بارناسيه (مدرسه)
Parnassianism - Le Parnasse
البارناسيّة (المدرسة-)
في الربع الثاني من القرن التاسع عشر برزت مجموعة من الشعراء الفرنسيين بدا لها أن تجدد في أسلوب الشعر وموضوعاته بعد أن ضاقت باللغة الانفعالية والتأجج العاطفي وماشابه ذلك، مما حفلت به المرحلة الإبداعية (الرومنسية). وقد تبنت هذه المجموعة مقولة «الفن من أجل الفن» L'art pour l'art زاعمة أنه لاهدف للشعر سوى الشعر نفسه، ومؤمنة بأن الجمال الحقيقي المبتغى في الشعر يكمن في الينبوع الأصيل وهو البارناس Parnasse (نسبة إلى جبل بارناسوس Parnassos في اليونان)، فالفن اليوناني هو المثل الأعلى السامي الذي ينبغي للشاعر أن يقتدي به. ومن هنا جاء تقديس هذه الجمهرة من الشعراء لكل مايتصل باليونان وشعرها وتاريخها وأساطيرها، ليتاح لهم من ثَمَّ أن يعزفوا عن العاطفة المتأجِّجة، المتقلِّبة، السائدة في الشعر الإبداعي خاصة، ويستبدلوا بها تصويراً صادقاً للطبيعة وحرصاً دؤوباً على صقل الشعر والسمو بتقنيته إلى مشارف الكمال، وكذلك انساق جل شعراء البرناسية في هذا المنحى المواكب للاتجاه السائد، آنذاك، في الفنون التشكيلية، نحتاً وتصويراً. ويمكن أن يعدَّ تيوفيل غوتييه[ر] Théophile Gautier في طليعة الرواد الداعين إلى هذا الاتجاه الجمالي في الشعر، ومع أنه بدأ شاعراً إبداعياً، متحمساً لفكتور هوغو[ر]، فإنه لم يلبث أن تحول عن الإبداعية، مؤكداً أن الجمال، ولاشيءَ غيره، هو المطلوب المرغوب فيه في الشعر. وقد نشر ديوان «إسبانية» España إثر عودته منها، عرض فيه انطباعاته عن عمارتها ومتاحفها، وبتر فيه كلَّ ماكان يشدُّه إلى الإبداعية ثم نشر ديوان «طلاء من خزفٍ وجِزع من عقيق» Emaux et Camées الذي يشي برؤيته الشعرية الجديدة، وفيه دعوةٌ صريحةٌ إلى تقديس الجمال كما تجلى في الفن اليوناني الأصيل.
وأتى بعده، تيودور دي بانفيل (1823-1891) Théodore de Banville تلميذاً مخلصاً لغوتييه، مؤمناً بشعار «الفن من أجل الفن»، وأن اليونان هي الرمز الأسمى لما في هذا الكون من قيمٍ جماليةٍ، داعياً إلى الحفاظ على الوزن والأسلوب الرصين ومنوهاً بأن القوافي المرنانة هي المسامير الذهبية التي تثبِّت أركان القصيدة.
