تقانات في فن تشكيلي(تصوير)
-
التقانات في الفن التشكيلي
تقانات الرسم والتصوير
يتصف البحث في مجال تقانات الرسم والتصوير بأنه بحث فني وعلمي في آن واحد. فهو يتطرق إلى دراسة أساليب الرسامين والمصورين في معالجتهم للوحاتهم والتعبير بذلك عن مفهوم فني متعلق بزمان ومكان معينين، كما يتطرق إلى المواد التي استعملها هؤلاء الرسامون والمصورون في صناعة اللوحة من حيث صفاتها العلمية (الفيزيائية والكيمياوية) وتأثيرها المتبادل واختلافها من عصر إلى آخر، بحسب مصادرها الطبيعية أو الصنعية.
تعد عمليتا الرسم والتصوير وجهين مختلفين لطرائق التعبير الفني؛ فالرسم يتم غالباً بلون واحد على سطح أبيض كالورق باستعمال قضبان الفحم النباتي السوداء أو قلم الرصاص، ويمكن الرسم بأكثر من لون إذا ما استعملت أقلام تركيبية تسمى «باستل» Pastel وهي على شكل أصابع منها الصمغي الناشف أو الزيتي الطري أو الحوَّاري.
أما التصوير فيتم بألوان متعددة على سطح أبيض كالورق المقوّى أو القماش أو الخشب أو الجدار، وهذه السطوح يجب أن يُحضّر لها أساس جصّي أو حوّاري حتى تصبح قابلة للتصوير عليها بألوان الماء (وهي مساحيق لونية ممزوجة بوسائط مائية لاصقة كالأصماغ والغراء والبيض) أو بألوان الزيت (وهي مساحيق لونية ممزوجة بزيت الجوز أو الكتان أو الخشخاش).
ارتبطت هذه التقانة بتاريخ الفن وتطوره عبر العصور، إذ يحمل هذا التاريخ دلالة من دلالات تطور الفكر، فلبت حاجة هذا الفكر وكانت انعكاساً له في حقول الفن التشكيلي المختلفة.
وفيما يلي عرض لمواد الرسم والتصوير واستخداماتها التقنية حسب توالي حقب تاريخ الفن:
في حقبة ماقبل التاريخ، أي منذ مابين الألف العشرين والألف الخامس عشر قبل الميلاد، كانت التصاوير التي نقشها ولوّنها إنسان تلك الحقبة على جدران الكهوف، ممثلاً بها مشاهد الصيد وأنواع الحيوانات التي عرفها، مصنوعة من أتربة طبيعية غنية بأكسيد الحديد معجونة بالماء أو بحليب بعض النباتات أو بشحم الحيوان، ومن أصبغة نباتية يستحصل عليها بالغلي أو العصر، مثل مغارة لاسكو في فرنسة.
أما في حقبة العصور القديمة أي منذ الألف الرابع والألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث والرابع الميلاديين، فقد تناول الرسم والتصوير زخرفة جدران المسكن والمدفن ومكان العبادة، وكانت العملية تتم على الجدران الحجرية أو الترابية المغطاة بطينة كلسية وذلك ما يسمى بالتصوير الجداري. وفيما يلي بعض هذه النماذج: تليلات الغسول في وادي الأردن، وفي المناطق الرافدية مثل تل العُقير وماري (تل الحريري) وتل بارسيب (تل أحمر) وفي قصور بابل و آشور وفي مدافن تدمر و فينيقية، وفي معابد دورا أوروبوس، وكذلك في المدافن والقصور والمعابد الفرعونية وفي مناطق حوض المتوسط مثل كريت وبومباي. وكانت تلك النماذج تصوّر بألوان طبيعية وصنعية ممزوجة بالأصماغ أو البيض أو شمع العسل على الطينة الجافة Secco أو بطريقة الفرسك Fresco، وهذا يعني التصوير بألوان الماء على الطينة الرطبة.
وقد رافق هذا الفن الجداري فن جداري آخر هو فن الموزاييك أو الفسيفساء وهي أحجار ملوّنة طبيعية أو ميناء زجاجية تلوّن صناعياً بأكاسيد معدنية، فتقطّع قطعاً بما يناسب الرسم المطلوب وترصف غرساً في طينة الجدار إلى جوار بعضها لتشكّل لوحة زخرفية متكاملة.
