الأفلام الوثائقية تدور حول الحياة الواقعية.. اعتقاد خاطئ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأفلام الوثائقية تدور حول الحياة الواقعية.. اعتقاد خاطئ

    الأفلام الوثائقية تدور حول الحياة الواقعية.. اعتقاد خاطئ


    الناقدة السينمائية باتريشيا أوفدرهايدي: الفيلم الوثائقي شكل فني متوتر.


    أفلام لها نظرة فنية

    نتوقع من الأفلام الوثائقية دائما أن تكون مطابقة للواقع. لدينا كلنا نظرة نمطية مكررة للفيلم الوثائقي، تقريبا يتشارك فيها المشاهدون من كل الثقافات والانتماءات، وهو في علاقة بالواقع، بينما مع تطور الأفلام الوثائقية وأساليبها بتنا ندرك أن هذه الأفلام ليست الواقع، وهو ما تدرسه الناقدة باتريشيا أوفدرهايدي.

    تنطلق الناقدة السينمائية باتريشيا أوفدرهايدي أستاذة دراسات التواصل في كلية التواصل بالجامعة الأميركية في واشنطن في كتابها “الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا” من خبرة تجاوزت أربعة عقود من متابعة ونقد الأفلام، وأيضا من معرفة علمية بالجهود التي بذلت من أجل تعريف وتحليل ورصد الفيلم الوثائقي، ومن ثم فهي هنا تتبع المسارات المتنوعة لتاريخ الفيلم الوثائقي، والنقاشات الحية الدائرة بين منتجي السينما والباحثين بشأن السبل المُثلى لتجسيد الواقع ورواية الحقائق التي تستحق الحكي.

    وبعد أن تلقي نظرة عامة على القضايا المحورية لإنتاج الأفلام الوثائقية، كتعريفاتها وأغراضها وأشكالها ومؤسسيها، تركز على العديد من أنواع الأفلام الوثائقية الفرعية، ومن ضمنها أفلام الشؤون العامة، والدعاية الحكومية، والأفلام الوثائقية التاريخية، وأفلام السينما الثالثة، وسينما الواقع، والأفلام التاريخية والقصص، وأفلام الذكريات، والأفلام الإثنوغرافية وأفلام البيئة والطبيعة. وتختم بملحق يحمل قائمة بمئة فيلم وثائقي رائعة ينبغي، في رأيها، على كل مهتم بهذا المجال ألا تفوته مشاهدتها.
    معنى الفيلم الوثائقي



    "الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا" كتاب يتتبع المسارات المتنوعة لتاريخ الفيلم الوثائقي، والنقاشات الحية الدائرة بين منتجي السينما والباحثين بشأن السبل المُثلى لتجسيد الواقع ورواية الحقائق التي تستحق الحكي


    تقول أوفدرهايدي في كتابها، الذي ترجمته شيماء الريدي وراجعه هاني سليمان وصدر بموجب اتفاق قانوني بين مؤسسة هنداوي ودار نشر جامعة أكسفورد، “بدأت الأفلام الوثائقية في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر بعرض باكورة الأفلام من هذا النوع. والفيلم الوثائقي له أشكال عدة؛ فمن الممكن أن يكون رحلة عبر بلدان وأساليب معيشية غريبة، كما في فيلم ‘نانوك ابن الشمال’ (1922)، ويمكن أن يكون قصيدة مرئية كقصيدة جوريس إيفينز ‘المطر’ (1929)، وهي قصة تدور حول يوم ممطر، تصاحبها موسيقى كلاسيكية كخلفية، تعكس فيها العاصفة أصداء البنية الموسيقية. ويمكن أن يكون عملا فنيّا للدعاية، فقد أخرج المخرج الروسي دزيجا فيرتوف الذي صرح بأسلوب حماسي بأن السينما الروائية مسممة وهالكة، وأن المستقبل للأفلام الوثائقية، فيلم ‘الرجل ذو الكاميرا السينمائية’ (1929) كدعاية لنظام سياسي ونوع من الأفلام”.

