الهيدروجين الأخضر طاقة صديقة للبيئة لا تنضب
الحل في الماء.. في غمرة اليأس يصرخ العلماء "وجدتها".
الجمعة 2023/02/10
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الاستثمار في الهيدروجين الأخضر يمكن أن ينقذنا
لندن- أعظم مصادر للطاقة النظيفة هي الرياح والشمس وحركة المد والجذر وأمواج البحار والمحيطات، لكنها حلول تحمل معها معضلة كبيرة حالت دون أن تنافس الفحم الحجري والنفط.. إنها ببساطة النقل والتعبئة.
أقصى ما يمكن الحصول عليه من الشمس والرياح وحركة المد والجذر هو الطاقة الكهربائية. بالطبع هذا جيد، ولكنه لا يكفي.
نستطيع أن نسيّر القطارات بالتيار الكهربائي، ونستطيع إنارة المنازل وتدفئتها. ولكن ماذا عن السيارات التي تستهلك الحصة الأكبر من الطاقة؟
خلال العقدين الماضيين تم التركيز على تطوير السيارات التي تعتمد الطاقة الكهربائية، وبدا أنها الحل السحري لمشاكل تلوث البيئة.
الخطوة الأولى
في الحقيقة قصة السيارات الكهربائية تعود إلى زمن أبعد من ذلك بكثير.
اختبر العلماء إمكانية استخدام الكهرباء لتشغيل السيارة، منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما ابتكر الهنغاري أنيوس جيدليك عام 1828 نوعًا من المحركات الكهربائية التي استخدمها لتشغيل عربة صغيرة.
إلا أن اختراع العربة الكهربائية ينسب للأسكتلندي روبرت أندرسون الذي ابتكر عربة كهربائية تعتمد على بطاريات غير قابلة لإعادة الشحن، وكان هذا كفيلا بعدم انتشارها.
بعد ذلك ظهرت محاولات أخرى في الولايات المتحدة وفي هولندا والمجر، ولكن أهم إنجاز يعزى للفرنسي جاستون بلانت عام 1865، وهو البطارية القابلة لإعادة الشحن، إنها الخطوة التي قربتنا من صناعة السيارة الكهربائية.
في عام 1884 قام توماس باركر بابتكار سيارة كهربائية كان يقودها بانتظام للعمل في مسقط رأسه في ولفرهامبتون. في الواقع جاءت سيارة باركر الكهربائية قبل أكثر من عقد على وصول السيارات الأولى التي تعمل بالبنزين إلى المملكة المتحدة، وقبل عام من ظهور أول سيارة إنتاج في العالم.
باختراع بطارية قابلة لإعادة الشحن أصبح المحرك الكهربائي اقتراحًا عمليًا، وبالتالي اقترب الحلم من الحقيقة. في الواقع جميع السيارات الكهربائية اليوم من رينو زوي إلى تسلا، تتطلب توصيلها ببطارية لإعادة شحنها، ولكن في المستقبل القريب، قد نتمكّن من قيادة سياراتنا وشحنها لاسلكيًا، وهو ما يُعرف بالشحن الاستقرائي.
الحاجة أمّ الاختراع
في يوليو 2008، وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية تجاوزت 4 دولارات للجالون، وانخفضت مبيعات السيارات إلى أدنى مستوياتها، وبدأ صانعو السيارات الأميركيون في تحويل خطوط إنتاجهم بعيدًا عن سيارات الدفع الرباعي والمركبات الكبيرة الأخرى نحو سيارات أصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود.
إثر هذه الضغوط، خصص قانون الإنعاش وإعادة الاستثمار الأميركي 2 مليار دولار لتطوير بطاريات السيارات الكهربائية والتقنيات ذات الصلة، وأضافت وزارة الطاقة 400 مليون دولار أخرى لتمويل بناء البنية التحتية اللازمة لدعم المركبات الكهربائية الموصولة بالكهرباء. وفي أبريل من نفس العام، أعلن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أنّ الحكومة البريطانية ستروّج لاستخدام السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة من خلال تقديم دعم بقيمة 2000 جنيه إسترليني للمشترين.
