بارود
Gunpowder - Poudre à canon
البارود
البارود powder مادة متفجرة [ر: المتفجرات] دافعة صلبة سريعة الاشتعال قابلة لإحداث تفاعل ناشر للحرارة exothermic في معزل عن الهواء الخارجي مع إصدار كميات كبيرة من الغازات. وبعض أنواع البارود مركبات بوليميرية polymer عالية التكثف شديدة الاحتراق، يمكن تصنيفها في صنفين بحسب تركيب مادة البارود والعناصر التي تتألف منها: البارود المتغاير الخواص، ومنه البارود الأسود أو البارود الدخاني وأساسه نترات البوتاسيوم KNO3 أو نترات الصوديوم NaNO3، والبارود الثابت الخواص القابل للانصعاق كالبارود القطني اللادخاني، وأساسه النتروسلولوز.
1ـ البارود الأسود (الدخاني) black powder:
سمي هذا النوع من البارود أسود للونه الذي يغلب عليه لون فحم الخشب، وسمي دخانيا لأن الغازات المنطلقة عند احتراقه ممزوجة بدخان أسود يتألف من المواد الصلبة الناتجة من بقايا الاحتراق.
يتألف البارود الأسود من خليط جيد المزج من نترات البوتاسيوم أو الصوديوم وفحم الخشب والكبريت بنسب تختلف بحسب الغاية المستخدم لها، ويستعمل في صنع الحشوات الدافعة [ر] والحشوات المتفجرة لمقذوفات الأسلحة النارية والمقذوفات الصاروخية وفي الألعاب النارية وفي المقالع وفي صنع الفتيل المشعل.
لمحة تاريخية: البارود من أقدم المواد المتفجرة المعروفة، ولا يمكن على وجه الدقة تحديد مَن هو أول من اخترعه، كما لا يعرف أصل تسميته بالعربية ويبدو أنها من السريانية. وبعد أن توصل العرب إلى معرفة خواص ملح الصخر والبارود في أوائل القرن السابع للهجرة شملوه تحت مادة «نفط» التي صار لها منذ ذلك الحين معان جديدة.
وتذكر المصادر الإسبانية والعربية في الأندلس أن عرب الأندلس والمغرب عرفوا البارود واستعملوا المدافع في الحرب منذ أواخر القرن السابع للهجرة. وبمرور الزمن صارت كلمة بارود تعني البارود نفسه أو كحل البارود (ذرور) وصار ملح البارود هو الاسم الذي يطلق على ملح الصخر، ومن البارود اشتقت كلمة البارودة التي تعني البندقية.
ترجح أكثر المصادر أن الصينيين أول من عرف صفات ملح الصخر وعمليات تنقيته بالغسل، واستخدموه في الألعاب النارية منذ القرن العاشر الميلادي، وأن العرب قد نقلوا عنهم ذلك. ولكن المؤكد أن العرب هم أول من استخدم البارود في الأعمال الحربية مادة دافعة ثم متفجرة وحارقة. وأنهم توصلوا في نهاية القرن السابع للهجرة إلى تطوير أول مدفع حقيقي بالمعنى المعروف اليوم، وهو أنبوب من الخيزران مقوى بأطواق من حديد استعمل فيه البارود لإطلاق سهام كبيرة.
ويزعم الباحثون الغربيون أن العالم واللاهوتي البريطاني روجر بيكون[ر] (1214- 1294م) Roger Bacon ربما كان أول أوربي عرف البارود وكتب نحو سنة 1242م تعليمات واضحة عن تحضيره برموز لاتينية غريبة يصعب حلها. وكان بيكون هذا يلم بالعربية وقرأ كثيرا من الكتب المترجمة عنها، والتقى عددا من الجنود الذين شاركوا في الحملات الصليبية في المشرق.
لم يتغير تركيب البارود الأسود طوال ثلاثة قرون من بدء استعماله وكانت نسب مواده تتألف عادة من 75% من ملح البارود (نترات البوتاسيوم) و 15% من فحم الخشب و10% من مسحوق زهر الكبريت. وهناك أنماط خاصة من البارود الأسود المتغير الصيغة تستعمل لأغراض خاصة كالبارود الخالي من الكبريت أو المخفف.