    وتتساءل “ما الفيلم الوثائقي؟”، وتقول “إحدى الإجابات السهلة والتقليدية هي: ليس فيلما سينمائيّا، أو على الأقل ليس فيلما سينمائيّا بالمعنى الذي ينطبق على فيلم ‘حرب النجوم’، إلا عندما يكون فيلما ذا صبغة درامية، مثل فيلم ‘فهرنهايت 9 / 11’ (2004) الذي حطم جميع الأرقام القياسية للأفلام الوثائقية. وإحدى الإجابات الأخرى السهلة والشائعة هي: فيلم يخلو من الهزل، فيلم جاد، يحاول أن يعلمك شيئا ما، ما لم يكن من نوعية الأفلام التي على شاكلة فيلم ستاسي بيرالتا ‘العمالقة الراكبون’ (2004)، الذي يأخذك في رحلة مثيرة عبر تاريخ التزلج على الماء”.

    وتضيف “العديد من الأفلام الوثائقية أعدت بدهاء بهدف واضح هو الإمتاع. والحق أن معظم منتجي الأفلام الوثائقية يعتبرون أنفسهم قاصِّين، لا صحافيين. وربما تكون إحدى الإجابات البسيطة: فيلم عن الحياة الواقعية. وتلك هي المشكلة تحديدا: فالأفلام الوثائقية تدور حول الحياة الواقعية، لكنها ليست حياة واقعية، بل إنها ليست حتى نوافذ على الحياة الواقعية، إنها لوحات للحياة الواقعية تستخدم الواقع كمادة خام لها، ويعدها فنانون وتقنيون يتخذون قرارات لا حصر لها بشأن اختيار القصة، ولمن ستروى، والهدف منها. لعلك تقول إذن: هو فيلم يسعى حثيثا لعرض الحياة الواقعية ولا يعالجها. ولكن على الرغم من ذلك، لا توجد طريقة لإنتاج فيلم دون معالجة المعلومات؛ فاختيار الموضوع، والمونتاج، ومزج الصوت كلها نوع من المعالجات”.

    وتوضح أن مشكلة تحديد قدرة المعالجة قديمة قدم هذا الشكل الفني، ففيلم “نانوك ابن الشمال” يعتبر واحدا من أوائل الأفلام الوثائقية العظيمة، لكن أبطاله، وهم سكان الإسكيمو، يقدمون الأدوار بتوجيه من مخرج الفيلم روبرت فلاهرتي، مثلما يفعل الممثلون في أي فيلم روائي؛ فقد طلب منهم فلاهرتي أن يقوموا بأشياء ما عادوا يفعلونها، مثل صيد الفظ بالرمح، وصوَّرهم جهلاء بأشياء كانوا يفهمونها، إذ يقضم “نانوك” - وهذا ليس اسمه الحقيقي - في الفيلم أسطوانة غراموفون في حيرة ممزوجة بالسعادة، ولكن الرجل كان في الواقع على دراية واسعة بالأجهزة الحديثة، بل كان يساعد فلاهرتي في فك وتجميع كاميرته بانتظام. بالإضافة إلى ذلك، بنى فلاهرتي قصته من واقع تجربة الإقامة سنوات مع سكان الإسكيمو الذين سعدوا بالمشاركة في مشروعه وقدموا له الكثير من الأفكار للحبكة.


    باتريشيا أوفدرهايدي: الفيلم الوثائقي يروي قصة عن الحياة الواقعية


    وترى أوفدرهايدي أن الفيلم الوثائقي يروي قصة عن الحياة الواقعية، قصة تدعي المصداقية. والنقاش بشأن كيفية تحقيق ذلك بصدق ونزاهة لا ينتهي أبدا في ظل وجود إجابات متعددة. لقد عُرِّف الفيلم الوثائقي أكثر من مرة على مدار الزمن، مِن منتجيه ومشاهديه، ولا شك أن المشاهدين يصوغون معنى أي فيلم من خلال الجمع بين المعرفة والاهتمام بالعالم وبين الشكل الذي يصور به المخرج هذا العالم. وتقوم كذلك توقعات الجمهور على التجارب السابقة؛ فلا يتوقع المشاهدون التعرض للخداع والكذب، فنحن نتوقع أن تنقل إلينا أشياء صادقة عن العالم الواقعي. نحن لا نطالب بأن تصور هذه الأشياء تصويرا موضوعيّا، وليس بالضرورة أن تكون الحقيقة الكاملة، فقد يوظِّف مخرج الفيلم الجواز الشعري من آن لآخر، ويشير إلى الواقع إشارة رمزية “كأن ترمز صورة للمدرج الروماني إلى إجازة بأوروبا مثلا”، ولكننا نتوقع أن يكون الفيلم الوثائقي تجسيدا منصفا وصادقا لتجربة شخص ما مع الواقع. وذاك هو العقد المبرم مع المشاهد الذي كان يقصده المعلم مايكل رابيجر في نصه الكلاسيكي “لا توجد قواعد في هذا الشكل الفني الناشئ، هناك فقط قرارات بشأن موضع ترسيم الحدود لما هو مقبول وكيفية الالتزام بالعقد الذي ستبرمه مع جمهورك”.