وقد تركت العصور القديمة نماذج من الرسم والتلوين على ألواح من العظم أو الخشب أو ورق البردي (ورق جلود الحيوانات) ثم الورق، وكان يُعمد إلى صنع ذلك بألوان طبيعية وصناعية ممزوجة بالصمغ وتمدد بالماء فتصبح أحباراً قابلة للتناول بالقصبة المبرية أو ريش بعض الجوارح ووبر الحيوان.
واستمرت تلك التقانات الفنية في الجداريات والمخطوطات في الحقبة البيزنطية منذ القرن الخامس الميلادي، ثم في الحقب العربية والإسلامية منذ القرن السابع الميلادي، كما في فسيفساء الجامع الأموي في دمشق، والمسجد الأقصى في القدس، وجداريات قصر الحير الغربي في سورية وقصير عمرة في الأردن وهناك نماذج من الفن العباسي والفاطمي والأندلسي. وكانت تصنع في بلاد الشام ومصر زخارف خشبية محفورة ومجصصة وملوّنة بمساحيق لونية ممزوجة بأصباغ نباتية، ولا تزال هذه الصناعة معروفة حتى اليوم وتسمى في بلاد الشام بالدهان العجمي.
أما المخطوطات والمنمنمات العربية فإن من أهمها ما صُنع بيد يحيى بن محمود الواسطي، وهي تمثل أسلوب مدرسة بغداد والموصل في القرن الثالث عشر الميلادي.
وقد تطورت تقانة التصوير الجداري على الطينة الرطبة (الفرسك) في حقبة عصر النهضة في أوربة وفي إيطالية خاصة، منذ القرن الرابع عشر الميلادي. وتتلخص تلك التقانة بأن يُغطّى الجدار بطبقتين أو ثلاث على التوالي من الكلس المطفي الممزوج بالرمل تترك لتجف فيما بينها، ثم يصار إلى وضع طبقة من نفس النوع قليلة الكثافة فوق الطبقات الأولى ويصار إلى التلوين عليها بأتربة لونية طبيعية ومعدنية ممزوجة بالماء شريطة أن يتم التلوين قبل جفاف الطبقة الرطبة؛ وإذا كانت اللوحة كبيرة المساحة (أي تتجاوز المتر المربع) فيصار إلى وضع الطبقة الرطبة مجزأة على مراحل الواحدة تلو الأخرى والتصوير على كل جزء على حدة حتى تكتمل اللوحة. وتؤدي هذه العملية إلى ثبات اللون بطريقة التأكسد الطبيعية، وتكون آلية هذا الثبات على الوجه الآتي: تبدأ مادة الكلس الموجودة شرطاً في طبقة الطينة الرطبة على الجدار بفقد الماء منها بملامسة الهواء الذي يحوي غاز الفحم وذلك بعد أن تكون الألوان قد تسربت إلى تلك الطبقة في العمق، مما يؤدي إلى تشكل طبقة متبلورة شفافة من فحمات الكالسيوم على سطح تلك الطبقة الخارجي تصبح قاسية بعد الجفاف، مما يؤدي إلى حماية الألوان، لأن هذا السطح يصبح غير قابل للانحلال حتى لو غُسِل بالماء.
أما في حقل اللوحة الخشبية أو القماشية فبعد أن كان يتم التصوير عليها بالمساحيق اللونية الممزوجة بصفار البيض والأصماغ المحددة بالماء (يطلق على اسم المزيج «التمبرا» Tempera)، اكتشف الأخوان «فان إيك» Van Eyck، وهما فنانان عاشا في بلاد الفلمنك في النصف الأول من القرن الخامس عشر، تقانة التصوير بالزيت بدلاً من التمبرا، إذ عملا على تحسين زيوت الجوز والكتان والخشخاش فجعلاها شفافة وقابلة لأن تجف مشكلة طبقة حامية لألوان اللوحة الممزوجة بها بعد الانتهاء من تصويرها؛ وتتم عملية التصوير بتمديد مزيج اللون والزيت بعطر طيار مثل عطر اللاوند أو عطر التربنتين، وتتيح تقانة التصوير بالزيت معالجة اللون على اللوحة لمدة طويلة نسبياً قبل أن يجف.
