برازيل(جغرافيه)
Brazil - Brésil
البرازيل
جمهورية اتحادية في قارة أمريكة الجنوبية، عاصمتها برازيلية[ر] ولغتها البرتغالية، وعملتها الوطنية الريال Real. تمتد أراضيها في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، وهي كبرى دول أمريكة الجنوبية، وتنفرد من بينها بحضارتها ولغتها وثقافتها ذات الجذور البرتغالية.
استمدت البرازيل اسمها من نوع من الأشجار ذات الأخشاب الحمراء Brasil التي تكثر في أراضيها، ويطلق عليها بالإسبانية اسم برازيل Brazil، ويستخرج منها صباغ أحمر. والبرازيل ذات صفات وخصائص نوعية، تتجاور في مجمعاتها المدنية أكواخ الصفيح والبيوت المتواضعة جداً وناطحات السحاب العملاقة والفيلات الفخمة، كما تتصف بالتناقض الواضح بين تطور قطاعاتها الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي وتخلّف المناطق الداخلية، مع جهل بالموارد والثروات الاقتصادية والإمكانات الاقتصادية الفعلية في الغابة الاستوائية العذراء الكثيفة التي تغطي مساحات شاسعة من حوض الأمازون[ر]. ويرتبط اسم البرازيل عادة بأصناف البن الممتازة، وبمهرجانات ريو دي جانيرو السنوية التي تستقطب ملايين الزوار، وبكرة القدم التي يعشقها البرازيليون الذين يعدون نجوم هذه اللعبة أكثر من أبطال قوميين.
الموقع والأبعاد والحدود والمساحة
تحتل البرازيل الزاوية الشمالية الشرقية لأمريكة الجنوبية[ر]، وتمتد أراضيها بين درجة العرض 5 درجات والدقيقة 16 شمالاً ودرجة العرض 33 درجة والدقيقة 45 جنوباً. وبين درجتي الطول 45 و74 غرباً، يصل أقصى اتساع لها من الشمال إلى الجنوب إلى 4772كم تقريباً مقابل 4430كم لأقصى اتساع لها من الشرق إلى الغرب وتبلغ مساحتها 8.511.996كم2 أي نحو 48% من مساحة أمريكة الجنوبية. ويجتاز أراضيها خط الاستواء ومدار الجدي. طول واجهتها البحرية على المحيط الأطلسي يزيد على 8551كم، ويتجاوز طول حدودها البرية 10666كم، وتتباين طبيعة سواحلها الأطلسية من قطاع إلى آخر، فالنطاق المحصور بين مصب نهر الأمازون غرباً ورأس القديس سان روك Saint Roque شرقاً هو قطاع مرزغي واطئ يتعرض للغمر دورياً، أما القطاع المحصور بين رأس القديس سان روك شمالاً ومنطقة ميناء فلوريانوبوليس Florianopolis جنوباً فهو ذو طبيعة صخرية، وغني بالخلجان، كما هو الحال في خليج ريو دي جانيرو، وفي أقصى الجنوب تظهر الطبيعة المرزغية على الساحل وتتعدد فيه البحيرات الشاطئية المَلِحة وأهمها بحيرة باتوس Patos. وللبرازيل حدود مشتركة مع جميع أقطار أمريكة الجنوبية إلا الإكوادور وتشيلي، إذ تحدها من الشمال غويّانة الفرنسية وسورينام وغيانة وفنزويلة، ومن الشمال الغربي كولومبية ومن الغرب البيرو ومن الجنوب الغربي بوليفية، ومن الجنوب والجنوب الغربي كل من الأورغواي والأرجنتين والباراغواي، ويحدها المحيط الأطلسي من الشمال الشرقي ومن الجنوب الشرقي.
الأوضاع الجغرافية الطبيعية
الأوضاع التضريسيّة: ليس في البرازيل جبال عالية، فمساحة القطاعات التي يتجاوز ارتفاعها 800م فوق مستوى سطح البحر لاتتعدى 7% من المساحة العامة مقابل 48% للمناطق الواقعة دون 200متر فوق سطح البحر، أما الهضبة البرازيلية فإنها كتلة قديمة مغطاة بتوضعات من الحجارة الرملية ومن الرسوبات واللحقيات العائدة إلى الحقبين الجيولوجيين الثالث والرابع، وتخددها أودية نهرية ذات خوانق عميقة تفصل بينها عتبات واطئة. وتقسم البرازيل وفقاً لتضاريسها إلى:
أ ـ المناطق الجبلية: وهي محدودة الانتشار في البرازيل، أكثرها ارتفاعاً جبال سييرا إيميري S.Imeri وهي تمتد على طول الحدود الشمالية مع فنزويلة، وفيها قمة نبلينا Nebline، أعلى قمم البرازيل (3014م)، وكذلك سلسلة جبال سييرا باكارايما S.Pacaraima وأعلى ذُراها هي قمة رورايما (2810م) Roraima الواقعة على مثلث الحدود الغويانية ـ البرازيلية ـ الفنزويلية، أما أكثر القطاعات الجبلية أهمية وامتداداً فتقع في جنوب شرقي البرازيل، حيث تتخذ الجبال مظهر سلسلة من هضاب مرتفعة تشرف عليها مجموعة من الأعراف الحادة. وتتخذ التضاريس المتبقية مظهر مايعرف بقوالب السُكَر Pains de Sucre يراوح معدل ارتفاعها بين 2890متراً في قمة باندييرا Bandeira الواقعة شمال ريو دي جانيرو، وقد حافظت غالبية هذه القمم المؤلفة من صخور قاسية على أشكالها البنيوية المقاومة لعوامل الحت والتعرية المختلفة. أما معدل ارتفاع الهضاب العالية المذكورة فيراوح بين 1000-1300م وتمتد من الشمال إلى الجنوب على مسافة نحو 1000كم، مؤلفة حواجز جبلية تشرف على السهول الساحلية الأطلسية بجروف وسفوح شديدة الانحدار، تؤلف عقبات فعلية في وجه حركة الانتقال بين الساحل والداخل.
ب ـ الهضاب: وهي سطوح خلّفتها سلسلة من الصدوع والفوالق الرئيسة التي تسببت في تشكل كثير من النجود والأغوار الانهدامية، وقطعت القاعدة القديمة إلى كتلتين هما الكتلة الغويانية شمالاً والكتلة البرازيلية جنوباً، وبينهما سهل الأمازون الانهدامي الذي تكدست فيه الرواسب واللحقيات طوال الحقبين الثالث والرابع بوجه خاص.
والهضبة البرازيلية مجموعة من السطوح المستوية نسبياً تشرف عليها مجموعة من التلاع والعقبات التضريسية والعراقيب المكونة من صخور متبلورة قاسية جداً، تخددها الأودية النهرية المهمة، وتؤلف هوامشها الشمالية والشمالية الشرقية والغربية سلسلة من الكويستات (الكربات أو الضلوع) وهي جروف صخرية ذات طبقات ضعيفة الميل (تعرف في الجزيرة العربية بالجال). أما جنوبي البرازيل، فقد شهد نشاطاً بركانياً عنيفاً، لذا تغطي الاندفاعات والصبات البازلتية مساحة تقرب من 800000كم2 بين بارانا Parana وجنوبي ريوغراند دوسول.
حـ ـ السهول: أشهرها سهل الأمازون الذي يغطي نحو ثلث مساحة البلاد، ويصرف مياهه نهر الأمازون، وهو بيئة استوائية نموذجية شبه خالية من السكان، يمتد من الشرق إلى الغرب بطول يزيد على 3500كم، ويرواح عرضه بين 600 و1200كم، إذ يزداد عرضه غرباً ويضيق باتجاه مصب النهر، معدل ارتفاعه 200م. وهو حوض إنهدامي تكدست فيه الرسوبات واللحقيات مؤلفة طبقات تجاوزت ثخانتها آلاف الأمتار، من المجروفات والأنقاض القادمة من سلاسل الأنديز[ر]، ويتعرض القسم الأكبر من السهل المذكور لطغيانات وفيضانات مهمة يشهدها نهر الأمازون على مدار السنة، لأنه يتلقى روافد قادمة من نصفي الكرة الشمالي والجنوبي على حد سواء، فتتحول المنطقة بكاملها إلى قطاع وحلي يتحرك ببطء على طول شريط يتجاوز عرضه بضع مئات الكيلومترات، وهذا الشريط مساير للنهر ولروافده الرئيسة التي تعمقت ضمن اللحقيات والرسوبات مكوِّنة فيها سلسلة من المصاطب اللحقية ترتفع نحو 20-40م، وقد تصل حتى 60متراً، كما تتبعثر في مختلف أنحاء السهل مجموعة من التلال المنخفضة. أما السهول الساحلية فهي شريط ضيق يمتد بمحاذاة سواحل المحيط الأطلسي، تشرف عليها شرقاً السلاسل الجبلية والهضاب العليا (سييرا دوماره وسييرا إسبنياسو) بسفوح شديدة الانحدار، وتختلف السهول الساحلية الشمالية والشمالية الشرقية عن غيرها بانتشار الكثبان الرملية والأرصفة المرجانية والحواجز والجبال الرملية أمامها.
الأحوال المناخية: تتمتع البرازيل بأحوال مناخية مدارية واستوائية، تتصف بارتفاع معدلات الحرارة والهطل السنوية، إذ لا ينخفض معدل الحرارة السنوي عن 20 درجة مئوية إلا في جنوبي البلاد وعلى الكتل الجبلية الممتدة في جنوبيها الشرقي.
