الحوسبة الكمية تغادر المختبرات إلى التصنيع
الصين تنجز كمبيوترات فائقة السرعة لتخزين المعلومات ومعالجتها بطريقة مختلفة.
الأحد 2023/02/26
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الصين تسعى لتصدر قائمة المنافسين
تعتبر الصين واحدة من الدول الرائدة في مجال الحوسبة الكمية التي تتميز بقدرتها على تنفيذ مهام معينة بشكل أسرع وأكثر فعالية مما يمكن للكمبيوترات التقليدية القيام به. وتستثمر بكين بشكل كبير في هذا المجال وتدعم البحوث والتطوير والتدريب في الحوسبة الكمية، وذلك للاستفادة منها في مجالات عدة مثل الأمن السيبراني والتشفير والمنشآت الحيوية والاقتصاد الرقمي والطب والتعليم وغيرها من المجالات الحيوية.
بكين – بعد سنوات من التجارب، تُغادر الحوسبة الكمية المختبرات لتنطلق في خوض مرحلتها الصناعية في أوروبا والصين والولايات المتحدة.
وتستند الحوسبة الكمية على مفهوم الكيوبتات، وهي الوحدات الأساسية للحوسبة الكمية والتي تتيح للكمبيوترات الكمية تخزين ومعالجة المعلومات بطريقة مختلفة وفعالة.
وحول مجمد يشبه المظلة معلقا من السقف في مختبر في مدينة خفي بشرقي الصين، كان عدد من العلماء منشغلين بتركيب واحدة من أكثر الآلات المخترعة تعقيدا على الإطلاق، كمبيوتر كمي.
ولعب الباحث والمهندس لي شاو وي دورا رئيسيا في هذه المهمة، وهو يأخذ بحذر شديد مكعبا بحجم راحة اليد من صندوق. وتم إعداد هذا الجهاز المعبأ ثلاثي الأبعاد، وهو معالج كمي بسعة 176 كيوبتا، لتحقيق تسارع حسابي ساحق لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر التقليدية حاليا أن تحققه، وهي قدرة تُعرف باسم “التفوق الكمي”.
العلماء الصينيون يسعون الآن لتحسين أداء الجهاز من خلال التركيز على تصحيح الأخطاء وعمر تشغيل الكيوبت
يحتوي هذا المعالج على تقاطعات جوزيفسون مطبوعة بدقة بدلا من الترانزستور المعقد. ويتميز تقاطع جوزيفسون، وهو هيكل يقل حجمه عن ميكرون، بطبقة رقيقة من أكسيد الألمنيوم محصورة بين طبقتين من الألمنيوم.
عندما تقترب درجة الحرارة من الصفر المطلق، ستظهر طبقتان من الألمنيوم مقاومة صفرية أو كهربائية فائقة التوصيل لتشكيل حالات كمية تعزز القدرة الحسابية المتنامية بشكل كبير.
ولكن الآن تم إغلاق رقاقة الدائرة الكمية داخل علبة معدنية بها ما يقرب من 200 ثقب يمكن توصيلها بالأسلاك المتدلية من المجمد أعلاه.
ووقف لي على طاولة، واستغرق حوالي ساعتين لإكمال أعمال التوصيل. وقد تم إنشاء أكثر من عشرة نماذج أولية مدفوعة بالموصلية الفائقة خلال السنوات الست الماضية، ومن بينها نموذج تسو تشونغ تشي 2.1 المرموق، والذي يصدر صوتا متكررا في مختبر آخر في المبنى.
والجدير بالذكر أن تسو تشونغ تشي 2.1، الذي سُمي على اسم عالم صيني قديم، هو نظام حوسبة كمية قابل للبرمجة بسعة 66 كيوبتا تم إنشاؤه في عام 2021، ويمكنه أداء دوائر كمية عشوائية واسعة النطاق وأخذ عينات أسرع بنحو 10 ملايين مرة من أسرع كمبيوتر عملاق في ذلك الوقت.
بدوره قال لي الذي يعمل في جامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا “مثل تسو تشونغ تشي 2.1، يحتوي النظام الجديد أيضا على 66 كيوبتا رقميا بالإضافة إلى 110 كيوبتات اقتران”، مضيفا “يجب أن أوصل كل كيوبت بالسلك المقابل، وإلا فقد تفقد السيطرة”.
وتمكن الفريق بعد ذلك من تعبئة النظام الكمي في عبوات مفرغة متغيرة الحجم تشبه دمية ماتريوشكا الروسية، واستخدام الهيليوم السائل للمساعدة في تحقيق بيئة عمل صفرية مطلقة.
