الفعل التشكيلي يصالح الهوية مع تجارب الآخر المختلف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفعل التشكيلي يصالح الهوية مع تجارب الآخر المختلف

    الفعل التشكيلي يصالح الهوية مع تجارب الآخر المختلف


    الصدق شرط أساسي في الفن لتحقيق الأصالة والإبداع.
    الخميس 2023/01/05
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    التشكيل تعريف بهوية الفنان للآخر (لوحة: زبير التركي)

    يعتبر الفن التشكيلي أو الفن البصري من الفنون الجميلة وهو يستوحى من أرض الواقع ثم يصاغ بتشكيل جديد، يختلف من فنان تشكيلي إلى آخر، لذلك كثيرا ما يتساءل المتلقي حول ماهية الفعل التشكيلي وكيف يمكن أن يصبح هذا الفعل ضربا من الإبداع دون أن يصطدم مع الآخر وهويته وثقافته.

    الفعل التشكيلي هو فعل يستعيد جزئياته مع كل عمل فني ليؤلف صورة متكاملة، والتي لا يمكن تناولها إلا من خلال ما استقرت عليه التجربة الفنية، لتعكس هذه التجربة رؤية يمليها التزام بتصور فكري معين في نسق تصاعدي ويتطور بتطور الأوضاع الحياتية واختلاف أو تغيير القضايا التي تستأثر بالاهتمام وتشغيل الفكر وربما تناقضها أو زوالها.

    والفنان في إطار هذا الالتزام تتسم مواقفه بالتغيير مع تبدل آرائه واتجاهاته، فلا نستغرب أن نلاحظ تبدل هذه المواقف في أعمال متباعدة أو متقاربة في فترة الإنجاز لنجد أحيانا على طرفي نقيض نتيجة لتبدل رؤيته الفكرية للأشياء أو التخلي عن قناعات قديمة كانت موجودة عنده. ولا شك في أن بعض هذا التغيير في المواقف مقبول إذا لم يكن من باب الإنجاز إلى الموقف الذي يخدم المصلحة الشخصية لا الحقيقة الموضوعية.

    هذا التغيير هو في طبيعة الفكر الإنساني في نسقه التطوري، وهو رغم ذلك ملتزم وإن كان التزاما غير ثابت بمبدأ أو بفكر واضح ومحدد وبالتالي فإننا لا يمكن لنا الحكم على توجه فكري إلا من خلال الصورة التي استقر عليها. أما إذا كان منذ البدء ثابتا على موقف واضح ومحدد فإننا نلتمس الموقف الفكري في كل الأعمال أو على الأقل أغلبها. فالتزامه ثابت ثبوت موقفه.

    كما أن هذا المسار هو نابع عن اختيار حر واع ومسؤول وهذا الالتزام لا يتنافى مع الحرية لأنه في الأصل اختيار حر وقناعة نزيهة، وهو مبني على الوعي والإدراك والإحساس والاقتناع، فهو ذاتي وداخلي، لتبقى لغة الألوان والخطوط ذات قوة قادرة على النفاذ إلى أبعد مما تطأه الكلمات.

    الفعل التشكيلي هو فعل يستعيد جزئياته ليؤلف صورة لا يمكن تناولها إلا من خلال ما استقرت عليه التجربة الفنية

    وهذا المسار هو أيضا توظيف ضمن تجليات تشكيلية لتثبت دوما الإبداع الفني ليظل أسلوبا في الحياة وطريقا في الوجود بل هو امتداد للفنان، لجسده في حركة خطوطه ولفكره في مواقف تكشفها الأشكال وتبوح بها الألوان على سطح اللوحة كلما تجاوز الفنان سذاجة تمثل الواقع وبساطة تقليد الطبيعة، ليخلق علاقات جديدة ومتجددة دوما تفرضها مستجدات الحياة ويؤسسها نظام فكري فاعل ونظرة متألمة فاعلة تسلط الأضواء على الواقع الإنساني وتساير طبيعة الفكر المتجدد.

    كل ذلك يؤكد دوما أن الفن رسالة، أن الفن تجديد موقف والتزام، أداة تحرر وتأسيس هادف وتغيير متواصل لينشأ الحوار ويؤسس المعاني ويستمر لغة لا تنضب تحاكي الوجود الإنساني والصدق هو شرط أساسي لتحقيق الأصالة والإبداع.

    إنه الصدق في ما يبدعه المبدع وفي ما يعانيه من تجارب معيشية أو بالأحرى ما يتميز به محيطه المباشر، إضافة إلى معرفة فنيات التعبير وقدرة المبدع على ابتكار الجديد والطريف فالأصالة ترتبط بمعنى العودة إلى الموروث والتراث وكذلك في نفس الوقت تحيل إلى صفة الابتكار والتجديد وهذا ما يجعلها مرتبطة بالحداثة ورافضة للتقليد والتبعية والغريب والدخيل وكل ذلك للمحافظة على الهوية الخاصة وتأكيد الانتماء.

    كل هذه المفاهيم مرتبطة ومتلازمة، وفي حضورها يتحقق الإبداع، فهي تعبـير عن ذلك الفـن المنشود الذي يربك ويثير التساؤل عن عوالم جديدة منشودة لا ندركـها كما نلمس هذه الدلالات الخفية التي تثيرها هذه التكوينات والأشكال الممتدة في الفضاء.

    إنها دلالات تثير فينا التساؤل حول الوجود والزمن حيث يتجزأ الزمن ويختلط الماضي بالحاضر فهو زمن مفتوح حين يتمحور حول تفصيل حركة المادة في الزمن، فالهدف بلاغي يوحي برؤية خاصة للواقع الجمالي لتغيير الموجودات من العادي إلى الجمالي الخلاق.

    وبناء على ذلك برزت قدرة الفنان التشكيلي في إجراء مصالحة بين الهوية التي تظل محور حنيننا وأحد العناصر التي تغني خيالنا وبين منجزات الآخر لما تقترحه من إمكانات تثاقف وتشارك قيمي وتقني لا يمكننا تجاهل فوائده.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ماهر عمارة
    فنان وناقد تشكيلي تونسي
يعمل...
X