ويقدّر مسؤول حكومي بريطاني أنّ 40 في المئة من جميع السيارات في بريطانيا ستحتاج إلى أن تكون كهربائية حتى تصل البلاد إلى هدفها المتمثل في خفض 80 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.
رغم كل الجهود المبذولة بقيت مشكلة الشحن معضلة تحول دون الإقبال الواسع على السيارات الكهربائية. فمن لديه في عصر السرعة القدرة على الانتظار؟
في غمرة اليأس، يصرخ العلماء “وجدتها”. الحل في الماء. لماذا لا نوظّف الطاقة الكهربائية لتحليل الماء إلى عنصريه الأوكسجين والهيدروجين، ويكون لنا مصدر للطاقة النظيفة سهلة الاستخدام دون حاجة إلى الانتظار.
ويعتمد إنتاج الهيدروجين الأخضر الكهرباء المتجددة لتشغيل جهاز التحليل الكهربائي الذي يقسم الماء بعد ذلك إلى هيدروجين وأكسجين. ثم يُحرق الغاز لإنتاج الطاقة، ولا ينبعث منه سوى بخار الماء والهواء الدافئ، مما يجعله خاليا من الكربون. وتعد إمكانات الهيدروجين الأخضر المنتج من طاقة الرياح كبيرة، حيث تتوسع عمليات الرياح البرية والبحرية بمعدل سريع.
إنه كما وصفه الدكتور هيثم الزبيدي رئيس تحرير صحيفة «العرب» في مقاله «دمى راقصة وهيدروجين أخضر» الصادر في عدد الأربعاء 08-02-2023 «إنجاز علمي صغير لم يسترع الكثير من الانتباه. لكننا بسببه قد نكون على موعد مع ثورة في الطاقة الخضراء».
كان من الطبيعي أن يتزايد الاهتمام بالهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم. وتعتمد شركات الطاقة مجموعة متنوعة من مشاريع لإنتاج الهيدروجين. وتعدّ طاقة الرياح أحد مصادر هذا الإنتاج الرئيسية بفضل عقود من تطوير مزارعها في جميع أنحاء العالم.
وأشاد الكثيرون بالهيدروجين الأخضر باعتباره وقودا سحريا يمكن أن يصبح في النهاية بديلا للديزل ووقود الطائرات، ويساعد في الابتعاد عن الاعتماد الوحيد على البطاريات الكهربائية. لكن سبب الاهتمام المفاجئ للعديد من شركات الطاقة بالهيدروجين الأخضر هو دعم إنتاج النفط والغاز على المدى الطويل من خلال المساعدة في إزالة الكربون.
ويعتقد مكتب الولايات المتحدة لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة أنه لا يمكن تحقيق هدف صافي انبعاثات الكربون الصفري بحلول 2050 بمجرد الاعتماد على الكهرباء المتجددة فقط، حيث يمكن أن يوفر الهيدروجين الأخضر للأسر مصدرا حيويا للتدفئة ويمكن أن يساهم بشكل كبير في إزالة الكربون من قطاع النقل. كما يمكن استخدامه في الصناعات التي تعتمد حاليا على الوقود الأحفوري وفي الزراعة. وفي حين أن إنتاج الهيدروجين الأزرق والرمادي المعتمد على الغاز الطبيعي يعتبر أمرا شائعا بالفعل، يبقى إنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة أقل شيوعا.
ويمكن أن يساعد العدد المتزايد من مزارع الرياح في الولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم شركات الطاقة على تحويل ممارسات إنتاج الهيدروجين من الأزرق والرمادي إلى الأخضر.
ويُنظر إلى تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر على أنه مفتاح التحول حيث يمكن أن يحل محل الغاز الطبيعي في التدفئة، وكذلك لاستخدامه بدلا من الديزل وأنواع الوقود الأخرى.
وأعلِن في أوروبا وآسيا عن العديد من مشاريع الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع خلال العام الماضي، مع تخطيط ممرّ هيدروجين رئيسي في أوروبا. ويعدّ إنتاج الهيدروجين الأخضر في الوقت الحاضر مكلفا مقارنة بأشكال أخرى من الطاقة المتجددة. ومع ذلك، تماما مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، من المتوقع أن تنخفض أسعار الإنتاج بشكل كبير مع توسع عمليات الهيدروجين في جميع أنحاء العالم.