وحتى عام 1866 لم يكن ثمة حركةٌ بارناسيةٌ بهذا الاسم، ولابارناسيون يلهجون بانتمائهم إليها، لكن في ذلك العام تألفَّت نخبة من الشعراء، معتزمةً إصدار منتخباتٍ من الشعر الجديد الداعي إلى شعار «الفن من أجل الفن» واتخذت من اسم «بارناس» رمزاً لكل ماهو يونانيٌ أصيلٌ، وقد تحدَّد منهاج هذه النخبة بصدور ثلاث مجموعاتٍ شعريةٍ نُشرت في الأعوام: 1866و1871و1876، ضمَّت منتخباتٍ لأكثر من مئة شاعر، غير أن الشاعر النابه الذي تأتَّى له أن يستقطب هذه الحركة وأن يوشِّيَها بإبداعه هو لوكونت دي ليل[ر] Leconte de Lisle، الذي انكبَّ على دراسة اللغة اليونانية وعبَّ من ملاحمها وأساطيرها، ملتمساً فيها حلولاً لما يمور في نفسه من أحلامٍ طوباويةٍ ورأى أن المثل الأعلى في جمال الشعر وكمال الفكر يتلَّخص لدى اليونان القديمة وعبقريتها الوثنية، وأن المسيحية وتعاليمها لا تعني، في رأيه، سوى العقم والنفعية. ثم أصدر أهم مؤلفاته ديوان «قصائد بربرية» (1862) Poémes barbares. وتابع اتجاه دي ليل عدد من الشعراء اتخذوا مقولة «الفن من أجل الفن» شعاراً لهم، وخالفه بعضهم في نظرته المتشائمة إلى المسيحية والحياة، بيد أنهم أعجبوا بما كان يدعو إليه، في نظم الشعر، من عنايةٍ بالأسلوب الأنيق، المحكم، ونشدانٍ للديباجة الجميلة، المشرقة، وتخير للألفاظ الآسرة الساحرة التي كان يؤثرها في جل قصائده.
في جملة أعلام الشعراء البرناسيين، اشتهر ألبير غلاتيني (1839-1873) Albert Glatigny غير أن عطاءه الشعري كان ضئيلاً، فقد مات في ريعان شبابه، وتأثر كثيراً بالشاعر دي بانفيل ونسج على منواله في إعجابه المسرف بالثقافة اليونانية ومثلها العليا في الفن والأدب. وليون دييركس (1838-1912) Léon Dierx الذي كان صديقاً حميماً لدي ليل، وقد ترسَّم خطاه في الحرص على طلاوة اللفظ وحلاوة الجرس في الشعر، مع إيثارٍ ظاهرٍ لاستجلاء بعض المشاعر الغائمة الغامضة، حتى رأى بعض النقاد أن تجربته الشعرية كانت ممهدةً للحركة الرمزية في الشعر.
أما رينيه سولي برودوم (1839-1907) Sully Prudhomme René الذي تحلقه بعض الشعراء، ممن كان يضفي عليهم ظلَّ رعايته، فقد تفَّيأ ظلالَ البرناسية اللفظية، ولكنه حاول أن يقحم في شعره بعضَ التعريفات الفلسفية والتعابير العلمية، لهذا بدت قصائده جافةً، خاليةً من الماء والرونق. فقد كان يحلو له، مثلاً، أن يصوِّر أشياءَ بعيدةً عن الشعر، كوصف الدائرة الهندسية وميزان الحرارة، ولئن تراءى بعض شعره موشَّىً بالألفاظ اللمَّاحة والخواطر الطريفة، فإن مجمل شعره كان أشبهَ بالنثر المتكلِّف، الجامد، ولعله أدرك أخيراً أن شعره لم يعد يجتذب أحداً يتذوقه ويتملاَّه، فهجره وانصرف إلى عمله الفلسفي واللغوي في الأكاديمية الفرنسية ونال أول جائزة نوبل منحت في عام 1901.
ولم يكن فرانسوا كوبيه (1842-1908) François Coppée من غلاة البرناسية، وإن بدأ شاعراً برناسياً مأخوذاً بجمال الأسلوب، ثم نأى عن البرناسية مؤثراً القصائدَ النابضةَ بالرقة والعاطفة، ورفضَ شعار «الفن من أجل الفن»، مؤمناً بأن الشاعر الحق ينبغي له أن يسخِّر شعرَه للعمل الشعبي الاجتماعي، الذي تنتفي فيه القيم الجمالية التي كان ينشدها البرناسيون.
ويعد ديوان خوسيه ماريا دي إيريديا[ر] J.M.de Heredia «الغنائم» Les Trophées مجلىً صادقاً للشعر البرناسي في صوغه للكلمات وتصويره الدقيق لظواهر الطبيعة، ولئن ترسَّم خطا دي ليل وتأثَّر به، فإنه لم يكن مثله في تشاؤمه ورفضه للمسيحية، ففي شعره لمحات من تمجيد الحياة الحرة المنطلقة، لعلها خلصتْ إليه من أصله الإسباني وطبيعة بلده كوبة، ونظم معظم قصائده في أربعة عشر بيتاً بأسلوب السونِت.