وتجدر الملاحظة أن التصوير بالزيت على اللوحة الخشبية أو القماشية كان يتم بعد أن تُغطى اللوحة بطبقة أساسية بيضاء من الحوّار الممزوج بالغراء وذلك استمراراً للطريقة التي كانت تؤسس بها اللوحات قبل اكتشاف التصوير الزيتي؛ كما تجدر الملاحظة أنه منذ اكتشاف التصوير الزيتي في القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر كان الفنانون يحضّرون ألوانهم بأنفسهم أي يمزجون المساحيق اللونية بالزيت على لوح من الرخام بمدقَّة زجاجية، كل لون على حدة، بكميّة تتناسب والحاجة، ثم يضعون المزيج في وعاء فخاري للاستعمال. وقد حُفظت مخطوطات من عصر النهضة الأوربي تصف طريقة العمل وتعدد وصفات تحضير المواد المستعملة.
وقد تطورت تقانة التصوير بالزيت وتعددت طرقها منذ القرن الخامس عشر الميلادي في أصقاع أوربة المختلفة ثم انتقلت إلى بلادنا منذ القرن التاسع عشر على يد الفنانين المستشرقين وتبناها الفنانون المحليون في كل من مصر والعراق وبلاد الشام.
تستمر في العالم اليوم تقانة التصوير الزيتي، وبدأت منذ القرن التاسع عشر تنشط صناعة القماش المجهّز للتصوير والألوان المعبأة في أنابيب (عصارات) معدنية كما ظهرت علامات مسجلة لدور صناعة المواد وتبارت هذه الدور فيما بينها في نشر الدعايات لمنتجاتها.
وقد اكتشفت في القرن العشرين منذ الحرب العالمية الثانية موادٌ موازية للزيت في صنع ألوان المصورين وهي مواد بلاستيكية بشكل مستحلبات مائية لراتنجيات تركيبية من نوعي الفينيل venilyque والأكريليك acrylique وكثر استعمالها في يومنا هذا لما تمتاز به من قابلية للتمديد بالماء وسرعة في الجفاف وعدم القابلية للامحاء بالماء بعد الجفاف. وتعد هذه الألوان معوّضة عن ألوان الحبر التقليدية إذا استعملت بطبقات شفافة، وهي مقاربة للألوان الزيتية إذا ماتم استعمالها بطبقات كثيفة.
أما التصوير الجداري اليوم فهناك استمرار لاستعمال تقانة الفرسك كما أخذت تنتشر طريقة التصوير على الجدران بالألوان البلاستيكية التي ذكرت في الفقرة السابقة، والتي يمكن استعمالها على الجدار المطلي بالكلس أو المطلي بالإسمنت.
إلياس زيات
-
التقانات في الفن التشكيلي
تقانات الرسم والتصوير
يتصف البحث في مجال تقانات الرسم والتصوير بأنه بحث فني وعلمي في آن واحد. فهو يتطرق إلى دراسة أساليب الرسامين والمصورين في معالجتهم للوحاتهم والتعبير بذلك عن مفهوم فني متعلق بزمان ومكان معينين، كما يتطرق إلى المواد التي استعملها هؤلاء الرسامون والمصورون في صناعة اللوحة من حيث صفاتها العلمية (الفيزيائية والكيمياوية) وتأثيرها المتبادل واختلافها من عصر إلى آخر، بحسب مصادرها الطبيعية أو الصنعية.
تعد عمليتا الرسم والتصوير وجهين مختلفين لطرائق التعبير الفني؛ فالرسم يتم غالباً بلون واحد على سطح أبيض كالورق باستعمال قضبان الفحم النباتي السوداء أو قلم الرصاص، ويمكن الرسم بأكثر من لون إذا ما استعملت أقلام تركيبية تسمى «باستل» Pastel وهي على شكل أصابع منها الصمغي الناشف أو الزيتي الطري أو الحوَّاري.
أما التصوير فيتم بألوان متعددة على سطح أبيض كالورق المقوّى أو القماش أو الخشب أو الجدار، وهذه السطوح يجب أن يُحضّر لها أساس جصّي أو حوّاري حتى تصبح قابلة للتصوير عليها بألوان الماء (وهي مساحيق لونية ممزوجة بوسائط مائية لاصقة كالأصماغ والغراء والبيض) أو بألوان الزيت (وهي مساحيق لونية ممزوجة بزيت الجوز أو الكتان أو الخشخاش).
