استغلال الصورة والخبر لاكبر خدعة في التاريخ
في حرب القرم عام 1848 دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال .
ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب الفوكلاند عام 83 والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظرا لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي تاريخ التصوير رأينا ترجمته من الألمانية . خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممکن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم ويقع في 340 صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالاسود و الأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي 1848 و 1870 وتنتهي بين عامي 1950 و 1983 .
السابع من آذار مارس عام 1936 ، تحول إلى يوم استثنائي في حياة الصحافيين الألمان ... ففي عصر ذلك اليوم ، بعد ثمانية عشر عاماً على نهاية الحرب العالمية الأولى كان رجال المخابرات ( S.S ) قد إحتلوا قاعات التحرير في صحف برلين وجمعوا كل المحررين والمصورين . . ونقلوهم في سيارات خاصة إلى مبنى وزارة الاعلام . وهناك كان بانتظارهم الدكتور جوزيف غوبلز وزير الأعلام الذي بدا في ذلك اليوم بتنظيم أكبر آلة دعائية حربية في التاريخ ، وقد فاجا غوبلز الصحافيين بقوله ، من دعا بعض الضيوف لزيارته هذا المساء عليـه إلـغاء الدعوة .. ! .
وهكذا جند الصحافيون رغماً عنهم في نفس تلك الليلة وتم نقلهم إلى مطار ، تمبلهوف ، ولم يعرفوا مبرر - إختطافهم ، على هذا الشكل إلا عندما حطت بهم الطائرات مدينة كولونيا ... كان عليهم واجب التغطية الصحـافيـة لـدخـول الجيوش الألمانية الهتلرية إلى منطقة « الراين ، وإعادتها إلى الوطن الأم - المانيا بعدما سلخت عنه إثر الحرب العالمية الأولى وبموجب معاهدة فرساي .
بعد مرور سنة على هذا التاريخ امر الوزير غوبلز مائة وخمسين صحافياً ، بحضور المناورات التي يقوم بها الجيش الألماني ، ولكن هذه المرة بشكل مختلف تماماً . وضمن عملية منظمة ، عسكرياً وميدانياً ، لا بل انهم حملوا آلاتهم الكاتبة من نوع ، اریکا ، التي تحولت إلى آلة تقليدية للمخبرين العسكريين ، كما تزود المصورون بـالـعـدسـات المكبرة .. والمحررون باجهزة اتصال لاسلكية .
وهكذا يمكن القول ان المانيا بدات
تدرك أهمية سلاح الـدعـايـة للمعركة ، إلى جانب أسلحة الحرب المعروفة الأخرى العسكريون الألمان لم يكونوا حتى ذلك التاريخ عام ١٩٣٧ - قد أدركوا بعد أهمية هذا الأمر ، ولم يكونوا بالتالي متحمسين لرؤية قوافل المدنيين الذين ياتون المتابعة مناوراتهم العسكرية . لم يكن الجنرالات و اركان الحرب يعرفون لظهورهؤلاء الصحافيين من معنى حتى بعد فترة طويلة من هذا التاريخ .. ففي عام 1938 ، أراد المتحدث باسم إذاعة برلين هوغو لاندغـراف تسجيل اصوات أجراس المدينة
المحررة إثر ما غرف بازمة السوديت تشيكوسلوفاكيا ، ، فنهره أحد الضباط قائلا :
« هل نحن في ماخور سيار ؟ ، إن هذا الكلام لو صدر بعد سنة ، لكان سيودي بالضابط إلى الاعدام خصوصاً بعدما صار رجال سرايا الدعاية هم أحب - الدمى ، لدى الوزير الدكتور جوزيف غوبلز ، فقد عقدت الاتفاقية توقيعها في شتاء عام 1939 من قبل الجنرال كايتل ، رئيس الأركان العامة للجيش الألماني من جهة والدكتور غوبلز من جهة أخرى حول تنفيذ الدعاية للحرب وتنص الاتفاقية على عدم السماح لغير الصحافيين المقاتلين بالتواجد في جبهات القتال ، كما تم حصر الحق في السماح بنشر الأخبار الواردة من الجبهة بوزارة الاعلام ، التي ستتولى مراقبة رئاسة التحرير وتزويد المحررين بالاخبار اللازمة . وبالفعل كانت رئاسة التحريريومها تجد في دائرة المراقبة السياسية ، أو الصحافية مصدر ذعر لها ، خصوصاً وان المراقبين كانوا يعملون بحزم ، ويقتطعـون من المقالات كل ما يجدونه ، مائعاً ، ، ليس هذا فحسب ، بل يقومون بعرض الأخبار المقتطعة على الدكتور غوبلز ، الذي يؤئب رئاسة التحـريـر ويهدد المسؤولين بمعسكرات الاعتقال ، إذا ما عصى المحررون اوامره وتعليماته .
