بابوا غينيه جديده
Papua New Guinea - Papouasie-Nouvelle-Guinée
بابوا ـ غينية الجديدة
بابوا ـ غينية الجديدة Papua-New Guinea إحدى الدول النامية في عالم المحيط الهادئ تتبع قارة أوقيانوسية مساحتها 462840كم2. نالت استقلالها، ضمن رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث) عام 1975. وقُبلت عضواً في هيئة الأمم المتحدة عام 1981.
وجزيرة غينية الجديدة، هي أكبر جزر المجموعة الميلانيزية Melanesia، ويؤلف القسم الشرقي من الجزيرة نحو ثلثي مساحة بابوا. ويشغل الثلث الباقي من مساحتها عدد من الجزر الصغيرة التابعة لمجموعتي جزر بسمارك وسليمان (سولومون)، القريبة منها، وأهمها، جزيرة بريطانية الجديدة وجزيرة إيرلندة الجديدة وجزيرة بوغانفيل Bauganville.
كشف البرتغاليون في القرن السادس عشر جزيرة غينية الجديدة، وفي القرن الثامن عشر قامت شركة الهند البريطانية بضم الجزيرة إلى ممتلكاتها فيما وراء البحار، في جنوبي آسيا[ر] وشرقيها.
وفي مطلع القرن التاسع عشر بدأ الغزو الاستعماري الأوربي لهذه الجزيرة والجزر القريبة منها. فاحتل الهولنديون في عام 1828 النصف الغربي منها المعروف باسم إيريان الذي يؤلف اليوم جزءاً مهماً من أراضي دولة إندونيسية[ر]. وفي عام 1840 تبعتهم بريطانية بإنزال بعثاتها في جنوب شرقي الجزيرة. أما المناطق الشمالية الشرقية منها فقد وُضعت في عام 1884 تحت الحماية الألمانية. إلا أن انكسار ألمانية في الحرب العالمية الأولى سمح لبريطانية بإلحاق المحمية الألمانية بمناطق نفوذها في الجزيرة، لتقوم بعد ذلك بوضع هذه المناطق تحت إشراف الإدارة الأسترالية، ويصبح كل القسم الشرقي من الجزيرة المعروف باسم بابوا مع الجزر القريبة تحت الوصاية الأسترالية.
ولقد فتح الكشف البرتغالي أبواب هذه المنطقة الغنية بموادها الأولية وثرواتها الطبيعية أمام الهجرات الجديدة. فبدأ الأوربيون بالتوافد إليها، والاستقرار فيها، استقراراً مؤقتاً أو دائماً. وعملوا على تغيير أوجه النشاط الاقتصادي في المناطق الغنية بمواردها مما أدى إلى ضعف الاقتصاد والإنتاج التقليدي وتراجعهما، كما قام الوافدون الأوربيون بنشر لغاتهم وثقافتهم ومعتقداتهم ومظاهر حضارتهم فيها، مما أدى إلى تراجع تدريجي للغات السكان الأصليين وثقافاتهم ومعتقداتهم ومظاهر حضارتهم. ففي منتصف القرن الثامن عشر، بدأت البعثات التبشيرية نشاطها الكبير في نشر تعاليم الدين المسيحي حتى أصبح 63% من مجموع سكان دولة بابوا ـ غينية الجديدة من أتباع الكنيسة البروتستنتية و31% منهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. في حين تراجعت نسبة أتباع الديانات المحلية الوثنية الطوطمية إلى 6% من مجموع السكان. كما تراجعت اللغات المحلية الوطنية أمام الانتشار الواسع للغة الإنكليزية التي أصبحت اللغة الرسمية للدولة.
الجغرافية الطبيعية
مع وقوع أراضي بابوا ـ غينية الجديدة على هوامش الرصيف القاري لسواحل شرقي آسيا، ممتدة ضمن النطاق الضحل لمياه المحيط الهادئ، فإنها قارية المنشأ من حيث البنية والتكوّن، لذا فهي تنتمي من الناحيتين الجيولوجية والتضريسية، إلى نطاقات اليابسة المجاورة المؤلفة من الصخور القارية التي انفصلت عن اليابسة بفعل الحركات البنائية (التكتونية) التي نشطت في العصور الجيولوجية المختلفة متمثلة بحركات الهبوط الأرضي والتصدعات والفوالق المهمة، وتتنوع الظواهر التضريسية في بابوا عموماً، تبعاً لتنوع التركيب الصخري وبنية الطبقات ومدى تأثرهما بعوامل الحت والتعرية المختلفة التي طبعت التضاريس بملامح وبظواهر طبوغرافية خاصة، وعلى الرغم من أن بابوا ـ غينية الجديدة، تقع في النطاق المائي الضحل من المحيط الهادئ وتعد بذلك جزءاً من عالمه، فإنها قارية المنشأ من حيث تكونها وبنيتها.