وينعدم الفصل البارد عملياً في غالبية أنحاء البلاد، فلا يتجاوز المدى الحراري السنوي 5 درجات مئوية إلا في مناطق محدودة جداً، تقع إلى الجنوب من خط العرض 16 درجة، إضافة إلى بعض أنحاء القطاع الساحلي الجنوبي الذي يتعرض لهبوب الرياح الجنوبية الباردة، أما النطاق الساحلي الواقع في منطقتي «رصيف» وسلفادور فإنه يتصف باعتدال درجات الحرارة على مدار السنة لهبوب الرياح التجارية الشمالية الشرقية عليه. إن أقل المعدلات الحرارية السنوية انخفاضاً، يصادف في جنوب شرقي البرازيل حيث تتضافر المؤثرات الفلكية والطبوغرافية (يتزايد العرض الجغرافي وتتزايد معدلات الارتفاع)، لتصل بالمعدل السنوي لدرجات الحرارة في ريو دي جانيرو إلى 7َ 22ْ درجة مئوية وتنخفض إلى 9َ 12ْ درجة مئوية في سانتوس وإلى 3َ 12ْ درجة مئوية في باراناغوا و2َ 18ْ درجة مئوية في يستروبوليس و6َ 17ْ درجة مئوية في ساوباولو و4َ 16ْ درجة مئوية في قرطبة، وتنخفض إلى 5َ 11ْ درجة مئوية في كامبوس دي جورادو الواقعة في كتلة مانتيغييرا Mantigueira الجبلية.
أما معدلات الهطل السنوي فلا تقل عن 2000مم في مختلف أنحاء حوض الأمازون، وترتفع إلى أكثر من 2500مم في منطقة المصب وفي أواسط الحوض، وترتفع هذه المعدلات على الحدود الكولومبية بتضافر المؤثرات التضريسـية التي تسمح بتوغل كتل الرياح الرطبة ووصولها إلى سوية عالية طبوغرافياً، كما هو الحال في إيتابانهاو Itapanhau في ولاية ساو باولو، حيث تصل معدلات الهطل السنوي إلى 4814مم وسطياً. ومع ذلك فإن معدلات الهطل السنوية لا تقل عن 1000مم إلا في مناطق محدودة جداً في شمال شرقي البرازيل الذي يتلقى نحو 250-500مم سنوياً.
الترب: تنتشر الترب الغضارية اللاتيريتية في معظم أنحاء البلاد، كما تغطي الترب ذات الطبيعة الرملية معظم المناطق الساحلية الجنوبية والشمالية الشرقية، إضافة إلى قطاعات محددة من المناطق الشرقية، في حين تغلب الترب السوداء العالية الخصب، والتي تعرف باسم ماسابي Massapé في الأودية الرطبة الساحلية وأودية ولاية باهيا، وقد تراكمت هذه الترب فوق قاعدة من الصخور الكلسية، كما تنتشر الترب اللحقية الرباعية في مناطق المصاطب النهرية، وأعطى تفتت الأغشية البازلتية في أواسط البرازيل وجنوبيها وجنوبيها الغربي ترباً حمراء داكنة خصبة، ويتفق انتشار الترب الخصبة مع مناطق الغابات، ويزيد اقتطاعها في الحت والتعرية.
النبات والحيوان: يتنوع المشهد النباتي في البرازيل تبعاً لتباين النماذج المناخية المحلية والترب الغالبة، فتغطي الغابة الاستوائية المعروفة محلياً باسم Mata معظم مناطق حوض الأمازون وأحواض روافده الجنوبية والشمالية. وتحت الغطاء الغابي الاستوائي المذكور تنمو آلاف الأصناف من النباتات الطفيلية والمتسلقة، وتنتشر بينها أصناف كثيرة جداً من الحشرات الزواحف السامَّة، أما غابات الإيغابوس Igapos فإنها تنمو في المناطق التي تغمرها المياه بين شهري شباط وتموز على طرفي الغابة الاستوائية الكثيفة. وإلى الجنوب من مدار الجدي، تنمو الغابات المدارية النفضية، إلى جانب الغابات المخروطية، وتتخلل الغابات المذكورة مساحات وجزر تنمو فيها حشائش السباسب (السافانا)، وتنتهي جنوباً بقطاع تزدهر فيه حشائش المروج والمراعي مؤلفة مع مناطق البامبا الأرجنتينية الشهيرة نطاقاً انتقالياً. أما المناطق التي يسودها فصل جفاف واضح فتزدهر فيها أعشاب السافانا الطويلة، وتتخللها أحياناً جنبات مبعثرة هنا وهناك، وتعيش فيها أصناف عدة من الحيوانات المفترسة بوجه عام، ويعرف هذا الغطاء محلياً باسم كامبوس Campos. وفي شمال شرقي البلاد، حيث يسود المناخ شبه الجاف لتناقص معدلات الهطل من جهة وللارتفاع الكبير لمعدلات التبخر من جهة ثانية، تنمو النباتات الشوكية وبعض المراعي الفقيرة، وتعرف هذه النباتات هنا باسم كآتنغا Caatinga. وعلى الهضاب الداخلية يزدهر غطاء السيرّادو Cerrado وهو غطاء غابي مخلخل تغلب فيه الأشجار القزمة والشوكيات المتنوعة ذات القشور الثخينة والجذور المتشعبة المتعمقة بحثاً عن المياه الباطنية، وعلى الشريط الساحلي ينمو القُرْم (المنغروف) والأشجار القزمة وشجيرات الكاكاو التي تزدهر على ضفاف البحيرات الشاطئية، كما تنمو حشائش المراعي على سواحل ريوغراندة دوسول Rio Grande do Sul وهضابها.
وللحيوانات في البرازيل أصناف كثيرة جداً أهمها: التابير والأيائل والفهد والبوما وأصناف أخرى من الحيوانات المفترسة، وأنواع التماسيح والسلاحف والضفادع، إضافة إلى جميع أنواع القردة تقريباً، والثعابين وعلى رأسها البوا الشهيرة، وعدد كبير من أصناف الطيور والببغاوات، كما تحوي أكثر من 700 صنف من أنواع الفراشات وأعداداً كبيرة من أصناف الحشرات والزواحف السامة، ومن أصناف النمل، وتحوي بعض الحيوانات المميزة وعلى رأسها الظَربان الأمريكي Mouffette والمدرَّع Tatou وآكل النمل Tamanoir. أما مياه البرازيل العذبة، وخاصة مياه نهر الأمازون فإنها تنفرد باحتوائها على نحو 2000 صنف من الأسماك التي لا تصادف إلا فيها.
المياه السطحية: تمتلك البرازيل أغزر أنهار العالم، أهمها نهر الأمازون[ر] الذي يصب في المحيط الأطلسي بعد أن يقطع مسافة تزيد على 6275كم، ترتفع إلى نحو 7025كم بإضافة روافده العليا في سلاسل الأنديز، ويجري النهر في قطاع سهلي، ويراوح عرضه بين 5كم و25كم، ويصل عمقه إلى 70متراً، ومتوسط غزارته 200000م2/ثا، ويصرِّف النهر مياه حوض تزيد مساحته على 7 ملايين كم2، أكثر من نصفها في الأراضي البرازيلية، وله روافد يمنى أهمها: ريو بوروس Rio Purus ومادييرا Madeira وتاباخوز Tapajoz وكيسنغو Xingu التي تفيض مياهها بين شهري شباط وحزيران، وروافد يسرى أهمها: يابورا Yapura وريونيغرو Rio Nrgro وتفيض مياههما بين شهري تشرين الأول وشباط.
إضافة إلى ما تقدم، تضم أراضي البرازيل المجاري العليا لأنهار أورغواي وبارانا وباراغواي.
الأوضاع الجغرافية البشرية
يتألف سكان البرازيل من خليط بشري يضم عروقاً متباينة، يدين 95% منهم بالمسيحية أغلبهم من الكاثوليك (89%)، وبالبوذية واليهودية والإسلام، ويؤلفون 2.5% من السكان، والباقي وثنيون وعبدة أرواح وملاحدة.
الأوضاع العرقية: يصنف سكان البرازيل في عدة مجموعات عرقية رئيسة هي: العناصر البيضاء (القفقاسية) التي تؤلف نحو 60% من سكان البلاد، وهي من أصول برتغالية وإيطالية وإسبانية وألمانية وسلافية وعربية، والعناصر الخلاسية التي تؤلف 26% من السكان وهي نتاج تزاوج البيض والهنود (الكابوكلو)، وتزاوج الزنوج مع الهنود (الكافوزوس)، والزنوج 11% والهنود الحمر 1.7% والباقي 1.3% مزيج تحتل فيه العناصر ذات الأصول اليابانية والصينية مكان الصدارة.
أ ـ الهنود الحمر: أقلية صغيرة لا يزيد عدد أفرادها على 1.200.000نسمة، يعيشون على هامش الحضارة في مجموعات صغيرة تستوطن مناطق معزولة من الغابة الاستوائية، وبعض أنحاء الهضبة البرازيلية، يبلغ عددها 467 مستوطنة مجموع مساحتها 625000كم2، وأهم قبائلهم: الكاراييبيون Caraïbes في الغابة الاستوائية، والبوتوكوديون Botocudos في ولاية ماتّو غراسّو، وقبائل الغاليبي Galibis والغاراني Guaranis، وقبائل الغيس Ges والتوبي Tupis وكانت من أولى القبائل التي اتصلت بالمهاجرين البيض الذين أجبروهم على العمل في الزراعة وفي استخراج المعادن، مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة منهم، وهذا مادفع الماريشال كوندون Kondon عام 1911 إلى تأسيس جمعيّة رسميّة أوكل إليها مهمة حماية الهنود الحمر والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وقد دخل الكثير من مفردات لغة التوبي Tupie في اللغة المحكيّة، كما أُخذ عنهم زراعة الذرة الصفراء والمانيهوت.
