معرض فني في الجزائر يستعيد أجواء فيلم "جبل باية" بملحمته البربرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض فني في الجزائر يستعيد أجواء فيلم "جبل باية" بملحمته البربرية

    معرض فني في الجزائر يستعيد أجواء فيلم "جبل باية" بملحمته البربرية


    لوحات كمال بلطرش تروي بالريشة واللون جزءا من مخطّط سيناريو فيلم "جبل باية" للمخرج الراحل عزالدين مدور.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    لوحات تستلهم من عالم السينما مفرداتها التشكيلية

    الجزائر - يشكّل المعرض الثنائي للتشكيلي الجزائري كمال بلطرش وزوجته الفنانة الروسية ماريا إلتسوفا، المقام حليا في المركز الثقافي مصطفى كاتب بالجزائر العاصمة، نافذة مشرّعة للاطلاع على واحة لونية تعجّ بالتراث الجزائري العريق وأيضا استحضارا لروح الراحل عزالدين مدور مخرج فيلم “جبل باية” (إنتاج 1997).

    وتتزيّن جدران قاعة العرض التابعة لمؤسسة فنون وثقافة في محافظة الجزائر بأكثر من أربعين لوحة فنية من مختلف الأحجام والألوان تمكّن من خلالها الزوج الفني بلطرش وإلتسوفا من استقطاب اهتمام الجمهور الذي غاص في تفاصيل اللوحات الفنية بتقنية الستوري بورد (القصص المصوّرة) التي صمّمها الفنان كمال بلطرش باحترافية ودقة عالية، وتروي بالريشة واللون جزءا من مخطّط سيناريو فيلم “جبل باية” للمخرج الراحل عزالدين مدور.

    كما أبدعت زوجته الفنانة ماريا إلتسوفا في رصد أزقة حي القصبة العريق وغرداية ووجوه نسائية من القصبة، وكذلك رقصات نساء الطوارق ومختلف الطقوس الأمازيغية الاحتفالية.

    وقال بلطرش إنه أراد من خلال عرض جزء من أعماله الفنية -التي صممها لفيلم “جبل باية”، وتعتمد على تقنية القصص المصوّرة المعروفة في مجال الإخراج السينمائي- تكريم المخرج مدور الذي ترك بصمته في المنجز السينمائي الجزائري بأعماله التي تعجّ بالتاريخ وعناصر التراث، حيث شكّلت تجربة التعاون الفني مع المخرج محطة مميّزة في حياته الفنية.


    فيلم "جبل باية" يكشف مدى تعلّق سكان منطقة القبائل الجزائرية الوثيق بعاداتهم وتقاليدهم، وإصرارهم على مقاومة المستعمر


    وقام بلطرش بتصميم لوحات فيلم “جبل باية” بتقنية الأكواريل (الألوان المائية)، وهي عبارة عن رسم تمثيلي لمختلف لقطات الفيلم توضّح الأجواء الاجتماعية والثقافية والمضامين التاريخية الأصيلة فيه، حيث تمّت مراعاة التسلسل الزمني لأحداث الفيلم وشخوصه.

    وأكّد الفنان الجزائري -الذي درس في أكاديمية الدولة للفنون التشكيلة سوريكوف بموسكو- أن الأعمال المعروضة استغرق العمل على تنفيذها سنتين من البحث الحثيث في مكوّنات وخصائص المواقع التي تمّ تصوير اللقطات فيها، وأيضا البحث في عناصر اللباس التقليدي والحلي والعمران ومشغولات الصناعة التقليدية وغيرها من الطقوس الاحتفالية والرموز التي تؤثّث يوميات شخوص العمل الفني، وقد اعتمدها المخرج الراحل مدور لإنجاز فيلمه الشهير.

    ويسرد فيلم “جبل باية” -الذي صاغ فكرته الرئيسية وأخرجه المخرج الراحل مدور المتوفى في عام 2000، أي بعد ثلاث سنوات فقط من إنجازه فيلمه الناطق بالأمازيغية- حكاية تدور فعالياتها خلال السنوات الأولى من التواجد الاستعماري في الجزائر، وتتبّع فيه مدور قصة باية المرأة الجميلة الأصيلة التي قتل زوجها أمام عينيها من قبل ابن الباي الموالي للمستعمر الفرنسي والذي يريد فيما بعد إجبارها على الزواج منه.

    غير أن باية ظلت عدة سنوات صامدة في وجه كل الأصوات التي تريد دفعها إلى قبول هذا الزواج، بمن فيها سكان القرية الذين أهلكهم حرمانهم من أراضيهم وتهجيرهم منها من قبل المستعمر ومعاونيه ومنهم الباي والد القاتل، كما بقيت متمسّكة بروح الانتقام لموت زوجها من خلال إعداد ابنها الوحيد لهذه المهمة، والذي نجح في الثأر لدم أبيه المهدور، حيث تمكّن من قتل ابن الباي ليلة زواجه، لتكون نفس الديّة التي تلقتها باية في زوجها هي ديّة المقتول لوالده.