تعود صخورها إلى مختلف الأحقاب والعصور الجيولوجية فالقطاعات الشمالية الكتلية المرتفعة الممتدة باتجاه غربي شرقي تتألف من صخور ينتمي القسم الأكبر منها إلى الحقب الجيولوجي الثالث، وقد كشفت عوامل الحت والتعرية في عدة أماكن منها عن رقع صغيرة من الصخور العائدة إلى الحقبين الثاني والأول. أما المناطق السهلية الواسعة في الجنوب، وكذلك بطون الأودية والمنخفضات، فتتكوّن من الرسوبيات التي تعود إلى مختلف الأحقاب. وتغطي الطفوح البركانية مساحات محدودة في الوسط وفي الجنوب الشرقي. ومع تنوع التضاريس في بابوا فإن المظهر الجبلي هو الغالب على سطحها، إذ تشرف السلاسل الفتية، والهضاب وهي ما تبقى من الالتواءات القديمة، على السهول التي كوَّنتها لحقيات الأنهار في أطراف أوديتـها أو عند مصباتها. ويعظم ارتفاع الجبال ويشتد تضرسها في القسمين الجنوبي الشرقي والشمالي فيراوح ارتفاع القمم في جبال أوين ستانلي Owen Stanley بين 4000 و4500م فوق سطح البحر. كما في قمم ألبرت إدوارد وفكتورية وويلهلم. أما في القسم الجنوبي فالسهول تشغل القسم الأكبر من المساحة. وتكثر الحواجز المرجانية أمام شواطئ جزيرة غينية الجديدة وحول الجزر الصغيرة. وكثيراً ما تطوق الحواجز المذكورة جزءاً من مياه البحر مكوّنة أهواراً Lagoons يمارس فيها السكان المحليون عمليات الصيد المحدودة وجمع المحار بالطرق البدائية إضافة لاستخراج اللؤلؤ والمرجان.
وقد تكوّنت ظواهر السطح التضريسية المختلفة في البلاد بوساطة الحت والتعرية النهرية الشديدي التأثير بسبب كثرة الأمطار وغزارة الجريان. فعملت مجاري الأنهار ذات الأودية الخانقية العميقة على تقطيع السفوح الجبلية وتقسيمها.
ويغلب في معظم أنحاء بابوا ـ غينية الجديدة المناخ الاستوائي الجزري الحار والرطب ولاسيما في الجزر الصغيرة المنخفضة السطح، وفي الأجزاء السهلية من جزيرة غينية الجديدة. وهذا المناخ لا يصلح لسكنى الأوربيين. لذلك فإنهم يختارون المناطق المرتفعة التي يلطف مناخها فيمكنهم تحملـه. وينتج من سيادة المناخ الاستوائي الجزري قلة المدى الحراري اليومي والفصلي. كما أن الرياح الموسمية والتجارية الدائمة تسبب ارتفاعاً في كمية الأمطار الهاطلة طوال أيام السنة. ويغلب عليها النوع الإعصاري والتصاعدي.
وفي هذه الشروط المناخية والتضريسية، تتصف أنهار بابوا الشمالية التي تصب في مياه المحيط مباشرة بارتفاع غزارتها طوال أيام السنة، وبسرعة جريانها وشدة انحدارها وقصر مجاريها. أما الأنهار الجنوبية التي تمر بالسهول اللحقية قبل أن تصب في بحري آرافورا وكورال، فتتصف إضافة إلى الغزارة المرتفعة طوال أيام السنة، بقلة انحدارها وطول مجاريها، وأهمها نهر كيكوري Kikori ونهر فلاي Fly.
أما من حيث النبات: فقد تضافرت الشروط المناخية والتضريسية لتمكن الغابة الاستوائية الكثيفة العذراء، التي لم تستغل حتى اليوم، إلا استغلالاً محدوداً من تغطية أجزاء واسعة من بابوا، ولاسيما سفوح الجبال التي لم يصل إليها القطع لتستبدل بأشجارها «أشجار البن». أما في المناطق السهلية الساحلية فقد توسع المواطنون في زراعة أشجار النخيل الزيتي وأشجار الكاكاو وقصب السكر بدلاً من الأشجار التي قُطعت.