    وتشير إلى أن معظم الناس يحملون في عقولهم مفهوما تقريبيّا لماهية الفيلم الوثائقي، وليست هذه بالصورة الجميلة في رأي الكثيرين. وغالبا ما يعرَّف الفيلم الوثائقي التقليدي بأنه فيلم يبرز سردا يُروى بصوت جهوري عميق، ومناقشة تحليلية أكثر منها قصة ذات شخصيات، ولقطات لوجوه خبراء مدعمة ببعض اللقاءات مع أشخاص في الشارع، إلى جانب مجموعة من الصور المرخصة توضح وجهة نظر الراوي “غالبا ما تسمى ‘القطع المتبادل’ في مجال البث”، وربما بعض الرسوم المتحركة التعليمية، وموسيقى فخمة، وغالبا ما لا يُتذكر هذا المزيج من عناصر الشكل بإعجاب؛ فالاستجابة الشائعة لتجربة تمثيلية ممتعة هي “لقد كان شائقا حقّا، لا يبدو كفيلم وثائقي عادي”.

    التقنيات الجديدة تزيد بشكل ضخم من حجم الإنتاج تحت عنوان الفيلم الوثائقي وهذا قد يخلق أنواعا فرعية جديدة

    في الواقع، تتوافر لمخرجي الأفلام الوثائقية مجموعة كبيرة من خيارات الشكل للتعبير للمشاهدين عن صحة ما يعرضونه لهم وأهميته. وعناصر الشكل التي كثيرا ما ترتبط ﺑ”الفيلم الوثائقي التقليدي” هي جزء من مجموعة من الخيارات التي صارت تقليدا نمطيّا في القرن العشرين في التلفزيون، غير أن هناك خيارات أخرى متاحة. ويقدم لك هذا الفصل العديد من الطرق للنظر إلى الفيلم الوثائقي باعتباره مجموعة من القرارات تُتخذ بشأن كيفية تجسيد الواقع من خلال الأدوات المتاحة لمخرج الفيلم؛ من ضمن هذه الأدوات “الصوت” (الصوت المحيطي، الموسيقى التصويرية، المؤثرات الصوتية الخاصة، الحوار، السرد)؛ “الصور” (مادة مصورة في موقع التصوير، صور تاريخية مجسدة في صور فوتوغرافية، أو لقطات فيديو، أو أشياء مادية)، المؤثرات الخاصة الصوتية والمرئية، بما في ذلك الرسوم المتحركة؛ “الإيقاع” (مدة المشاهد، عدد اللقطات، بنية النص أو الحكي). ويختار المخرجون الطريقة التي يريدونها لبناء القصة: الشخصيات التي يريدون نسجها للمشاهدين، وقصص الأشخاص التي يُرَكَّز عليها، وكيفية حل عقدة القصة.

    وتلاحظ الناقدة أن مخرجي الأفلام الوثائقية يوظفون نفس التقنيات التي يوظفها مخرجو الأفلام الروائية، إذ قد يعمل المصورون السينمائيون، وفنيو الصوت، والمصممون الرقميون، والموسيقيون، وأخصائيو المونتاج في كلا النوعين. وقد يتطلب العمل الوثائقي أضواء أيضا، وقد يطلب المخرجون من أبطالهم إعادة تصوير المشاهد، وعادة ما تتطلب الأفلام الوثائقية مونتاجا متطورا، إلى جانب إضافة منتجي الأفلام الوثائقية المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية.