لكن العديد من شركات الطاقة تدرس استخدام الهيدروجين الأخضر بما بتجاوز دعم التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري حيث تريد اعتماده لإزالة الكربون من عمليات النفط والغاز لزيادة عمرها.
وبدأ العديد من شركات النفط والغاز الكبرى بالفعل في التحول إلى عمليات النفط منخفضة الكربون من خلال الانتقال من مناطق النفط القديمة إلى مناطق جديدة، مثل أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، ودمج تقنيات خفض الكربون.
وكان من الطبيعي أن تتسابق الدول والشركات على الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة. وهذا ما حدث.
وارتفعت الاستثمارات العالمية عام 2022 بنسبة 31 في المئة مقارنة بعام 2021 وبلغت 1.1 تريليون دولار، وأوشكت على معادلة حجم الاستثمارات المخصصة للوقود الأحفوري، وفق ما أظهر تقرير حديث لمجموعة “بلومبورغ إن إي إف” للبحوث.
ورغم هذا الإنجاز المهم، ينبغي أن يزيد الإنفاق على تكنولوجيا التحول في الطاقة ثلاث مرات لتحقيق هدف انبعاثات الصفر الصافي بحلول العام 2050 لمكافحة تغير المناخ وفقا للمجموعة.
ولفت التقرير إلى أن هذه الزيادة كانت مدفوعة بأزمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكانت الصين، أكبر ملوث في العالم، أكبر مستثمر في الانتقال في مجال الطاقة، فيما حلّت الولايات المتحدة ثانية. واحتفظت ألمانيا بالمركز الثالث، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى سوق السيارات الكهربائية الكبيرة.
وعلى الصعيد العالمي، كانت الطاقة المتجددة أكبر قطاع للاستثمار بقيمة 495 مليار دولار تليها مشاريع وسائل نقل تعمل بالكهرباء.
ومع استثناء الطاقة النووية، قال الباحثون إن كل القطاعات الأخرى شهدت مستويات استثمار قياسية.
حضور إماراتي
يأتي النمو في تكنولوجيا التحول في الطاقة أيضا في الوقت التي شهدت فيه الكثير من البلدان زيادة في الاستثمار في الوقود الأحفوري في محاولة لتعزيز أمن الطاقة، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتدرك دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط أهمية الانتقال إلى الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وهو ما رأيناه في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستعد لتشغيل أكبر المحطات الشمسية في العالم في غضون أشهر عدة، بحسب ما أعلنت الشركة الفرنسية الشريكة في المشروع.
وتقع محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في الصحراء على مسافة 35 كيلومترا جنوب العاصمة الإماراتية أبوظبي، ويقول القائمون عليها إنها “أكبر محطة مستقلة في العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ضمن موقع واحد”.
وأشاد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي زار الموقع بـ”التعاون الوثيق للغاية” بين بلاده والإمارات في مجال الطاقات المتجددة.
وأكد أن بلاده ترغب بـ”دعم” الدول المنتجة للنفط في “إزالة الكربون” عبر تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وتتمتع قارة أفريقيا بالقدرة على تحقيق حصة كبيرة تصل إلى 10 في المئة من سوق الهيدروجين العالمية بحلول عام 2050، وفقًا لدراسة حديثة من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”.
وأفادت الدراسة بأن ذلك يأتي من خلال الاستفادة من موارد أفريقيا الكبيرة من الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية وتحفيز الاستثمارات في تطوير محطات المحلل الكهربائي والتقنيات المرتبطة بها.
وتقود خمس دول أفريقية مسيرة الهيدروجين الأخضر في أفريقيا، أبرزها المغرب ومصر. ومن خلال تخصيص ما يصل إلى 1.13 تريليون دولار في استثمارات جديدة في مشروعات الهيدروجين حتى عام 2050، يمكن أن تنتج أفريقيا ما يصل إلى 60 مليون طن من طاقة الهيدروجين الأخضر بكلفة أقل من المناطق الأخرى.
وستعمل هذه الاستثمارات على تعزيز الكهرباء ودفع التوسع الاقتصادي، مع ما يصل إلى 120 مليار دولار تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وخلق 3.7 مليون فرصة عمل.