ارتبطت هذه التقانة بتاريخ الفن وتطوره عبر العصور، إذ يحمل هذا التاريخ دلالة من دلالات تطور الفكر، فلبت حاجة هذا الفكر وكانت انعكاساً له في حقول الفن التشكيلي المختلفة.
وفيما يلي عرض لمواد الرسم والتصوير واستخداماتها التقنية حسب توالي حقب تاريخ الفن:
في حقبة ماقبل التاريخ، أي منذ مابين الألف العشرين والألف الخامس عشر قبل الميلاد، كانت التصاوير التي نقشها ولوّنها إنسان تلك الحقبة على جدران الكهوف، ممثلاً بها مشاهد الصيد وأنواع الحيوانات التي عرفها، مصنوعة من أتربة طبيعية غنية بأكسيد الحديد معجونة بالماء أو بحليب بعض النباتات أو بشحم الحيوان، ومن أصبغة نباتية يستحصل عليها بالغلي أو العصر، مثل مغارة لاسكو في فرنسة.
أما في حقبة العصور القديمة أي منذ الألف الرابع والألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث والرابع الميلاديين، فقد تناول الرسم والتصوير زخرفة جدران المسكن والمدفن ومكان العبادة، وكانت العملية تتم على الجدران الحجرية أو الترابية المغطاة بطينة كلسية وذلك ما يسمى بالتصوير الجداري. وفيما يلي بعض هذه النماذج: تليلات الغسول في وادي الأردن، وفي المناطق الرافدية مثل تل العُقير وماري (تل الحريري) وتل بارسيب (تل أحمر) وفي قصور بابل و آشور وفي مدافن تدمر و فينيقية، وفي معابد دورا أوروبوس، وكذلك في المدافن والقصور والمعابد الفرعونية وفي مناطق حوض المتوسط مثل كريت وبومباي. وكانت تلك النماذج تصوّر بألوان طبيعية وصنعية ممزوجة بالأصماغ أو البيض أو شمع العسل على الطينة الجافة Secco أو بطريقة الفرسك Fresco، وهذا يعني التصوير بألوان الماء على الطينة الرطبة.
1- إعداد تمهيدي بلون فاتح مضيء على قماش ناعم النسيخ واضح الخيوط | 2- رسم أولي مؤلف من سطوح ملونة عريضة يشكلها الفنان بدلك الفرشاة على القماش. وبألوان خفيفة وشفافة | 3- معالجة غير منتظمة لطبقات لونية كثيفة تسمح بالإبقاء على بعض مناطق الإعداد السابق الشفافة | 4- اصباغ بليلة فوق أصباغ جافة أو بليلة (لم تجف بعد) للتظليل والتمويه | 5- أصباغ جافة وقاسية ترسم على السطح بلمسات عريضة |
6- تناوب في الماء وانعكاساته اللمسات الكثيفة والشفافة | 7- نسج اللوحة أو ملمسها، يتنوع بتنوع المعالجة، فبعملية كشط اللون بالطرف الخشبي المدبب للفرشاة أو بسكين الألوان يحصل على ألوان شفافة ومضيئة | |||
كانت ملونة مونيه بسيطة ومحددة الألوان: الأزرق البحري وأزرق كوبالت وأصفر كادميوم وأخضر زمردي مع الأحمر القاني والقرمذي | ||||
تقانة الفنان مونيه رائد المدرسة الانطباعية وأسلوبه |
وقد تركت العصور القديمة نماذج من الرسم والتلوين على ألواح من العظم أو الخشب أو ورق البردي (ورق جلود الحيوانات) ثم الورق، وكان يُعمد إلى صنع ذلك بألوان طبيعية وصناعية ممزوجة بالصمغ وتمدد بالماء فتصبح أحباراً قابلة للتناول بالقصبة المبرية أو ريش بعض الجوارح ووبر الحيوان.
أما المخطوطات والمنمنمات العربية فإن من أهمها ما صُنع بيد يحيى بن محمود الواسطي، وهي تمثل أسلوب مدرسة بغداد والموصل في القرن الثالث عشر الميلادي.