    ومن التقاليد المشتركة بين معظم الأفلام الوثائقية البنية السردية؛ فهي قصص، ولها بداية ووسط ونهاية، وتجعل المشاهدين يستغرقون في شخصياتها، وتأخذ المشاهدين عبر رحلات عاطفية، وغالبا ما تلجأ إلى بنية قصة كلاسيكية؛ فحين أخرج جون إلس فيلما وثائقيّا عن جي روبرت أوبنهايمر مخترع أول قنبلة ذرية، جعل إلس فريق عمله يقرأ “هاملت”. وتعمل التقاليد بنجاح على جذب الانتباه، وتيسير الحكي، وعرض وجهة نظر المخرج على الجماهير، فهي تصبح المعيار الجمالي؛ خيارات جاهزة لمنتجي الأفلام الوثائقية، وطرق مختصرة للتعبير عن المصداقية، غير أن التقاليد أيضا تخفي الافتراضات التي يضفيها المخرجون على العمل، وتجعل عرض الحقائق والمشاهد الخاصة يبدو حتميّا وكاملا.
    التقنيات الجديدة



    تؤكد أوفدرهايدي أن الفيلم الوثائقي تطور مع ظهور الإمكانات التكنولوجية، فقد أدى حلول الألوان والصوت وتكنولوجيا 16 ملليمترا إلى تغيير الطريقة التي يمكن لمنتجي الأفلام من خلالها تصوير الواقع ورواية قصصهم. وأحدث حلول الفيديو أيضا تغييرا جذريّا على صعيد الأشخاص الذين استطاعوا تصوير الواقع، وأدى إلى توسيع نطاق الأشخاص الذين يروون القصص، وقدمت تقنيات إيماكس والبث المرئي عالي الوضوح مشهدا جديدا على شاشاتنا.

    ومرة أخرى يحدث تعديل وتغيير جذري في الفرص والإمكانيات من خلال التحويل الرقمي والإنترنت، فقد أتاحا تأجير الفيديو بالطلب عبر البريد، ومسجلات الفيديو الرقمي، وتلفزيون الإنترنت وأفلام الهواتف الخلوية. غير أن أيّا من هذه التغييرات لم يقضِ على الفيلم الوثائقي الطويل، بل استثمرت ذلك الشكل بقيمة أعلى. وأفلام مثل “غرفة التحكم” لجيهان نجيم وفيلم “حجمي الكبير” لمورغان سبورلوك (عن السمنة والأطعمة السريعة) اكتسبت مصداقيتها ومشروعيتها من إنجازاتها في المهرجانات ودور العرض، غير أن هذه التغييرات جعلت من الممكن تخيل الفيلم الوثائقي على نطاق أوسع كثيرا، مثلا، يمكن استخدام مقاطع الفيديو والأفلام الوثائقية المصغرة لاستنهاض التزام مشاهد شبكة الإنترنت، وهو ما تثبته منظمتا ويتنيس ووان وورلد تي.في.

    الفيلم الوثائقي يتوقع أن يكون تجسيدا منصفا وصادقا لتجربة شخص ما مع الواقع وذاك العقد المبرم مع المشاهد

    وبإمكان المنظمات غير الحكومية في كل مكان أن تنتج فيديو لأعضائها، والمتبرعين لها، وأنصارها، إما بمفردها أو بالتعاون مع شركات إنتاج الأفلام الوثائقية، ويمكن للشباب أن ينتجوا فيديو بأي طول ولأي غرض بمفردهم أو بالتعاون مع متخصصين. ويمكن دمج الفيديوهات الطويلة، وفيديوهات الهواة، وفيديوهات الإنترنت في نفس المشروع، وقد عمل مشروع رسائل الفيديو لعام 2004 في البلقان، الذي نفذه الفريق الهولندي المكون من إريك فان دن برويك وكاتارينا ريجر، على تيسير تبادل رسائل الفيديو بين الناس الذين انقطعت بينهم الصلات بفعل الحرب، فقد أنتج الفريق حلقات تلفزيونية تسجل لحظات التفاعل، وارتحل الفريق عبر منطقة البلقان بشاحنة مزودة بوصلة إنترنت ليتيح بذلك للناس التواصل مع الأصدقاء والأقارب الذين فقدوا الاتصال بهم.