وما تزال الغابة في بابوا من أهم مصادر الثروة الطبيعية بأشجارها المتنوعة التي تعطي الخشب القاسي الذي تصنع منه التماثيل الصغيرة المفضلة عند السياح، إضافة إلى الأخشاب الجيدة التي تستخدم في صناعة السفن والقوارب المحلية، والألياف التي تصنع منها الحبال والسلال والحصر. وتستخلص من أوراق بعض الأشجار الفصيلة الآسيّة كالنياؤلي، مستحضرات مفيدة لعلاج أمراض الجهاز التنفسي.
الجغرافية البشرية والاقتصادية
ـ السكان: قفز عدد سكان بابوا غينية الجديدة من 2.7 مليون نسمة عام 1975 إلى 4.6 مليون نسمة عام 1998 وتبعاً لمعدل التزايد الطبيعي للسكان والذي يصل اليوم إلى 2.6%، فإن عدد سكانها سيصل في نهاية القرن العشرين إلى نحو 5.3 مليون نسمة.
ينتمي السكان إلى أصول مختلفة تعقد تركيبها بسبب تداخل الهجرات التي لم ينقطع تدفقها منذ أهلت البلاد بالسكان، وكانت شبه جزيرة الملايو القنطرة الطبيعية التي استخدمها أكثر الوافدين.
وتشير الأبحاث الأنتروبولوجية إلى أن بداية تعمير بابوا ـ غينية الجديدة، بالسكان كانت منذ نحو 25 ألف سنة، حين بدأت الهجرة من آسيا إلى أطراف جزيرة غينية الجديدة والجزر القريبة منها. وكانت الجماعات التي عرفت باسم الأستراليين الأصليين، تُمثل طلائع هذه الهجرات القديمة التي مرت بالبلاد قبل أن ينتهي بها المطاف إلى أسترالية. تلتها جماعات الأقزام الآسيويين (النغريتوس) الذين يتصفون باللون الأسود الداكن وبالقامة القصيرة وبشعر الرأس الأسود. وقد التجأت هذه الأقوام المغرقة في القدم إلى المناطق الجبلية والغابية المنعزلة في البلاد لتعيش فيها حياة بدائية وهي في طريقها إلى الانقراض.
أما الفئات الميلانيزية من السكان الأصليين التي تتصف بلون البشرة الأسود الداكن أيضاً وبشعر الرأس الأجعد، وتعرف بالبابوا وتؤلف الأكثرية، فيرجعها بعض الباحثين إلى عروق بشرية أصلية مستقلة، وفدت من جنوب شرقي آسيا. في حين يظن بعضهم الآخر أنهم مجموعات عرقية تفرعت من «النغريتوس» من غير أن تحتفظ بالصفات الزنجية الحقيقية أو بصفات الأستراليين، وإن كان بعضهم ما يزال يعيش عيشة شبه بدائية. وبيوتهم أكواخ من القصب مثبتة فوق أوتاد من جذوع الأشجار مغروسة وسط المياه اتقاء لأذى الحيوانات. ويعتمدون في غذائهم على الصيد وجمع الثمار ويتمسكون بمعتقداتهم الوثنية. فلكل جماعة منهم طوطمها الخاص بها وشعائرها ورقصاتها الخاصة.
أما الغالبية من البابوا التي أخذت بأسباب التطور وسكنت السهول الزراعية والمدن الساحلية فهي تعمل إلى جانب الصيد والجمع في زراعة قصب السكر والبن والكاكاو واستخراج الزيوت النباتية من أشجار جوز الهند وصنع السلال والحبال من أليافها واستخراج بعض العطور والأدوية من أوراق أشجار الفصيلة الآسيّة كشجر النياؤلي. إضافة إلى بعض الأعمال الحرفية الخشبية كصناعة السفن الصغيرة والعمل في المناجم تحت إشراف المستثمرين الأجانب، وفي الأعمال الحكومية والخدمية.
ومنذ نحو ثمانية آلاف سنة مرَّ بالبلاد جماعات آسيوية مختلفة، منها بعض الجماعات القفقاسية التي اتصفت بإتقانها فن الملاحة البحرية والصيد والزراعة البدائية. كذلك مرّ بها قبل الميلاد بنحو ألف سنة مجموعات بشرية تحمل معها الصفات المغولية، وأنماطاً من النشاط الزراعي والصناعي. ومع اختلاط بعض هذه الجماعات بالسكان الأصليين البابوا، وظهور فروع من السكان ذوي صفات جسمية جديدة ما يزال بالإمكان تمييز الخصائص العرقية الأساسية للجماعات البشرية القديمة الأصلية التي انزوت في مناطق معزولة من البلاد.
