تدابير احترازيه
Precautionary measures - Mesures préventives
التدابير الاحترازية
التدابير الاحترازية les mesures preventives هي مجموعة من الإجراءات، نص عليها القانون إلى جانب العقوبات الأصلية، ينزلها القاضي بمن ارتكب جريمة، وثبت أنه خطر على السلام العام، ويخشى أن يقدم على أفعال أخرى، يعاقب عليها القانون، والقصد من هذه التدابير هو القضاء على ظاهرة العودة إلى الجريمة، وحماية المجتمع من الخطر الذي يتهدده ودرؤها عنه، وتخليص المجرم منها.
ويُلجاُ إلى فرض التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبة الأصلية، وسيلةً ثانية للسياسة الجزائية في مكافحة الإجرام، بصورة عامة، لمعالجة قصور العقوبة وحدها، عن أداء وظيفتها الاجتماعية.
أنواع التدابير الاحترازية
تقسم التدابير الاحترازية المعروفة في التشريعات الجزائية العربية، ولاسيما في التشريع السوري، إلى أربعة أنواع:
1ـ التدابير الاحترازية المانعة للحرية: وهي وفق ما جاء في قانون العقوبات السوري، الحجز في مأوى احترازي، والعزلة والحجز في دار التشغيل.
أ ـ الحجز في مأوى احترازي: ويُدع المحكوم عليه بهذا التدبير في مصح أو مستشفى متخصص في علاج الأمراض العقلية أو العصبية أو النفسية لعلاجه من المرض الذي ألمَّ به، كالجنون والعته، والإدمان على المخدرات.
ب ـ العزلة: العزلة هي إبعاد المحكوم عليه المعتاد على الإجرام، والذي يثبت خطره على السلامة العامة، عن المجتمع، بوضعه في مؤسسة للتشغيل، أو في «مستعمرة زراعية»، بحسب مؤهلاته، أو نشأته المدنية، أو القروية، ليعمل فيها، ويتقاضى أجراً عن عمله، يوزع بينه وبين أسرته، والمدعي الشخصي، والدولة.
ج ـ الحجز في دار للتشغيل: الحجز في دار للتشغيل هو وضع المحكوم عليه في دار تؤسس خصيصاً لتعويده العمل، وتنمية الإحساس لديه بقيمة العمل وأهميته عن طريق الممارسة، وتعليمه مهنة يكسب منها عيشه بعرق جبينه بعد عودته إلى الحياة الاجتماعية. ويتقاضى المحكوم عليه بالحجز في دار للتشغيل أجراً يوزع بينه ، وبين أسرته، والمدعي الشخصي، والدولة.
2ـ التدابير الاحترازية المقيدة للحرية: هذا النوع من التدابير الاحترازية لا يسلب المحكوم عليه حريته، وإنما يضيّق من سعتها، ويضع لممارسته إياها بعض القيود، ويخضعه لنوع من التوجيه، وهي: منع ارتياد الخمارات، ومنع الإقامة، والحرية المراقبة، والرعاية، والإخراج من البلاد.
ـ منع ارتياد الخمارات: يقصد بهذا التدبير منع المحكوم عليه من ارتياد الأماكن التي تباع فيها المشروبات الكحولية، ويفرض هذا النوع من التدابير بوجه خاص على أولئك الذين يقترفون جناية أو جنحة بتأثير المشروبات الكحولية، وهذا المنع خاص بارتياد الخمارات، ولا يشمل معاقرة الخمر، إذا تم ذلك في مكان آخر.
ـ منع الإقامة: وهو منع المحكوم عليه بهذا التدبير من وجوده بعد الإفراج عنه، في الأمكنة التي عينها القانون، وهي في الغالب المنطقة التي اقترفت فيها الجريمة، أو المنطقة التي يسكن فيها المجني عليه أو أقرباؤه أو أنسباؤه.
ـ الحرية المراقبة: الحرية المراقبة هي خضوع المحكوم عليه للمنع من ارتياد الخمارات ومنع الإقامة، والإمساك عن ارتياد المحلات التي تنهي عنها القوانين والأنظمة، والتقيد بالأحكام التي فرضها عليه القاضي في حكمه، وتتولى الشرطة القيام بمهمة المراقبة.
والغاية من تقييد حرية المحكوم عليه من الظهور في أماكن معينة لها علاقة بسلوكه الجرمي، وذلك لمساعدته على عدم الوقوع في مثل هذا السلوك من جديد.