وملح البارود متوافر في الطبيعة على شكل ذرور أبيض هش فوق الصخور الكلسية والشاطئية السهلة التفتت وفي الأماكن الرطبة، ويستخرج كذلك من ركام السماد الطبيعي وروث الحيوانات، وقد عثر على مكامن طبيعية له في الهند وكشمير ظلت في مقدمة مصادره سنوات طويلة. وفي أواسط القرن التاسع عشر عثر على مكامن من نترات الصوديوم في تشيلي وتوصل الصناعي الأمريكي لاموت دي بونت Lammot du Pont إلى إنتاج البارود من نترات الصوديوم في عام 1858، وقد كان هذا النوع من البارود أقل كفاية من بارود نترات البوتاسيوم في قوة التفجير وأرخص ثمنا بكثير، إلا أنه يناسب تماما أعمال المناجم وأعمال البناء، وللتفريق بين النوعين اصطلح على أن يرمز للبارود الحاوي على نترات البوتاسيوم بالحرف A وللبارود الحاوي على نترات الصوديوم بالحرف B، و يستعمل البارود A في الأغراض التي تتطلب نوعية جيدة منه كالأسلحة النارية والمشعلات الأمينة.
لم يستعمل البارود الأسود في أغراض التعدين قبل القرن السابع عشر الميلادي، إلا أن استخدامه في المناجم لم ينتشر إلا في أوائل القرن الثامن عشر لأسباب كثيرة منها ارتفاع تكاليف تحضيره وعدم توافر أدوات الثقب المناسبة والخوف من حدوث انهيارات في سقف المنجم. أما أول استخدام للبارود في أعمال الهندسة المدنية والعمارة فكان في سنة 1679 إبان حفر نفق مالباس Malpas عند قناة دي ميدي Canal du Midi في فرنسة. وقد ظل البارود الأسود المادة المتفجرة الوحيدة المستعملة في المقالع وأعمال الطرق حتى منتصف القرن التاسع عشر، وظل المادة الدافعة الوحيدة حتى نهاية ذلك القرن. إلى أن تم التوصل إلى بدائل أكثر أمنا من البارود الأسود وخاصة الديناميت المحسن [ر: الديناميت] والبارود اللادخاني، ولم يعد يسمح باستعمال البارود الأسود في المناجم تحت الأرض في أكثر الدول، وما يزال يستعمل في المقالع المكشوفة وفي بعض الأغراض الخاصة وفي الاستخدامات العسكرية.
صناعة البارود الأسود: يحضر البارود الأسود بسحق ملح الصخر (نترات البوتاسيوم) منفردا تحت أسطوانات فولاذية دوارة، ويسحق الكبريت وفحم الخشب في أسطوانة مجوفة تحوي كرات فولاذية حتى يتحول الجميع إلى ذرور ناعم، ثم توضع كمية من ذرور ملح الصخر والفحم والكبريت بالنسب المقررة في قدر كبيرة دوارة تشبه جهاز العجين ويقلب محتواها باستمرار، ثم تطحن الخلطة وتمزج تماما بوساطة عجلتين دوارتين من حديد ويضاف الماء إلى الخلطة من حين إلى آخر ليبقى المزيج رطبا، وتستمر هذه العملية بضع ساعات. يمرر الناتج بين أسطوانات خشبية دوارة لسحقه ثم يشكل على هيئة قطع مرصوصة تسمى «كعكة» تحت ضغط يراوح بين 210-280كغ/سم2، وتمرر القطع بين أسطوانات مسننة خشنة فتتكسر إلى أجزاء صغيرة متقاربة الحجم، وتتابع سيرها إلى طاحونة التحبيب التي تتألف من أسطوانات دوارة مختلفة الأبعاد حتى تصبح حبيبات البارود بالحجوم المطلوبة.
في المرحلة التالية يعمد إلى صقل (تزجيج glazing) حبيبات البارود بتقليبها في برميل خشبي دوار مترنح يمرر فيه تيار من الهواء المضغوط بضع ساعات وتكتسب الحبيبات درجة الرطوبة المناسبة، ويضاف في هذه الأثناء فحم الغرافيت ليؤلف طبقة رقيقة فوق حبيبات البارود فيصبح أكثر مقاومة للرطوبة ويزداد جودة.
يغربل البارود بعد انتهاء هذه المرحلة إلى حبيبات مختلفة الأحجام ويعبأ في براميل. ويباع البارود الأسود ذروراً ناعماً أو محبباً أو على شكل عبوات أسطوانية مغلفة بورق مشمع تضم أربع قطع أسطوانية طول كل منها 5سم وقطرها 2.75- 6.25سم وفي كل عبوة ثقب مركزي لوضع الفتيل المشعل أو الصاعق.