    وتلفت أوفدرهايدي إلى أن العديد من الحركات والمنظمات السياسية وظفت الأفلام الوثائقية أيضا في قضاياها؛ فعقد الهنود في المكسيك الذين انضموا إلى حركة زاباتيستا، التي أعلنت عن نفسها للعالم تحت اسم جيش زاباتيستا للتحرير في عام 1993 عن طريق الإنترنت، شراكة مع ناشطين دوليين لإنتاج فيديوهات عن حياتهم وكفاحهم، وقد حظيت الفيديوهات بالمشاهدة في محيط المجتمع والمنظمات الدينية وعلى الإنترنت أيضا، كذلك صنع الشباب الذين انجذبوا إلى الحركة المضادة للعولمة أفلاما تشهد على مظاهراتهم وأهدافهم الثورية العلنية، بما في ذلك فيلم “الحرب العالمية الرابعة” (2004) إنتاج شركة بيغ ماوث ميديا. وبواسطة كاميرات القطع الصغير، وثَّق القرويون الصينيون ثورتهم ضد مصادرة الحكومة للأراضي من أجل مشروعات التنمية وجذبوا اهتماما دوليّا.

    وترى أن التقنيات الجديدة تزيد على نحو ضخم من حجم الإنتاج تحت عنوان الفيلم الوثائقي، وهذا الحجم قد يخلق أنواعا فرعية جديدة، أو قد يفرض إعادة التفكير في النهاية، فعندما ينتج الساسة، وتلاميذ الصف الرابع، ومسؤولو تسويق المنتجات، أفلاما وثائقية قابلة للتحميل، هل سنعيد رسم ضوابط حول ما نعنيه ﺑ”وثائقي”؟ كما رأينا، يُعرَّف الفيلم الوثائقي كشكل فني بالتوتر القائم بين ادعاء المصداقية والحاجة إلى اختيار وتجسيد الواقع الذي يرغب المرء في إطلاع الآخرين عليه، فالأفلام الوثائقية هي مجموعة من الاختيارات؛ عن الموضوع، وأشكال التعبير، ووجهة النظر، وحبكة القصة، والجمهور المستهدف.
    أسئلة مستمرة



    لوحات للحياة الواقعية


    تخلص الباحثة إلى أن الأفلام الوثائقية سوف تستمر في خوض صراع مثمر مع أسئلة على غرار: كيف يجسد منتج الفيلم الواقع بأسلوب موثوق به؟ ما الحقائق التي ستقال؟ لِمَ هي مهمة، ولمن؟ ما مسؤولية منتج الفيلم تجاه أبطال العمل وما طبيعة علاقته بهم؟ من الذي تتاح له الفرصة لصنع أفلام وثائقية، وكيف ينظر إليه، وتحت أي قيود؟

    وسوف يعمل منتجو الأفلام بالأدوات المتاحة بين أيديهم التي تشمل التقاليد الشكلية التي تعبر للمشاهد عن الصدق، والدقة، والحضور الفريد؛ تلك التقاليد التي يمكن أن تشمل أي شيء من الراوي ذي الصوت الجهوري الرنان إلى الكاميرا المهتزة. وتشمل الأدوات أيضا التوقعات التي يجلبها المشاهدون معهم من الأنواع الفرعية الثابتة، وتشمل مشاركة السلطات والمشاهير، واستحسان المؤسسات التي يثق بها المشاهدون.

    وسيستفيد منتجو الأفلام أيضا من دراسة كفاح مخرجي الأفلام الوثائقية السابقين من أجل العمل بصدق وأمانة، سواء دراسة الشغف السياسي لأمثال جوريس إيفينز أو باربرا كوبل، أو المحاولات العابرة للثقافات لأمثال جان روش، والاستكشاف التعاطفي لأمثال آلان كينغ، أو المهمة التاريخية لأمثال هنري هامبتون.

    وسوف تظل مشكلة كيفية تجسيد الواقع مشكلة تستحق المصارعة معها، لأن الفيلم الوثائقي يقول “لقد حدث هذا بالفعل، وكان مهمّا بما يكفي عرضه عليك، فلتشاهده”. قد تكمن أهمية الفيلم الوثائقي في برامج الشؤون العامة أو الترفيه الذي يحركه المشاهير، قد يكون مهمّا للاعب تزلج في الرابعة عشرة من عمره، أو لسكان مبنى مقسم إلى شقق، وقد يكون مهمّا حتى نهاية الشهر أو نهاية الفصل الدراسي أو نهاية العمر. إن الفيلم الوثائقي يخلق روابط لها أساسها في تجربة الحياة الواقعية التي لا يمكن إنكارها؛ لأن بإمكانك أن تراها وتسمعها.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X