال المتبع في ألمانية والنمسة وبلجيكة وإسبانية وهنغارية وتركية، وكان هو الحل المتبع كذلك منذ البدء في القانون الفرنسي.
وقد رأى عدد من الفقهاء، وجوب تسهيل الشروط ومرونتها كي لا تشل التبني، وأن تكون دقيقة كي تتيح للتبني تحقيق وظيفته التي يرمي من ورائها لتقليد الطبيعة، وهو غالباً ما يتطلب شروطاً تتعلق بالعمر، ويرعى مصالح المتبنى دون إهمال مصالح الأسرة التي ولد منها، إن وجدت. وما عدا بعض الاستثناءات النادرة ـ كما في هنغارية مثلاً ـ فإن التشريعات القائمة في بلدان مختلفة تخضع التبني لمقتضى حد أدنى من السن للمتبنَّى، ولوجود فارق بالسن بين المتبنَّى والمتبنِّي. ويتبين لزوم هذا إذا أريد أن يكون النسب من التبني مشابهاً بعض الشيء للنسب الناشئ عن رابطة الدم. بيد أن التشريعات الحديثة تتجه نحو إضفاء بعض المرونة على شروط السن، خاصة حين يكون التبني بفعل الزوجين، وهكذا أَنقص القانون الفرنسي الحد الأدنى لعمر المتبني من 40 إلى 35 سنة (مرسوم صادر في كانون أول 1958) حتى إلى 30 سنة إذا كان التبني مطلوباً من زوجين مضى على زواجهما خمس سنوات، ويبقى هنالك شرط آخر، وهو أن يكون المتبنِّي أكبر من المتبنَّى بـ 15 سنة، ما لم يكن المتبنَّى ابن أحد الزوجين، ففي هذه الحالة أنقص القانون فارق السن إلى عشر سنوات، ويمكن أن يكون أقل من ذلك بناء على إعفاء من رئيس الجمهورية. ومتطلبات السن المتعلقة بالتبني حين يهدف التبني إلى ما أسماه القانون الصادر في 11 تموز 1966 التبني الكامل. فقد شرط أولاً أن يكون عمر المتبنَّى أقل من خمس سنوات ثم رفع السن إلى 7 سنوات، بموجب مرسوم، ثم إلى 15 سنة بموجب القانون الصادر في 11 تموز 1966، وذلك بهدف زيادة العدد الممكن من المستفيدين من التبني ذي الآثار الكاملة، ولم يشترط هذا القانون سوى أن يكون التبني الكامل مطلوباً من الزوجين.
وتنقسم التشريعات في بلدان العالم في تحديد آثار التبني بين مفهومين للأسرة المتبناة، فبعض الأنظمة القانونية لا تقبل سوى نوع من التبني، وهو الذي يقيم بين المتبني والمتبنى صلة تشبه الصلة التي تتولد من نسب صحيح، لكن آثاره محدودة بصورة ملموسة، فلا تتولد منه أيّ صلة بين المتبنى وأقارب المتبني، فلا يدخل المتبنى إذن فعلاً في أسرة المتبني، ولا يخرج من أسرته الأصلية التي يبقى مرتبطاً بها إلا في بعض النقاط. بيد أن هنالك أنظمة قانونية أخرى، تنظم إلى جانب هذا التبني ذي الآثار المحدودة تبنياً بعيداً أكثر في تماثل المتبنى مع الولد الشرعي. وبناء على القانون الفرنسي الصادر في 11 تموز 1966 لم يعد يوجد فيها سوى نوعين من التبني: التبني الكامل والتبني البسيط الذي يحافظ دائماً على صلات المتبنى مع أسرته بالدم. وقد كرّست هذا المفهوم الثنائي تشريعات أجنبية مختلفة تحتذى النموذج الفرنسي، وهكذا أصدرت رومانية قانوناً في سنة 1951 وشيلي قانوناً في سنة 1965 أضفيا الشرعية على التبني. كما جرى تكريس التمييز بين التبني البسيط والتبني الكامل في إسبانية سنة 1958 وفي اللوكسمبورغ سنة 1959 والبرتغال سنة 1966.