احتراق البارود الأسود: البارود الأسود قليل الحساسية بالاحتكاك أو الصدمات، ولكي يحترق أو ينفجر لابد من وجود مشعل. يحترق البارود بطبقات متوازية في الاتجاه العمودي على سطح الاحتراق، فتنتقل موجة الاحتراق والحرارة من طبقة إلى أخرى تليها، ويوفر احتراق البارود على هذا النحو ثبات الضغط الخارجي على النقيض من المواد المتفجرة الأخرى، إذ يستبعد في هذه الحالة تسرب نواتج الاحتراق والحرارة إلى داخل المادة نفسها، وتتوافر في الوقت نفسه إمكانية التحكم في السرعة الإجمالية لتشكل غازات الاحتراق بمقياس الزمن عن طريق إعطاء مادة البارود الشكل المناسب (ذرور أو أنابيب مختلفة القطر والطول ذات قناة واحدة أو متعددة القنوات) أما سرعة احتراق البارود فتعتمد على قوام مادته ودرجة الحرارة الأولية والضغط ويمكن التحكم فيها بوساطة الإضافات المختلفة.
الفتيل المشعل: في سنة 1831 توصل تاجر جلد بريطاني يدعى وليم بكفورد William Bickford إلى اختراع مشعل أمين للعمل في المناجم يتألف من فتيل منسوج محشو بالبارود الأسود، وأحسن أنواعه ما نسج من خيوط القنب الهندي (الجوت)، ثم يطلى الفتيل بمادة مانعة للرطوبة كالزفت ويغلف بنسيج آخر أو بمادة لدنة.
يوفر الفتيل المشعل وسيلة أمينة يمكن الركون إليها لإيصال النار إلى الحشوة المتفجرة، ويعتمد توقيت الانفجار على طول الفتيل، وهو دقيق إلى درجة كبيرة ولا يتأثر بالعوامل الجوية أو الماء.
2ـ البارود اللادخاني
البارود اللادخاني أو البارود القطني مادة متفجرة دافعة أساسها النتروسلولوز [C6H7O2(OH)3-X(ONO2)x]n والنتروسلولوز مادة بيضاء ليفية القوام تشبه القطن، ومن أهم ما تتصف به اختلاف مواصفاتها الفيزيائية والكيمياوية باختلاف نسبة ما تحتويه من الآزوت (النتروجين). يستعمل البارود اللادخاني في ذخائر الأسلحة النارية والصواريخ الصغيرة التي تعمل بالوقود الصلب وفي أدوات العمل التي تتطلب ضغطا عاليا وسرعة تنفيذ، وهو ليس ذرورا كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل ينتج على شكل أقراص أو صفيحات أو أسطوانات أو حبال أو كريات من حجوم مختلفة. ويسمى «لا دخانيا» أو «غير مدخن» للتفريق بينه وبين البارود الأسود المدخن. والبارود اللادخاني سريع الاشتعال لا يحتاج إلى أوكسجين خارجي، وينتج عند احتراقه كميات هائلة من الغازات العديمة اللون وحرارة عالية. ومن أهم خصائصه احتراق حبيباته عموديا على سطح الاحتراق، وتعتمد سرعة الاحتراق وحجم الغازات المنطلقة على تركيب حبيبات البارود وشكلها ومساحة سطح الاحتراق، وتزداد سرعة الاحتراق بازدياد الضغط، فإذا احترق البارود في حيز محكم الإغلاق فإن الغازات المنطلقة تولد ضغطا متزايدا يتسبب في زيادة تسارع الاحتراق. ويتفوق البارود اللادخاني على البارود الأسود بصفاته الدفعية العالية وعدم تركه بقايا احتراق تذكر وقلة امتصاصه للرطوبة ومحافظته على مواصفاته عند تخزينه في شروط طبيعية لمدة طويلة وقلة حساسيته للمؤثرات الخارجية وإمكانية تشكيله بأشكال وحجوم مختلفة.