ـ الرعاية: الرعاية هي مساعدة المحكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية، بعد الإفراج عنه، عن طريق مؤسسات خاصة، كجمعية رعاية السجناء، وتوفير عمل له، وإسداء النصح والإرشاد، ومد يد المعونة إليه.
ـ الإخراج من البلاد: الإخراج من البلاد تدبير احترازي مقيد للحرية، يفرض على الأجانب فقط حين يصير سلوكهم خطراً على السلامة العامة في المجتمع، ففرض عليهم مغادرة البلاد، وعدم العودة ثانية بصفة مؤبدة، أو بعد مضي المدة المحددة لهذا التدبير.
3ـ التدابير الاحترازية المانعة للحقوق: وهذا النوع من التدابير لا يراد به المساس بحرية المحكوم عليه، وإنما يقصد به حرمانه من بعض الحقوق التي لم يعد جديراً بممارستها وذلك حماية للمجتمع، ووقاية للآخرين، وهي الإسقاط من الولاية[ر] أو الوصاية[ر]، والمنع من مزاولة أحد الأعمال، والحرمان من حق حمل السلاح.
ـ الإسقاط من الولاية أو الوصاية: ويتم بحرمان المحكوم عليه من حقوقه على القاصر أو اليتيم، الذي يتولى شؤونه، أو يدير أملاكه، وفقاً لقانون الأحوال الشخصية.
ويكون الإسقاط كاملاً أو جزئياً، كما يكون عاماً شاملاً، أو محصوراً بقاصر أو يتيم معين، أو بعدة قاصرين أو أيتام، وتنقل ممارسة الولاية والوصاية إلى وصي ينصَّب وفقاً للقانون.
ويجوز الحكم بالإسقاط من الولاية أو الوصاية على الأب أو الأم أو الوصي إذا حكم عليهم بعقوبة جنائية، أو إذا ثبت فسادهم، أو أنهم غير جديرين بممارسة سلطتهم على القاصر أو اليتيم.
ـ المنع من مزاولة أحد الأعمال: ويكون بمنع المحكوم عليه من ممارسة مهنة أو حرفة أو أي عمل متى كان سلوكه الجرمي خروجاً على أصول العمل أو انتهاكاً لواجباته، أو الفروض الملازمة لذلك العمل، كالطبيب الذي يرتكب جريمة إجهاض غير مشروع، أو الصيدلي الذي يغش في تركيب الأدوية.
والهدف من هذا التدبير الاحترازي هو حماية أفراد المجتمع من الأشخاص الذين لا تتوافر فيهم الضمانات الأخلاقية، أو العلمية، أو الفنية، لممارسة مهنة أو عمل من الأعمال، كما أن هذا التدبير يهدف، في الوقت ذاته، إلى حماية المحكوم عليه نفسه، بالمباعدة بينه وبين ممارسة المهنة أو الحرفة التي تعد عاملاً جرمياً خطيراً يغريه بالوقوع في حمأة الجريمة.
ـ الحرمان من حق حمل السلاح: ويتم عادة بعدم منح المحكوم عليه ترخيصاً بحمله، أو سحب الترخيص الذي يكون قد أعطي له من قبل، ويفرض هذا التدبير عادة بحق المحكوم عليه الذي ثبت عدم جدارته بممارسة هذا الحق، وثبوت الخطر أو احتمال وقوعه في حال استمراره في حمل السلاح.
4ـ التدابير الاحترازية العينية: يقع هذا النوع من التدابير الاحترازية ـ على خلاف التدابير السابقة ـ على الأشياء، ولا يصيب الأشخاص إلا بصورة مباشرة، وهي: المصادرة العينية، والكفالة الاحتياطية، وإقفال المحل، ووقف هيئة اعتبارية عن العمل أو حلّها.
ـ المصادر العينية: وتعني الحكم بانتقال الأشياء الخاصة كلاً أو جزءاً إلى الدولة أو إلى إحدى مؤسساتها أو المنشآت التابعة لها، وتشمل جميع الأشياء التي تحظر القوانين صنعها أو اقتناءها، أو حيازتها، أو بيعها، أو استعمالها. وهي وجوبية يجب الحكم بها ولو صدر الحكم ببراءة المتهم أو شمله العفو العام، أو توفي في أثناء النظر في الدعوى، كما أن المصادرة لا تتقيد بمراعاة حقوق الغير، ولو كان حسن النية، حتى لو كانت الأشياء المصادرة مملوكة لغير المتهم. وإن كانت هذه الأشياء لم تضبط ، قضى القاضي بمنح المحكوم عليه مهلة لتقديمها. وتشمل هذه الأشياء: المخدرات والمسكوكات المزينة والأغذية الفاسدة والأسلحة الممنوعة أو غير المرخصة.