وقد تطورت تقانة التصوير الجداري على الطينة الرطبة (الفرسك) في حقبة عصر النهضة في أوربة وفي إيطالية خاصة، منذ القرن الرابع عشر الميلادي. وتتلخص تلك التقانة بأن يُغطّى الجدار بطبقتين أو ثلاث على التوالي من الكلس المطفي الممزوج بالرمل تترك لتجف فيما بينها، ثم يصار إلى وضع طبقة من نفس النوع قليلة الكثافة فوق الطبقات الأولى ويصار إلى التلوين عليها بأتربة لونية طبيعية ومعدنية ممزوجة بالماء شريطة أن يتم التلوين قبل جفاف الطبقة الرطبة؛ وإذا كانت اللوحة كبيرة المساحة (أي تتجاوز المتر المربع) فيصار إلى وضع الطبقة الرطبة مجزأة على مراحل الواحدة تلو الأخرى والتصوير على كل جزء على حدة حتى تكتمل اللوحة. وتؤدي هذه العملية إلى ثبات اللون بطريقة التأكسد الطبيعية، وتكون آلية هذا الثبات على الوجه الآتي: تبدأ مادة الكلس الموجودة شرطاً في طبقة الطينة الرطبة على الجدار بفقد الماء منها بملامسة الهواء الذي يحوي غاز الفحم وذلك بعد أن تكون الألوان قد تسربت إلى تلك الطبقة في العمق، مما يؤدي إلى تشكل طبقة متبلورة شفافة من فحمات الكالسيوم على سطح تلك الطبقة الخارجي تصبح قاسية بعد الجفاف، مما يؤدي إلى حماية الألوان، لأن هذا السطح يصبح غير قابل للانحلال حتى لو غُسِل بالماء.
أما في حقل اللوحة الخشبية أو القماشية فبعد أن كان يتم التصوير عليها بالمساحيق اللونية الممزوجة بصفار البيض والأصماغ المحددة بالماء (يطلق على اسم المزيج «التمبرا» Tempera)، اكتشف الأخوان «فان إيك» Van Eyck، وهما فنانان عاشا في بلاد الفلمنك في النصف الأول من القرن الخامس عشر، تقانة التصوير بالزيت بدلاً من التمبرا، إذ عملا على تحسين زيوت الجوز والكتان والخشخاش فجعلاها شفافة وقابلة لأن تجف مشكلة طبقة حامية لألوان اللوحة الممزوجة بها بعد الانتهاء من تصويرها؛ وتتم عملية التصوير بتمديد مزيج اللون والزيت بعطر طيار مثل عطر اللاوند أو عطر التربنتين، وتتيح تقانة التصوير بالزيت معالجة اللون على اللوحة لمدة طويلة نسبياً قبل أن يجف.
وقد تطورت تقانة التصوير بالزيت وتعددت طرقها منذ القرن الخامس عشر الميلادي في أصقاع أوربة المختلفة ثم انتقلت إلى بلادنا منذ القرن التاسع عشر على يد الفنانين المستشرقين وتبناها الفنانون المحليون في كل من مصر والعراق وبلاد الشام.
تستمر في العالم اليوم تقانة التصوير الزيتي، وبدأت منذ القرن التاسع عشر تنشط صناعة القماش المجهّز للتصوير والألوان المعبأة في أنابيب (عصارات) معدنية كما ظهرت علامات مسجلة لدور صناعة المواد وتبارت هذه الدور فيما بينها في نشر الدعايات لمنتجاتها.
وقد اكتشفت في القرن العشرين منذ الحرب العالمية الثانية موادٌ موازية للزيت في صنع ألوان المصورين وهي مواد بلاستيكية بشكل مستحلبات مائية لراتنجيات تركيبية من نوعي الفينيل venilyque والأكريليك acrylique وكثر استعمالها في يومنا هذا لما تمتاز به من قابلية للتمديد بالماء وسرعة في الجفاف وعدم القابلية للامحاء بالماء بعد الجفاف. وتعد هذه الألوان معوّضة عن ألوان الحبر التقليدية إذا استعملت بطبقات شفافة، وهي مقاربة للألوان الزيتية إذا ماتم استعمالها بطبقات كثيفة.
أما التصوير الجداري اليوم فهناك استمرار لاستعمال تقانة الفرسك كما أخذت تنتشر طريقة التصوير على الجدران بالألوان البلاستيكية التي ذكرت في الفقرة السابقة، والتي يمكن استعمالها على الجدار المطلي بالكلس أو المطلي بالإسمنت.
إلياس زيات