ب ـ العناصر الزنجية: تصل أعدادهم إلى 15.57 مليون نسمة تقريباً، تتألف غالبيتهم من أحفاد المجموعات الزنجية التي نقلها المستعمرون البيض الأوائل من القارة الإفريقية عنوة، لتشغيلها في العمل الزراعي وفي استخراج الثروات الباطنية، وقد توقف وصول هذه الأفواج مع إلغاء قانون الرق عام 1888، ومع ذلك تدفق على البرازيل فيما بعد نحو خمسة ملايين زنجي من المهاجرين الطوعيين، ويعيش غالبية الزنوج في مدن باهيا و«رصيف» وريو دي جانيرو وفي بعض مناطق سهل الأمازون، وتتناقص أعدادهم في جنوبي البلاد بوجه عام، كما أنهم يعيشون عادة تحت وطأة البؤس والفقر والحرمان.
حـ ـ العناصر الخلاسية: تصل أعدادها إلى 36.79 مليون نسمة تقريباً، يؤلفون مجموعة بشرية نشأت عن تزاوج مجموعات عرقية مختلفة، بين: جماعة الكافوزوس Cafuzos الناجمة عن تزاوج الزنوج والهنود الحمر، وجماعة الكابوكلو Caboclo الناجمة عن تزاوج البيض ولاسيما البرتغاليين والهنود الحمر، ويؤلف أفرادها العنصر الغالب في مدن الشمال الشرقي، يضاف إليها مجموعة ناجمة عن تزاوج العناصر البيضاء والزنوج ويتوزع أفرادها في مختلف أنحاء البلاد.
د ـ العناصر البيضاء والمهاجرون الأوائل: تؤلف عناصر الكابوكلو والبرتغاليون المستعمرون الأوائل الذين نشروا لغتهم ومذهبهم الكاثوليكي، أساس العناصر البيضاء البرازيلية الذين تصل أعدادهم إلى 84.9 مليون نسمة، يليهم في الأهمية، العناصر ذات الأصول الهولندية التي أسست مدينة برنامبوكو (رصيف اليوم)، فالفرنسيون الذين أسسوا سان لويس دومارانهاو، وقد تزايدت أعداد المهاجرين الأوربيين الأوائل إلى البرازيل بتشجيع من الحكومة المحلية، فهاجر إليها نحو 1.5 مليون إيطالي و800000 برتغالي، و800000 إسباني و900.000 ألماني ألفوا جاليات غنية في جنوبي البلاد، كما هاجر إليها السلاف الذين اندمجوا بالعناصر اللاتينية، بعكس العناصر الألمانية التي حافظت على لغتها وجنسيتها، كما وصلت إلى البرازيل أعداد كبيرة من العرب السوريين واللبنانيين الذين عملوا بالتجارة بوجه خاص، وكان لهم أثر بالغ الأهمية في مختلف مرافق الحياة اليومية، واندمج أفراد الجالية العربية بالمجتمع البرازيلي حتى تمكن بعضهم من تقلُّد مناصب حكومية في جميع المستويات وأرفعها، ومايزال أحفاد المهاجرين العرب الأوائل يحافظون على صلاتهم بالوطن الأم وعلى عاداتهم وتقاليدهم ولهم أنديتهم ومحافلهم وتجمعاتهم في أغلب المدن البرازيلية. وفي البلاد أكثر من مليون ياباني يقيمون في مدينة ساوباولو ومحافظة بارانا بوجه خاص، وأكثر من 350000 هندي (آسيوي). وقد استمرت أفواج المهاجرين بالتدفق على البرازيل من أنحاء العالم وخاصة من منطقة حوض البحر المتوسط على الرغم من إصدار قوانين تحد من الهجرة إليها، كما حصل عام 1934 وعام 1937 (القانون الخاص بالحد من دخول اليابانيين).
الأوضاع الديمغرافية: تزايدت أعداد سكان البرازيل في القرنين التاسع عشر والعشرين تزايداً سريعاً، وتعزى الزيادات إلى تدفق المهاجرين، وإلى التزايد الطبيعي للسكان، فبعد أن كان معدل التزايد السكاني 2% مابين الحربين العالميتين، قفز إلى 3.2% بين عامي 1945 و1970، ثم عاد فهبط إلى 2.3% في مطلع الثمانينات وإلى 2% عام 1991 و1.4% بين 1990ـ1996 الذي وصل معدل الولادات فيه إلى 24 بالألف.
والشعب البرازيلي فتي، يؤلف الأطفال من الفئة الأقل من 15 سنة 41.7% من تعداد السكان. ويعزى الارتفاع الكبير لنسبة الأطفال إلى ارتفاع نسبة الخصوبة إذ إن 55.32% من المتزوجات ممن هن في سن الإنجاب يضعن 4- 12 مولوداً. أما نسبة الرجال فتصل إلى 49.8% من سكان البرازيل مقابل 50.2% للنساء، ويصل متوسط العمر في البرازيل إلى 66 سنة (63 للذكور، و69 للإناث). وقد ارتفعت نسبة سكان المدن من 31% من إجمالي سكان البلاد عام 1940 إلى 56% من السكان عام 1970 وإلى 67% عام 1980، لتقفز إلى 76% عام 1996. وأهم المدن البرازيلية التي يزيد عدد سكانها على المليون: ساوباولو 15.22مليون نسمة، ريو دي جانيرو 10.19مليون نسمة، وسالفادور 2.2مليون نسمة، وبيلوهوريزونت نحو 2مليون نسمة، وبرازيلية 1.8 مليون نسمة.
كثافة السكان وتوزعهم: تتركز غالبية سكان البرازيل في القطاع الساحلي الذي ترتفع فيه الكثافة السكانية إلى أكثر من 50نسمة/كم2، وذلك بخلاف إقليم أمازونية الذي لايقطنه أكثر من 5% من سكان البلاد مع أنه يحتل نحو نصف المساحة العامة، وعلى هذا فإن الكثافة السكانية هنا لا تتجاوز 1.1نسمة/كم2، وكذلك الحال في منطقة الهضاب الداخلية (إلا محافظة برازيلية الاتحادية)، التي تقل الكثافة السكانية فيها عن شخص واحد/كم2. أما أعلى الكثافات ففي إقليم الجنوب الشرقي الذي يقطنه نحو 42.1% من السكان، وتراوح الكثافة فيه بين 25و50نسمة/كم2، ترتفع إلى 250نسمة/كم2 في ولاية سـاو باولو وإلى أكثر من 350نسمة/كم2 في ريو دي جانيرو، يليها إقليم الشمال الشرقي وإقليم أقصى جنوبي البلاد الذي يمتاز بمناخه المعتدل. أما الكثافة العامة في البرازيل فهي 18.9نسمة/كم2 (1996).
الأوضاع الجغرافية الاقتصادية
بلغ صافي الدخل القومي البرازيلي لعام 1996 نحو 748.9 مليار دولار، فيكون المعدل السنوي لدخل الفرد نحو 4400 دولار، ولا تفتقر البرازيل بوجه عام لمقومات الدولة العظمى اقتصادياً.
أما أهم مرافق الحياة الاقتصادية وأوجه النشاط البشري فهي:
1 ـ القطاع الزراعي: تصل مساحة الأراضي الزراعية إلى 2837319كم2 تقريباً وهذا يؤلف نحو 33.3% من إجمالي المساحة العامة، ويجتذب هذا القطاع مايقرب من 25% من إجمالي القوى العاملة في البرازيل، ويسهم بنحو 14% من إجمالي الدخل القومي (1996). ويعّد البن أهم المحاصيل الزراعية على الإطلاق، ولقد أدخلت زراعته من غويانة عام 1727، وانتشرت في معظم أنحاء البلاد، ويؤلف البن اليوم المحصول الزراعي الرئيس في البلاد ويزيد معدل إنتاجها السنوي منه على 1.3 مليون طن وتجود زراعته في مختلف أنحاء البرازيل وخاصة في مناطق ساو باولو وشمالي ولاية بارانا وفي وادي باراييبا، يليه قصب السكر الذي تزدهر زراعته في منطقتي ريو دي جانيرو وساو باولو وعلى طول السواحل الشمالية الشرقية، ويزيد الإنتاج السنوي من السكر على 8.5 مليون طن، أما الكاكاو فقد تطورت زراعته مع مطلع القرن العشرين في ولاية باهيا التي تنتج نحو 95% من الإنتاج البرازيلي السنوي (نحو 200000 طن)، كما تنتج مناطق الأمازون كميات مهمة من المطاط الطبيعي الذي ظلت البرازيل تحتكر تجارته العالمية حتى مطلع القرن العشرين، حين بدأت تنافسها بعض أقطار جنوب شرقي آسيا وعلى رأسها ماليزية. كما تزرع الفواكه المدارية بأنواعها المعروفة في مختلف أنحاء البلاد باستثناء أقصى الجنوب.