ـ الكفالة الاحتياطية: وتنطوي على إلزام المحكوم عليه إيداع مبلغ من المال، أو سندات عمومية، أو تقديم كفيل مليء، أو عقد تأمين، ضماناً لحسن سلوكه، أو تلافياً لقيامه بجريمة أخرى.
ـ إقفال المحل: إقفال المحل هو منع المحكوم عليه من ممارسة العمل ذاته الذي كان يمارسه فيه قبل إنزال هذا التدبير كإقفال الفندق المعد للدعارة، وإغلاق محل المقامرة، ويشمل هذا التدبير فضلاً عن المحكوم عليه أفراد أسرته أو أي شخص آخر تملّك هذا المحل أو استأجره على علم بأمره.
ـ وقف هيئة اعتبارية عن العمل أو حلها: ويتناول هذا التدبير كل نقابة أو شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية، ما خلا الإدارات العامة، تخضع، لمبدأ المسؤولية الجزائية، ويمكن الحكم به، إذا اقترف مديروها، أو أعضاء إدارتها، أو ممثلوها، أو عمالها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة.
ويعني وقف الهيئة الاعتبارية عن العمل وقف جميع أعمالها، ولو تبدل الاسم أو اختلف المديرون، أو أعضاء الإدارة.
حالات إيقاع التدابير الاحترازية
لا يحكم بأي تدبير احترازي إلا وفق الشروط والأصول التي نص عليها القانون. ولا ينزل بأحد تدبير احترازي ما لم يكن خطراً على السلام العام، ويقضي بالتدابير الاحترازية بعد التثبت من حالة الخطر، إلا في الحالات التي يفترض القانون وجود الخطر فيها. ويعد خطراً على المجتمع كل شخص أو هيئة اعتبارية اقترف جريمة وكان يخشى أن يقدم على أفعال أخرى يعاقب عليها القانون. وتقع التدابير الاحترازية المانعة للحرية في الحالات الآتية:
ـ يحكم بالحجز في مأوى احترازي في حالات ثبوت جنون المحكوم عليه، أو عتهه، أو إصابته بخلل أو مرض نفسي، أو بإدمان المخدرات أو الكحول.
ـ ويحكم بالعزلة على من اعتاد الإجرام، وثبت خطره على السلامة العامة. ويحكم به مع العقوبة التي يقضى بها من أجل الجريمة الأخيرة.
ـ ويحكم بالحجز في دار للتشغيل على طائفة المتسولين والمتشردين والمستجْدين والكسالى.
وتقع التدابير الاحترازية المقيدة للحرية وفق ما يأتي:
ـ يحكم بمنع ارتياد الخمارات على المجرمين الذين اقترفوا جناية أو جنحة بتأثير المسكرات.
ـ ويحكم بمنع الإقامة على مرتكبي جرائم القتل وإحداث العاهة الدائمة والاغتصاب، بقصد تفادي ارتكاب جريمة جديدة.
ـ ويحكم بتدابير الحرية المراقبة في حال ضرورة التثبت من صلاح المحكوم عليه لإتاحة الفرصة له ليعود عضواً نافعاً في المجتمع، ولتعويده التقيد بالأحكام التي فرضها القاضي وللحيلولة دون معاودة الإجرام.
وتطبق تدابير الرعاية بعد حالة الإفراج عن المحكوم عليه لمساعدته على سلوك الطريق السوي بإيجاد عمل له وبإسداء النصح والمعونة إليه عن طريق إحدى المؤسسات المنشاة لهذا الغرض.
ـ ويحكم بالإخراج من البلاد على الأجنبي متى ثبت فساده وسوء سلوكه وعدم استحقاقه للضيافة.