ويُذكّر نموذج الكمبيوتر الأولي أسطواني الشكل شيوي يوي باحث ما بعد الدكتوراه بـ”زوردون” من كوكب “إلتار”، بطل المسلسل التلفزيوني الأميركي الخارق “باور رينجرز” الذي لم يكن لديه سوى دماغ غارق في جرة.
من جانبه قال شيوي إن النظام قيد التجميع، وهو نسخة طبق الأصل من تسو تشونغ تشي 2.1، ومن المتوقع أن يتم ربطه بمنصة سحابية للحوسبة الكمية، مما يجعله متاحا للمؤسسات البحثية الأخرى وحتى الجمهور.
تقنيات تتطور كل يوم
وفي عام 2019 أعلنت غوغل عن وجود معالج فائق التوصيل بسعة 53 كيوبتا يسمى “سيكامور”، والذي أدى مهمة أخذ العينات العشوائية الكمية في 200 ثانية، وقال المصممون آنذاك إن أسرع كمبيوتر فائق في العالم سيستغرق 10 آلاف عام لإنتاج مخرجات مماثلة.
ويعتبر تسو تشونغ تشي 2.1 ذو سعة 66 كيوبتا أسرع بمليون مرة من السرعة التي يمكن أن ينتجها “سيكامور” في عام 2019. وأضاف شيوي “الحوسبة فائقة التوصيل هي طريق تقني يُعتقد أنه أفضل إستراتيجية لتطوير الحوسبة الكمية إلى مرحلة يمكن فيها استخدام مهام مماثلة للمهمات التي تؤديها أجهزة الكمبيوتر للأغراض العامة”.
كما ابتكرت مجموعة أخرى من العلماء من جامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا نموذجا أوليا للكمبيوتر الكمي، يسمى جيوتشانغ (اسم كتاب رياضيات قديم في الصين) بإستراتيجية تعتمد على الفوتون. وقد تم عرض جيوتشانغ 2.0 في عام 2021 على أنه نفذ مهمة أخذ عينات البوزون الغاوسي، وهي خوارزمية محاكاة كلاسيكية، حيث تم اكتشاف 113 فوتونا، وهو أسرع بسبتيليون مرة من أسرع كمبيوتر عملاق موجود في العالم.
ووضعت الطريقتان التقنيتان الصين في طليعة تطوير وتسويق الحوسبة الكمية، مما دفع البلاد لتصبح واحدة من القادة العالميين في هذا المجال.
وتعد الصين أيضا موطنا لعدد من الشركات الناشئة التي تعمل على التكنولوجيا الكمية مثل شركة أوريجين كوانتوم، وهي شركة يونيكورن التي يقع مقرها في مدينة خفي والتي أطلقت “أوريجين كيو كلاود”، وهي منصة للخدمات السحابية للحوسبة الكمية مكدسة بالكامل.
وحاليا تتفوق أجهزة الكمبيوتر الكمية في بعض المهام الأقل عملية مثل أخذ العينات العشوائية الكمية وأخذ عينات البوزون الغاوسي. وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تدفع أجهزة الكمبيوتر الكمية الأكثر عملية الذكاء الاصطناعي إلى آفاق جديدة، وأن تصمم أدوات ومواد كيميائية وأدوية جديدة تماما.
PreviousNext
وبعد أن حققوا التفوق الكمي، يسعى العلماء في سباق الحوسبة الكمية العالمي الآن بشكل أكبر لتحسين أداء الجهاز من خلال التركيز على تصحيح الأخطاء وعمر تشغيل الكيوبت.
وفي هذا السياق قال شيوي “باستخدام الخوارزميات المعروفة، قد يتطلب تصحيح الخطأ التلقائي عالي الجودة لنموذج الحوسبة الكمية الآلاف من الكيوبتات. وأيضا، لا تزال هناك حاجة إلى بذل جهود لإطالة مدة الحالات الكمية حتى يمكن استخدام الكيوبتات للقيام بالحساب لأطول فترة ممكنة”.
واستطرد شيوي بأن هناك حاجة إلى المزيد من القوى العاملة للمشاركة في الأبحاث الكمية لتحقيق مثل هذه الأهداف. وهذا هو سبب عملهم الجاد لربط أنظمة جديدة بمنصة سحابية.
وأردف شيوي بقوله إنه يمكن للجمهور تسجيل الدخول إلى المنصة مجانا ومحاولة إنشاء برامج حوسبة كمية للمساعدة في تحديد المزيد من الخوارزميات.
وأضاف شيوي “فقط العب كما شئت.. من يدري متى يمكن لعبقري أن يخترع خوارزمية ممتازة تدفع التكنولوجيا الكمية إلى الأمام، وتبشر بثورة معلوماتية ثانية”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الصين تنجز كمبيوترات فائقة السرعة لتخزين المعلومات ومعالجتها بطريقة مختلفة.