وإلى جانب الإقطاعات الواسعة الآنفة الذكر، تنتشر في البرازيل المزارع الصغيرة نسبياً التي تعتمد على وسائل الزراعة البدائية لافتقار أصحابها إلى الإمكانات المادية اللازمة لشراء الأدوات والآليات والأسمدة الضرورية، وتتخصص هذه المزارع بإنتاج بعض المحاصيل والغلال الصناعية كالقطن الذي يزيد معدل الإنتاج السنوي منه على 819000 طن، والتبغ الذي يصل إنتاجها منه إلى 558000 طن، يليها المحاصيل الغذائية وعلى رأسها المانيهوت (30مليون طن)، والذرة الصفراء (27مليون طن) والرز (10.4مليون طن) وفول الصويا (17.6مليون طن) والقمح (3ملايين طن) والخضار المتنوعة (12.7مليون طن).
2 ـ تربية الحيوان: تطورت هذه الحرفة مع بداية وصول المهاجرين البيض فنشطت تربية المواشي، وخاصة في مراعي الهضاب الداخلية والشمال الشرقي. أما تربية الحيوانات في جنوب شرقي البلاد كما هي الحال في ولايتي ميناس جيراس وساو باولو فإنها تعتمد على الوسائل والأساليب العلمية الحديثة، وتتخصص بإنتاج الحليب، على العكس من تربية القطعان الكبيرة جداً المخصصة لإنتاج اللحوم والجلود، وتمتلك البرازيل نحو 126مليون رأس من الأبقار وأكثر من 60مليون رأس من الضأن، إضافة إلى أعداد كبيرة جداً من المعز الذي يربى في شمال شرقي البلاد، وأكثر من 32مليون خنزير موزعة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في مناطق زراعة الذرة الصفراء، كما تسهم حرفة الصيد البحري والنهري بإنتاجها الكبير من الأسماك المتنوعة في إغناء الدخل الزراعي، شأنها شأن حرفة استغلال الثروة الغابية التي تقدم أصنافاً كثيرة جداً من الأخشاب الاستوائية والمدارية الثمينة.
3 ـ القطاع الصناعي: ظلت البرازيل بلداً زراعياً حتى مطلع القرن التاسع عشر، واقتصر نشاطها الصناعي على بعض الصناعات اليدوية وعلى تكرير السكر وتنقيته بطرق بدائية.
بدأت القفزة الصناعية البرازيلية بالاعتماد على التقنيات الفنية التي حملها المهاجرون إليها، وعلى وفرة الموارد الخام ووفرة الأيدي العاملة الرخيصة ووفرة رؤوس الأموال ووجود سوق تصريف كبيرة للسلع المصنّعة، واستمر تطور البرازيل الصناعي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، مستفيدة من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية التي وظفت في استثمارات صناعية بعد تحسن شبكة المواصلات وارتفاع معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية، ويعمل بالقطاع الصناعي ومايتبعه من أوجه نشاط مختلفة مايقرب من 37% من إجمالي القوى العاملة البرازيلية لعام 1996.
تعتمد الصناعة البرازيلية على الطاقة الكهربائية التي يزيد معدل إنتاجها السنوي على 201مليار كيلو واط/ساعي، كما تنتج مايقرب من 6.7مليون طن من الفحم الحجري ونحو 29مليون طن من النفط الخام وكميات مهمة من الغاز الطبيعي. وصناعة استخراج النفط وتكريره حكر على شركة النفط الوطنية البرازيلية المعروفة باسم بيتروبراس Petrobras، أما أهم مناطق استخراجه فهي: ولاية باهيا وإقليم الشمال الشرقي، وبعض أنحاء أمازونية.
تضم الأرض البرازيلية ثروات معدنية كثيرة جداً أهمها فلزات الحديد الخام (أكثر من 92.9مليون طن) وتقع مكامنه الرئيسة في ولايات ميناس جيرايس وماتوغروسو وغوياس وفي الشمال الشرقي، كما أن توضعات الصخور المتبلورة في ولايتي ماتوغروسو وميناس جيراس وفي الجزء البرازيلي من هضبة غويانة تحوي كميات كبيرة جداً من فلزات الرصاص والزنك والنيكل والقصدير والمنغنيز الذي يزيد إنتاج البرازيل منه على 683000طن، وفي البرازيل كميات كبيرة من التنغستين والكروم والتيتان والفاناديوم واليورانيوم والبوكسيت الذي يزيد معدل إنتاجه السنوي على 6.5 مليون طن. ولا يزيد معدل الإنتاج الحالي من الذهب على 62.424 طناً لعام 1995، كما تنتج كميات محدودة من الفضة والماس وبعض الأحجار الكريمة.
يحتل الفولاذ (الصلب) رأس قائمة الصناعات البرازيلية الحديثة بمعدل إنتاج سنوي يزيد على 25.239 مليون طن لعام 1995تنتجها مجمعات عملاقة أهمها: فولتارودوندا وسانتوس، يليها صناعة الألمنيوم بمعدل إنتاج يزيد على 1.188.000طن لعام 1995 فالمطاط الصناعي بمعدل إنتاج قدره 260.000طن، فصناعة السيارات (أكثر من مليوني سيارة سياحية)، ثم الصناعة النسيجية بأنواعها المعروفة يليها سلسلة الصناعات الغذائية بأنواعها كافة، كما تشتهر البرازيل بصناعاتها الجلدية والخشبية وبصناعة الإسمنت والزجاج والصناعات البتروكيمياوية وتكرير النفط وصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل والعطور وأدوات الزينة ومختلف أنواع الأسلحة والمعدات الحربية.
وتتركز أغلب الصناعات في مجمعات صناعية كبرى، أهمها مجمّع ساو باولو الذي ينتج بمفرده مايقرب من نصف الإنتاج البرازيلي، تليه مجمعات ريو دي جانيرو وبيلوهوريزونت و«رصيف» وبورتو أليغرو وسلفادور وماناوس ومجمع العاصمة برازيلية.
4 ـ طرق المواصلات والتجارة: يصل الطول الإجمالي لطرق السيارات في البرازيل إلى 1411900كم. وتزداد أهمية شبكة الطرق وكثافتها في إقليم الجنوب الشرقي وفي الجنوب، كما تولي الحكومة الاتحادية طرق السيارات في المناطق الداخلية عناية فائقة.
أما طول السكك الحديدية فلايتجاوز 29207كيلومتراً، منها 1971كيلومتراً فقط مكهربة، كما تقوم الملاحة النهرية بدور بارز في مناطق الهضاب الداخلية، وفي شمالي وشمال شرقي البلاد بوجه خاص.
وعلى صعيد التجارة الخارجية يؤلف البن عماد الصادرات، يليه المطاط الطبيعي والماس (16%) والكاكاو والقطن والأخشاب الثمينة والسكر واللحوم والأبقار والجلود وفلزات الحديد. والمنغنيز ومعدات النقل والمواصلات (السيارات 5%) وخليطة النحاس والنيكل المركز والأسلحة المختلفة... أما قائمة الواردات، فإنها تضم النفط الخام والسيارات والألمنيوم والآلات والمعدات الصناعية والمعامل الجاهزة والمواد الكيمياوية والأدوية والمعدات الإلكترونية والمواد الغذائية... وأهم الدول التي تتعامل معها هي: الولايات المتحدة الأمريكية وألمانية والمملكة المتحدة وفرنسة واليابان والأرجنتين وكندا والمملكة العربية السعودية. وميزانها التجاري رابح عملياً، إذ بلغت القيمة الإجمالية لصادراتها عام 1997 نحو 52.9 مليار دولار مقابل 61.3 مليار دولار للواردات، ومع ذلك ترزح البرازيل تحت وطأة الديون الخارجية.
لمحة تاريخية
أول من اكتشف سواحل البرازيل الشمالية ومصب نهر الأمازون وسواحل غويانة الراهنة هو أحد بحارة كريستوف كولومبوس ويدعى فيشنته يانيز بينزون Vicente Yañez Pinzon، ومع ذلك فإن المكتشف الفعلي للبرازيل هو الملاح البرتغالي بيدرو الفاريز كابرال (1460-1526) Pedros Alvares Cabral الذي قادته التيارات البحرية القوية إلى النزول على سواحل ولاية باهيا الراهنة، وهكذا جعل من البرازيل مستعمرة برتغالية وذلك مع المعارضة الإسبانية ومطالبتها بها، واستمرت الصراعات على البرازيل بين كل من إسبانية والبرتغال حتى عام 1526 حين أعطيت البرازيل للبرتغال بموجب اتفاقية باداخوز Badajoz، ومع مطلع عام 1555بدأت المحاولات الفرنسية للتغلغل فيها، ومهدوا لهذه المحاولات بتأسيس مستعمرة صغيرة في منطقة ريو دي جانيرو اليوم، ودخل الأسطول الفرنسي في مواجهات عنيفة مع الأسطول البرتغالي، وحقق هذا الأخير نصراً كبيراً وقام بتدمير المستعمرة الفرنسية المذكورة، أما الهولنديون فقد مهدوا لتدخلهم باحتلال مناطق واسعة على السواحل البرازيلية، ولكنهم تعرضوا لهزيمة قاسية وأُجلوا عنها نهائياً عام 1644، ومع كشف الذهب في المناطق الداخلية تعمقت فكرة الاستعمار الكامل للمنطقة ووطدت البرتغال أقدامها بتوقيعها معاهدة سان ألفونسو عام 1777 وثبتت بموجبها الحدود بين الممتلكات ومناطق النفوذ الإسبانية والبرتغالية، ومع إدخال زراعة البن عام 1800 بدأ المستعمرون الجدد بنقل أوائل أفواج الزنوج الإفريقيين وازدهرت تجارة الرقيق فيها.