تقع التدابير الاحترازية المانعة للحقوق وفق الآتي:
ـ يحكم القاضي إسقاط حق المحكوم عليه بالولاية أو الوصاية إذا ارتكب جريمة وحكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية لعدم استحقاقه ممارسة هذا الحق، وهذا التدبير جوازي، ويكون وجوبياً في حالتين:
الأولى: إذا ارتكب المحكوم عليه جناية أو جنحة بحق الولد أو الفرع أو اليتيم أو الاشتراك معه.
الثانية: إذا اقترف القاصر الذي في عهدتهم جناية أو جنحة تسببت عن تهاونهم في تهذيبه، أو عن إهمالهم مراقبته، ويشمل هذا التدبير الأب والأم والوصي، ويكون الإسقاط كلياً، كما يجوز أن يكون جزئياً.
ـ ويحكم بالمنع من مزاولة عمل ما أو مهنة محددة على كل من حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية، من أجل جريمة اقترفها، وثبت منها عدم أهليته الأخلاقية لممارسة هذا العمل أو هذه المهنة.
ـ ويحرم المجرم من حق حمل السلاح إذا حكم عليه بعقوبة جنائية جنحية، من أجل جريمة اقترفت بوساطة السلاح أو بالعنف، كما يفرض في الحالات الخاصة التي ينص فيها القانون وجوباً أو جوازاً على تدبير الحرمان من حق حمل السلاح.
أما إيقاع التدابير الاحترازية العينية فيتم في الحالات الآتية:
ـ يحكم بالمصادرة العينية عند قيام حالة صنع الأشياء الممنوعة قانوناً أو اقتنائها أو بيعها أو استعمالها كالمخدرات والمسكوكات المزينة والأسلحة والأغذية الفاسدة.
ـ ويحكم القاضي بوجوب تقديم الكفالة الاحتياطية في أي من الحالات الآتية حصراً:
ـ في حالة الحكم من أجل تهديد أو تهويل.
ـ في حالة الحكم من أجل تحريض على جناية لم تفض إلى نتيجة.
إذا كان ثمة شك في أن يعود الجاني إلى إيذاء المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو الإضرار بأملاكهم.
ـ في حالتي وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ.
ـ في حالة الحكم على شخص اعتباري من أجل جريمة توجب فرض الحرية المراقبة.
ويُحكم بإقفال المحل في حالة اقتراف جريمة فيه بفعل صاحبه أو برضاه كإعداد الفندق للدعارة، والدار التي يحض فيها على ارتكاب الفجور، وإجهاض المرأة دون مسوّغ مشروع من الطبيب في عيادته أو الصيدلي في صيدليته، والمقامرة في محل أُعد لهذه الغاية، وكذلك المحل الذي تقع فيه مخالفة تموينية.
ويحكم بوقف الهيئات الاعتبارية عن العمل أو حلّها عند ارتكاب مديريها أو أعضاء إدارتها، أو ممثليها، أو أعمالها، باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة، يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل. ويمكن الحكم بحل الهيئات الاعتبارية في الحالات الآتية:
ـ إذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية.
ـ إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات.
ـ إذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائل الحل.
ـ إذا كانت قد أوقفت بموجب قرار مبرم لم تمض عليه خمس سنوات.
الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية
تختلف الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية باختلاف أنواع هذه التدابير، واختلاف الهدف من إيقاعها، فمنها ما هو علاجي كالحجز في مأوى احترازي، إذ القصد منه معالجة المحكوم عليه مما ألّم به، كالجنون والعته والإدمان. ومنها ما هو عقابي متمم للعقوبة كإبعاد الأجنبي من البلاد جزاء ما ارتكب بحق المجتمع أو أحد أفراده، لأنه أساء إلى البلد الذي استضافه. ومنها ما هو وقائي يهدف إلى حماية المجتمع من شرور المجرم في المستقبل بإزالة خطورته والحيلولة دون معاودة الإجرام كتدبير العزلة وتدبير الحجز في دار للتشغيل، ومنها ما هو متجه للمستقبل بضمان رعاية المحكوم عليه عند الإفراج عنه بعد تنفيذ العقوبة.
وتتجلى الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية بالقضاء على ظاهرة معاودة الإجرام وحماية المجتمع وعلاج المجرم عن طريق فرض التدبير الملائم لشخص المجرم من جهة كونه مريضاً أو من جهة مواجهة الخطورة الجرمية أو من جهة توفير المناخ الملائم لعودة المحكوم عليه عضواً نافعاً في المجتمع.