    والفيلم يكشف على مدار ما يقارب ساعتين من الزمن مدى تعلق سكان منطقة القبائل الوثيق بعاداتهم وتقاليدهم، ومنها موضوع الوفاء للزوج ومقاومة المستعمر والتعلق بالأرض والتكافل الاجتماعي الذي يظهر من خلال التعاون في بناء المنازل وممارسة النشاط الفلاحي بشكل جماعي، كما يركّز الفيلم على الصورة والبعد الرمزي بدل التصريح المباشر، مثل استحمام الشابة في النهر الذي كان يرمز لدى سكان المنطقة إلى استعدادها للزواج، أو حرق برنسها مثلا في حالة رفض ذلك.


    بين السينما والرسم أضواء وخيالات


    وعزالدين مندور من مواليد عام 1947 في منطقة سيدي عيش بمحافظة بجاية، درس الأدب الفرنسي في جامعة الجزائر، ثم تخصّص في دراسة السينما في جامعة موسكو بروسيا في السبعينات، واستطاع بعد عودته إلى الجزائر أن يخرج العديد من الأفلام القصيرة للمؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري، بالإضافة إلى العديد من الحصص التلفزيونية والأفلام الوثائقية، من بينها “الفتاة والفراشة” (1982) و“كم أحبك” (1985) و“وقائع وحقائق” (1990) و“أسطورة” (1991) و“جرجرة” (1992).

    وتوفي مدور في السادس عشر من مايو عام 2000 عن عمر ناهز اثنتين وخمسين سنة، بسبب خطأ تقني أدّى إلى انفجار في أحد مواقع التصوير.

    ومن جهة ثانية عرض بلطرش الذي يعمل في المجال السينوغرافي بالتلفزيون الجزائري لوحات فنية تخصّ اللباس التقليدي الجزائري، وكذلك ثلاث لوحات فنية تعجّ بالرمزية، وهبي بمثابة صرخة وحلم إنساني. وبفضلها توّج بالمرتبة الثانية في مهرجان ومسابقة افتراضية دولية ببريطانيا في مجال “فنون الخشبة”، فيما توّجت زوجته إلتسوفا بالمرتبة الأولى.


    ماريا إلتسوفا: الجزائر بتاريخها وضوئها شكّلت محطة مهمة في مسار الفن الاستشراقي


    وبدورها اعتمدت التشكيلية إلتسوفا التي شاركت في العديد من المعارض الدولية على أسلوب خاص وفق رؤية جمالية مُبتكرة، أين شكّلت المرأة والمناظر الطبيعية والتراث والتاريخ الجزائري من الجنوب إلى القصبة مرورا بغرداية مادة فنية خصبة، مستعملة في ذلك تقنية الألوان الزيتية.

    وتعرض الفنانة في المعرض الثنائي لوحات متنوّعة رسمت فيها أجواء عرس في واحة بتمنراست وعزفا لنساء تارقيات على الآلات الموسيقية التقليدية -كآلة الأمزاد والتيندي- وهنّ يرتدين أبهى اللباس التقليدي والمجوهرات الفضية. وقد نجحت في تشكيل ملامح الوجوه وحركات الأيادي إلى جانب اهتمامها الخاص بالقصبة وأزقتها والنساء اللاتي يرتدين لباس الحايك الأبيض والواجهة البحرية للجزائر العاصمة.

    وأكّدت الفنانة الروسية أنها تستلهم مواضيع أعمالها الفنية من التراث الجزائري الذي يتميّز بثراء عناصره وأجوائه، قائلة “الجزائر بتاريخها وعراقتها وضوئها ومعمارها شكّلت ولا تزال تشكّل محطة مهمة في مسار الفن الاستشراقي، حيث استقطبت نخبة من أهم الفنانين في العالم، أثرت في توجهاتهم الفنية على غرار الفنان إيتيان ديني وديلاكروا”.

    وتعايشت إلتسوفا مع البيئة الجزائرية وأبهرها سحر القصبة وأناقة المرأة الجزائرية بخصوصيتها التقليدية التراثية، وقد صوّرتها في مجمل أعمالها الفنية وقدّمتها للمجتمع الروسي في مختلف معارضها الفردية التي جذبت اهتمام النقاد والمتذوّقين الذين تعّرفوا من خلال هذه المعارض على التنوّع البيئي والثقافي الذي تمتاز به الجزائر.
يعمل...
X