وكانت التعليمات والتوجيهات الى الصحافة تصدر من ثلاثة أجهزة هي : وزارة الاعلام ، ومصلحة الصحافة الحكومية للحزب النازي وجلسات مجلس الوزراء . وطيلة سنوات الحرب السبع ، لم تظهرأي صورة حربية ولا تقرير عسكري واحد أو مجرد خبر ، دون المرور على الرقابـة كان على المصورين الصحافيين ان يصوروا الجنود الألمان ، كنصب تذكاري للرجل الذي يشترك في مباريات - أولمبياد دموية . ! على الجندي الألماني يبدو مثالياً في نظر الناس ، إن خلال المعارك ، حيث هو الرجل الذي يمكن قتله او حتى جرحه ، او خلال استراحته ، وهو يتناول المشروب او يداعب فراء كلبه .
في تلك الفترة إبتدع - الرايخ الثالث ما أسماه . الأدب الاسفلتـي » و « التصوير الأسفلتي والتصنيف الأخير خصص لصور العاطلين عن العمل والاستـغـلاليين والفتيات المستهترات ، وصور السكارى والمعاقين والشاذين ، كل هذه الصور وما شابهها تم حظرها من قبل السلطات المختصة وبعد معركة . بولونيا ، والنصر الذي حقق يومها ، تم حظر صور الدمار والمنازل المحترقة ومعسكرات اللاجئين . فالصور كلها يجب أن تكون . تخليقة . وتؤكد على النصر الحاسم للالمان بقيادة هتلر !
ومن رواد التصوير التخليف في هذا المجال ثلاثة هم هاينريش هوفمان المصور الشخصي لهتلر ، وقد قام باخذ صور للعائلة الشعبية مظهراً ، الفوهرر ، وهو يتطلع إلى اعين الصغار ، أو يضغط باليد في تحيته على النساء ذوات الجدائل أو الضفائر ، والمصورة إيرنا لندفاي دیرکسن ، التي اعطت لصورها وجها من اوجه ايديولوجية الدم
والأرض ، في لقطات لرجال الجبال والغابات وللصيادين والفلاحين وللنساء الريفيات مؤكدة على . الشكل الرائع لشعبنا ...
المصورة الثالثـة كـانت ليني ريفنشتال ، التي صورت الرجـل في كامل قوته وكمال جسمه .. رجال رياضيون يتدربون على إحراز النصر في الالعاب الأولمبية لعام ١٩٣٦ ( ! ) ادولف هتلر كان بدوره من المهووسين بالصور ، إذ كان يعمد باستمرار إلى مراقبة الصور الحربية بنفسه ، واكثر من ذلك انه كان يراقب نفسه بكثير من الحذر حين يكون هو موضوع التصوير لا بد من وضع القبعة و « السيلندر ، دائماً في صوره ، وكان ينتقد الماريشال هيرمان غورينغ لانه يقف امام المصورين والسيجار بفمه ، وقال له في إحدى المرات ، لا يمكن يا غورينغ أن نصنع نصبا تذكارياً لرجل يضع سيجاراً في فمه . .
وفي الصورة الماخوذة لاتفاقية الصداقة وعدم الاعتداء مع روسيا ، أصر هتلر على حذف السيجار من بين اصابع ستالين ـ الزعيم السوفياتي ـ قبل السماح بنشر الصورة وقد تمت فعلا عملية الحذف عن طريق الرتوش ، بناء لأوامر هتلر ...
وفي هذا المجال أيضا كان الزعيم النازي يقول ، اشعر بالغيظ كل مرة يظهر فيها . الدئشة ، الليدو مع أفراد عائلته وهو يرتدي ملابس البحر ... هذا أمر لا يليق برجل دولة كبير . فاين يصبح الاحترام والتقدير لشخص مثل الأمبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت . لو وصلتنا صوره وهو يرتدي
المايوه ... من هنا فانا لا استحم أبدأ في المسابح العلنية .
والأغـرب من كل ذلك أن الديكتاتور الكبير منع عرض الصور التي يظهر فيها بالنظارات ، مما يؤكد احساسه بعقدة النقص كما لجا إلى سحب كل الصور التي ظهر فيها مع كلبه الصغير ، بورلي . .. معتبراً أن هذا الكلب الصغير لا يليق به ، ولا بد أن تكون صورته مع كلب الماني أصيل من فئة ، شيان لو . . كما كان المستشار الألماني الفولاذي اوتو فون بسمارك لا يتصور إلا مع كلبه الضخم والشهير من نوع . دوغ . .