الحل في الماء.. في غمرة اليأس يصرخ العلماء "وجدتها".
الجمعة 2023/02/10
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الاستثمار في الهيدروجين الأخضر يمكن أن ينقذنا
لندن- أعظم مصادر للطاقة النظيفة هي الرياح والشمس وحركة المد والجذر وأمواج البحار والمحيطات، لكنها حلول تحمل معها معضلة كبيرة حالت دون أن تنافس الفحم الحجري والنفط.. إنها ببساطة النقل والتعبئة.
أقصى ما يمكن الحصول عليه من الشمس والرياح وحركة المد والجذر هو الطاقة الكهربائية. بالطبع هذا جيد، ولكنه لا يكفي.
نستطيع أن نسيّر القطارات بالتيار الكهربائي، ونستطيع إنارة المنازل وتدفئتها. ولكن ماذا عن السيارات التي تستهلك الحصة الأكبر من الطاقة؟
خلال العقدين الماضيين تم التركيز على تطوير السيارات التي تعتمد الطاقة الكهربائية، وبدا أنها الحل السحري لمشاكل تلوث البيئة.
الخطوة الأولى
في الحقيقة قصة السيارات الكهربائية تعود إلى زمن أبعد من ذلك بكثير.
اختبر العلماء إمكانية استخدام الكهرباء لتشغيل السيارة، منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما ابتكر الهنغاري أنيوس جيدليك عام 1828 نوعًا من المحركات الكهربائية التي استخدمها لتشغيل عربة صغيرة.
إلا أن اختراع العربة الكهربائية ينسب للأسكتلندي روبرت أندرسون الذي ابتكر عربة كهربائية تعتمد على بطاريات غير قابلة لإعادة الشحن، وكان هذا كفيلا بعدم انتشارها.
بعد ذلك ظهرت محاولات أخرى في الولايات المتحدة وفي هولندا والمجر، ولكن أهم إنجاز يعزى للفرنسي جاستون بلانت عام 1865، وهو البطارية القابلة لإعادة الشحن، إنها الخطوة التي قربتنا من صناعة السيارة الكهربائية.
في عام 1884 قام توماس باركر بابتكار سيارة كهربائية كان يقودها بانتظام للعمل في مسقط رأسه في ولفرهامبتون. في الواقع جاءت سيارة باركر الكهربائية قبل أكثر من عقد على وصول السيارات الأولى التي تعمل بالبنزين إلى المملكة المتحدة، وقبل عام من ظهور أول سيارة إنتاج في العالم.
باختراع بطارية قابلة لإعادة الشحن أصبح المحرك الكهربائي اقتراحًا عمليًا، وبالتالي اقترب الحلم من الحقيقة. في الواقع جميع السيارات الكهربائية اليوم من رينو زوي إلى تسلا، تتطلب توصيلها ببطارية لإعادة شحنها، ولكن في المستقبل القريب، قد نتمكّن من قيادة سياراتنا وشحنها لاسلكيًا، وهو ما يُعرف بالشحن الاستقرائي.
الحاجة أمّ الاختراع
في يوليو 2008، وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية تجاوزت 4 دولارات للجالون، وانخفضت مبيعات السيارات إلى أدنى مستوياتها، وبدأ صانعو السيارات الأميركيون في تحويل خطوط إنتاجهم بعيدًا عن سيارات الدفع الرباعي والمركبات الكبيرة الأخرى نحو سيارات أصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود.
إثر هذه الضغوط، خصص قانون الإنعاش وإعادة الاستثمار الأميركي 2 مليار دولار لتطوير بطاريات السيارات الكهربائية والتقنيات ذات الصلة، وأضافت وزارة الطاقة 400 مليون دولار أخرى لتمويل بناء البنية التحتية اللازمة لدعم المركبات الكهربائية الموصولة بالكهرباء. وفي أبريل من نفس العام، أعلن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أنّ الحكومة البريطانية ستروّج لاستخدام السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة من خلال تقديم دعم بقيمة 2000 جنيه إسترليني للمشترين.
ويقدّر مسؤول حكومي بريطاني أنّ 40 في المئة من جميع السيارات في بريطانيا ستحتاج إلى أن تكون كهربائية حتى تصل البلاد إلى هدفها المتمثل في خفض 80 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.