ومع هزيمة البرتغال على يد جيوش نابليون التي احتلت البرتغال، التجأت العائلة المالكة إلى ريو دي جانيرو عام 1808 واستقرت فيها حتى غادرها الملك جان السادس عام 1816 عائداً إلى بلاده، مخلفاً فيها ابنه بيدرو الأول الذي عينه حاكماً على البرازيل، ولكنه لم يلبث أن أعلن استقلال البرازيل وتوج نفسه امبراطوراً عليها في 12تشرين الأول عام 1822، واستمر في الحكم حتى 7نيسان عام 1831، حين تنازل لابنه بيدرو الثاني الذي توج امبراطوراً عام 1840 وظل في الحكم حتى وفاته عام 1889 وقد تزعمت البلاد في عهده حلفاً ضم الأرجنتين والأورغواي ودخل في حرب طاحنة مع جيش الباراغواي الذي كان يعد أقوى جيوش أمريكة الجنوبية في ذلك الوقت وتمكن من تحقيق الانتصار (1865-1870) الذي توِّج بمكاسب إقليمية مهمة لصالح البرازيل. وفي عام 1888 أُلغي نظام الرق وعُزل الامبراطور تمهيداً لإعلان قيام جمهورية البرازيل الاتحادية التي استُفتي على دستورها الجديد في 22شباط عام 1891 الذي نص على أن تكون البرازيل دولة اتحادية باسم الولايات المتحدة البرازيلية، كما نص على أن يكون النظام رئاسياً قوياً وعلى فصل السلطات واحترام الحريات العامة، وصار الماريشال فلامانو بيكزوتو Flamano Piexoto رئيساً للبلاد (1891-1894) ولكن تحالف كبار الإقطاعيين مكنهم من التحكم بالأمور السياسية ووضع أيديهم على السلطة الفعلية، وعينوا مانويل فيراز دي كاموس سالس Manuel Ferraz de Camos Sales رئيساً للبلاد، وساءت أحوال الزنوج الذين لم تمضِ على تحررهم مدة طويلة، كما تدهورت أحوال المزارعين، وتركزت الثروات في أيدي فئة صغيرة من الإقطاعيين ومن رجال السلطة وأتباعها. وأعلنت البرازيل الحرب على ألمانية عام 1917، وبدأت البلاد تعاني الأزمات الاقتصادية الخانقة، كان أشدها تأثيراً أزمة عام 1929 الآنفة الذكر، ومع تدهور الأوضاع وصل فارغاس Celulio Vargas إلى السلطة، وأعلن حربه على الفساد والتخلف والفقر، وانتهج سياسة إصلاح اجتماعي واقتصادي وفكري، وأعلن الحرب على ألمانية عام 1942، لكنه أزيح عن السلطة عام 1945، ثم لم يلبث أن عاد إليها مجدداً بين عامي 1951 و1954. وبدأ عهده الثاني بتأميم المرافق الاقتصادية الرئيسة في البلاد لكنه تعرض إبانها إلى سلسلة من المؤامرات والدسائس دفعته إلى الانتحار تاركاً لشعبه رسالة يوضح فيها الملابسات التي أجبرته على وضع حد لحياته، وخلفه يوسلينو كوبيتشك J.Kubitschek (1954-1961) الذي تميز عهده ببناء العاصمة الجديدة برازيلية[ر] لتحل محل ريو دي جانيرو في محاولة لنقل مركز الثقل الاقتصادي للبلاد إلى المناطق الداخلية من جهة ولتسهيل مهام الدفاع عن العاصمة ـ إن تطلب الأمر ذلك ـ من جهة ثانية، وخلفه غولار Joao Goulart الذي انتهج سياسة إصلاح اجتماعي فأطاحوه بانقلاب عام 1964 أوصل العسكريين إلى السلطة، وتتالى على رئاسة الجمهورية بين عامي 1964 و1985 كل من: كاستيلو برانكو Castelo Branco وكوستا إي سيلفا Costa e Silva وميديسي Midici وخيزيل Geisel وفيغويريدو Figueiredo، ومع التدهور المروِّع للأحوال الاقتصادية والاجتماعية في البرازيل، ترك العسكريون السلطة، وانتُخب تانكريدو نيفيس Tancredo Neves رئيساً للجمهورية في كانون الثاني عام 1985، ولكنه توفي إثر عملية جراحية أجريت له قبيل استلامه السلطة فانتخب نائبه خوزيه سارني José Sarney رئيساً للبلاد. وهو اليوم منذ 1995 فرناندو هنريكه كاردوسو F.H.Cardoso.
نظام الحكم
البرازيل جمهورية اتحادية تتألف من 22ولاية وأربعة أقاليم ومحافظة اتحادية وحيدة هي العاصمة البرازيلية، وهي موزعة على خمسة أقاليم جغرافية كبرى.
يُنتخب رئيس الجمهورية تبعاً لأحكام الدستور البرازيلي، بالانتخاب غير المباشر إذ ينتخبه أعضاء الكونغرس الوطني البرازيلي لدورة رئاسية مدتها ستة أعوام، والكونغرس الوطني يمثل السلطة التشريعية ويتألف من مجلسين اثنين:
مجلس الشيوخ: يُختار أعضاؤه بالانتخاب السري المباشر لدورة تشريعية مدتها ثمانية أعوام.
ومجلس النواب: ينتخب أعضاؤه بالانتخاب السري العام المباشر، لدورة برلمانية مدتها أربعة أعوام.
وحق الانتخاب محصور بمن يجيد القراءة والكتابة من البرازيليين، لذا فقد شهدت نسبة من يحق له الاقتراع تطوراً محسوساً في الخمسين سنة الأخيرة، فبعد أن كان مقتصراً على ثلث البالغين البرازيليين عام 1950 ارتفع إلى نحو 75% منهم في مطلع التسعينات، وهذا ماعزز التيار الديمقراطي البرازيلي.
أما أهم الأحزاب السياسية وعددها أكثر من 10 أحزاب في البرازيل فهي: حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، والحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب العمال البرازيلي وحزب الجبهة الحرة.
المظاهر الحضارية
تتصف المظاهر الحضارية في البرازيل بالغنى والتنوع لتمازج الحضارات الهندية المحلية والإفريقية ـ الزنجية والبرتغالية ـ الأوربية، مع غلبة التأثيرات البرتغالية متمثلة باللغة والآداب والديانة المسيحية والعادات والتقاليد وأنماط الحياة والأعياد والمناسبات المعروفة في أوربة والبرتغال وبخاصة في ميدان التعليم والثقافة اللتين تحظيان باهتمام بالغ، إذ تنتشر المدارس الابتدائية والثانوية في أنحاء البرازيل بالآلاف، إضافة إلى نحو 65جامعة و720 معهداً ومؤسسة علمية عالية. ومع ذلك يلاحظ أن التأثير الحضاري والاجتماعي للسكان الأصليين من الهنود وكذلك السود هو أكبر من التأثير الأوربي ـ البرتغالي في المناطق الريفية، في أسلوب الزراعة المتنقلة وأنواع الزراعات المحلية وانتشار مصطلحات وتعابير لغة التوبي Tujoi، وهي اللغة الهندية التي كانت منتشرة على السواحل البرازيلية وحوض الأمازون وزاحمتها البرتغالية. أما تأثير السود الإفريقيين فيظهر في الأنحاء الزراعية والمزارع الكبرى، وتنعكس في طقوس العبادة وبعض عادات الغذاء وفي الموسيقى الشعبية البرازيلية وبخاصة موسيقى رقصة السامبا. كذلك تنعكس صور التنوع في الحياة الاجتماعية والمظاهر الحضارية المرتبطة بها إقليمياً. إذ يغلب مجتمع رعاة البقر (غاوشو Gaucho) في مراعي البامبا الجنوبية، وينشط رجال الأعمال ومزارعو البن في ساو باولو وريو دي جانيرو المتميزة بكرنفالها. أما في الأمازون فتطبع مهنة جمع المطاط السكان بطابع خاص مميز.
إن هذا الغنى الحضاري وتنوعه وتمازجه في البرازيل أنتج أشكال فنون متنوعة في مجالات الموسيقا والأدب وغيره وقدم رجالاً ومنجزات كثيرة منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم. مثل أنطونيو فرانشسكو ليسبوا A.F.Lisboa المشهور بأليخدنهو[ر] أي المُقْعد الصغير، وهو معماري ونحات مشهور من القرن المذكور. أما فنانو البرازيل المعاصرون فمنهم الرسام كانديدو بارتيناري C.Portinari الإيطالي الأصل والموسيقار العالمي هيتور فيلا ـ لوبوس H.Villa Lobos الذي شرب موسيقاه بالموسيقى الشعبية البرازيلية الهندية ـ الإفريقية (الزنجية). وفي مجال العمران فإن أسلوب المدرسة البرازيلية المعاصرة منتشر في أنحاء العالم وتميزه الفسحة المفتوحة للمسكن والنوافذ الواسعة.
وترتبط شبكة تلفزيونات البرازيل بالشبكات العالمية وأقمارها الصنعية، إضافة إلى وسائل الإعلام الحديثة الأخرى.