وبعد الرحلات الكشفية التي بدأها بالبوا عام 1513، واختتمها تسمان الهولندي عام 1642 ماراً بسواحل بابوا قبل أن يتجه إلى جزر أندونيسية الأخرى، بدأت هجرات الأوربيين إلى المنطقة لتكتمل بقدومهم التركيبة السكانية. وإلى هذه الهجرات تنتمي الأقلية الأوربية الحالية من السكان، والمميّزة بمستواها الاقتصادي والاجتماعي من الغالبية الوطنية. ولكي يتسنى لهؤلاء القادمين الجدد الاستئثار بخيرات البلاد، مارسوا عمليات قتل وإفناء لأعداد كبيرة من السكان الأصليين، وطردوا من تبقى منهم إلى مناطق العزلة الفقيرة المجدبة ليقتلهم الجوع والمرض، فأخذت أعدادهم تتناقص بوتائر سريعة تهدد بالانقراض.
ومع أن تركيب أقوام سكان بابوا قد اكتمل منذ القرن الثامن عشر، فإن قدوم بعض العناصر الصفراء والبيضاء لم ينقطع، واستمر مرافقاً للأحداث السياسية الجديدة التي مرت على المنطقة قبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها. كالمدّ الياباني الذي سبق الحرب ولم يدم طويلاً، ثم مالبث أن انحسر أمام ازدياد النفوذ الأمريكي الذي شمل عالم المحيط الهادئ بكامله.
ومع بداية هذه المرحلة من تاريخ البلاد، أخذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي يتبدل للجهود التي بذلت في تنفيذ مشاريع التنمية للقضاء على التخلف وتحسين أوضاع السكان ومساعدتهم على التطور والأخذ بأسباب التقدم. ومع أن دولة بابوا النامية ما تزال في أولى مراحل التطور، والمشاكل التي تلازم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما تلك التي ترتبط بحياة السكان، والناجمة عن الشروط الأساسية المحيطة بهذه الحياة، ما تزال قائمة، وتعيق التطور فإن الوقائع والإحصاءات تشير إلى أن ملامح التحسن بدأت تظهر في كل المجالات.
الحكم والإدارة: تقسم بابوا ـ غينية الجديدة إلى 10 مناطق إدارية كبرى يشرف على إدارتها حكم وطني برلماني، استقيت أنظمته من روح الأنظمة البرلمانية البريطانية والأسترالية.
السكن والتجمعات السكانية: طرأ تحسن على مستوى المسكن في المدينة والريف. وتحولت مواقع الصيد القديمة على السواحل إلى موانئ تجارية تربط المناطق الداخلية الغنية بغاباتها وزراعاتها ومعادنها بالعالم الخارجي. وأصبحت هذه الموانئ تؤلف المدن المهمة في البلاد. فميناء موريسبي Port Moresbey هو العاصمة السياسية والمدينة الأولى بعدد سكانها البالغ نحو 200 ألف نسمة. وهناك ميناءا لاي Lae ومادانغ Madang، في الجزيرة الكبرى غينية الجديدة. وميناءا كيتا Kieta ورابول Rabaul في الجزر الأخرى الصغيرة.
الصحة: بُذلت جهود مكثفة لتحسين المستوى الصحي وزيادة حجم الخدمات، إلا أن التخلف الذي ما يزال يحيط بحياة السكان الذين يعتمدون على الممارسات السحرية والدينية، وعدم كفاية ما تحقق من خدمات لتوفير الوقاية والعلاج اللازمين لكل فئات السكان في المدن والأرياف بالتساوي، أديا إلى تدني المستوي الصحي وانتشار الأمراض التي تهدد الفئات ذات المقاومة الضعيفة من صغار الأطفال والنساء الحوامل. مع ذلك فإن ماتحقق من تحسن في أوضاع السكان الصحية أمر تجدر الإشارة إليه. فنسبة الوفيات العامة انخفضت إلى 13بالألف، ووفيات الأطفال إلى 90 لكل ألف ولادة حية، ووفيات الأمهات الحوامل إلى 9 لكل ألف ولادة. كما ارتفع أمل الحياة للذكور إلى 53.5سنة، وللإناث إلى 53 سنة. وارتفع عدد الأطباء وعدد الأسرّة في المشافي فأصبح لكل 100ألف نسمة من السكان سبعة أطباء و469سريرمشفى.
أمّا المجالات الثقافية والمعاشية: فإن ما تحقق فيها ما يزال أقل من المطلوب فنسبة المتعلمين ماتزال منخفضة إذ لا تزيد على 40%. ونسبة الحضر لم ترتفع إلى أكثر من 20% من مجموع السكان، ومع أن فرص العمل أمام المواطنين زادت وتنوعت وارتفع الدخل العام إلا أن دخل الفرد السنوي ما يزال في حدود 600 دولار أمريكي.