رغم كل الجهود المبذولة بقيت مشكلة الشحن معضلة تحول دون الإقبال الواسع على السيارات الكهربائية. فمن لديه في عصر السرعة القدرة على الانتظار؟
في غمرة اليأس، يصرخ العلماء “وجدتها”. الحل في الماء. لماذا لا نوظّف الطاقة الكهربائية لتحليل الماء إلى عنصريه الأوكسجين والهيدروجين، ويكون لنا مصدر للطاقة النظيفة سهلة الاستخدام دون حاجة إلى الانتظار.
ويعتمد إنتاج الهيدروجين الأخضر الكهرباء المتجددة لتشغيل جهاز التحليل الكهربائي الذي يقسم الماء بعد ذلك إلى هيدروجين وأكسجين. ثم يُحرق الغاز لإنتاج الطاقة، ولا ينبعث منه سوى بخار الماء والهواء الدافئ، مما يجعله خاليا من الكربون. وتعد إمكانات الهيدروجين الأخضر المنتج من طاقة الرياح كبيرة، حيث تتوسع عمليات الرياح البرية والبحرية بمعدل سريع.
إنه كما وصفه الدكتور هيثم الزبيدي رئيس تحرير صحيفة «العرب» في مقاله «دمى راقصة وهيدروجين أخضر» الصادر في عدد الأربعاء 08-02-2023 «إنجاز علمي صغير لم يسترع الكثير من الانتباه. لكننا بسببه قد نكون على موعد مع ثورة في الطاقة الخضراء».
كان من الطبيعي أن يتزايد الاهتمام بالهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم. وتعتمد شركات الطاقة مجموعة متنوعة من مشاريع لإنتاج الهيدروجين. وتعدّ طاقة الرياح أحد مصادر هذا الإنتاج الرئيسية بفضل عقود من تطوير مزارعها في جميع أنحاء العالم.
وأشاد الكثيرون بالهيدروجين الأخضر باعتباره وقودا سحريا يمكن أن يصبح في النهاية بديلا للديزل ووقود الطائرات، ويساعد في الابتعاد عن الاعتماد الوحيد على البطاريات الكهربائية. لكن سبب الاهتمام المفاجئ للعديد من شركات الطاقة بالهيدروجين الأخضر هو دعم إنتاج النفط والغاز على المدى الطويل من خلال المساعدة في إزالة الكربون.
ويعتقد مكتب الولايات المتحدة لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة أنه لا يمكن تحقيق هدف صافي انبعاثات الكربون الصفري بحلول 2050 بمجرد الاعتماد على الكهرباء المتجددة فقط، حيث يمكن أن يوفر الهيدروجين الأخضر للأسر مصدرا حيويا للتدفئة ويمكن أن يساهم بشكل كبير في إزالة الكربون من قطاع النقل. كما يمكن استخدامه في الصناعات التي تعتمد حاليا على الوقود الأحفوري وفي الزراعة. وفي حين أن إنتاج الهيدروجين الأزرق والرمادي المعتمد على الغاز الطبيعي يعتبر أمرا شائعا بالفعل، يبقى إنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة أقل شيوعا.
ويمكن أن يساعد العدد المتزايد من مزارع الرياح في الولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم شركات الطاقة على تحويل ممارسات إنتاج الهيدروجين من الأزرق والرمادي إلى الأخضر.
ويُنظر إلى تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر على أنه مفتاح التحول حيث يمكن أن يحل محل الغاز الطبيعي في التدفئة، وكذلك لاستخدامه بدلا من الديزل وأنواع الوقود الأخرى.
وأعلِن في أوروبا وآسيا عن العديد من مشاريع الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع خلال العام الماضي، مع تخطيط ممرّ هيدروجين رئيسي في أوروبا. ويعدّ إنتاج الهيدروجين الأخضر في الوقت الحاضر مكلفا مقارنة بأشكال أخرى من الطاقة المتجددة. ومع ذلك، تماما مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، من المتوقع أن تنخفض أسعار الإنتاج بشكل كبير مع توسع عمليات الهيدروجين في جميع أنحاء العالم.