صفات الشعر البرناسي
لعل أبرز صفةٍ يتَّسم بها الشعر البرناسي، هي نأيه عن تناول القضايا الاجتماعية والفكرية وحرصه المسرفُ الشديدُ على جمالِ الأسلوبِ وإشراقِ الديباجةِ، وتجنُّبُ الركاكة والإسفاف، وإيثارُ الألفاظِ المنتقاةِ، والبعدُ، ماأمكن، عن الغلو في وصف المشاعر الإنسانية وماقد يداخلها من آهاتٍ وزفراتٍ، لهذا كله، وجدت البارناسية في شعار «الفن من أجل الفن» مصدراً للإلهام وحيداً، كما التمستْ في الأشكال الشعرية اليونانية القديمة المنهلَ الثرَّ الأصيل، الذي تستقيه، والمثلَ الأعلى الذي ينبغي أن يُقَلَّد. بيد أن هذه الحركة الشعرية التي كان لها أثرٌ كبير في الدعوة إلى الأسلوب المتين، الرصين، والبيان الناصع المشرق، آلت إلى العقم، لأنها خلتْ من النُّسغ الحي الزاخر الذي يضمن بقاءها، فغابت في متاهات النسيان، إذ لم تعدْ تتجاوب مع خفقات القلب ومطالب الوجدان. فقد جاء معظم شعر البرناسيين متماثلاً، رتيباً، تنقصه رعشة الحياة، وجاءت قصائدهم أشبه بالصور «الفوتوغرافية» الأمينة في نقل مشاهد الطبيعة ولكنها أبعدُ ما تكون عن لوحات التصوير التي تكمن خلف ألوانها وأصباغها ريشةٌ لبقةٌ واعيةٌ تنفض أرقَّ المشاعر وتجلو أسلوبَ الفنان الملهم.
بديع حقي
Parnassianism - Le Parnasse
البارناسيّة (المدرسة-)
في الربع الثاني من القرن التاسع عشر برزت مجموعة من الشعراء الفرنسيين بدا لها أن تجدد في أسلوب الشعر وموضوعاته بعد أن ضاقت باللغة الانفعالية والتأجج العاطفي وماشابه ذلك، مما حفلت به المرحلة الإبداعية (الرومنسية). وقد تبنت هذه المجموعة مقولة «الفن من أجل الفن» L'art pour l'art زاعمة أنه لاهدف للشعر سوى الشعر نفسه، ومؤمنة بأن الجمال الحقيقي المبتغى في الشعر يكمن في الينبوع الأصيل وهو البارناس Parnasse (نسبة إلى جبل بارناسوس Parnassos في اليونان)، فالفن اليوناني هو المثل الأعلى السامي الذي ينبغي للشاعر أن يقتدي به. ومن هنا جاء تقديس هذه الجمهرة من الشعراء لكل مايتصل باليونان وشعرها وتاريخها وأساطيرها، ليتاح لهم من ثَمَّ أن يعزفوا عن العاطفة المتأجِّجة، المتقلِّبة، السائدة في الشعر الإبداعي خاصة، ويستبدلوا بها تصويراً صادقاً للطبيعة وحرصاً دؤوباً على صقل الشعر والسمو بتقنيته إلى مشارف الكمال، وكذلك انساق جل شعراء البرناسية في هذا المنحى المواكب للاتجاه السائد، آنذاك، في الفنون التشكيلية، نحتاً وتصويراً. ويمكن أن يعدَّ تيوفيل غوتييه[ر] Théophile Gautier في طليعة الرواد الداعين إلى هذا الاتجاه الجمالي في الشعر، ومع أنه بدأ شاعراً إبداعياً، متحمساً لفكتور هوغو[ر]، فإنه لم يلبث أن تحول عن الإبداعية، مؤكداً أن الجمال، ولاشيءَ غيره، هو المطلوب المرغوب فيه في الشعر. وقد نشر ديوان «إسبانية» España إثر عودته منها، عرض فيه انطباعاته عن عمارتها ومتاحفها، وبتر فيه كلَّ ماكان يشدُّه إلى الإبداعية ثم نشر ديوان «طلاء من خزفٍ وجِزع من عقيق» Emaux et Camées الذي يشي برؤيته الشعرية الجديدة، وفيه دعوةٌ صريحةٌ إلى تقديس الجمال كما تجلى في الفن اليوناني الأصيل.