الأحوال الاقتصادية
نتيجة لطبيعة البلاد الجزرية والجبلية وللمناخ الاستوائي، فإن الغابات الكثيفة تغطي القسم الأكبر من البلاد.
وتحوي أراضي بابوا الكثير من الثروات المعدنية ولاسيما الذهب والنحاس والفضة وخامات الحديد والنيكل، إضافة إلى كميات محدودة من الفحم الحجري والغاز الطبيعي.
ويساعد المناخ الاستوائي الشديد الرطوبة على التوسع في زراعة قصب السكر وأشجار النخيل الزيتي والكاكاو والتوابل في المناطق السهلية الخصبة التي تمتد على طول سواحلها. أما في السفوح الجبلية فتزرع أشجار البن بنجاح. ويعمل في هذه الزراعات المميّزة، وفي بقية النشاطات المرتبطة بها، كتربية الخنازير، والصيد البحري، وجمع المحار واللؤلؤ والمرجان، وفي قطع الأخشاب، أكثر من نصف العاملين من السكان. في حين تعمل بقيتهم في الحرف اليدوية المختلفة، وفي مجال الخدمات والوظائف الحكومية وفي المناجم.
ولبابوا تجارة خارجية رابحة تزيد فيها قيمة الصادرات على قيمة الواردات أو تتعادل. وتتعامل في القسم الأكبر من تجارتها مع البلدان المجاورة ومع بعض البلدان الصديقة البعيدة، إذ تتجه صادراتها بالدرجة الأولى إلى اليابان وألمانية وأسترالية والولايات المتحدة الأمريكية. في حين تستورد بالدرجة الأولى من أسترالية ثم من اليابان ومن سنغافورة.
محمود رمزي
Papua New Guinea - Papouasie-Nouvelle-Guinée
بابوا ـ غينية الجديدة
بابوا ـ غينية الجديدة Papua-New Guinea إحدى الدول النامية في عالم المحيط الهادئ تتبع قارة أوقيانوسية مساحتها 462840كم2. نالت استقلالها، ضمن رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث) عام 1975. وقُبلت عضواً في هيئة الأمم المتحدة عام 1981.
وجزيرة غينية الجديدة، هي أكبر جزر المجموعة الميلانيزية Melanesia، ويؤلف القسم الشرقي من الجزيرة نحو ثلثي مساحة بابوا. ويشغل الثلث الباقي من مساحتها عدد من الجزر الصغيرة التابعة لمجموعتي جزر بسمارك وسليمان (سولومون)، القريبة منها، وأهمها، جزيرة بريطانية الجديدة وجزيرة إيرلندة الجديدة وجزيرة بوغانفيل Bauganville.
كشف البرتغاليون في القرن السادس عشر جزيرة غينية الجديدة، وفي القرن الثامن عشر قامت شركة الهند البريطانية بضم الجزيرة إلى ممتلكاتها فيما وراء البحار، في جنوبي آسيا[ر] وشرقيها.
ولقد فتح الكشف البرتغالي أبواب هذه المنطقة الغنية بموادها الأولية وثرواتها الطبيعية أمام الهجرات الجديدة. فبدأ الأوربيون بالتوافد إليها، والاستقرار فيها، استقراراً مؤقتاً أو دائماً. وعملوا على تغيير أوجه النشاط الاقتصادي في المناطق الغنية بمواردها مما أدى إلى ضعف الاقتصاد والإنتاج التقليدي وتراجعهما، كما قام الوافدون الأوربيون بنشر لغاتهم وثقافتهم ومعتقداتهم ومظاهر حضارتهم فيها، مما أدى إلى تراجع تدريجي للغات السكان الأصليين وثقافاتهم ومعتقداتهم ومظاهر حضارتهم. ففي منتصف القرن الثامن عشر، بدأت البعثات التبشيرية نشاطها الكبير في نشر تعاليم الدين المسيحي حتى أصبح 63% من مجموع سكان دولة بابوا ـ غينية الجديدة من أتباع الكنيسة البروتستنتية و31% منهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. في حين تراجعت نسبة أتباع الديانات المحلية الوثنية الطوطمية إلى 6% من مجموع السكان. كما تراجعت اللغات المحلية الوطنية أمام الانتشار الواسع للغة الإنكليزية التي أصبحت اللغة الرسمية للدولة.