ياسين دركزلي
Precautionary measures - Mesures préventives
التدابير الاحترازية
التدابير الاحترازية les mesures preventives هي مجموعة من الإجراءات، نص عليها القانون إلى جانب العقوبات الأصلية، ينزلها القاضي بمن ارتكب جريمة، وثبت أنه خطر على السلام العام، ويخشى أن يقدم على أفعال أخرى، يعاقب عليها القانون، والقصد من هذه التدابير هو القضاء على ظاهرة العودة إلى الجريمة، وحماية المجتمع من الخطر الذي يتهدده ودرؤها عنه، وتخليص المجرم منها.
ويُلجاُ إلى فرض التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبة الأصلية، وسيلةً ثانية للسياسة الجزائية في مكافحة الإجرام، بصورة عامة، لمعالجة قصور العقوبة وحدها، عن أداء وظيفتها الاجتماعية.
أنواع التدابير الاحترازية
تقسم التدابير الاحترازية المعروفة في التشريعات الجزائية العربية، ولاسيما في التشريع السوري، إلى أربعة أنواع:
1ـ التدابير الاحترازية المانعة للحرية: وهي وفق ما جاء في قانون العقوبات السوري، الحجز في مأوى احترازي، والعزلة والحجز في دار التشغيل.
أ ـ الحجز في مأوى احترازي: ويُدع المحكوم عليه بهذا التدبير في مصح أو مستشفى متخصص في علاج الأمراض العقلية أو العصبية أو النفسية لعلاجه من المرض الذي ألمَّ به، كالجنون والعته، والإدمان على المخدرات.
ب ـ العزلة: العزلة هي إبعاد المحكوم عليه المعتاد على الإجرام، والذي يثبت خطره على السلامة العامة، عن المجتمع، بوضعه في مؤسسة للتشغيل، أو في «مستعمرة زراعية»، بحسب مؤهلاته، أو نشأته المدنية، أو القروية، ليعمل فيها، ويتقاضى أجراً عن عمله، يوزع بينه وبين أسرته، والمدعي الشخصي، والدولة.
ج ـ الحجز في دار للتشغيل: الحجز في دار للتشغيل هو وضع المحكوم عليه في دار تؤسس خصيصاً لتعويده العمل، وتنمية الإحساس لديه بقيمة العمل وأهميته عن طريق الممارسة، وتعليمه مهنة يكسب منها عيشه بعرق جبينه بعد عودته إلى الحياة الاجتماعية. ويتقاضى المحكوم عليه بالحجز في دار للتشغيل أجراً يوزع بينه ، وبين أسرته، والمدعي الشخصي، والدولة.
2ـ التدابير الاحترازية المقيدة للحرية: هذا النوع من التدابير الاحترازية لا يسلب المحكوم عليه حريته، وإنما يضيّق من سعتها، ويضع لممارسته إياها بعض القيود، ويخضعه لنوع من التوجيه، وهي: منع ارتياد الخمارات، ومنع الإقامة، والحرية المراقبة، والرعاية، والإخراج من البلاد.
ـ منع ارتياد الخمارات: يقصد بهذا التدبير منع المحكوم عليه من ارتياد الأماكن التي تباع فيها المشروبات الكحولية، ويفرض هذا النوع من التدابير بوجه خاص على أولئك الذين يقترفون جناية أو جنحة بتأثير المشروبات الكحولية، وهذا المنع خاص بارتياد الخمارات، ولا يشمل معاقرة الخمر، إذا تم ذلك في مكان آخر.
ـ منع الإقامة: وهو منع المحكوم عليه بهذا التدبير من وجوده بعد الإفراج عنه، في الأمكنة التي عينها القانون، وهي في الغالب المنطقة التي اقترفت فيها الجريمة، أو المنطقة التي يسكن فيها المجني عليه أو أقرباؤه أو أنسباؤه.
ـ الحرية المراقبة: الحرية المراقبة هي خضوع المحكوم عليه للمنع من ارتياد الخمارات ومنع الإقامة، والإمساك عن ارتياد المحلات التي تنهي عنها القوانين والأنظمة، والتقيد بالأحكام التي فرضها عليه القاضي في حكمه، وتتولى الشرطة القيام بمهمة المراقبة.
والغاية من تقييد حرية المحكوم عليه من الظهور في أماكن معينة لها علاقة بسلوكه الجرمي، وذلك لمساعدته على عدم الوقوع في مثل هذا السلوك من جديد.