ولا ينشئ التبني البسيط صلات قرابة حقيقية بين عائلة المتبنى والمتبني، ولا يعطيه الحقوق الإرثية التي للأقارب بالدم، ولا يقوِّض العلاقات العائلية التي تربط المتبنى بأقاربه. وهو قابل للفسخ حسب قواعد مختلفة ينص عليها القانون. وعلى عكس التبني البسيط فإن التبني الكامل يرمي لإقامة التماثل الممكن بين المتبنى والابن الشرعي للمتبني، ويكون هذا التماثل سهلاً بمقدار ما يكون المتبنى حدثا أكثر وقُبِلَ في عائلة شرعية. وتختلف تشريعات الدول في مدى التبني الكامل، وأراد التشريع الفرنسي جعله كاملاً بما يمكن: فالمنتفع من تَبَنًّ كامل في العائلة المتبنية يتمتع بنفس حقوق الولد الشرعي، وهو يصير قريباً لأعضاء عائلة المتبنِّي، كما لو كان تولد من زواج فعلي، والفارق الوحيد هو أن وجود ولد متبنى لا يشكل عقبة أمام تبنيات جديدة تكون من حيث المبدأ ممنوعة فيما لو كان هنالك ولد شرعي.
ويتضح مما تقدم أن نظام التبني المرفوض في النظام الإسلامي يختلف جذرياً عن مؤسسة الإقرار بالنسب المعروفة في الشريعة الإسلامية التي تقوم على نوعين:
1ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على المقر ابتداء، ومثاله أن يقرر رجل لولد بأنه ابنه.
2ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على الغير، كأن يقول هذا أخي أو هذا عمي.
ويقرر الفقه الإسلامي أنه يصح إقرار الرجل ـ ولو في مرض الموت ـ بالولد وبالوالدين إذا تحققت الشروط الآتية:
أ ـ أن يصدقه الحس بحيث يكون فارق السن محتملاً.
ب ـ وأن لا يكذبه الشرع، وذلك بأن يكون المقر له مجهول النسب.
ج ـ وأن يصدقه المقر له إذا كان بالغاً، فإذا كذبه في هذا الإقرار كان باطلاً. ولم يثبت به النسب.
وإذا كان المقر ببنوة الغلام زوجة أو معتدة، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوته أيضاً، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير فلا يقبل إلا بتصديقه.
وإذا كان إقرار الإنسان لآخر بنسب محمول على غيره، كأن يقول عن رجل هذا أخي أو هذا عمي، فإن الشروط السابقة معتبرة أيضاً، ويشترط شرط آخر لثبوت النسب هو أن يصدق المحمول عليه بالنسب هذا الإقرار. وهذه الأحكام ورد عليها النص في المواد (134-136) من قانون الأحوال الشخصية في سورية الصادر بالمرسوم التشريعي 59 تاريخ 17/ 9/1953.
عبد الهاتبني
Adoption - Adoption
التبني
التبني Adoption نظام يبيح للفرد أن يتخذ فرداً آخر غريباً عنه ولداً له، فيعامل من الناحيتين القانونية والاجتماعية معاملة أولاده. وهذا النظام سواء تحت اسم التبني أم تحت اسم استلحاق، كان قد أسهم إسهاماً كبيراً في رومة القديمة، وعرف منذ زمن طويل في بلدان الشرق، حيث كان مفهوم التبني يتيح قبول أحد الأفراد كولد، ولمصلحة هذا الولد، وهذا ما أخذ به بصورة خاصة القانون الروماني البيزنطي، إلا أنه خلال زمن طويل، لم ينتج هذا التبنِّي ـ على خلاف التبنِّي الذي كانت تغذيه الاهتمامات الدينية أو السياسية ـ سوى آثار محدودة، ولم يقوّض صلات المتبنَّى مع أسرته التي ولد فيها.
وقد كان العرب في الجاهلية ينزلون الولد المتبنى منزلة الولد من الصلب من جميع النواحي، حتى كانوا يحرمون على من تبناه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها منه أو موته عنها، كما كان يحرم عليه الزواج بامرأة ابنه من صلبه، وقد تبنى النبي r قبل رسالته زيد بن حارثة، فكان ينزله منزلة أولاده، حتى لقد كانوا يدعونه زيد بن محمد.
ولما جاء الإسلام حرَّم التبنِّي تحريماً باتاً، حماية للأنساب. قال تعالى: }وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم{ (الأحزاب 4 و5). والأدعياء هم الأبناء بالتبني، وبيَّن أن الابن الذي يحرم الزواج بامرأته، هو الابن من الصلب، كما ورد في آية المحرمات }وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم{ (النساء 23).