بعد إعلان الحرب العالمية الثانية عام 1939 ، صار الهرب من الواقع هو الهاجس الرقابي لهتلر . الذي كان ينكر حتى الوثائق الثابتة وقد دفع مرة بغضب مجموعة صور لجنود المان هاربين . علماً ان مصوره هوفمان هو الذي التقط هذه الصور ومرة أخرى وضع أمامه رئيس الأركان . هالدر . صوراً لمدينة سوتشي السوفياتية للتاكيد على صعوبة اقتحامها . بسبب كثافة أشجار الجوز حولها فما كان من هتلر إلا أن رمى بالصور وقال هذه الأمور يمكن تجاوزها .. وقد تغلبنا حتى الآن على كل الصعوبات . ! اما صور استسلام الجيش الألماني في ستالينغراد بقيادة الماريشال فونت باولوس ، فقد وصفها هتلر بانها مزيفة ، وقد تم تلفيقها عن طريق عملية . مونتاج - مغرضة .
هروب هتلر من الواقع يتجلى أكثر في إحدى روايات المؤرخ وليـام كريغ ، حيث يقول أنه في إحدى رحلات هتلر بقطار خاص ، حدث ان توقف بجانبه قطار - مستشفى واطل الجرحى عليه من نافذته ، فما كان منه إلا أن أمر باسدال الستائر .
ورضخ الجنود الذين جرحوا من اجل هتلر ، لأوامره بالاختفاء في غياهب الظلام .. لأن زعيمهم لا يريد ان يقتنع بانه اوصل الكثير من جنوده إلى هذه الحالة .
كان المصورون الذين يتم إختيارهم للذهاب إلى جبهات الحرب ، يخضعون لدورة تعليمية خاصة في ثكنة ، الكسندر ، في برلين . وكانت التعليمات الأولى تقضي بتصوير القوات الهجومية المتقدمة كما يؤكد المصور شميدت شيدر ، بشكل يوحي بانهم يسيرون دائماً من اليسار إلى اليمين ، باعتبار ان بلاد العدو تقع في الشرق المسالة الأخرى التي على المصورين تعلمها ، هي انه لا بد من إظهار الجندي الألماني على أساس أنه متفوق دائماً ، أما صور قتلي المعارك فكانت غير مرغوبة ، خصوصاً إذا كان القتلى من الألمان ولا مانع من الاكثار من صور القتلى الروس ، كما يؤكد شميدت .
أما على صعيد الأجهزة المهمة لآلة الدعاية فكانت العدسات بعيدة المدى ، وقطار الصور و ، العربة الخاصة ، التي يبلغ وزنها حوالي اربعة عشر طناً ، وهي النموذج الحديث للغرفة المظلمة التي سبق وأشرنا إليها في حرب القرم مع المصور روجيه فانتون هذه العربة كانت مزودة بمختبر تصويري وآلات تجفيف للأفلام .. ومجهزة للسير في الأماكن الجبلية والوعرة .
كما كانت مزودة بسلك فولاذي للتمكن من جرها عبر الوحـول والمستنقعات إذا دعت الضرورة لذلك .
كانت أطوال بعض العدسات تصل يومها إلى المتر ، بحيث يقوم المصور الحربي بالتقاط صور المعارك الجوية من لينينغراد المحاصرة ، ومن ثم عبر القنال يلتقط صور الصخور الكلسية لمدينة دوفر البريطانية .
إذن مع إندلاع الحرب العالمية الثانية في ايلول عام 1939 سارت إلى الجبهات مع الكتائب القتالية . كتيبة خاصة بالدعاية وهي مجهزة كالوحدات القتالية .. وتتالف من مائتين وخمسين مخبراً حربياً . يسيرون إلى الجبهة مع مختبرات للتصوير ، وعربات إعداد مع كاميرات وافلام ومواد تصوير وتجهيزات كاملة إضافة إلى سيارات ومكبرات للصوت مع سيارات يمكن ان تتحول بدقائق إلى منصات تستخدم كقاعدة للمصورين السينمائيين ... وحتى الفوتوغرافيين .. وكانت العملية منظمة تنظيماً دقيقاً على الطريقة النازية . اشخاص معينون مهمتهم نقل الأفلام المصورة إلى أقرب مطار او طائرة خاصة لنقل المواد إلى برلين . وكان المصورون يقبضون إضافة إلى رواتبهم من الجيش ، مكافات عن كل صورة تنشر في المجلات المصورة في برلين ، كما كان على الصحيفة أو المجلة ان تدفع ماركاً إضافياً . عن كل صورة تنشرها . إلى صندوق المتضررين من الحرب .. وهذه كانت الحسنة الأكبر للتصوير الحربي في الرايخ الثالث . .
وفي المجلـدات المصورة او المجلات الخاصة بالجبهة ، كان المخبرون الحربيون . خصوصاً
أولئك الذين كانوا تابعين لوزارة الدعاية ، يسردون قصصا عما ينعمون به في الجبهة .. المصور ، ست ، مثلا ، والذي كان يذهب إلى كل مكان يمكنه العودة منه بصور مثيرة ، ليقول بعد ذلك . لقد إحتفلوا بي في بولونيا كضيف شرف ، أما في النروج فقد دعائي رجال البحرية إلى حفلة سباحة في سكاراجاك والآن أمامي رحلة قفز مع السلاح الجوي عبر القتال . وحتى أولئك الذين كانوا يكرهون التبجح ، كتبوا عن حملاتهم بالاسلوب الذي يتحدث فيه المخبر الرياضي عن مباراة شيقة في الملاكمة .