إن اختراع أول مادة شديدة الانفجار ينسب عموما إلى الكيميائي السويسري من أصل ألماني كريستيان شونباين Christian Friedrich Schonbein الذي توصل في عام 1845 إلى صنع البارود القطني (النتروسلولوز) بنقع القطن في مزيج من حمض الآزوت وحمض الكبريت ثم غسل الناتج بالماء لإزالة بقايا الحمض. وفي عام 1860 توصل ضابط بروسي يدعى إرنست شولتزه E.Schultze إلى صنع مادة دافعة شبيهة بسابقتها من نقع قطع صغيرة من الخشب في حمض الآزوت، وبعد أن أزال بقايا الحمض أشبع الناتج بالباريوم ونترات البوتاسيوم. وكان البارود الذي حصل عليه شولتزه وحمل اسمه جيداً جداً لبنادق الصيد، ولكنه قليل الصلاحية للمدافع وأكثر البنادق الحربية.
في سنة 1884 توصل الكيميائي الفرنسي بول فييّ Paul Vieill إلى صنع بارود لا دخاني غرواني مكثف، هو «البارود ـ ب» powder B، قريب في صيغته من البارود اللادخاني المعروف اليوم.
وفي عام 1888 أنتج الكيميائي السويدي الشهير ألفرد نوبل Alfred Nobel مادة جديدة أسماها بالستيت ballestite، تتألف من مزيج هلامي القوام gelatinized من النتروسلولوز (40%) المخفف الآزوت مع النيتروغليسرين (60%) وقطعها شرائح، وقد ظلت هذه المادة تستعمل بنجاح مدة زادت على 75 عاماً، وطور البريطانيون فيما بعد عدداً من المنتجات المماثلة لها أطلقوا عليها اسماً عاماً هو الكوردايت cordite.
كذلك توصلت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1909 إلى نوع من البارود اللادخاني أكثر أماناً أساسه القطن المنترج nitrocotton الحاوي على نسبة منخفضة من الآزوت، ويدعى بيروسلولوز pyrocellulose، وهو قابل للانحلال في الإتير والكحول. وقد تبين أن هذا النوع من البارود يصلح للاستعمال في جميع أنواع المدافع، وكان المادة الدافعة الرئيسية المستخدمة في الحرب العالمية الأولى.
أنواع البارود اللادخاني: يستعمل البارود اللادخاني اليوم على نطاق واسع، وهو يصنف عموما في صنفين: وحيد الأساس وثنائي الأساس. يحتوي البارود اللادخاني الوحيد الأساس على النتروسلولوز مع بعض الإضافات، وقد حل فيه سلولوز الخشب محل ألياف القطن، ولا تزيد نسبة الآزوت فيه على 12.5- 13.5%. أما البارود الثنائي الأساس وهو أكثر أنواعه فيشتمل على نسبة 70-80% نترو سلولوز و20-30% نتروغليسرين. وقد يضاف إلى الصنفين إضافات لضمان ثباتهما وتحسين مواصفاتهما، أما أشهر أنواع البارود اللادخاني فهي: البارود البيروكسيليني والبارود النتروغليسريني وبارود الأمونيوم وبارود ثالث نترو تولوين.
وقود الصواريخ الجاف (الصلب): هو الاسم الذي يطلق على البارود المستخدم وقودا في المحركات الصاروخية، وهو مركبات بوليميرية حديثة تتفاعل بالحرارة، وتتألف عادة من بيروكلورات الأمونيوم (مؤكسد) ومن رابط بوليميري (وقود) ومن ذرور الألمنيوم وإضافات أخرى. ويتمتع الوقود الصاروخي الجاف بميزات كثيرة يتفوق بها على أنواع الوقود البالستية الأخرى، فقوة دفعه أكبر وسرعة احتراقه أقل اعتماداً على الضغط ودرجة الحرارة ومجال التحكم في سرعة احتراقه كبير عن طريق ضبط الإضافات المختلفة والتحكم في مواصفاتها الفيزيائية والميكانيكية، وبسبب مرونة هذا الوقود وإمكانية التحكم في شكله الخارجي يمكن تثبيته مباشرة على جدران المحرك الصاروخي الأمر الذي يزيد من معامل ملء المحرك بالوقود. تزود الصواريخ الصغيرة القصيرة المدى التي لا تتطلب احتراقاً طويل الأمد بحشوة من حبات أنبوبية من البارود الثنائي الأساس المشكلة بالبثق. أما الصواريخ الكبيرة البعيدة المدى فتزود بحشوة أسطوانية مجوفة واحدة تتألف من الوقود النظامي المعتمد مضافاً إليها مؤكسد ضمن غلاف من المطاط الصناعي.