الجغرافية الطبيعية
مع وقوع أراضي بابوا ـ غينية الجديدة على هوامش الرصيف القاري لسواحل شرقي آسيا، ممتدة ضمن النطاق الضحل لمياه المحيط الهادئ، فإنها قارية المنشأ من حيث البنية والتكوّن، لذا فهي تنتمي من الناحيتين الجيولوجية والتضريسية، إلى نطاقات اليابسة المجاورة المؤلفة من الصخور القارية التي انفصلت عن اليابسة بفعل الحركات البنائية (التكتونية) التي نشطت في العصور الجيولوجية المختلفة متمثلة بحركات الهبوط الأرضي والتصدعات والفوالق المهمة، وتتنوع الظواهر التضريسية في بابوا عموماً، تبعاً لتنوع التركيب الصخري وبنية الطبقات ومدى تأثرهما بعوامل الحت والتعرية المختلفة التي طبعت التضاريس بملامح وبظواهر طبوغرافية خاصة، وعلى الرغم من أن بابوا ـ غينية الجديدة، تقع في النطاق المائي الضحل من المحيط الهادئ وتعد بذلك جزءاً من عالمه، فإنها قارية المنشأ من حيث تكونها وبنيتها.
وقد تكوّنت ظواهر السطح التضريسية المختلفة في البلاد بوساطة الحت والتعرية النهرية الشديدي التأثير بسبب كثرة الأمطار وغزارة الجريان. فعملت مجاري الأنهار ذات الأودية الخانقية العميقة على تقطيع السفوح الجبلية وتقسيمها.
ويغلب في معظم أنحاء بابوا ـ غينية الجديدة المناخ الاستوائي الجزري الحار والرطب ولاسيما في الجزر الصغيرة المنخفضة السطح، وفي الأجزاء السهلية من جزيرة غينية الجديدة. وهذا المناخ لا يصلح لسكنى الأوربيين. لذلك فإنهم يختارون المناطق المرتفعة التي يلطف مناخها فيمكنهم تحملـه. وينتج من سيادة المناخ الاستوائي الجزري قلة المدى الحراري اليومي والفصلي. كما أن الرياح الموسمية والتجارية الدائمة تسبب ارتفاعاً في كمية الأمطار الهاطلة طوال أيام السنة. ويغلب عليها النوع الإعصاري والتصاعدي.
وفي هذه الشروط المناخية والتضريسية، تتصف أنهار بابوا الشمالية التي تصب في مياه المحيط مباشرة بارتفاع غزارتها طوال أيام السنة، وبسرعة جريانها وشدة انحدارها وقصر مجاريها. أما الأنهار الجنوبية التي تمر بالسهول اللحقية قبل أن تصب في بحري آرافورا وكورال، فتتصف إضافة إلى الغزارة المرتفعة طوال أيام السنة، بقلة انحدارها وطول مجاريها، وأهمها نهر كيكوري Kikori ونهر فلاي Fly.
أما من حيث النبات: فقد تضافرت الشروط المناخية والتضريسية لتمكن الغابة الاستوائية الكثيفة العذراء، التي لم تستغل حتى اليوم، إلا استغلالاً محدوداً من تغطية أجزاء واسعة من بابوا، ولاسيما سفوح الجبال التي لم يصل إليها القطع لتستبدل بأشجارها «أشجار البن». أما في المناطق السهلية الساحلية فقد توسع المواطنون في زراعة أشجار النخيل الزيتي وأشجار الكاكاو وقصب السكر بدلاً من الأشجار التي قُطعت.
وما تزال الغابة في بابوا من أهم مصادر الثروة الطبيعية بأشجارها المتنوعة التي تعطي الخشب القاسي الذي تصنع منه التماثيل الصغيرة المفضلة عند السياح، إضافة إلى الأخشاب الجيدة التي تستخدم في صناعة السفن والقوارب المحلية، والألياف التي تصنع منها الحبال والسلال والحصر. وتستخلص من أوراق بعض الأشجار الفصيلة الآسيّة كالنياؤلي، مستحضرات مفيدة لعلاج أمراض الجهاز التنفسي.
الجغرافية البشرية والاقتصادية
ينتمي السكان إلى أصول مختلفة تعقد تركيبها بسبب تداخل الهجرات التي لم ينقطع تدفقها منذ أهلت البلاد بالسكان، وكانت شبه جزيرة الملايو القنطرة الطبيعية التي استخدمها أكثر الوافدين.
وتشير الأبحاث الأنتروبولوجية إلى أن بداية تعمير بابوا ـ غينية الجديدة، بالسكان كانت منذ نحو 25 ألف سنة، حين بدأت الهجرة من آسيا إلى أطراف جزيرة غينية الجديدة والجزر القريبة منها. وكانت الجماعات التي عرفت باسم الأستراليين الأصليين، تُمثل طلائع هذه الهجرات القديمة التي مرت بالبلاد قبل أن ينتهي بها المطاف إلى أسترالية. تلتها جماعات الأقزام الآسيويين (النغريتوس) الذين يتصفون باللون الأسود الداكن وبالقامة القصيرة وبشعر الرأس الأسود. وقد التجأت هذه الأقوام المغرقة في القدم إلى المناطق الجبلية والغابية المنعزلة في البلاد لتعيش فيها حياة بدائية وهي في طريقها إلى الانقراض.