المخبر - المصور ك ر . كراوبا توسكاني كتب يقول : « التصوير هو عراك من أجل اللحظة .. انه سباق مع الزمن ، وقد وضعت آلة تصوير اللايكا » على حافة الجسر وأمسكتها بيدي بعد ما اسندتها بوجهي ، الفم مفتوح وقد سددت الاذنين بالقطن ، وبقيت دون تنفس ... صوت إنذار إنطلق عبر السفينة النيران اندلعت ضغط الهواء قذفني إلى الخلف .. لقد انقضى الأمر ليت الصورة تكون قد نجحت .. سؤال صامت وخائف .. والصراع مستمر مع الوقت والهواء والطقس .. رغم العدو والخطر . وحتى النصر النهائي . .
رؤوساء التحرير من جهتهم لم يكونوا متساهلين في مراقبتهم لم يكتب تحت الصور فالتقدم الألماني يجب ان يكون غير قابل للايقاف . والنصرلنا ، دائماً وإذا ما أسقط الألمان طائرة مغيرة فوق القنال فهذا يعتبر عملا بطوليا او عقاباً محقا ، يجب التركيز عليه بشدة ...
ويمكن القول أن الواجب الرئيسي للمخبر الحربي ظل دائماً ينحصر بخداع الألمان حول مجريات الحرب وإقناع الجندي ببطولته ، وبانه مامن وليس بامكان احد ان يتغلب عليه .
في التاسع والعشرين من ايار , مايو ، عام 1940 اصدر وزیر الاعلام في الرايخ الثالث ، الدكتور جوزيف غوبلز امراً مفاده . ان صور الأسرى لا تعرض إلا إذا كانت تحمل إنطباع الهزيمة والياس . وبعد اسبوع طالب هتلر بصور عن وجبات الطعام ، الحيوانية ، التي تقدم لأسرى الحرب من السود . في التاسع عشر من نيسان . ابريل ، 1941 ثم التركيز على صور للتحية التي قوبلت فيها القوات الألمانية لدى دخولها إلى مدينة سالونيك اليونانية . وكان هتلر يقوم غالباً باجراء بعض التصليحات على النصوص التي ترد تحت الصور رغم ان الوزير غوبلز كان يشرف بنفسه على كل الافلام .. وذلك في فيللا خاصة تدفع شركة الأخبار الأسبوعية إيجارها ، ومن اهم الصور التي كانت تثير إعجاب هتلر ، صور الغواصات ، وكان يصر دائماً على الا يقال أنه في كل إسبوع تنجز في حوض البناء . عدة غواصات ، بل لا بد من التأكيد بأن إنجاز الغواصات وإنزالها إلى البحر يتم بصورة متواصلة ومستمرة بلا انقطاع .
ومعظم الصور التي كانت سرايا الدعاية تاخذها ، كان تنشر في المجلات الدعائية المنتشرة يومها مع تقيد تام بقواعد - اللغة . المرسومة من قبل وزير الدعاية ..
فالأنصار أو البارتيزان ( Partisan ) يجب ان يذكر تحت صورهم بانهم افراد العصابات . والطيـار الألماني هو ، قائد السرب ، بينما الطيار الروسي فهوه البولشفيك . . وبالنسبة لشكل الصورة نفسها . كان الجندي الألماني دائماً حسن المظهر وجميل الصورة ، وعلى عكسه يجب ان يبدو الأسير من السنغاليين أو غيره من الجنود الملونين لتأكيد الفارق ، العرقي . . عمليات الخداع لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزت كل الحدود ...
فعندما كانت برلين ، عاصمة الرايخ الثالث ، مغطاة ببحر من النار في عام ١٩٤٣ ، كانت البريمادونا ماريا سيبوتاري ، المغنية الأوبراليـة الشهيرة ، تغني اوبرا جوليا في دار الأوبرا الحكـوميـة ... أوبرا ضخمة والرايخ الثالث يسير نحو الهاوية ... الألمان يقطنون بين أكوام الخرائب ، وفي صالات السينما .
يعرض فيلم ، البهلوان الجميل . . والحفلات في كل مكان ، عامـرة والبطاقات مباعة بكاملها ! .. أو هذا ما كانت تؤكده كل المجلات الألمانية يومها .
الممثل السينمائي الألماني الشهير یوهانس هیسترز يقول متذكراً كان عملنا هو أكبر خدعة في التاريخ .
بالفعل فقد كانت كلمة هزيمة ، كلمة غريبة عن القاموس الألماني .