محمد وليد الجلاد
Gunpowder - Poudre à canon
البارود
البارود powder مادة متفجرة [ر: المتفجرات] دافعة صلبة سريعة الاشتعال قابلة لإحداث تفاعل ناشر للحرارة exothermic في معزل عن الهواء الخارجي مع إصدار كميات كبيرة من الغازات. وبعض أنواع البارود مركبات بوليميرية polymer عالية التكثف شديدة الاحتراق، يمكن تصنيفها في صنفين بحسب تركيب مادة البارود والعناصر التي تتألف منها: البارود المتغاير الخواص، ومنه البارود الأسود أو البارود الدخاني وأساسه نترات البوتاسيوم KNO3 أو نترات الصوديوم NaNO3، والبارود الثابت الخواص القابل للانصعاق كالبارود القطني اللادخاني، وأساسه النتروسلولوز.
1ـ البارود الأسود (الدخاني) black powder:
سمي هذا النوع من البارود أسود للونه الذي يغلب عليه لون فحم الخشب، وسمي دخانيا لأن الغازات المنطلقة عند احتراقه ممزوجة بدخان أسود يتألف من المواد الصلبة الناتجة من بقايا الاحتراق.
يتألف البارود الأسود من خليط جيد المزج من نترات البوتاسيوم أو الصوديوم وفحم الخشب والكبريت بنسب تختلف بحسب الغاية المستخدم لها، ويستعمل في صنع الحشوات الدافعة [ر] والحشوات المتفجرة لمقذوفات الأسلحة النارية والمقذوفات الصاروخية وفي الألعاب النارية وفي المقالع وفي صنع الفتيل المشعل.
لمحة تاريخية: البارود من أقدم المواد المتفجرة المعروفة، ولا يمكن على وجه الدقة تحديد مَن هو أول من اخترعه، كما لا يعرف أصل تسميته بالعربية ويبدو أنها من السريانية. وبعد أن توصل العرب إلى معرفة خواص ملح الصخر والبارود في أوائل القرن السابع للهجرة شملوه تحت مادة «نفط» التي صار لها منذ ذلك الحين معان جديدة.
وتذكر المصادر الإسبانية والعربية في الأندلس أن عرب الأندلس والمغرب عرفوا البارود واستعملوا المدافع في الحرب منذ أواخر القرن السابع للهجرة. وبمرور الزمن صارت كلمة بارود تعني البارود نفسه أو كحل البارود (ذرور) وصار ملح البارود هو الاسم الذي يطلق على ملح الصخر، ومن البارود اشتقت كلمة البارودة التي تعني البندقية.
ترجح أكثر المصادر أن الصينيين أول من عرف صفات ملح الصخر وعمليات تنقيته بالغسل، واستخدموه في الألعاب النارية منذ القرن العاشر الميلادي، وأن العرب قد نقلوا عنهم ذلك. ولكن المؤكد أن العرب هم أول من استخدم البارود في الأعمال الحربية مادة دافعة ثم متفجرة وحارقة. وأنهم توصلوا في نهاية القرن السابع للهجرة إلى تطوير أول مدفع حقيقي بالمعنى المعروف اليوم، وهو أنبوب من الخيزران مقوى بأطواق من حديد استعمل فيه البارود لإطلاق سهام كبيرة.
ويزعم الباحثون الغربيون أن العالم واللاهوتي البريطاني روجر بيكون[ر] (1214- 1294م) Roger Bacon ربما كان أول أوربي عرف البارود وكتب نحو سنة 1242م تعليمات واضحة عن تحضيره برموز لاتينية غريبة يصعب حلها. وكان بيكون هذا يلم بالعربية وقرأ كثيرا من الكتب المترجمة عنها، والتقى عددا من الجنود الذين شاركوا في الحملات الصليبية في المشرق.
لم يتغير تركيب البارود الأسود طوال ثلاثة قرون من بدء استعماله وكانت نسب مواده تتألف عادة من 75% من ملح البارود (نترات البوتاسيوم) و 15% من فحم الخشب و10% من مسحوق زهر الكبريت. وهناك أنماط خاصة من البارود الأسود المتغير الصيغة تستعمل لأغراض خاصة كالبارود الخالي من الكبريت أو المخفف.