ـ الرعاية: الرعاية هي مساعدة المحكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية، بعد الإفراج عنه، عن طريق مؤسسات خاصة، كجمعية رعاية السجناء، وتوفير عمل له، وإسداء النصح والإرشاد، ومد يد المعونة إليه.
ـ الإخراج من البلاد: الإخراج من البلاد تدبير احترازي مقيد للحرية، يفرض على الأجانب فقط حين يصير سلوكهم خطراً على السلامة العامة في المجتمع، ففرض عليهم مغادرة البلاد، وعدم العودة ثانية بصفة مؤبدة، أو بعد مضي المدة المحددة لهذا التدبير.
3ـ التدابير الاحترازية المانعة للحقوق: وهذا النوع من التدابير لا يراد به المساس بحرية المحكوم عليه، وإنما يقصد به حرمانه من بعض الحقوق التي لم يعد جديراً بممارستها وذلك حماية للمجتمع، ووقاية للآخرين، وهي الإسقاط من الولاية[ر] أو الوصاية[ر]، والمنع من مزاولة أحد الأعمال، والحرمان من حق حمل السلاح.
ـ الإسقاط من الولاية أو الوصاية: ويتم بحرمان المحكوم عليه من حقوقه على القاصر أو اليتيم، الذي يتولى شؤونه، أو يدير أملاكه، وفقاً لقانون الأحوال الشخصية.
ويكون الإسقاط كاملاً أو جزئياً، كما يكون عاماً شاملاً، أو محصوراً بقاصر أو يتيم معين، أو بعدة قاصرين أو أيتام، وتنقل ممارسة الولاية والوصاية إلى وصي ينصَّب وفقاً للقانون.
ويجوز الحكم بالإسقاط من الولاية أو الوصاية على الأب أو الأم أو الوصي إذا حكم عليهم بعقوبة جنائية، أو إذا ثبت فسادهم، أو أنهم غير جديرين بممارسة سلطتهم على القاصر أو اليتيم.
ـ المنع من مزاولة أحد الأعمال: ويكون بمنع المحكوم عليه من ممارسة مهنة أو حرفة أو أي عمل متى كان سلوكه الجرمي خروجاً على أصول العمل أو انتهاكاً لواجباته، أو الفروض الملازمة لذلك العمل، كالطبيب الذي يرتكب جريمة إجهاض غير مشروع، أو الصيدلي الذي يغش في تركيب الأدوية.
والهدف من هذا التدبير الاحترازي هو حماية أفراد المجتمع من الأشخاص الذين لا تتوافر فيهم الضمانات الأخلاقية، أو العلمية، أو الفنية، لممارسة مهنة أو عمل من الأعمال، كما أن هذا التدبير يهدف، في الوقت ذاته، إلى حماية المحكوم عليه نفسه، بالمباعدة بينه وبين ممارسة المهنة أو الحرفة التي تعد عاملاً جرمياً خطيراً يغريه بالوقوع في حمأة الجريمة.
ـ الحرمان من حق حمل السلاح: ويتم عادة بعدم منح المحكوم عليه ترخيصاً بحمله، أو سحب الترخيص الذي يكون قد أعطي له من قبل، ويفرض هذا التدبير عادة بحق المحكوم عليه الذي ثبت عدم جدارته بممارسة هذا الحق، وثبوت الخطر أو احتمال وقوعه في حال استمراره في حمل السلاح.
4ـ التدابير الاحترازية العينية: يقع هذا النوع من التدابير الاحترازية ـ على خلاف التدابير السابقة ـ على الأشياء، ولا يصيب الأشخاص إلا بصورة مباشرة، وهي: المصادرة العينية، والكفالة الاحتياطية، وإقفال المحل، ووقف هيئة اعتبارية عن العمل أو حلّها.
ـ المصادر العينية: وتعني الحكم بانتقال الأشياء الخاصة كلاً أو جزءاً إلى الدولة أو إلى إحدى مؤسساتها أو المنشآت التابعة لها، وتشمل جميع الأشياء التي تحظر القوانين صنعها أو اقتناءها، أو حيازتها، أو بيعها، أو استعمالها. وهي وجوبية يجب الحكم بها ولو صدر الحكم ببراءة المتهم أو شمله العفو العام، أو توفي في أثناء النظر في الدعوى، كما أن المصادرة لا تتقيد بمراعاة حقوق الغير، ولو كان حسن النية، حتى لو كانت الأشياء المصادرة مملوكة لغير المتهم. وإن كانت هذه الأشياء لم تضبط ، قضى القاضي بمنح المحكوم عليه مهلة لتقديمها. وتشمل هذه الأشياء: المخدرات والمسكوكات المزينة والأغذية الفاسدة والأسلحة الممنوعة أو غير المرخصة.