ويعد البرازيليون من شعوب عشاق الرياضة ورياضة كرة القدم بالذات، وفيها أكبر ملاعب العالم مثل ملعب ريو دي جانيرو الذي يتسع لـ 200.000متفرج. كما تعج شواطئ البلاد وبلاجاتها بمرتاديها في مواسم الصيف، إضافة إلى ميلهم إلى الموسيقا والرقص وإحياء المهرجانات. أما التأثير العربي للمغتربين فمحدود على الرغم من أثرهم في مجال التجارة. وكذلك ينحصر تأثير المغتربين اليابانيين (أكثر من مليون نسمة) في ازدهار بعض جوانب الزراعة. وقد أخذ المغتربون واليابانيون يندمجون بالمجتمع البرازيلي ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وارتفاع نسب الزيجات المختلطة.
محمد فائد حاج حسن
الأدب البرازيلي
يقصد بالأدب البرازيلي ما كتبه البرازيليون باللغة البرتغالية، فهو أدب الشعب البرازيلي الناطق بهذه اللغة. وقد أسهم في هذا الأدب ثلاث مجموعات عرقية: المهاجرون الأوربيون، والأفارقة السود، والهنود الحمر من سكان أمريكة الأصليين.
ظهرت بوادر الأدب البرازيلي مع بدء عهد الاستيطان البرتغالي عام 1532. وقد اهتم هذا الأدب إبان قرنين ونصف من تاريخه بالتاريخ والجغرافية واستكشاف البرازيل، وبالحروب التي رافقت الغزو والاستيطان، وكان يعكس القلق السائد في ذلك العصر ويتحدث عن الفاتحين المغامرين والحكام والنبلاء وربابنة البحر والتجار، كما يتحدث عن السكان الأصليين، وموضوع إدخالهم في الديانة المسيحية.
وكان الرحالة مثل بنتو تيشايرا بينتو Bento Teixeira Pinto والقساوسة والمبشرون مثل الأب جوزيه دي أنشيتا José de Anchieta والقس اليسوعي أنطونيو فيايرا Antônio Vieira من أهم كتّاب هذه المرحلة، وكان أدبهم خاضعاً للتأثيرات الحضارية القادمة من إسبانية والبرتغال، ولم يخرج عن سياق أدب الباروك[ر] Baroque. وفي أواخر هذه المرحلة ظهرت المدرسة الباهية نسبة إلى منطقة باهيا Bahia التي كانت مركزاً للأدب ومنبعاً للملاحم البرازيلية الأولى. ومن أعلام هذه المدرسة فيسينتي دي سلفَدور Vicente de Salvador والشاعر غريغوريو دي ماتوس غيّرا (1663- 1696) Gregôrio de Mattos Guerra الذي ظل من أبرز وجوه الأدب البرازيلي في مرحلة الاستيطان حتى ظهر بازيليو دا غاما (1741- 1795) Basilio da Gama الذي كتب بلهجة هجينة تمزج البرتغالية بمفردات هندية وأخرى إفريقية، فكان هذا فاتحة لخروج الأدب البرازيلي من الدوران في الفلك البرتغالي.
ثم دخل الأدب البرازيلي منذ منتصف القرن الثامن عشر مرحلة انتقالية امتدت حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر وانتقلت فيها العاصمة الأدبية من الشمال الشرقي (باهيا) إلى الجنوب (ميناس جيرايس Minas Gerais)، وهناك ظهرت مدرسة ميناس الأدبية (المدرسة المَنْجَمية) التي تميزت بظهور توجهات اتباعية (كلاسيكية) نتيجة التأثر بأدب عصر التنوير [ر]، كما بدأت تظهر في الملاحم الشعرية عند داغاما وجوزيه دي سانتا ريتا دوراو José de Santa Rita Durão ملامح أدب قومي من سماته الافتخار بالوطن والتعاطف مع السكان الأصليين كما في ملحمة دوراو «تنين البحر» Caramurú. وكان هذا الأدب مثالاً للبساطة وتقديس الطبيعة، مما أكسبه طابعاً إبداعياً واضحاً خاصة في الشعر الغنائي الرعوي، الذي احتفظ في أكثره بصبغة أسطورية شعبية، وهو ما تبدى في شعر توماس أنطونيو غونزاغا Thomaz Antônio Gonzaga وزملائه إيغناسيو جوزيه دي ألفارينغا بيشوتو Ignacio José de Alvarenga Peixoto وكلاوديو مانويل دا كوستا Claudio Manuel da Costa اللذين تغنيا مناهضة الاحتلال البرتغالي.
بدأت مرحلة ما بعد الاستقلال الذي حصلت عليه البرازيل عام 1822 وسادت الإبداعية (الرومنسية) وامتدت سيطرتها حتى السبعينات من القرن التاسع عشر، وكونت النزعة الوطنية تياراً مهماً داخل الإبداعية البرازيلية، واتخذ هذا التيار من الهندي الأحمر بطلاً يمثل الفولكلور الوطني، وظهر هذا واضحاً في ملاحم الشاعر أنطونيو غونسالفس دياس (1823- 1864) Antônio Concalves Dias. ثم حلت النزعة السرتونية (نسبة إلى السرتون O Sertão وهي الأراضي شبه القاحلة في الشمال الشرقي من البرازيل) محل النزعة الهندية، وكان موضوعها الأساسي نقد سيطرة نظام الأبوة في الحياة الريفية. وقد ظهر هذا في أشعار تميزت بإحساس قوي بتخلف المجتمع البرجوازي البرازيلي وسذاجته فطغت على الشعر الغنائي نغمة الحزن والوحدة والسأم وخاصة في قصائد مانويل أنطونيو آلفَرس دي أزيفيدو Manuel Antônio Alvares de Azevedo والفريدو إسكرغولي طاناوي (1843- 1899) Alfredo Escragolle Taunay. وقد اهتم بعض الشعراء بالموضوعات الاجتماعية الأخرى مثل حركة تحرير العبيد، وكان من أبرزهم أنطونيو دي كاسترو آلفس (1847- 1871) Antônio de Castro Alves الذي اشتهر بمجموعته الشعرية «العبيد» (1883) Os escravos. وظهر التيار الاجتماعي الواقعي وكذلك الإبداعي واضحاً في قصص جواكين مانويل دي ماسيدو (1820- 1882) Joaquim Manuel de Macedo، وفي رواية مانويل أنطونيو دي ألميدا (1831- 1861) Manuel Antônio de Almeida «مذكرات رقيب في الشرطة» (1852) Memorias de un sargento de milicias إلى جانب جوزيه دي ألينكار (1829- 1877) José de Alencar الذي كان من ألمع كتّاب تلك المرحلة.
تميزت الإبداعية البرازيلية بتيارين: تيار للشمال، ريفي يصور الهندي والفلاح ورجل الأحراج، كما يصور الأنهار والفيافي والغابات، وتيار للجنوب، مدني يصور البرجوازي والتاجر والمستخدم والبائع والجندي، وتبدو فيه حياة المدينة القاتمة، وكان جوزيه دي ألينكار من أهم ممثلي التيار الأول، أما دي ماسيدو فقد مثّل التيار الثاني.
ظهرت في البرازيل إبان السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر مدرسة فلسفية دعيت «الرسيفية» نسبة إلى مدينة رسيفه Recife التي تقع في الشمال الشرقي من البرازيل، وراحت تدعو إلى أفكار داروين[ر] وسبنسر[ر] والمادية الألمانية، فمهد هذا لظهور البارناسية[ر] Parnassianismo والواقعية والطبيعية في الأدب البرازيلي، وكان من أهم أعلام هذا التيار جواكين ماريا ما شادو دي أسيس (1839-1908)Joaquim Maria Machado de Assis الذي كان رئيساً لأكاديمية الأدب البرازيلية وإيوكليدس دا كونيا (1866- 1909) Euclides da Cunha الذي نشر كتابه «السرتون» Os Sertões عام 1902، وألويزيو دي أزيفيدو[ر] Aluizio de Azevedo الذي كان من أول كتّاب المذهب الطبيعي في روايته «الخلاسي» (1881) O Mulato.
تطور الشعر البرازيلي في هذه المرحلة متأثراً بالشعر الفرنسي وظهرت المدرسة البارناسية التي كان من أهم أعلامها أولافو بيلاك Olavo Bilac (1865- 1918) الذي عُد أمير شعراء البرازيل. لكن الرمزية استطاعت في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن تزيح البارناسية فخرج الشعر الجديد متسماً بتدين غامض وصوفية حائرة، مستخدماً معجماً جديداً من الألفاظ الشعرية، موشحاً بشيء من شيطانية بودلير [ر] وموسيقية مالارميه [ر]. وكان من أهم أعلام هذا الشعر جواو دا كروز إي سوزا (1863- 1898) João da Cruz e Sousa وألفونسس دي غيمارايش (1870- 1921) Alphonsus de Guimarães. وبدأت في هذه الحقبة حركة التحديث في الشعر البرازيلي على يد الشعراء الطليعيين الذين كان أهمهم ماريو دي أندرادي (1893-1945) Mario de Andrade و أوزوالد دي أندرادي (1890- 1954) Oswald de Andrade وتمثلت في البحث عن صيغ وأدوات تعبيرية شعرية جديدة تنهل من التجريدية والشكلانية، وابتكار أسلوب وطني يقوم على التراث الشعبي، وتحدي القيم السائدة في الفن، واستخدام لغة غنائية أكثر صوراً وإيقاعات أشد قرباً من لغة العامة. وأهم رواد التحديث رْوي ريبايرو كوتو (1898- 1963) Rui Ribeiro Couto وآوغستو فيديريكو شميت (1906-1965) Augusto Federico Schmidt وسيسيليا ميريلس (1901- 1964) Cecilia Meireles وكارلوس درموند دي أندرادي (1902) Carlos Drummond de Andrade وجورجي دي ليما (1893- 1953) Jorge de Lima، وجواو كابرال دي ميلو نيتو (1920) João Cabral de Melo Neto، وفينيسيوس دي مورايس (1913- 1980) Vinicius de Mores ومانويل بندايرا[ر] Manuel Bandeira.