وملح البارود متوافر في الطبيعة على شكل ذرور أبيض هش فوق الصخور الكلسية والشاطئية السهلة التفتت وفي الأماكن الرطبة، ويستخرج كذلك من ركام السماد الطبيعي وروث الحيوانات، وقد عثر على مكامن طبيعية له في الهند وكشمير ظلت في مقدمة مصادره سنوات طويلة. وفي أواسط القرن التاسع عشر عثر على مكامن من نترات الصوديوم في تشيلي وتوصل الصناعي الأمريكي لاموت دي بونت Lammot du Pont إلى إنتاج البارود من نترات الصوديوم في عام 1858، وقد كان هذا النوع من البارود أقل كفاية من بارود نترات البوتاسيوم في قوة التفجير وأرخص ثمنا بكثير، إلا أنه يناسب تماما أعمال المناجم وأعمال البناء، وللتفريق بين النوعين اصطلح على أن يرمز للبارود الحاوي على نترات البوتاسيوم بالحرف A وللبارود الحاوي على نترات الصوديوم بالحرف B، و يستعمل البارود A في الأغراض التي تتطلب نوعية جيدة منه كالأسلحة النارية والمشعلات الأمينة.
لم يستعمل البارود الأسود في أغراض التعدين قبل القرن السابع عشر الميلادي، إلا أن استخدامه في المناجم لم ينتشر إلا في أوائل القرن الثامن عشر لأسباب كثيرة منها ارتفاع تكاليف تحضيره وعدم توافر أدوات الثقب المناسبة والخوف من حدوث انهيارات في سقف المنجم. أما أول استخدام للبارود في أعمال الهندسة المدنية والعمارة فكان في سنة 1679 إبان حفر نفق مالباس Malpas عند قناة دي ميدي Canal du Midi في فرنسة. وقد ظل البارود الأسود المادة المتفجرة الوحيدة المستعملة في المقالع وأعمال الطرق حتى منتصف القرن التاسع عشر، وظل المادة الدافعة الوحيدة حتى نهاية ذلك القرن. إلى أن تم التوصل إلى بدائل أكثر أمنا من البارود الأسود وخاصة الديناميت المحسن [ر: الديناميت] والبارود اللادخاني، ولم يعد يسمح باستعمال البارود الأسود في المناجم تحت الأرض في أكثر الدول، وما يزال يستعمل في المقالع المكشوفة وفي بعض الأغراض الخاصة وفي الاستخدامات العسكرية.
صناعة البارود الأسود: يحضر البارود الأسود بسحق ملح الصخر (نترات البوتاسيوم) منفردا تحت أسطوانات فولاذية دوارة، ويسحق الكبريت وفحم الخشب في أسطوانة مجوفة تحوي كرات فولاذية حتى يتحول الجميع إلى ذرور ناعم، ثم توضع كمية من ذرور ملح الصخر والفحم والكبريت بالنسب المقررة في قدر كبيرة دوارة تشبه جهاز العجين ويقلب محتواها باستمرار، ثم تطحن الخلطة وتمزج تماما بوساطة عجلتين دوارتين من حديد ويضاف الماء إلى الخلطة من حين إلى آخر ليبقى المزيج رطبا، وتستمر هذه العملية بضع ساعات. يمرر الناتج بين أسطوانات خشبية دوارة لسحقه ثم يشكل على هيئة قطع مرصوصة تسمى «كعكة» تحت ضغط يراوح بين 210-280كغ/سم2، وتمرر القطع بين أسطوانات مسننة خشنة فتتكسر إلى أجزاء صغيرة متقاربة الحجم، وتتابع سيرها إلى طاحونة التحبيب التي تتألف من أسطوانات دوارة مختلفة الأبعاد حتى تصبح حبيبات البارود بالحجوم المطلوبة.
في المرحلة التالية يعمد إلى صقل (تزجيج glazing) حبيبات البارود بتقليبها في برميل خشبي دوار مترنح يمرر فيه تيار من الهواء المضغوط بضع ساعات وتكتسب الحبيبات درجة الرطوبة المناسبة، ويضاف في هذه الأثناء فحم الغرافيت ليؤلف طبقة رقيقة فوق حبيبات البارود فيصبح أكثر مقاومة للرطوبة ويزداد جودة.
يغربل البارود بعد انتهاء هذه المرحلة إلى حبيبات مختلفة الأحجام ويعبأ في براميل. ويباع البارود الأسود ذروراً ناعماً أو محبباً أو على شكل عبوات أسطوانية مغلفة بورق مشمع تضم أربع قطع أسطوانية طول كل منها 5سم وقطرها 2.75- 6.25سم وفي كل عبوة ثقب مركزي لوضع الفتيل المشعل أو الصاعق.