ـ الكفالة الاحتياطية: وتنطوي على إلزام المحكوم عليه إيداع مبلغ من المال، أو سندات عمومية، أو تقديم كفيل مليء، أو عقد تأمين، ضماناً لحسن سلوكه، أو تلافياً لقيامه بجريمة أخرى.
ـ إقفال المحل: إقفال المحل هو منع المحكوم عليه من ممارسة العمل ذاته الذي كان يمارسه فيه قبل إنزال هذا التدبير كإقفال الفندق المعد للدعارة، وإغلاق محل المقامرة، ويشمل هذا التدبير فضلاً عن المحكوم عليه أفراد أسرته أو أي شخص آخر تملّك هذا المحل أو استأجره على علم بأمره.
ـ وقف هيئة اعتبارية عن العمل أو حلها: ويتناول هذا التدبير كل نقابة أو شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية، ما خلا الإدارات العامة، تخضع، لمبدأ المسؤولية الجزائية، ويمكن الحكم به، إذا اقترف مديروها، أو أعضاء إدارتها، أو ممثلوها، أو عمالها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة.
ويعني وقف الهيئة الاعتبارية عن العمل وقف جميع أعمالها، ولو تبدل الاسم أو اختلف المديرون، أو أعضاء الإدارة.
حالات إيقاع التدابير الاحترازية
لا يحكم بأي تدبير احترازي إلا وفق الشروط والأصول التي نص عليها القانون. ولا ينزل بأحد تدبير احترازي ما لم يكن خطراً على السلام العام، ويقضي بالتدابير الاحترازية بعد التثبت من حالة الخطر، إلا في الحالات التي يفترض القانون وجود الخطر فيها. ويعد خطراً على المجتمع كل شخص أو هيئة اعتبارية اقترف جريمة وكان يخشى أن يقدم على أفعال أخرى يعاقب عليها القانون. وتقع التدابير الاحترازية المانعة للحرية في الحالات الآتية:
ـ يحكم بالحجز في مأوى احترازي في حالات ثبوت جنون المحكوم عليه، أو عتهه، أو إصابته بخلل أو مرض نفسي، أو بإدمان المخدرات أو الكحول.
ـ ويحكم بالعزلة على من اعتاد الإجرام، وثبت خطره على السلامة العامة. ويحكم به مع العقوبة التي يقضى بها من أجل الجريمة الأخيرة.
ـ ويحكم بالحجز في دار للتشغيل على طائفة المتسولين والمتشردين والمستجْدين والكسالى.
وتقع التدابير الاحترازية المقيدة للحرية وفق ما يأتي:
ـ يحكم بمنع ارتياد الخمارات على المجرمين الذين اقترفوا جناية أو جنحة بتأثير المسكرات.
ـ ويحكم بمنع الإقامة على مرتكبي جرائم القتل وإحداث العاهة الدائمة والاغتصاب، بقصد تفادي ارتكاب جريمة جديدة.
ـ ويحكم بتدابير الحرية المراقبة في حال ضرورة التثبت من صلاح المحكوم عليه لإتاحة الفرصة له ليعود عضواً نافعاً في المجتمع، ولتعويده التقيد بالأحكام التي فرضها القاضي وللحيلولة دون معاودة الإجرام.
وتطبق تدابير الرعاية بعد حالة الإفراج عن المحكوم عليه لمساعدته على سلوك الطريق السوي بإيجاد عمل له وبإسداء النصح والمعونة إليه عن طريق إحدى المؤسسات المنشاة لهذا الغرض.
ـ ويحكم بالإخراج من البلاد على الأجنبي متى ثبت فساده وسوء سلوكه وعدم استحقاقه للضيافة.
تقع التدابير الاحترازية المانعة للحقوق وفق الآتي:
ـ يحكم القاضي إسقاط حق المحكوم عليه بالولاية أو الوصاية إذا ارتكب جريمة وحكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية لعدم استحقاقه ممارسة هذا الحق، وهذا التدبير جوازي، ويكون وجوبياً في حالتين:
الأولى: إذا ارتكب المحكوم عليه جناية أو جنحة بحق الولد أو الفرع أو اليتيم أو الاشتراك معه.