ولحرص الإسلام على القضاء على هذا النظام وإزالة جميع آثاره، لم يكتف بإلغائه بالقول، بل رأى أن يمحوه كذلك بطريق عملي وبفعل الرسول نفسه حين أمره الوحي أن يتزوج مطلقة زيد بن حارثة، ليبيِّن للناس بطريق عملي أنه لا تبني في الإسلام، وذلك في الآية الكريمة }فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً{ (الأحزاب 37)، أي إذا طلقوهن.
وإذا كانت مؤسسة التبني محرمة في الشريعة الإسلامية، وغير معتبرة في بعض تشريعات دول أمريكة اللاتينية، فإنها قد أخذت مكانة مهمة في قوانين غالبية بلدان العالم وأعرافها. وإذا كان مشرعو القانون المدني الفرنسي سنة 1804 قد أكدوا أن «التبني يفتح مجالاً واسعاً لعون الأطفال الفقراء» فإنهم لم يعطوه الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الوظيفة، ولخوفهم من أن يؤثر التبني في الانصراف عن الزواج، أكثروا من الشروط، وبخاصة منها ما يحافظ على فائدة البالغين، في حين أنه بالفعل، لم يحقق ـ إلا فيما ندر ـ دوراً حامياً للطفولة.
وغالباً ما تناط رقابةُ توفرِ الشروط بالقضاء، وفي حالات نادرة بأجهزة إدارية (كما كان الحال في بعض الدول الاشتراكية). ويمكن ترتيب الرقابة بطريقتين: إما أن ينتج التبني بموجب عقد خاضع لتحقيق مسبق أو تصديق تال من المحكمة، وذلك هو الحال المتبع في ألمانية والنمسة وبلجيكة وإسبانية وهنغارية وتركية، وكان هو الحل المتبع كذلك منذ البدء في القانون الفرنسي.
وقد رأى عدد من الفقهاء، وجوب تسهيل الشروط ومرونتها كي لا تشل التبني، وأن تكون دقيقة كي تتيح للتبني تحقيق وظيفته التي يرمي من ورائها لتقليد الطبيعة، وهو غالباً ما يتطلب شروطاً تتعلق بالعمر، ويرعى مصالح المتبنى دون إهمال مصالح الأسرة التي ولد منها، إن وجدت. وما عدا بعض الاستثناءات النادرة ـ كما في هنغارية مثلاً ـ فإن التشريعات القائمة في بلدان مختلفة تخضع التبني لمقتضى حد أدنى من السن للمتبنَّى، ولوجود فارق بالسن بين المتبنَّى والمتبنِّي. ويتبين لزوم هذا إذا أريد أن يكون النسب من التبني مشابهاً بعض الشيء للنسب الناشئ عن رابطة الدم. بيد أن التشريعات الحديثة تتجه نحو إضفاء بعض المرونة على شروط السن، خاصة حين يكون التبني بفعل الزوجين، وهكذا أَنقص القانون الفرنسي الحد الأدنى لعمر المتبني من 40 إلى 35 سنة (مرسوم صادر في كانون أول 1958) حتى إلى 30 سنة إذا كان التبني مطلوباً من زوجين مضى على زواجهما خمس سنوات، ويبقى هنالك شرط آخر، وهو أن يكون المتبنِّي أكبر من المتبنَّى بـ 15 سنة، ما لم يكن المتبنَّى ابن أحد الزوجين، ففي هذه الحالة أنقص القانون فارق السن إلى عشر سنوات، ويمكن أن يكون أقل من ذلك بناء على إعفاء من رئيس الجمهورية. ومتطلبات السن المتعلقة بالتبني حين يهدف التبني إلى ما أسماه القانون الصادر في 11 تموز 1966 التبني الكامل. فقد شرط أولاً أن يكون عمر المتبنَّى أقل من خمس سنوات ثم رفع السن إلى 7 سنوات، بموجب مرسوم، ثم إلى 15 سنة بموجب القانون الصادر في 11 تموز 1966، وذلك بهدف زيادة العدد الممكن من المستفيدين من التبني ذي الآثار الكاملة، ولم يشترط هذا القانون سوى أن يكون التبني الكامل مطلوباً من الزوجين.