احتراق البارود الأسود: البارود الأسود قليل الحساسية بالاحتكاك أو الصدمات، ولكي يحترق أو ينفجر لابد من وجود مشعل. يحترق البارود بطبقات متوازية في الاتجاه العمودي على سطح الاحتراق، فتنتقل موجة الاحتراق والحرارة من طبقة إلى أخرى تليها، ويوفر احتراق البارود على هذا النحو ثبات الضغط الخارجي على النقيض من المواد المتفجرة الأخرى، إذ يستبعد في هذه الحالة تسرب نواتج الاحتراق والحرارة إلى داخل المادة نفسها، وتتوافر في الوقت نفسه إمكانية التحكم في السرعة الإجمالية لتشكل غازات الاحتراق بمقياس الزمن عن طريق إعطاء مادة البارود الشكل المناسب (ذرور أو أنابيب مختلفة القطر والطول ذات قناة واحدة أو متعددة القنوات) أما سرعة احتراق البارود فتعتمد على قوام مادته ودرجة الحرارة الأولية والضغط ويمكن التحكم فيها بوساطة الإضافات المختلفة.
الفتيل المشعل: في سنة 1831 توصل تاجر جلد بريطاني يدعى وليم بكفورد William Bickford إلى اختراع مشعل أمين للعمل في المناجم يتألف من فتيل منسوج محشو بالبارود الأسود، وأحسن أنواعه ما نسج من خيوط القنب الهندي (الجوت)، ثم يطلى الفتيل بمادة مانعة للرطوبة كالزفت ويغلف بنسيج آخر أو بمادة لدنة.
يوفر الفتيل المشعل وسيلة أمينة يمكن الركون إليها لإيصال النار إلى الحشوة المتفجرة، ويعتمد توقيت الانفجار على طول الفتيل، وهو دقيق إلى درجة كبيرة ولا يتأثر بالعوامل الجوية أو الماء.
2ـ البارود اللادخاني
البارود اللادخاني أو البارود القطني مادة متفجرة دافعة أساسها النتروسلولوز [C6H7O2(OH)3-X(ONO2)x]n والنتروسلولوز مادة بيضاء ليفية القوام تشبه القطن، ومن أهم ما تتصف به اختلاف مواصفاتها الفيزيائية والكيمياوية باختلاف نسبة ما تحتويه من الآزوت (النتروجين). يستعمل البارود اللادخاني في ذخائر الأسلحة النارية والصواريخ الصغيرة التي تعمل بالوقود الصلب وفي أدوات العمل التي تتطلب ضغطا عاليا وسرعة تنفيذ، وهو ليس ذرورا كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل ينتج على شكل أقراص أو صفيحات أو أسطوانات أو حبال أو كريات من حجوم مختلفة. ويسمى «لا دخانيا» أو «غير مدخن» للتفريق بينه وبين البارود الأسود المدخن. والبارود اللادخاني سريع الاشتعال لا يحتاج إلى أوكسجين خارجي، وينتج عند احتراقه كميات هائلة من الغازات العديمة اللون وحرارة عالية. ومن أهم خصائصه احتراق حبيباته عموديا على سطح الاحتراق، وتعتمد سرعة الاحتراق وحجم الغازات المنطلقة على تركيب حبيبات البارود وشكلها ومساحة سطح الاحتراق، وتزداد سرعة الاحتراق بازدياد الضغط، فإذا احترق البارود في حيز محكم الإغلاق فإن الغازات المنطلقة تولد ضغطا متزايدا يتسبب في زيادة تسارع الاحتراق. ويتفوق البارود اللادخاني على البارود الأسود بصفاته الدفعية العالية وعدم تركه بقايا احتراق تذكر وقلة امتصاصه للرطوبة ومحافظته على مواصفاته عند تخزينه في شروط طبيعية لمدة طويلة وقلة حساسيته للمؤثرات الخارجية وإمكانية تشكيله بأشكال وحجوم مختلفة.