في حرب القرم عام 1848 دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال .
ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب الفوكلاند عام 83 والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظرا لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي تاريخ التصوير رأينا ترجمته من الألمانية . خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممکن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم ويقع في 340 صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالاسود و الأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي 1848 و 1870 وتنتهي بين عامي 1950 و 1983 .
السابع من آذار مارس عام 1936 ، تحول إلى يوم استثنائي في حياة الصحافيين الألمان ... ففي عصر ذلك اليوم ، بعد ثمانية عشر عاماً على نهاية الحرب العالمية الأولى كان رجال المخابرات ( S.S ) قد إحتلوا قاعات التحرير في صحف برلين وجمعوا كل المحررين والمصورين . . ونقلوهم في سيارات خاصة إلى مبنى وزارة الاعلام . وهناك كان بانتظارهم الدكتور جوزيف غوبلز وزير الأعلام الذي بدا في ذلك اليوم بتنظيم أكبر آلة دعائية حربية في التاريخ ، وقد فاجا غوبلز الصحافيين بقوله ، من دعا بعض الضيوف لزيارته هذا المساء عليـه إلـغاء الدعوة .. ! .
وهكذا جند الصحافيون رغماً عنهم في نفس تلك الليلة وتم نقلهم إلى مطار ، تمبلهوف ، ولم يعرفوا مبرر - إختطافهم ، على هذا الشكل إلا عندما حطت بهم الطائرات مدينة كولونيا ... كان عليهم واجب التغطية الصحـافيـة لـدخـول الجيوش الألمانية الهتلرية إلى منطقة « الراين ، وإعادتها إلى الوطن الأم - المانيا بعدما سلخت عنه إثر الحرب العالمية الأولى وبموجب معاهدة فرساي .
بعد مرور سنة على هذا التاريخ امر الوزير غوبلز مائة وخمسين صحافياً ، بحضور المناورات التي يقوم بها الجيش الألماني ، ولكن هذه المرة بشكل مختلف تماماً . وضمن عملية منظمة ، عسكرياً وميدانياً ، لا بل انهم حملوا آلاتهم الكاتبة من نوع ، اریکا ، التي تحولت إلى آلة تقليدية للمخبرين العسكريين ، كما تزود المصورون بـالـعـدسـات المكبرة .. والمحررون باجهزة اتصال لاسلكية .
وهكذا يمكن القول ان المانيا بدات
تدرك أهمية سلاح الـدعـايـة للمعركة ، إلى جانب أسلحة الحرب المعروفة الأخرى العسكريون الألمان لم يكونوا حتى ذلك التاريخ عام ١٩٣٧ - قد أدركوا بعد أهمية هذا الأمر ، ولم يكونوا بالتالي متحمسين لرؤية قوافل المدنيين الذين ياتون المتابعة مناوراتهم العسكرية . لم يكن الجنرالات و اركان الحرب يعرفون لظهورهؤلاء الصحافيين من معنى حتى بعد فترة طويلة من هذا التاريخ .. ففي عام 1938 ، أراد المتحدث باسم إذاعة برلين هوغو لاندغـراف تسجيل اصوات أجراس المدينة
المحررة إثر ما غرف بازمة السوديت تشيكوسلوفاكيا ، ، فنهره أحد الضباط قائلا :
« هل نحن في ماخور سيار ؟ ، إن هذا الكلام لو صدر بعد سنة ، لكان سيودي بالضابط إلى الاعدام خصوصاً بعدما صار رجال سرايا الدعاية هم أحب - الدمى ، لدى الوزير الدكتور جوزيف غوبلز ، فقد عقدت الاتفاقية توقيعها في شتاء عام 1939 من قبل الجنرال كايتل ، رئيس الأركان العامة للجيش الألماني من جهة والدكتور غوبلز من جهة أخرى حول تنفيذ الدعاية للحرب وتنص الاتفاقية على عدم السماح لغير الصحافيين المقاتلين بالتواجد في جبهات القتال ، كما تم حصر الحق في السماح بنشر الأخبار الواردة من الجبهة بوزارة الاعلام ، التي ستتولى مراقبة رئاسة التحرير وتزويد المحررين بالاخبار اللازمة . وبالفعل كانت رئاسة التحريريومها تجد في دائرة المراقبة السياسية ، أو الصحافية مصدر ذعر لها ، خصوصاً وان المراقبين كانوا يعملون بحزم ، ويقتطعـون من المقالات كل ما يجدونه ، مائعاً ، ، ليس هذا فحسب ، بل يقومون بعرض الأخبار المقتطعة على الدكتور غوبلز ، الذي يؤئب رئاسة التحـريـر ويهدد المسؤولين بمعسكرات الاعتقال ، إذا ما عصى المحررون اوامره وتعليماته .