وأتى بعده، تيودور دي بانفيل (1823-1891) Théodore de Banville تلميذاً مخلصاً لغوتييه، مؤمناً بشعار «الفن من أجل الفن»، وأن اليونان هي الرمز الأسمى لما في هذا الكون من قيمٍ جماليةٍ، داعياً إلى الحفاظ على الوزن والأسلوب الرصين ومنوهاً بأن القوافي المرنانة هي المسامير الذهبية التي تثبِّت أركان القصيدة.
وحتى عام 1866 لم يكن ثمة حركةٌ بارناسيةٌ بهذا الاسم، ولابارناسيون يلهجون بانتمائهم إليها، لكن في ذلك العام تألفَّت نخبة من الشعراء، معتزمةً إصدار منتخباتٍ من الشعر الجديد الداعي إلى شعار «الفن من أجل الفن» واتخذت من اسم «بارناس» رمزاً لكل ماهو يونانيٌ أصيلٌ، وقد تحدَّد منهاج هذه النخبة بصدور ثلاث مجموعاتٍ شعريةٍ نُشرت في الأعوام: 1866و1871و1876، ضمَّت منتخباتٍ لأكثر من مئة شاعر، غير أن الشاعر النابه الذي تأتَّى له أن يستقطب هذه الحركة وأن يوشِّيَها بإبداعه هو لوكونت دي ليل[ر] Leconte de Lisle، الذي انكبَّ على دراسة اللغة اليونانية وعبَّ من ملاحمها وأساطيرها، ملتمساً فيها حلولاً لما يمور في نفسه من أحلامٍ طوباويةٍ ورأى أن المثل الأعلى في جمال الشعر وكمال الفكر يتلَّخص لدى اليونان القديمة وعبقريتها الوثنية، وأن المسيحية وتعاليمها لا تعني، في رأيه، سوى العقم والنفعية. ثم أصدر أهم مؤلفاته ديوان «قصائد بربرية» (1862) Poémes barbares. وتابع اتجاه دي ليل عدد من الشعراء اتخذوا مقولة «الفن من أجل الفن» شعاراً لهم، وخالفه بعضهم في نظرته المتشائمة إلى المسيحية والحياة، بيد أنهم أعجبوا بما كان يدعو إليه، في نظم الشعر، من عنايةٍ بالأسلوب الأنيق، المحكم، ونشدانٍ للديباجة الجميلة، المشرقة، وتخير للألفاظ الآسرة الساحرة التي كان يؤثرها في جل قصائده.
في جملة أعلام الشعراء البرناسيين، اشتهر ألبير غلاتيني (1839-1873) Albert Glatigny غير أن عطاءه الشعري كان ضئيلاً، فقد مات في ريعان شبابه، وتأثر كثيراً بالشاعر دي بانفيل ونسج على منواله في إعجابه المسرف بالثقافة اليونانية ومثلها العليا في الفن والأدب. وليون دييركس (1838-1912) Léon Dierx الذي كان صديقاً حميماً لدي ليل، وقد ترسَّم خطاه في الحرص على طلاوة اللفظ وحلاوة الجرس في الشعر، مع إيثارٍ ظاهرٍ لاستجلاء بعض المشاعر الغائمة الغامضة، حتى رأى بعض النقاد أن تجربته الشعرية كانت ممهدةً للحركة الرمزية في الشعر.
أما رينيه سولي برودوم (1839-1907) Sully Prudhomme René الذي تحلقه بعض الشعراء، ممن كان يضفي عليهم ظلَّ رعايته، فقد تفَّيأ ظلالَ البرناسية اللفظية، ولكنه حاول أن يقحم في شعره بعضَ التعريفات الفلسفية والتعابير العلمية، لهذا بدت قصائده جافةً، خاليةً من الماء والرونق. فقد كان يحلو له، مثلاً، أن يصوِّر أشياءَ بعيدةً عن الشعر، كوصف الدائرة الهندسية وميزان الحرارة، ولئن تراءى بعض شعره موشَّىً بالألفاظ اللمَّاحة والخواطر الطريفة، فإن مجمل شعره كان أشبهَ بالنثر المتكلِّف، الجامد، ولعله أدرك أخيراً أن شعره لم يعد يجتذب أحداً يتذوقه ويتملاَّه، فهجره وانصرف إلى عمله الفلسفي واللغوي في الأكاديمية الفرنسية ونال أول جائزة نوبل منحت في عام 1901.
ولم يكن فرانسوا كوبيه (1842-1908) François Coppée من غلاة البرناسية، وإن بدأ شاعراً برناسياً مأخوذاً بجمال الأسلوب، ثم نأى عن البرناسية مؤثراً القصائدَ النابضةَ بالرقة والعاطفة، ورفضَ شعار «الفن من أجل الفن»، مؤمناً بأن الشاعر الحق ينبغي له أن يسخِّر شعرَه للعمل الشعبي الاجتماعي، الذي تنتفي فيه القيم الجمالية التي كان ينشدها البرناسيون.
ويعد ديوان خوسيه ماريا دي إيريديا[ر] J.M.de Heredia «الغنائم» Les Trophées مجلىً صادقاً للشعر البرناسي في صوغه للكلمات وتصويره الدقيق لظواهر الطبيعة، ولئن ترسَّم خطا دي ليل وتأثَّر به، فإنه لم يكن مثله في تشاؤمه ورفضه للمسيحية، ففي شعره لمحات من تمجيد الحياة الحرة المنطلقة، لعلها خلصتْ إليه من أصله الإسباني وطبيعة بلده كوبة، ونظم معظم قصائده في أربعة عشر بيتاً بأسلوب السونِت.
صفات الشعر البرناسي
لعل أبرز صفةٍ يتَّسم بها الشعر البرناسي، هي نأيه عن تناول القضايا الاجتماعية والفكرية وحرصه المسرفُ الشديدُ على جمالِ الأسلوبِ وإشراقِ الديباجةِ، وتجنُّبُ الركاكة والإسفاف، وإيثارُ الألفاظِ المنتقاةِ، والبعدُ، ماأمكن، عن الغلو في وصف المشاعر الإنسانية وماقد يداخلها من آهاتٍ وزفراتٍ، لهذا كله، وجدت البارناسية في شعار «الفن من أجل الفن» مصدراً للإلهام وحيداً، كما التمستْ في الأشكال الشعرية اليونانية القديمة المنهلَ الثرَّ الأصيل، الذي تستقيه، والمثلَ الأعلى الذي ينبغي أن يُقَلَّد. بيد أن هذه الحركة الشعرية التي كان لها أثرٌ كبير في الدعوة إلى الأسلوب المتين، الرصين، والبيان الناصع المشرق، آلت إلى العقم، لأنها خلتْ من النُّسغ الحي الزاخر الذي يضمن بقاءها، فغابت في متاهات النسيان، إذ لم تعدْ تتجاوب مع خفقات القلب ومطالب الوجدان. فقد جاء معظم شعر البرناسيين متماثلاً، رتيباً، تنقصه رعشة الحياة، وجاءت قصائدهم أشبه بالصور «الفوتوغرافية» الأمينة في نقل مشاهد الطبيعة ولكنها أبعدُ ما تكون عن لوحات التصوير التي تكمن خلف ألوانها وأصباغها ريشةٌ لبقةٌ واعيةٌ تنفض أرقَّ المشاعر وتجلو أسلوبَ الفنان الملهم.
بديع حقي