الأحد 2023/02/26
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الصين تسعى لتصدر قائمة المنافسين
تعتبر الصين واحدة من الدول الرائدة في مجال الحوسبة الكمية التي تتميز بقدرتها على تنفيذ مهام معينة بشكل أسرع وأكثر فعالية مما يمكن للكمبيوترات التقليدية القيام به. وتستثمر بكين بشكل كبير في هذا المجال وتدعم البحوث والتطوير والتدريب في الحوسبة الكمية، وذلك للاستفادة منها في مجالات عدة مثل الأمن السيبراني والتشفير والمنشآت الحيوية والاقتصاد الرقمي والطب والتعليم وغيرها من المجالات الحيوية.
بكين – بعد سنوات من التجارب، تُغادر الحوسبة الكمية المختبرات لتنطلق في خوض مرحلتها الصناعية في أوروبا والصين والولايات المتحدة.
وتستند الحوسبة الكمية على مفهوم الكيوبتات، وهي الوحدات الأساسية للحوسبة الكمية والتي تتيح للكمبيوترات الكمية تخزين ومعالجة المعلومات بطريقة مختلفة وفعالة.
وحول مجمد يشبه المظلة معلقا من السقف في مختبر في مدينة خفي بشرقي الصين، كان عدد من العلماء منشغلين بتركيب واحدة من أكثر الآلات المخترعة تعقيدا على الإطلاق، كمبيوتر كمي.
ولعب الباحث والمهندس لي شاو وي دورا رئيسيا في هذه المهمة، وهو يأخذ بحذر شديد مكعبا بحجم راحة اليد من صندوق. وتم إعداد هذا الجهاز المعبأ ثلاثي الأبعاد، وهو معالج كمي بسعة 176 كيوبتا، لتحقيق تسارع حسابي ساحق لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر التقليدية حاليا أن تحققه، وهي قدرة تُعرف باسم “التفوق الكمي”.
العلماء الصينيون يسعون الآن لتحسين أداء الجهاز من خلال التركيز على تصحيح الأخطاء وعمر تشغيل الكيوبت
يحتوي هذا المعالج على تقاطعات جوزيفسون مطبوعة بدقة بدلا من الترانزستور المعقد. ويتميز تقاطع جوزيفسون، وهو هيكل يقل حجمه عن ميكرون، بطبقة رقيقة من أكسيد الألمنيوم محصورة بين طبقتين من الألمنيوم.
عندما تقترب درجة الحرارة من الصفر المطلق، ستظهر طبقتان من الألمنيوم مقاومة صفرية أو كهربائية فائقة التوصيل لتشكيل حالات كمية تعزز القدرة الحسابية المتنامية بشكل كبير.
ولكن الآن تم إغلاق رقاقة الدائرة الكمية داخل علبة معدنية بها ما يقرب من 200 ثقب يمكن توصيلها بالأسلاك المتدلية من المجمد أعلاه.
ووقف لي على طاولة، واستغرق حوالي ساعتين لإكمال أعمال التوصيل. وقد تم إنشاء أكثر من عشرة نماذج أولية مدفوعة بالموصلية الفائقة خلال السنوات الست الماضية، ومن بينها نموذج تسو تشونغ تشي 2.1 المرموق، والذي يصدر صوتا متكررا في مختبر آخر في المبنى.
والجدير بالذكر أن تسو تشونغ تشي 2.1، الذي سُمي على اسم عالم صيني قديم، هو نظام حوسبة كمية قابل للبرمجة بسعة 66 كيوبتا تم إنشاؤه في عام 2021، ويمكنه أداء دوائر كمية عشوائية واسعة النطاق وأخذ عينات أسرع بنحو 10 ملايين مرة من أسرع كمبيوتر عملاق في ذلك الوقت.
بدوره قال لي الذي يعمل في جامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا “مثل تسو تشونغ تشي 2.1، يحتوي النظام الجديد أيضا على 66 كيوبتا رقميا بالإضافة إلى 110 كيوبتات اقتران”، مضيفا “يجب أن أوصل كل كيوبت بالسلك المقابل، وإلا فقد تفقد السيطرة”.
وتمكن الفريق بعد ذلك من تعبئة النظام الكمي في عبوات مفرغة متغيرة الحجم تشبه دمية ماتريوشكا الروسية، واستخدام الهيليوم السائل للمساعدة في تحقيق بيئة عمل صفرية مطلقة.