وكانت التعليمات والتوجيهات الى الصحافة تصدر من ثلاثة أجهزة هي : وزارة الاعلام ، ومصلحة الصحافة الحكومية للحزب النازي وجلسات مجلس الوزراء . وطيلة سنوات الحرب السبع ، لم تظهرأي صورة حربية ولا تقرير عسكري واحد أو مجرد خبر ، دون المرور على الرقابـة كان على المصورين الصحافيين ان يصوروا الجنود الألمان ، كنصب تذكاري للرجل الذي يشترك في مباريات - أولمبياد دموية . ! على الجندي الألماني يبدو مثالياً في نظر الناس ، إن خلال المعارك ، حيث هو الرجل الذي يمكن قتله او حتى جرحه ، او خلال استراحته ، وهو يتناول المشروب او يداعب فراء كلبه .
في تلك الفترة إبتدع - الرايخ الثالث ما أسماه . الأدب الاسفلتـي » و « التصوير الأسفلتي والتصنيف الأخير خصص لصور العاطلين عن العمل والاستـغـلاليين والفتيات المستهترات ، وصور السكارى والمعاقين والشاذين ، كل هذه الصور وما شابهها تم حظرها من قبل السلطات المختصة وبعد معركة . بولونيا ، والنصر الذي حقق يومها ، تم حظر صور الدمار والمنازل المحترقة ومعسكرات اللاجئين . فالصور كلها يجب أن تكون . تخليقة . وتؤكد على النصر الحاسم للالمان بقيادة هتلر !
ومن رواد التصوير التخليف في هذا المجال ثلاثة هم هاينريش هوفمان المصور الشخصي لهتلر ، وقد قام باخذ صور للعائلة الشعبية مظهراً ، الفوهرر ، وهو يتطلع إلى اعين الصغار ، أو يضغط باليد في تحيته على النساء ذوات الجدائل أو الضفائر ، والمصورة إيرنا لندفاي دیرکسن ، التي اعطت لصورها وجها من اوجه ايديولوجية الدم
والأرض ، في لقطات لرجال الجبال والغابات وللصيادين والفلاحين وللنساء الريفيات مؤكدة على . الشكل الرائع لشعبنا ...
المصورة الثالثـة كـانت ليني ريفنشتال ، التي صورت الرجـل في كامل قوته وكمال جسمه .. رجال رياضيون يتدربون على إحراز النصر في الالعاب الأولمبية لعام ١٩٣٦ ( ! ) ادولف هتلر كان بدوره من المهووسين بالصور ، إذ كان يعمد باستمرار إلى مراقبة الصور الحربية بنفسه ، واكثر من ذلك انه كان يراقب نفسه بكثير من الحذر حين يكون هو موضوع التصوير لا بد من وضع القبعة و « السيلندر ، دائماً في صوره ، وكان ينتقد الماريشال هيرمان غورينغ لانه يقف امام المصورين والسيجار بفمه ، وقال له في إحدى المرات ، لا يمكن يا غورينغ أن نصنع نصبا تذكارياً لرجل يضع سيجاراً في فمه . .
وفي الصورة الماخوذة لاتفاقية الصداقة وعدم الاعتداء مع روسيا ، أصر هتلر على حذف السيجار من بين اصابع ستالين ـ الزعيم السوفياتي ـ قبل السماح بنشر الصورة وقد تمت فعلا عملية الحذف عن طريق الرتوش ، بناء لأوامر هتلر ...
وفي هذا المجال أيضا كان الزعيم النازي يقول ، اشعر بالغيظ كل مرة يظهر فيها . الدئشة ، الليدو مع أفراد عائلته وهو يرتدي ملابس البحر ... هذا أمر لا يليق برجل دولة كبير . فاين يصبح الاحترام والتقدير لشخص مثل الأمبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت . لو وصلتنا صوره وهو يرتدي
المايوه ... من هنا فانا لا استحم أبدأ في المسابح العلنية .
والأغـرب من كل ذلك أن الديكتاتور الكبير منع عرض الصور التي يظهر فيها بالنظارات ، مما يؤكد احساسه بعقدة النقص كما لجا إلى سحب كل الصور التي ظهر فيها مع كلبه الصغير ، بورلي . .. معتبراً أن هذا الكلب الصغير لا يليق به ، ولا بد أن تكون صورته مع كلب الماني أصيل من فئة ، شيان لو . . كما كان المستشار الألماني الفولاذي اوتو فون بسمارك لا يتصور إلا مع كلبه الضخم والشهير من نوع . دوغ . .