إن اختراع أول مادة شديدة الانفجار ينسب عموما إلى الكيميائي السويسري من أصل ألماني كريستيان شونباين Christian Friedrich Schonbein الذي توصل في عام 1845 إلى صنع البارود القطني (النتروسلولوز) بنقع القطن في مزيج من حمض الآزوت وحمض الكبريت ثم غسل الناتج بالماء لإزالة بقايا الحمض. وفي عام 1860 توصل ضابط بروسي يدعى إرنست شولتزه E.Schultze إلى صنع مادة دافعة شبيهة بسابقتها من نقع قطع صغيرة من الخشب في حمض الآزوت، وبعد أن أزال بقايا الحمض أشبع الناتج بالباريوم ونترات البوتاسيوم. وكان البارود الذي حصل عليه شولتزه وحمل اسمه جيداً جداً لبنادق الصيد، ولكنه قليل الصلاحية للمدافع وأكثر البنادق الحربية.
في سنة 1884 توصل الكيميائي الفرنسي بول فييّ Paul Vieill إلى صنع بارود لا دخاني غرواني مكثف، هو «البارود ـ ب» powder B، قريب في صيغته من البارود اللادخاني المعروف اليوم.
وفي عام 1888 أنتج الكيميائي السويدي الشهير ألفرد نوبل Alfred Nobel مادة جديدة أسماها بالستيت ballestite، تتألف من مزيج هلامي القوام gelatinized من النتروسلولوز (40%) المخفف الآزوت مع النيتروغليسرين (60%) وقطعها شرائح، وقد ظلت هذه المادة تستعمل بنجاح مدة زادت على 75 عاماً، وطور البريطانيون فيما بعد عدداً من المنتجات المماثلة لها أطلقوا عليها اسماً عاماً هو الكوردايت cordite.
كذلك توصلت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1909 إلى نوع من البارود اللادخاني أكثر أماناً أساسه القطن المنترج nitrocotton الحاوي على نسبة منخفضة من الآزوت، ويدعى بيروسلولوز pyrocellulose، وهو قابل للانحلال في الإتير والكحول. وقد تبين أن هذا النوع من البارود يصلح للاستعمال في جميع أنواع المدافع، وكان المادة الدافعة الرئيسية المستخدمة في الحرب العالمية الأولى.
أنواع البارود اللادخاني: يستعمل البارود اللادخاني اليوم على نطاق واسع، وهو يصنف عموما في صنفين: وحيد الأساس وثنائي الأساس. يحتوي البارود اللادخاني الوحيد الأساس على النتروسلولوز مع بعض الإضافات، وقد حل فيه سلولوز الخشب محل ألياف القطن، ولا تزيد نسبة الآزوت فيه على 12.5- 13.5%. أما البارود الثنائي الأساس وهو أكثر أنواعه فيشتمل على نسبة 70-80% نترو سلولوز و20-30% نتروغليسرين. وقد يضاف إلى الصنفين إضافات لضمان ثباتهما وتحسين مواصفاتهما، أما أشهر أنواع البارود اللادخاني فهي: البارود البيروكسيليني والبارود النتروغليسريني وبارود الأمونيوم وبارود ثالث نترو تولوين.
وقود الصواريخ الجاف (الصلب): هو الاسم الذي يطلق على البارود المستخدم وقودا في المحركات الصاروخية، وهو مركبات بوليميرية حديثة تتفاعل بالحرارة، وتتألف عادة من بيروكلورات الأمونيوم (مؤكسد) ومن رابط بوليميري (وقود) ومن ذرور الألمنيوم وإضافات أخرى. ويتمتع الوقود الصاروخي الجاف بميزات كثيرة يتفوق بها على أنواع الوقود البالستية الأخرى، فقوة دفعه أكبر وسرعة احتراقه أقل اعتماداً على الضغط ودرجة الحرارة ومجال التحكم في سرعة احتراقه كبير عن طريق ضبط الإضافات المختلفة والتحكم في مواصفاتها الفيزيائية والميكانيكية، وبسبب مرونة هذا الوقود وإمكانية التحكم في شكله الخارجي يمكن تثبيته مباشرة على جدران المحرك الصاروخي الأمر الذي يزيد من معامل ملء المحرك بالوقود. تزود الصواريخ الصغيرة القصيرة المدى التي لا تتطلب احتراقاً طويل الأمد بحشوة من حبات أنبوبية من البارود الثنائي الأساس المشكلة بالبثق. أما الصواريخ الكبيرة البعيدة المدى فتزود بحشوة أسطوانية مجوفة واحدة تتألف من الوقود النظامي المعتمد مضافاً إليها مؤكسد ضمن غلاف من المطاط الصناعي.
محمد وليد الجلاد