لكن العديد من شركات الطاقة تدرس استخدام الهيدروجين الأخضر بما بتجاوز دعم التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري حيث تريد اعتماده لإزالة الكربون من عمليات النفط والغاز لزيادة عمرها.
وبدأ العديد من شركات النفط والغاز الكبرى بالفعل في التحول إلى عمليات النفط منخفضة الكربون من خلال الانتقال من مناطق النفط القديمة إلى مناطق جديدة، مثل أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، ودمج تقنيات خفض الكربون.
وكان من الطبيعي أن تتسابق الدول والشركات على الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة. وهذا ما حدث.
وارتفعت الاستثمارات العالمية عام 2022 بنسبة 31 في المئة مقارنة بعام 2021 وبلغت 1.1 تريليون دولار، وأوشكت على معادلة حجم الاستثمارات المخصصة للوقود الأحفوري، وفق ما أظهر تقرير حديث لمجموعة “بلومبورغ إن إي إف” للبحوث.
ورغم هذا الإنجاز المهم، ينبغي أن يزيد الإنفاق على تكنولوجيا التحول في الطاقة ثلاث مرات لتحقيق هدف انبعاثات الصفر الصافي بحلول العام 2050 لمكافحة تغير المناخ وفقا للمجموعة.
ولفت التقرير إلى أن هذه الزيادة كانت مدفوعة بأزمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكانت الصين، أكبر ملوث في العالم، أكبر مستثمر في الانتقال في مجال الطاقة، فيما حلّت الولايات المتحدة ثانية. واحتفظت ألمانيا بالمركز الثالث، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى سوق السيارات الكهربائية الكبيرة.
وعلى الصعيد العالمي، كانت الطاقة المتجددة أكبر قطاع للاستثمار بقيمة 495 مليار دولار تليها مشاريع وسائل نقل تعمل بالكهرباء.
ومع استثناء الطاقة النووية، قال الباحثون إن كل القطاعات الأخرى شهدت مستويات استثمار قياسية.
حضور إماراتي
يأتي النمو في تكنولوجيا التحول في الطاقة أيضا في الوقت التي شهدت فيه الكثير من البلدان زيادة في الاستثمار في الوقود الأحفوري في محاولة لتعزيز أمن الطاقة، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتدرك دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط أهمية الانتقال إلى الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وهو ما رأيناه في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستعد لتشغيل أكبر المحطات الشمسية في العالم في غضون أشهر عدة، بحسب ما أعلنت الشركة الفرنسية الشريكة في المشروع.
وتقع محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في الصحراء على مسافة 35 كيلومترا جنوب العاصمة الإماراتية أبوظبي، ويقول القائمون عليها إنها “أكبر محطة مستقلة في العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ضمن موقع واحد”.
وأشاد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي زار الموقع بـ”التعاون الوثيق للغاية” بين بلاده والإمارات في مجال الطاقات المتجددة.
وأكد أن بلاده ترغب بـ”دعم” الدول المنتجة للنفط في “إزالة الكربون” عبر تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وتتمتع قارة أفريقيا بالقدرة على تحقيق حصة كبيرة تصل إلى 10 في المئة من سوق الهيدروجين العالمية بحلول عام 2050، وفقًا لدراسة حديثة من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”.
وأفادت الدراسة بأن ذلك يأتي من خلال الاستفادة من موارد أفريقيا الكبيرة من الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية وتحفيز الاستثمارات في تطوير محطات المحلل الكهربائي والتقنيات المرتبطة بها.
وتقود خمس دول أفريقية مسيرة الهيدروجين الأخضر في أفريقيا، أبرزها المغرب ومصر. ومن خلال تخصيص ما يصل إلى 1.13 تريليون دولار في استثمارات جديدة في مشروعات الهيدروجين حتى عام 2050، يمكن أن تنتج أفريقيا ما يصل إلى 60 مليون طن من طاقة الهيدروجين الأخضر بكلفة أقل من المناطق الأخرى.
وستعمل هذه الاستثمارات على تعزيز الكهرباء ودفع التوسع الاقتصادي، مع ما يصل إلى 120 مليار دولار تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وخلق 3.7 مليون فرصة عمل.