بعد إعلان الحرب العالمية الثانية عام 1939 ، صار الهرب من الواقع هو الهاجس الرقابي لهتلر . الذي كان ينكر حتى الوثائق الثابتة وقد دفع مرة بغضب مجموعة صور لجنود المان هاربين . علماً ان مصوره هوفمان هو الذي التقط هذه الصور ومرة أخرى وضع أمامه رئيس الأركان . هالدر . صوراً لمدينة سوتشي السوفياتية للتاكيد على صعوبة اقتحامها . بسبب كثافة أشجار الجوز حولها فما كان من هتلر إلا أن رمى بالصور وقال هذه الأمور يمكن تجاوزها .. وقد تغلبنا حتى الآن على كل الصعوبات . ! اما صور استسلام الجيش الألماني في ستالينغراد بقيادة الماريشال فونت باولوس ، فقد وصفها هتلر بانها مزيفة ، وقد تم تلفيقها عن طريق عملية . مونتاج - مغرضة .
هروب هتلر من الواقع يتجلى أكثر في إحدى روايات المؤرخ وليـام كريغ ، حيث يقول أنه في إحدى رحلات هتلر بقطار خاص ، حدث ان توقف بجانبه قطار - مستشفى واطل الجرحى عليه من نافذته ، فما كان منه إلا أن أمر باسدال الستائر .
ورضخ الجنود الذين جرحوا من اجل هتلر ، لأوامره بالاختفاء في غياهب الظلام .. لأن زعيمهم لا يريد ان يقتنع بانه اوصل الكثير من جنوده إلى هذه الحالة .
كان المصورون الذين يتم إختيارهم للذهاب إلى جبهات الحرب ، يخضعون لدورة تعليمية خاصة في ثكنة ، الكسندر ، في برلين . وكانت التعليمات الأولى تقضي بتصوير القوات الهجومية المتقدمة كما يؤكد المصور شميدت شيدر ، بشكل يوحي بانهم يسيرون دائماً من اليسار إلى اليمين ، باعتبار ان بلاد العدو تقع في الشرق المسالة الأخرى التي على المصورين تعلمها ، هي انه لا بد من إظهار الجندي الألماني على أساس أنه متفوق دائماً ، أما صور قتلي المعارك فكانت غير مرغوبة ، خصوصاً إذا كان القتلى من الألمان ولا مانع من الاكثار من صور القتلى الروس ، كما يؤكد شميدت .
أما على صعيد الأجهزة المهمة لآلة الدعاية فكانت العدسات بعيدة المدى ، وقطار الصور و ، العربة الخاصة ، التي يبلغ وزنها حوالي اربعة عشر طناً ، وهي النموذج الحديث للغرفة المظلمة التي سبق وأشرنا إليها في حرب القرم مع المصور روجيه فانتون هذه العربة كانت مزودة بمختبر تصويري وآلات تجفيف للأفلام .. ومجهزة للسير في الأماكن الجبلية والوعرة .
كما كانت مزودة بسلك فولاذي للتمكن من جرها عبر الوحـول والمستنقعات إذا دعت الضرورة لذلك .
كانت أطوال بعض العدسات تصل يومها إلى المتر ، بحيث يقوم المصور الحربي بالتقاط صور المعارك الجوية من لينينغراد المحاصرة ، ومن ثم عبر القنال يلتقط صور الصخور الكلسية لمدينة دوفر البريطانية .
إذن مع إندلاع الحرب العالمية الثانية في ايلول عام 1939 سارت إلى الجبهات مع الكتائب القتالية . كتيبة خاصة بالدعاية وهي مجهزة كالوحدات القتالية .. وتتالف من مائتين وخمسين مخبراً حربياً . يسيرون إلى الجبهة مع مختبرات للتصوير ، وعربات إعداد مع كاميرات وافلام ومواد تصوير وتجهيزات كاملة إضافة إلى سيارات ومكبرات للصوت مع سيارات يمكن ان تتحول بدقائق إلى منصات تستخدم كقاعدة للمصورين السينمائيين ... وحتى الفوتوغرافيين .. وكانت العملية منظمة تنظيماً دقيقاً على الطريقة النازية . اشخاص معينون مهمتهم نقل الأفلام المصورة إلى أقرب مطار او طائرة خاصة لنقل المواد إلى برلين . وكان المصورون يقبضون إضافة إلى رواتبهم من الجيش ، مكافات عن كل صورة تنشر في المجلات المصورة في برلين ، كما كان على الصحيفة أو المجلة ان تدفع ماركاً إضافياً . عن كل صورة تنشرها . إلى صندوق المتضررين من الحرب .. وهذه كانت الحسنة الأكبر للتصوير الحربي في الرايخ الثالث . .
وفي المجلـدات المصورة او المجلات الخاصة بالجبهة ، كان المخبرون الحربيون . خصوصاً
أولئك الذين كانوا تابعين لوزارة الدعاية ، يسردون قصصا عما ينعمون به في الجبهة .. المصور ، ست ، مثلا ، والذي كان يذهب إلى كل مكان يمكنه العودة منه بصور مثيرة ، ليقول بعد ذلك . لقد إحتفلوا بي في بولونيا كضيف شرف ، أما في النروج فقد دعائي رجال البحرية إلى حفلة سباحة في سكاراجاك والآن أمامي رحلة قفز مع السلاح الجوي عبر القتال . وحتى أولئك الذين كانوا يكرهون التبجح ، كتبوا عن حملاتهم بالاسلوب الذي يتحدث فيه المخبر الرياضي عن مباراة شيقة في الملاكمة .