وتنقسم التشريعات في بلدان العالم في تحديد آثار التبني بين مفهومين للأسرة المتبناة، فبعض الأنظمة القانونية لا تقبل سوى نوع من التبني، وهو الذي يقيم بين المتبني والمتبنى صلة تشبه الصلة التي تتولد من نسب صحيح، لكن آثاره محدودة بصورة ملموسة، فلا تتولد منه أيّ صلة بين المتبنى وأقارب المتبني، فلا يدخل المتبنى إذن فعلاً في أسرة المتبني، ولا يخرج من أسرته الأصلية التي يبقى مرتبطاً بها إلا في بعض النقاط. بيد أن هنالك أنظمة قانونية أخرى، تنظم إلى جانب هذا التبني ذي الآثار المحدودة تبنياً بعيداً أكثر في تماثل المتبنى مع الولد الشرعي. وبناء على القانون الفرنسي الصادر في 11 تموز 1966 لم يعد يوجد فيها سوى نوعين من التبني: التبني الكامل والتبني البسيط الذي يحافظ دائماً على صلات المتبنى مع أسرته بالدم. وقد كرّست هذا المفهوم الثنائي تشريعات أجنبية مختلفة تحتذى النموذج الفرنسي، وهكذا أصدرت رومانية قانوناً في سنة 1951 وشيلي قانوناً في سنة 1965 أضفيا الشرعية على التبني. كما جرى تكريس التمييز بين التبني البسيط والتبني الكامل في إسبانية سنة 1958 وفي اللوكسمبورغ سنة 1959 والبرتغال سنة 1966.
ولا ينشئ التبني البسيط صلات قرابة حقيقية بين عائلة المتبنى والمتبني، ولا يعطيه الحقوق الإرثية التي للأقارب بالدم، ولا يقوِّض العلاقات العائلية التي تربط المتبنى بأقاربه. وهو قابل للفسخ حسب قواعد مختلفة ينص عليها القانون. وعلى عكس التبني البسيط فإن التبني الكامل يرمي لإقامة التماثل الممكن بين المتبنى والابن الشرعي للمتبني، ويكون هذا التماثل سهلاً بمقدار ما يكون المتبنى حدثا أكثر وقُبِلَ في عائلة شرعية. وتختلف تشريعات الدول في مدى التبني الكامل، وأراد التشريع الفرنسي جعله كاملاً بما يمكن: فالمنتفع من تَبَنًّ كامل في العائلة المتبنية يتمتع بنفس حقوق الولد الشرعي، وهو يصير قريباً لأعضاء عائلة المتبنِّي، كما لو كان تولد من زواج فعلي، والفارق الوحيد هو أن وجود ولد متبنى لا يشكل عقبة أمام تبنيات جديدة تكون من حيث المبدأ ممنوعة فيما لو كان هنالك ولد شرعي.
ويتضح مما تقدم أن نظام التبني المرفوض في النظام الإسلامي يختلف جذرياً عن مؤسسة الإقرار بالنسب المعروفة في الشريعة الإسلامية التي تقوم على نوعين:
1ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على المقر ابتداء، ومثاله أن يقرر رجل لولد بأنه ابنه.
2ـ إقرار يقتضي حمل نسب المقر له بالنسب على الغير، كأن يقول هذا أخي أو هذا عمي.
ويقرر الفقه الإسلامي أنه يصح إقرار الرجل ـ ولو في مرض الموت ـ بالولد وبالوالدين إذا تحققت الشروط الآتية:
أ ـ أن يصدقه الحس بحيث يكون فارق السن محتملاً.
ب ـ وأن لا يكذبه الشرع، وذلك بأن يكون المقر له مجهول النسب.
ج ـ وأن يصدقه المقر له إذا كان بالغاً، فإذا كذبه في هذا الإقرار كان باطلاً. ولم يثبت به النسب.
وإذا كان المقر ببنوة الغلام زوجة أو معتدة، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوته أيضاً، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير فلا يقبل إلا بتصديقه.
وإذا كان إقرار الإنسان لآخر بنسب محمول على غيره، كأن يقول عن رجل هذا أخي أو هذا عمي، فإن الشروط السابقة معتبرة أيضاً، ويشترط شرط آخر لثبوت النسب هو أن يصدق المحمول عليه بالنسب هذا الإقرار. وهذه الأحكام ورد عليها النص في المواد (134-136) من قانون الأحوال الشخصية في سورية الصادر بالمرسوم التشريعي 59 تاريخ 17/ 9/1953.
عبد الهادي عباس