ويُذكّر نموذج الكمبيوتر الأولي أسطواني الشكل شيوي يوي باحث ما بعد الدكتوراه بـ”زوردون” من كوكب “إلتار”، بطل المسلسل التلفزيوني الأميركي الخارق “باور رينجرز” الذي لم يكن لديه سوى دماغ غارق في جرة.
من جانبه قال شيوي إن النظام قيد التجميع، وهو نسخة طبق الأصل من تسو تشونغ تشي 2.1، ومن المتوقع أن يتم ربطه بمنصة سحابية للحوسبة الكمية، مما يجعله متاحا للمؤسسات البحثية الأخرى وحتى الجمهور.
تقنيات تتطور كل يوم
وفي عام 2019 أعلنت غوغل عن وجود معالج فائق التوصيل بسعة 53 كيوبتا يسمى “سيكامور”، والذي أدى مهمة أخذ العينات العشوائية الكمية في 200 ثانية، وقال المصممون آنذاك إن أسرع كمبيوتر فائق في العالم سيستغرق 10 آلاف عام لإنتاج مخرجات مماثلة.
ويعتبر تسو تشونغ تشي 2.1 ذو سعة 66 كيوبتا أسرع بمليون مرة من السرعة التي يمكن أن ينتجها “سيكامور” في عام 2019. وأضاف شيوي “الحوسبة فائقة التوصيل هي طريق تقني يُعتقد أنه أفضل إستراتيجية لتطوير الحوسبة الكمية إلى مرحلة يمكن فيها استخدام مهام مماثلة للمهمات التي تؤديها أجهزة الكمبيوتر للأغراض العامة”.
كما ابتكرت مجموعة أخرى من العلماء من جامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا نموذجا أوليا للكمبيوتر الكمي، يسمى جيوتشانغ (اسم كتاب رياضيات قديم في الصين) بإستراتيجية تعتمد على الفوتون. وقد تم عرض جيوتشانغ 2.0 في عام 2021 على أنه نفذ مهمة أخذ عينات البوزون الغاوسي، وهي خوارزمية محاكاة كلاسيكية، حيث تم اكتشاف 113 فوتونا، وهو أسرع بسبتيليون مرة من أسرع كمبيوتر عملاق موجود في العالم.
ووضعت الطريقتان التقنيتان الصين في طليعة تطوير وتسويق الحوسبة الكمية، مما دفع البلاد لتصبح واحدة من القادة العالميين في هذا المجال.
وتعد الصين أيضا موطنا لعدد من الشركات الناشئة التي تعمل على التكنولوجيا الكمية مثل شركة أوريجين كوانتوم، وهي شركة يونيكورن التي يقع مقرها في مدينة خفي والتي أطلقت “أوريجين كيو كلاود”، وهي منصة للخدمات السحابية للحوسبة الكمية مكدسة بالكامل.
وحاليا تتفوق أجهزة الكمبيوتر الكمية في بعض المهام الأقل عملية مثل أخذ العينات العشوائية الكمية وأخذ عينات البوزون الغاوسي. وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تدفع أجهزة الكمبيوتر الكمية الأكثر عملية الذكاء الاصطناعي إلى آفاق جديدة، وأن تصمم أدوات ومواد كيميائية وأدوية جديدة تماما.
PreviousNext
وبعد أن حققوا التفوق الكمي، يسعى العلماء في سباق الحوسبة الكمية العالمي الآن بشكل أكبر لتحسين أداء الجهاز من خلال التركيز على تصحيح الأخطاء وعمر تشغيل الكيوبت.
وفي هذا السياق قال شيوي “باستخدام الخوارزميات المعروفة، قد يتطلب تصحيح الخطأ التلقائي عالي الجودة لنموذج الحوسبة الكمية الآلاف من الكيوبتات. وأيضا، لا تزال هناك حاجة إلى بذل جهود لإطالة مدة الحالات الكمية حتى يمكن استخدام الكيوبتات للقيام بالحساب لأطول فترة ممكنة”.
واستطرد شيوي بأن هناك حاجة إلى المزيد من القوى العاملة للمشاركة في الأبحاث الكمية لتحقيق مثل هذه الأهداف. وهذا هو سبب عملهم الجاد لربط أنظمة جديدة بمنصة سحابية.
وأردف شيوي بقوله إنه يمكن للجمهور تسجيل الدخول إلى المنصة مجانا ومحاولة إنشاء برامج حوسبة كمية للمساعدة في تحديد المزيد من الخوارزميات.
وأضاف شيوي “فقط العب كما شئت.. من يدري متى يمكن لعبقري أن يخترع خوارزمية ممتازة تدفع التكنولوجيا الكمية إلى الأمام، وتبشر بثورة معلوماتية ثانية”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook