قراءة وتحليل لقصيدة (مقابر الفكر) للشاعر مازن جميل المناف
بقلم \ القاريء القاص والشاعر قصي المحمود
يمتاز الشاعر جميل المناف في قصائده الأخيرة بتناص في نصوصه وتشابك وحدة الموضوع مما يجعل نصوصه تتشابه في الرؤى ووحدتها، فقد أثث فيها الدلالة وضمير السرد والبناء والايقاع لكنها تختلف فيما بينها بجمل الاستهلال والختام والايقاع الداخلي والمسكوت عنه في البناء الداخلي، ويجمع الشاعر هنا الدلالية في نصوصه والتي دائما ما تستعمل في القصائد السياسية وتصورية فنية كتلك التي تستعمل في قصائد الغزل ..
وللشاعر خصوصية الخط والدلالة والبنيان اللفظي والتصوير الفني كما في
(مقابر الفكر وحروف بربرية) وهذا هو تطور لقصيدة النثر لديه بواقعة نصية ذات وجود خاص، واستخدم العنوان استراتيجية لنصوصه لتعبر عن نضوج فكري لما تحمله من هموم وطنية ومجتمعية ولو وضعناها تحت المجهر لنكتشف الكلمة أو الجملة التي ولدت منها هذه القصائد لنجدها عائمة على السطح في كل نصوصه مع الغاطس المسكوت عنه وهذه الميزة جعلت من نصوصه وثائق تاريخية لمرحلة يعيشها الشاعر وتحرك وجدانيته، وهو هنا يستعمل الايحاء الذاتي واللغة الأنوية المباشرة ( أيتها النهايات، كيف نحرتِ مواسمي) هذه الجملة الصورية تجسد متن النص وتختزله بتكثيف يتسم بجودة الانتقاء وتعطي الانطباع لما آلت إليه النهايات، ثم يعود بنا للبدايات (تنهدات وجهي، تلتصق بشتاء غادر وجودي) ويشير هنا بدلالية رمزية في غاية الأهمية لمقابر الفكر(صافحتنا محارق الأوراق) واستعمل المصافحة لدلالة الغدر ومحرقة الاوراق ويقصد التالف منها والغير مباع حينما وضعوه فيها كما في توصيفها، فالمقابر هنا مجازية ذات بعد دلالي ولتأكيد ذلك يقول( أغتيلت خيباتي من صحف الصباح) ثم يعود للأنوية المباشرة وحالة الاحباط في دواخل الذات (سئمت من رأسي المغامر) وهنا يعتبر طموحه مغامرة في ظل (مذابح هيبتي) ويصل لذروة اليأس هنا (لا اطيق جسدي الغريب، في رحلة شبح تستعيد غبائي) هذه الجملة الصورية اختزلت السأم في رأسه المغامر ليضيف لها مفردة الغباء وهنا استعملها بديلا للندم للتوكيد المؤثر والدلالة، ولتأكيد الأنوية المعذبة استعمل الضمير الغائب( بضمير غائب أمسى بلا الوان) وكان الغاطس فيها بلا طعم ورائحة، وختم (وسأحرق كل مقتنياتي) والمقتنيات هي دلالة الماضي ورمزية الحاضر، استعمل الشاعر وانتقى مفردات تعزز وحدة النص وتسهل له تركيب جمله الصورية والدلالية (النهايات، مواسمي، محارق الأوراق، مقابر الفكر، الغربان، الهيبة، الطين، الوان، اسفاري، كفي، الرحيل، الاشتهاء، مقتنياتي).
المخاطبة في النص جعلها عائمة تارة وتارة ذاتية، تظهر ملامحها في عدة مقاطع من النص، القصيدة التي بدأت منذ البداية ملامحها في اليأس وختمت باحراق (مقتنياتي)، أن بيئة هذه القصائد هي المحفز لها مما يجعلها عامل توثيق وتحفيز، فقد استخدم الاحباط هنا للتحفيز الجمعي وليس الذاتي فهنا المسكوت في النص يعطينا مقدار وعي الناص في كتابة النص، فلا يحتاج للتحفيز سوى أنه من خلال أنوية وجلد الذات في النص فأنه يخاطب الجّمع فيها بالاستعاضة وهذه ميزة ميزت بشكل لافت للنظر هذه القصيدة والأخريات التي على شاكلتها.
القاريء القاص والشاعر قصي المحمود
النص /
...../
آيَتِهَا النهَايَات . . ! !
كَيْف نحرتِ مواسمي
تنهدات وَجْهِي
تَلْتَصِق
بشتاءٍ غادَرَ وُجُودِي
صافحتنا محارق الْأَوْرَاق
عَلَى صَمت أَشْبَه بمقابر الْفِكْر
اغتيلت خيباتي مِن صُحُف الصّبّاح
سَئِمْت مِنْ رَأْسِي المغامر
تَنْهَش فِيه الْغِرْبَان
فَوْق غيمهٍ عابسةٍ
تَرَسَّم حُدُود مذابح هَيْبَتِي
جِئْت هُنَا أُشِيع جِنَازَتِي
لَا أُطِيقُ جَسَدِي الْغَرِيب
فِي رَحْلِهِ شَبَح تستعيد غبائي
عَلَى إِدرَاج وَجَع مُسْتَعَارٌ
اقضم هَوْل الصَّمْت
وارفض خَدَر ذَلِكَ الطّينِ
افتش عَن افياء فِي خَرَائِطَ اسفاري
أَلَمْلَم قلقي المربك
بِضَمِير غائبٍ أَمْسَى بِلَا أَلْوَان
اقايض لَيْلِي الرَّمَادِيّ
وامسد رَائِحَة كَفِي
لعليّ اسْتَأْذَن الرَّحِيل
اتذوق حَقِيقَة مَوْتِي
عَلَى قُرِع الدفُوف
وَافْتِرَاس وخزات الشكِ
النائمة على صَدرِي
بانعطفات الِأشْتِهَاء
وقراطيس المعاني
سأَحرَق كُلّ مقتنياتي
.
.
بعبق ظلالكم الوافر
النص / ٢
حروف بربرية
يتسلل القحط مع أول فجر
قصيدتي مبتورة
ليس لها حلم
او لون للسكون
تستعيد رائحة شذوذي الراعش
من سجلات الترويض
في ثأر فوضوي
الأشياء دكتها تعاقب الأخبار
اقتنصتها اقبية الفراغ
اكاذيب مأساوية بلا تأوهات
مكدسة في علب منتهية الصلاحية
عوالم بليدة تغوص بجراحات فجة
على بقايا ضياع
يوقد افكارنا ذهولاً
يجهش الهتاف كلما يلوك حواسي الخمس
يتثائب الموت بلا أضرحة
يخامرني ( هاجس أخير )
يدغدغ عطري العاري
يعوي الصباح بسخرية مفرطة
اروض فلسفتي
علها تدغدغ هوامش دفاتري
واراقص مضاجع التمرد
.
.
تعلو انفاس امواتنا بلا ملل
وراء نعوش تلتحف ركام بربري
بقلم \ القاريء القاص والشاعر قصي المحمود
يمتاز الشاعر جميل المناف في قصائده الأخيرة بتناص في نصوصه وتشابك وحدة الموضوع مما يجعل نصوصه تتشابه في الرؤى ووحدتها، فقد أثث فيها الدلالة وضمير السرد والبناء والايقاع لكنها تختلف فيما بينها بجمل الاستهلال والختام والايقاع الداخلي والمسكوت عنه في البناء الداخلي، ويجمع الشاعر هنا الدلالية في نصوصه والتي دائما ما تستعمل في القصائد السياسية وتصورية فنية كتلك التي تستعمل في قصائد الغزل ..
وللشاعر خصوصية الخط والدلالة والبنيان اللفظي والتصوير الفني كما في
(مقابر الفكر وحروف بربرية) وهذا هو تطور لقصيدة النثر لديه بواقعة نصية ذات وجود خاص، واستخدم العنوان استراتيجية لنصوصه لتعبر عن نضوج فكري لما تحمله من هموم وطنية ومجتمعية ولو وضعناها تحت المجهر لنكتشف الكلمة أو الجملة التي ولدت منها هذه القصائد لنجدها عائمة على السطح في كل نصوصه مع الغاطس المسكوت عنه وهذه الميزة جعلت من نصوصه وثائق تاريخية لمرحلة يعيشها الشاعر وتحرك وجدانيته، وهو هنا يستعمل الايحاء الذاتي واللغة الأنوية المباشرة ( أيتها النهايات، كيف نحرتِ مواسمي) هذه الجملة الصورية تجسد متن النص وتختزله بتكثيف يتسم بجودة الانتقاء وتعطي الانطباع لما آلت إليه النهايات، ثم يعود بنا للبدايات (تنهدات وجهي، تلتصق بشتاء غادر وجودي) ويشير هنا بدلالية رمزية في غاية الأهمية لمقابر الفكر(صافحتنا محارق الأوراق) واستعمل المصافحة لدلالة الغدر ومحرقة الاوراق ويقصد التالف منها والغير مباع حينما وضعوه فيها كما في توصيفها، فالمقابر هنا مجازية ذات بعد دلالي ولتأكيد ذلك يقول( أغتيلت خيباتي من صحف الصباح) ثم يعود للأنوية المباشرة وحالة الاحباط في دواخل الذات (سئمت من رأسي المغامر) وهنا يعتبر طموحه مغامرة في ظل (مذابح هيبتي) ويصل لذروة اليأس هنا (لا اطيق جسدي الغريب، في رحلة شبح تستعيد غبائي) هذه الجملة الصورية اختزلت السأم في رأسه المغامر ليضيف لها مفردة الغباء وهنا استعملها بديلا للندم للتوكيد المؤثر والدلالة، ولتأكيد الأنوية المعذبة استعمل الضمير الغائب( بضمير غائب أمسى بلا الوان) وكان الغاطس فيها بلا طعم ورائحة، وختم (وسأحرق كل مقتنياتي) والمقتنيات هي دلالة الماضي ورمزية الحاضر، استعمل الشاعر وانتقى مفردات تعزز وحدة النص وتسهل له تركيب جمله الصورية والدلالية (النهايات، مواسمي، محارق الأوراق، مقابر الفكر، الغربان، الهيبة، الطين، الوان، اسفاري، كفي، الرحيل، الاشتهاء، مقتنياتي).
المخاطبة في النص جعلها عائمة تارة وتارة ذاتية، تظهر ملامحها في عدة مقاطع من النص، القصيدة التي بدأت منذ البداية ملامحها في اليأس وختمت باحراق (مقتنياتي)، أن بيئة هذه القصائد هي المحفز لها مما يجعلها عامل توثيق وتحفيز، فقد استخدم الاحباط هنا للتحفيز الجمعي وليس الذاتي فهنا المسكوت في النص يعطينا مقدار وعي الناص في كتابة النص، فلا يحتاج للتحفيز سوى أنه من خلال أنوية وجلد الذات في النص فأنه يخاطب الجّمع فيها بالاستعاضة وهذه ميزة ميزت بشكل لافت للنظر هذه القصيدة والأخريات التي على شاكلتها.
القاريء القاص والشاعر قصي المحمود
النص /
...../
آيَتِهَا النهَايَات . . ! !
كَيْف نحرتِ مواسمي
تنهدات وَجْهِي
تَلْتَصِق
بشتاءٍ غادَرَ وُجُودِي
صافحتنا محارق الْأَوْرَاق
عَلَى صَمت أَشْبَه بمقابر الْفِكْر
اغتيلت خيباتي مِن صُحُف الصّبّاح
سَئِمْت مِنْ رَأْسِي المغامر
تَنْهَش فِيه الْغِرْبَان
فَوْق غيمهٍ عابسةٍ
تَرَسَّم حُدُود مذابح هَيْبَتِي
جِئْت هُنَا أُشِيع جِنَازَتِي
لَا أُطِيقُ جَسَدِي الْغَرِيب
فِي رَحْلِهِ شَبَح تستعيد غبائي
عَلَى إِدرَاج وَجَع مُسْتَعَارٌ
اقضم هَوْل الصَّمْت
وارفض خَدَر ذَلِكَ الطّينِ
افتش عَن افياء فِي خَرَائِطَ اسفاري
أَلَمْلَم قلقي المربك
بِضَمِير غائبٍ أَمْسَى بِلَا أَلْوَان
اقايض لَيْلِي الرَّمَادِيّ
وامسد رَائِحَة كَفِي
لعليّ اسْتَأْذَن الرَّحِيل
اتذوق حَقِيقَة مَوْتِي
عَلَى قُرِع الدفُوف
وَافْتِرَاس وخزات الشكِ
النائمة على صَدرِي
بانعطفات الِأشْتِهَاء
وقراطيس المعاني
سأَحرَق كُلّ مقتنياتي
.
.
بعبق ظلالكم الوافر
النص / ٢
حروف بربرية
يتسلل القحط مع أول فجر
قصيدتي مبتورة
ليس لها حلم
او لون للسكون
تستعيد رائحة شذوذي الراعش
من سجلات الترويض
في ثأر فوضوي
الأشياء دكتها تعاقب الأخبار
اقتنصتها اقبية الفراغ
اكاذيب مأساوية بلا تأوهات
مكدسة في علب منتهية الصلاحية
عوالم بليدة تغوص بجراحات فجة
على بقايا ضياع
يوقد افكارنا ذهولاً
يجهش الهتاف كلما يلوك حواسي الخمس
يتثائب الموت بلا أضرحة
يخامرني ( هاجس أخير )
يدغدغ عطري العاري
يعوي الصباح بسخرية مفرطة
اروض فلسفتي
علها تدغدغ هوامش دفاتري
واراقص مضاجع التمرد
.
.
تعلو انفاس امواتنا بلا ملل
وراء نعوش تلتحف ركام بربري