أما الفئات الميلانيزية من السكان الأصليين التي تتصف بلون البشرة الأسود الداكن أيضاً وبشعر الرأس الأجعد، وتعرف بالبابوا وتؤلف الأكثرية، فيرجعها بعض الباحثين إلى عروق بشرية أصلية مستقلة، وفدت من جنوب شرقي آسيا. في حين يظن بعضهم الآخر أنهم مجموعات عرقية تفرعت من «النغريتوس» من غير أن تحتفظ بالصفات الزنجية الحقيقية أو بصفات الأستراليين، وإن كان بعضهم ما يزال يعيش عيشة شبه بدائية. وبيوتهم أكواخ من القصب مثبتة فوق أوتاد من جذوع الأشجار مغروسة وسط المياه اتقاء لأذى الحيوانات. ويعتمدون في غذائهم على الصيد وجمع الثمار ويتمسكون بمعتقداتهم الوثنية. فلكل جماعة منهم طوطمها الخاص بها وشعائرها ورقصاتها الخاصة.
أما الغالبية من البابوا التي أخذت بأسباب التطور وسكنت السهول الزراعية والمدن الساحلية فهي تعمل إلى جانب الصيد والجمع في زراعة قصب السكر والبن والكاكاو واستخراج الزيوت النباتية من أشجار جوز الهند وصنع السلال والحبال من أليافها واستخراج بعض العطور والأدوية من أوراق أشجار الفصيلة الآسيّة كشجر النياؤلي. إضافة إلى بعض الأعمال الحرفية الخشبية كصناعة السفن الصغيرة والعمل في المناجم تحت إشراف المستثمرين الأجانب، وفي الأعمال الحكومية والخدمية.
ومنذ نحو ثمانية آلاف سنة مرَّ بالبلاد جماعات آسيوية مختلفة، منها بعض الجماعات القفقاسية التي اتصفت بإتقانها فن الملاحة البحرية والصيد والزراعة البدائية. كذلك مرّ بها قبل الميلاد بنحو ألف سنة مجموعات بشرية تحمل معها الصفات المغولية، وأنماطاً من النشاط الزراعي والصناعي. ومع اختلاط بعض هذه الجماعات بالسكان الأصليين البابوا، وظهور فروع من السكان ذوي صفات جسمية جديدة ما يزال بالإمكان تمييز الخصائص العرقية الأساسية للجماعات البشرية القديمة الأصلية التي انزوت في مناطق معزولة من البلاد.
وبعد الرحلات الكشفية التي بدأها بالبوا عام 1513، واختتمها تسمان الهولندي عام 1642 ماراً بسواحل بابوا قبل أن يتجه إلى جزر أندونيسية الأخرى، بدأت هجرات الأوربيين إلى المنطقة لتكتمل بقدومهم التركيبة السكانية. وإلى هذه الهجرات تنتمي الأقلية الأوربية الحالية من السكان، والمميّزة بمستواها الاقتصادي والاجتماعي من الغالبية الوطنية. ولكي يتسنى لهؤلاء القادمين الجدد الاستئثار بخيرات البلاد، مارسوا عمليات قتل وإفناء لأعداد كبيرة من السكان الأصليين، وطردوا من تبقى منهم إلى مناطق العزلة الفقيرة المجدبة ليقتلهم الجوع والمرض، فأخذت أعدادهم تتناقص بوتائر سريعة تهدد بالانقراض.
ومع أن تركيب أقوام سكان بابوا قد اكتمل منذ القرن الثامن عشر، فإن قدوم بعض العناصر الصفراء والبيضاء لم ينقطع، واستمر مرافقاً للأحداث السياسية الجديدة التي مرت على المنطقة قبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها. كالمدّ الياباني الذي سبق الحرب ولم يدم طويلاً، ثم مالبث أن انحسر أمام ازدياد النفوذ الأمريكي الذي شمل عالم المحيط الهادئ بكامله.
ومع بداية هذه المرحلة من تاريخ البلاد، أخذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي يتبدل للجهود التي بذلت في تنفيذ مشاريع التنمية للقضاء على التخلف وتحسين أوضاع السكان ومساعدتهم على التطور والأخذ بأسباب التقدم. ومع أن دولة بابوا النامية ما تزال في أولى مراحل التطور، والمشاكل التي تلازم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما تلك التي ترتبط بحياة السكان، والناجمة عن الشروط الأساسية المحيطة بهذه الحياة، ما تزال قائمة، وتعيق التطور فإن الوقائع والإحصاءات تشير إلى أن ملامح التحسن بدأت تظهر في كل المجالات.