أما في النثر فقد ظهرت الرمزية جلية في روايات غراسا أرانيا (1868- 1931) Graca Aranha، وفي قصص إينريكي ماكسيميليانو كويليو نيتو (1864- 1934) Henrique Maximiliano Coelho Neto. وقامت في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين مدرسة واقعية برازيلية متميزة تناولت قضايا مهمة في الحياة الوطنية وخاصة في الشمال الشرقي، أكثر البلاد تخلفاً، وكان من أهم روايات هذه المدرسة روايتا غراسيليانو راموس (1892- 1953) Graciliano Ramos «ساو برناردو» São Bernardo و«الحياة اليابسة» (1938) Vidas Secas، ورواية راكيل دي كايروس Rachel de Queiroz «عام 1915» (1930) O quinze، وسلسلة روايات جوزيه لينس دو ريغو (1901- 1957 ) José Lins do Rego وفيها «أبناء المزارع» (1932) Menino de engenho و«النار الخامدة» (1943) Fogo Morto، وأغلب روايات جورجي أمادو[ر] Amado Jorge.
وبرزت في الشعر البرازيلي في الثلث الأخير من القرن العشرين ثلاث جماعات شعرية: جماعة «الدروب» Veredas وجماعة «الممارسة» Praxis وجماعة «الشعر المحسوس» Concrete. اتسمت الجماعتان الأولى والثانية بنزعة تجديدية مستمرة، في حين أعطت الثالثة بعداً عملياً جديداً بتحويل تقنيات الشعر المكتوب إلى شفهية مصحوبة بكل ما توفره التقانة الحديثة من إمكانات صوتية وتصويرية.
أما النثر البرازيلي في الثلث الأخير من القرن العشرين، فهو نثر جيل الرفض والملل من كل قديم. وقد تحولت الواقعية على أيدي كتّاب هذه المرحلة إلى «واقعية جديدة» أهم سماتها البحث عن الهوية القومية، والخروج عن مفهوم «الالتزام» ليصير التزاماً بالجمال وحسب، وإلغاء الحدود بين الأجناس الأدبية ومزجها بالفنون الأخرى، وقطع الصلة بالتقاليد، وتغيير طرائق التعبير اللغوية بإلغاء الفروق بين لغة الأدب واللغة المحكية، كما في قصص روبين فونسيكا Rubem Fonseca وإيغناسيو دي لويولا برانداو Ignacio de Loyola Brandão. وقد كانت الروائية كلاريس ليسبكتور (1925- 1977) Clarice Lispector السباقة إلى تجاوز الأسلوب التقليدي في التعبير فأهملت النظرة الشاملة لتؤكد التفاصيل التي غالباً ما تكون مفرطة بالدقة.
قامت الكتابة المسرحية قبل هذه المرحلة على المجاز والتحليلات الفرويدية إلا أنها اغتنت كثيراً وتغير وضعها على يد كتّاب أمثال نلسون رودريغس (1912) Nelson Rodrigues وأريانو سواسونا (1927) Ariano Suassuna.
رضوان قضماني
العمارة والفن
لم يكن للبرازيل قبل قدوم المستعمرين الذين استوطنوها حضارة فنية تضاهي حضارة باقي بلدان أمريكة الجنوبية، ولكن تنوع مناطقها وأشكال التعبير العفوية فيها، وَسَمت الفن البرازيلي بملامح خاصة ومتنوعة مع تأثره البالغ بالفن البرتغالي، وهذه الخصوصية التي تستند إلى وحدة الأسلوب مع التنوع، والتأثر مع التميز، هي التي أضفت على الفن البرازيلي رونقه وجماله.
العمارة
كان مخطط المناطق السكنية الريفية، في فترة الاستعمار الاستيطاني، صورة عن التراتب الاجتماعي في ظل نظام شبه إقطاعي: دارة كبيرة la casa grande للسيد الإقطاعي، وبيوت للعبيد يطلق عليها اسم senzala، وطاحونة سكر تشكل معاً العصب الاقتصادي للنظام الإقطاعي الريفي.
تدين العمارة الدينية بخصوصيتها للفروق الدينية التي أسهمت في ظهور التوجهات المعمارية المختلفة وتطويرها، ففي القرن السابع عشر قلّد الرهبان الفرنسيسكانيون والبندكتيون والكرمليون النماذج اليسوعية الصارمة، وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر شرع التوجه نحو الروكوكو [ر]Rococo في الظهور ليتبدى في تنوع المخططات المعمارية وفي استخدام الجدران المتماوجة.
شهدت البرازيل في القرن العشرين، وعلى الخصوص في عام 1922، انفتاحاً متميزاً على التوجهات المعمارية الطليعية، ففي هذا العام أقيم بساو باولو أسبوع الفن الحديث، فتهيأت الأجواء المناسبة لتقبل التوجهات المعمارية والفنية الحديثة، وتشجع المسؤولون فبادروا إلى تكليف المعماريين والفنانين، فعهد الوزير غوستافو كابانيما إلى المعمار لوسيو كوستا وفريق عمله بتشييد وزارة التربية والصحة، وتقدم المعمار السويسري لوكوربوزييه[ر] Le Corbusier، في أثناء زياته مدينة ريو في عام 1936، برسوم هذا المشروع الأولية، وما إن حل عام 1936 حتى أصاب البرازيل ازدهار ذو شأن في الفنون كافة. وتتالى دعم الحكومة الرسمي للمعماريين الشباب: كارلوس لياو، وخورخي ماشادو، ومورييرا، وألفونسو ريدي (1909- 1963) الذي صمم ونفّذ متحف ريو للفن الحديث (افتتح عام 1960)، وشيد مع المعمار مورييرا بناء إدارة السكك الحديدية في ريو غراندة دو سول.
تعد مدينة برازيلية (عاصمة البلاد الجديدة من أكثرمشروعات تخطيط المدن تكاملاً على الصعيد العالمي، ففي عام 1956 كُلِّف لوسيو كوستا Lusio Costa وضع مخطط للمدينة، وصمم معظم أبنيتها أوسكار نييميير Oscar Niemeyer، فأضفى على المدينة طابعاً جمالياً تشكيلياً فائق الروعة، وشاركهم العمل فريق متكامل من المعماريين والفنانين الذين عملوا بانسجام تام لتحقيق هذا المشروع الضخم الذي جمع مابين الطابعين الجمالي والوظيفي. ونهض المشروع على مراحل مدروسة بدأت بتنظيم البنية التحتية، وانتهت بشبكة من الطرقات تربط العاصمة الجديدة بباقي المدن.
النحت
يمكن القول إن معظم الأعمال النحتية البرازيلية قبل القرن العشرين تعود لفنانين شعبيين مغمورين، ولكن تأثير هذه الأعمال في الفنانين البرازيليين المعاصرين بلغ درجة من القوة أدت إلى تلازمه مع المؤثرات البرتغالية الأساسية. ومن أهم النحاتين أنطونيو فرنسيسكو ليزبوا Antonio Fracisco Lisboa الملقب بآليخادنهو (1730- 1814) الذي عُرف بميله للأسلوب الباروكي، وبنظرته إلى النحت والعمارة على أنهما كل متكامل، وقد صمم هذا النحات مخطط كنيسة ساو فرانسيسكو دي أسيز، وجزءاً من تزييناتها وعدداً من قطع الأثاث فيها، إضافة إلى تزيين كنيسة الكرمليين في سابارا، وقد تجلت في أعماله القوة البدائية ومؤثرات الباروك إبان انحساره، أي في الفترة التي بدأ فيها تيار الاتباعية المحدثة [ر] بالظهور.
راح النحت البرازيلي يتجه نحو الحداثة على يد النحاتين فيكتور بريشيريه (1894- 1955) Victor Brecheret، وبرونو جيورجي Bruno Giorgi الذي وجد في ساحة السلطات الثلاث مكاناً يزاول فيه ميله للنصب التذكارية الضخمة، وسونيا إيبلينغ، وماري فييرا Mary Vieira وليجيا كلارك.
التصوير
لم يبلغ التصوير مابلغه كل من العمارة والنحت من تطور ومكانة. ومن أهم المصورين الذين يمثلون توجهات القرن السابع عشر فرانس بوست Frans Post (1612-1680)، وزاكاريا فاغنر (1614- 1668) Zacharia Wagner وكلاهما يتبع المدرسة الهولندية، ومن أهم مصوري القرن الثامن عشر مانويل كوستا آتايده Manuel da Costa Ataide، وفي خضم ثورة التحديث، في عام 1922 خاصة، ظهرت التعبيرية الألمانية التي أسهم في نقلها إلى البرازيل الفنان لازار سيغال (1891- 1957) Lasar Segal فنان الحياة الشعبية والمناظر البرازيلية.