الثانية: إذا اقترف القاصر الذي في عهدتهم جناية أو جنحة تسببت عن تهاونهم في تهذيبه، أو عن إهمالهم مراقبته، ويشمل هذا التدبير الأب والأم والوصي، ويكون الإسقاط كلياً، كما يجوز أن يكون جزئياً.
ـ ويحكم بالمنع من مزاولة عمل ما أو مهنة محددة على كل من حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية، من أجل جريمة اقترفها، وثبت منها عدم أهليته الأخلاقية لممارسة هذا العمل أو هذه المهنة.
ـ ويحرم المجرم من حق حمل السلاح إذا حكم عليه بعقوبة جنائية جنحية، من أجل جريمة اقترفت بوساطة السلاح أو بالعنف، كما يفرض في الحالات الخاصة التي ينص فيها القانون وجوباً أو جوازاً على تدبير الحرمان من حق حمل السلاح.
أما إيقاع التدابير الاحترازية العينية فيتم في الحالات الآتية:
ـ يحكم بالمصادرة العينية عند قيام حالة صنع الأشياء الممنوعة قانوناً أو اقتنائها أو بيعها أو استعمالها كالمخدرات والمسكوكات المزينة والأسلحة والأغذية الفاسدة.
ـ ويحكم القاضي بوجوب تقديم الكفالة الاحتياطية في أي من الحالات الآتية حصراً:
ـ في حالة الحكم من أجل تهديد أو تهويل.
ـ في حالة الحكم من أجل تحريض على جناية لم تفض إلى نتيجة.
إذا كان ثمة شك في أن يعود الجاني إلى إيذاء المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو الإضرار بأملاكهم.
ـ في حالتي وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ.
ـ في حالة الحكم على شخص اعتباري من أجل جريمة توجب فرض الحرية المراقبة.
ويُحكم بإقفال المحل في حالة اقتراف جريمة فيه بفعل صاحبه أو برضاه كإعداد الفندق للدعارة، والدار التي يحض فيها على ارتكاب الفجور، وإجهاض المرأة دون مسوّغ مشروع من الطبيب في عيادته أو الصيدلي في صيدليته، والمقامرة في محل أُعد لهذه الغاية، وكذلك المحل الذي تقع فيه مخالفة تموينية.
ويحكم بوقف الهيئات الاعتبارية عن العمل أو حلّها عند ارتكاب مديريها أو أعضاء إدارتها، أو ممثليها، أو أعمالها، باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة، يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل. ويمكن الحكم بحل الهيئات الاعتبارية في الحالات الآتية:
ـ إذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية.
ـ إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات.
ـ إذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائل الحل.
ـ إذا كانت قد أوقفت بموجب قرار مبرم لم تمض عليه خمس سنوات.
الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية
تختلف الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية باختلاف أنواع هذه التدابير، واختلاف الهدف من إيقاعها، فمنها ما هو علاجي كالحجز في مأوى احترازي، إذ القصد منه معالجة المحكوم عليه مما ألّم به، كالجنون والعته والإدمان. ومنها ما هو عقابي متمم للعقوبة كإبعاد الأجنبي من البلاد جزاء ما ارتكب بحق المجتمع أو أحد أفراده، لأنه أساء إلى البلد الذي استضافه. ومنها ما هو وقائي يهدف إلى حماية المجتمع من شرور المجرم في المستقبل بإزالة خطورته والحيلولة دون معاودة الإجرام كتدبير العزلة وتدبير الحجز في دار للتشغيل، ومنها ما هو متجه للمستقبل بضمان رعاية المحكوم عليه عند الإفراج عنه بعد تنفيذ العقوبة.
وتتجلى الآثار المترتبة على التدابير الاحترازية بالقضاء على ظاهرة معاودة الإجرام وحماية المجتمع وعلاج المجرم عن طريق فرض التدبير الملائم لشخص المجرم من جهة كونه مريضاً أو من جهة مواجهة الخطورة الجرمية أو من جهة توفير المناخ الملائم لعودة المحكوم عليه عضواً نافعاً في المجتمع.
ياسين دركزلي