المخبر - المصور ك ر . كراوبا توسكاني كتب يقول : « التصوير هو عراك من أجل اللحظة .. انه سباق مع الزمن ، وقد وضعت آلة تصوير اللايكا » على حافة الجسر وأمسكتها بيدي بعد ما اسندتها بوجهي ، الفم مفتوح وقد سددت الاذنين بالقطن ، وبقيت دون تنفس ... صوت إنذار إنطلق عبر السفينة النيران اندلعت ضغط الهواء قذفني إلى الخلف .. لقد انقضى الأمر ليت الصورة تكون قد نجحت .. سؤال صامت وخائف .. والصراع مستمر مع الوقت والهواء والطقس .. رغم العدو والخطر . وحتى النصر النهائي . .
رؤوساء التحرير من جهتهم لم يكونوا متساهلين في مراقبتهم لم يكتب تحت الصور فالتقدم الألماني يجب ان يكون غير قابل للايقاف . والنصرلنا ، دائماً وإذا ما أسقط الألمان طائرة مغيرة فوق القنال فهذا يعتبر عملا بطوليا او عقاباً محقا ، يجب التركيز عليه بشدة ...
ويمكن القول أن الواجب الرئيسي للمخبر الحربي ظل دائماً ينحصر بخداع الألمان حول مجريات الحرب وإقناع الجندي ببطولته ، وبانه مامن وليس بامكان احد ان يتغلب عليه .
في التاسع والعشرين من ايار , مايو ، عام 1940 اصدر وزیر الاعلام في الرايخ الثالث ، الدكتور جوزيف غوبلز امراً مفاده . ان صور الأسرى لا تعرض إلا إذا كانت تحمل إنطباع الهزيمة والياس . وبعد اسبوع طالب هتلر بصور عن وجبات الطعام ، الحيوانية ، التي تقدم لأسرى الحرب من السود . في التاسع عشر من نيسان . ابريل ، 1941 ثم التركيز على صور للتحية التي قوبلت فيها القوات الألمانية لدى دخولها إلى مدينة سالونيك اليونانية . وكان هتلر يقوم غالباً باجراء بعض التصليحات على النصوص التي ترد تحت الصور رغم ان الوزير غوبلز كان يشرف بنفسه على كل الافلام .. وذلك في فيللا خاصة تدفع شركة الأخبار الأسبوعية إيجارها ، ومن اهم الصور التي كانت تثير إعجاب هتلر ، صور الغواصات ، وكان يصر دائماً على الا يقال أنه في كل إسبوع تنجز في حوض البناء . عدة غواصات ، بل لا بد من التأكيد بأن إنجاز الغواصات وإنزالها إلى البحر يتم بصورة متواصلة ومستمرة بلا انقطاع .
ومعظم الصور التي كانت سرايا الدعاية تاخذها ، كان تنشر في المجلات الدعائية المنتشرة يومها مع تقيد تام بقواعد - اللغة . المرسومة من قبل وزير الدعاية ..
فالأنصار أو البارتيزان ( Partisan ) يجب ان يذكر تحت صورهم بانهم افراد العصابات . والطيـار الألماني هو ، قائد السرب ، بينما الطيار الروسي فهوه البولشفيك . . وبالنسبة لشكل الصورة نفسها . كان الجندي الألماني دائماً حسن المظهر وجميل الصورة ، وعلى عكسه يجب ان يبدو الأسير من السنغاليين أو غيره من الجنود الملونين لتأكيد الفارق ، العرقي . . عمليات الخداع لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزت كل الحدود ...
فعندما كانت برلين ، عاصمة الرايخ الثالث ، مغطاة ببحر من النار في عام ١٩٤٣ ، كانت البريمادونا ماريا سيبوتاري ، المغنية الأوبراليـة الشهيرة ، تغني اوبرا جوليا في دار الأوبرا الحكـوميـة ... أوبرا ضخمة والرايخ الثالث يسير نحو الهاوية ... الألمان يقطنون بين أكوام الخرائب ، وفي صالات السينما .
يعرض فيلم ، البهلوان الجميل . . والحفلات في كل مكان ، عامـرة والبطاقات مباعة بكاملها ! .. أو هذا ما كانت تؤكده كل المجلات الألمانية يومها .
الممثل السينمائي الألماني الشهير یوهانس هیسترز يقول متذكراً كان عملنا هو أكبر خدعة في التاريخ .
بالفعل فقد كانت كلمة هزيمة ، كلمة غريبة عن القاموس الألماني .
تعليق