الحكم والإدارة: تقسم بابوا ـ غينية الجديدة إلى 10 مناطق إدارية كبرى يشرف على إدارتها حكم وطني برلماني، استقيت أنظمته من روح الأنظمة البرلمانية البريطانية والأسترالية.
السكن والتجمعات السكانية: طرأ تحسن على مستوى المسكن في المدينة والريف. وتحولت مواقع الصيد القديمة على السواحل إلى موانئ تجارية تربط المناطق الداخلية الغنية بغاباتها وزراعاتها ومعادنها بالعالم الخارجي. وأصبحت هذه الموانئ تؤلف المدن المهمة في البلاد. فميناء موريسبي Port Moresbey هو العاصمة السياسية والمدينة الأولى بعدد سكانها البالغ نحو 200 ألف نسمة. وهناك ميناءا لاي Lae ومادانغ Madang، في الجزيرة الكبرى غينية الجديدة. وميناءا كيتا Kieta ورابول Rabaul في الجزر الأخرى الصغيرة.
الصحة: بُذلت جهود مكثفة لتحسين المستوى الصحي وزيادة حجم الخدمات، إلا أن التخلف الذي ما يزال يحيط بحياة السكان الذين يعتمدون على الممارسات السحرية والدينية، وعدم كفاية ما تحقق من خدمات لتوفير الوقاية والعلاج اللازمين لكل فئات السكان في المدن والأرياف بالتساوي، أديا إلى تدني المستوي الصحي وانتشار الأمراض التي تهدد الفئات ذات المقاومة الضعيفة من صغار الأطفال والنساء الحوامل. مع ذلك فإن ماتحقق من تحسن في أوضاع السكان الصحية أمر تجدر الإشارة إليه. فنسبة الوفيات العامة انخفضت إلى 13بالألف، ووفيات الأطفال إلى 90 لكل ألف ولادة حية، ووفيات الأمهات الحوامل إلى 9 لكل ألف ولادة. كما ارتفع أمل الحياة للذكور إلى 53.5سنة، وللإناث إلى 53 سنة. وارتفع عدد الأطباء وعدد الأسرّة في المشافي فأصبح لكل 100ألف نسمة من السكان سبعة أطباء و469سريرمشفى.
أمّا المجالات الثقافية والمعاشية: فإن ما تحقق فيها ما يزال أقل من المطلوب فنسبة المتعلمين ماتزال منخفضة إذ لا تزيد على 40%. ونسبة الحضر لم ترتفع إلى أكثر من 20% من مجموع السكان، ومع أن فرص العمل أمام المواطنين زادت وتنوعت وارتفع الدخل العام إلا أن دخل الفرد السنوي ما يزال في حدود 600 دولار أمريكي.
الأحوال الاقتصادية
نتيجة لطبيعة البلاد الجزرية والجبلية وللمناخ الاستوائي، فإن الغابات الكثيفة تغطي القسم الأكبر من البلاد.
وتحوي أراضي بابوا الكثير من الثروات المعدنية ولاسيما الذهب والنحاس والفضة وخامات الحديد والنيكل، إضافة إلى كميات محدودة من الفحم الحجري والغاز الطبيعي.
ويساعد المناخ الاستوائي الشديد الرطوبة على التوسع في زراعة قصب السكر وأشجار النخيل الزيتي والكاكاو والتوابل في المناطق السهلية الخصبة التي تمتد على طول سواحلها. أما في السفوح الجبلية فتزرع أشجار البن بنجاح. ويعمل في هذه الزراعات المميّزة، وفي بقية النشاطات المرتبطة بها، كتربية الخنازير، والصيد البحري، وجمع المحار واللؤلؤ والمرجان، وفي قطع الأخشاب، أكثر من نصف العاملين من السكان. في حين تعمل بقيتهم في الحرف اليدوية المختلفة، وفي مجال الخدمات والوظائف الحكومية وفي المناجم.
ولبابوا تجارة خارجية رابحة تزيد فيها قيمة الصادرات على قيمة الواردات أو تتعادل. وتتعامل في القسم الأكبر من تجارتها مع البلدان المجاورة ومع بعض البلدان الصديقة البعيدة، إذ تتجه صادراتها بالدرجة الأولى إلى اليابان وألمانية وأسترالية والولايات المتحدة الأمريكية. في حين تستورد بالدرجة الأولى من أسترالية ثم من اليابان ومن سنغافورة.
محمود رمزي