ومن أهم مصوري القرن العشرين في البرازيل المصور كانديدو بورتيناري (1903- 1962)، فبعد أن تشبع هذا الفنان بدروس المدارس الأوربية، وعلى الخصوص المدرسة التكعيبية، نفذ أعمالاً فنية جمع فيها التأثير الأوربي والجمالية المحلية ذات الأصول المكسيكية مثل لوحة «الحرب والسلام» اللوحة الجدارية الضخمة التي نفذها لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك (1953- 1955)، والمصور ألفريدو فولبي Alfredo Volpi، وسيسيرو دياس، اللّذان نجحا في الربط بين حلاوة التعبير الشعبي وحداثة التيار التجريدي الذي يمثله فنانون مثل فرانز كريسبرغ ومانابو مابيه وإيفان سيربا الذي انتقل من التجريد إلى التشخيصية المحدثة التي تميزت بعنفها وبما أضفته على حركة الفن الشعبي أو فن البوب[ر] Pop Art من تجديد وتنويع.
وفي باريس مجموعة من الفنانين البرازيليين مثل: أنطونيو بانديرا وفلافيو شيرو وآرتور لويس بيزا، ولويزا ميللر، وليوبا وولف.
حنان قصاب حس
Brazil - Brésil
البرازيل
جمهورية اتحادية في قارة أمريكة الجنوبية، عاصمتها برازيلية[ر] ولغتها البرتغالية، وعملتها الوطنية الريال Real. تمتد أراضيها في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، وهي كبرى دول أمريكة الجنوبية، وتنفرد من بينها بحضارتها ولغتها وثقافتها ذات الجذور البرتغالية.
استمدت البرازيل اسمها من نوع من الأشجار ذات الأخشاب الحمراء Brasil التي تكثر في أراضيها، ويطلق عليها بالإسبانية اسم برازيل Brazil، ويستخرج منها صباغ أحمر. والبرازيل ذات صفات وخصائص نوعية، تتجاور في مجمعاتها المدنية أكواخ الصفيح والبيوت المتواضعة جداً وناطحات السحاب العملاقة والفيلات الفخمة، كما تتصف بالتناقض الواضح بين تطور قطاعاتها الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي وتخلّف المناطق الداخلية، مع جهل بالموارد والثروات الاقتصادية والإمكانات الاقتصادية الفعلية في الغابة الاستوائية العذراء الكثيفة التي تغطي مساحات شاسعة من حوض الأمازون[ر]. ويرتبط اسم البرازيل عادة بأصناف البن الممتازة، وبمهرجانات ريو دي جانيرو السنوية التي تستقطب ملايين الزوار، وبكرة القدم التي يعشقها البرازيليون الذين يعدون نجوم هذه اللعبة أكثر من أبطال قوميين.
تحتل البرازيل الزاوية الشمالية الشرقية لأمريكة الجنوبية[ر]، وتمتد أراضيها بين درجة العرض 5 درجات والدقيقة 16 شمالاً ودرجة العرض 33 درجة والدقيقة 45 جنوباً. وبين درجتي الطول 45 و74 غرباً، يصل أقصى اتساع لها من الشمال إلى الجنوب إلى 4772كم تقريباً مقابل 4430كم لأقصى اتساع لها من الشرق إلى الغرب وتبلغ مساحتها 8.511.996كم2 أي نحو 48% من مساحة أمريكة الجنوبية. ويجتاز أراضيها خط الاستواء ومدار الجدي. طول واجهتها البحرية على المحيط الأطلسي يزيد على 8551كم، ويتجاوز طول حدودها البرية 10666كم، وتتباين طبيعة سواحلها الأطلسية من قطاع إلى آخر، فالنطاق المحصور بين مصب نهر الأمازون غرباً ورأس القديس سان روك Saint Roque شرقاً هو قطاع مرزغي واطئ يتعرض للغمر دورياً، أما القطاع المحصور بين رأس القديس سان روك شمالاً ومنطقة ميناء فلوريانوبوليس Florianopolis جنوباً فهو ذو طبيعة صخرية، وغني بالخلجان، كما هو الحال في خليج ريو دي جانيرو، وفي أقصى الجنوب تظهر الطبيعة المرزغية على الساحل وتتعدد فيه البحيرات الشاطئية المَلِحة وأهمها بحيرة باتوس Patos. وللبرازيل حدود مشتركة مع جميع أقطار أمريكة الجنوبية إلا الإكوادور وتشيلي، إذ تحدها من الشمال غويّانة الفرنسية وسورينام وغيانة وفنزويلة، ومن الشمال الغربي كولومبية ومن الغرب البيرو ومن الجنوب الغربي بوليفية، ومن الجنوب والجنوب الغربي كل من الأورغواي والأرجنتين والباراغواي، ويحدها المحيط الأطلسي من الشمال الشرقي ومن الجنوب الشرقي.
الأوضاع الجغرافية الطبيعية
أ ـ المناطق الجبلية: وهي محدودة الانتشار في البرازيل، أكثرها ارتفاعاً جبال سييرا إيميري S.Imeri وهي تمتد على طول الحدود الشمالية مع فنزويلة، وفيها قمة نبلينا Nebline، أعلى قمم البرازيل (3014م)، وكذلك سلسلة جبال سييرا باكارايما S.Pacaraima وأعلى ذُراها هي قمة رورايما (2810م) Roraima الواقعة على مثلث الحدود الغويانية ـ البرازيلية ـ الفنزويلية، أما أكثر القطاعات الجبلية أهمية وامتداداً فتقع في جنوب شرقي البرازيل، حيث تتخذ الجبال مظهر سلسلة من هضاب مرتفعة تشرف عليها مجموعة من الأعراف الحادة. وتتخذ التضاريس المتبقية مظهر مايعرف بقوالب السُكَر Pains de Sucre يراوح معدل ارتفاعها بين 2890متراً في قمة باندييرا Bandeira الواقعة شمال ريو دي جانيرو، وقد حافظت غالبية هذه القمم المؤلفة من صخور قاسية على أشكالها البنيوية المقاومة لعوامل الحت والتعرية المختلفة. أما معدل ارتفاع الهضاب العالية المذكورة فيراوح بين 1000-1300م وتمتد من الشمال إلى الجنوب على مسافة نحو 1000كم، مؤلفة حواجز جبلية تشرف على السهول الساحلية الأطلسية بجروف وسفوح شديدة الانحدار، تؤلف عقبات فعلية في وجه حركة الانتقال بين الساحل والداخل.
ب ـ الهضاب: وهي سطوح خلّفتها سلسلة من الصدوع والفوالق الرئيسة التي تسببت في تشكل كثير من النجود والأغوار الانهدامية، وقطعت القاعدة القديمة إلى كتلتين هما الكتلة الغويانية شمالاً والكتلة البرازيلية جنوباً، وبينهما سهل الأمازون الانهدامي الذي تكدست فيه الرواسب واللحقيات طوال الحقبين الثالث والرابع بوجه خاص.
والهضبة البرازيلية مجموعة من السطوح المستوية نسبياً تشرف عليها مجموعة من التلاع والعقبات التضريسية والعراقيب المكونة من صخور متبلورة قاسية جداً، تخددها الأودية النهرية المهمة، وتؤلف هوامشها الشمالية والشمالية الشرقية والغربية سلسلة من الكويستات (الكربات أو الضلوع) وهي جروف صخرية ذات طبقات ضعيفة الميل (تعرف في الجزيرة العربية بالجال). أما جنوبي البرازيل، فقد شهد نشاطاً بركانياً عنيفاً، لذا تغطي الاندفاعات والصبات البازلتية مساحة تقرب من 800000كم2 بين بارانا Parana وجنوبي ريوغراند دوسول.
الأحوال المناخية: تتمتع البرازيل بأحوال مناخية مدارية واستوائية، تتصف بارتفاع معدلات الحرارة والهطل السنوية، إذ لا ينخفض معدل الحرارة السنوي عن 20 درجة مئوية إلا في جنوبي البلاد وعلى الكتل الجبلية الممتدة في جنوبيها الشرقي.
وينعدم الفصل البارد عملياً في غالبية أنحاء البلاد، فلا يتجاوز المدى الحراري السنوي 5 درجات مئوية إلا في مناطق محدودة جداً، تقع إلى الجنوب من خط العرض 16 درجة، إضافة إلى بعض أنحاء القطاع الساحلي الجنوبي الذي يتعرض لهبوب الرياح الجنوبية الباردة، أما النطاق الساحلي الواقع في منطقتي «رصيف» وسلفادور فإنه يتصف باعتدال درجات الحرارة على مدار السنة لهبوب الرياح التجارية الشمالية الشرقية عليه. إن أقل المعدلات الحرارية السنوية انخفاضاً، يصادف في جنوب شرقي البرازيل حيث تتضافر المؤثرات الفلكية والطبوغرافية (يتزايد العرض الجغرافي وتتزايد معدلات الارتفاع)، لتصل بالمعدل السنوي لدرجات الحرارة في ريو دي جانيرو إلى 7َ 22ْ درجة مئوية وتنخفض إلى 9َ 12ْ درجة مئوية في سانتوس وإلى 3َ 12ْ درجة مئوية في باراناغوا و2َ 18ْ درجة مئوية في يستروبوليس و6َ 17ْ درجة مئوية في ساوباولو و4َ 16ْ درجة مئوية في قرطبة، وتنخفض إلى 5َ 11ْ درجة مئوية في كامبوس دي جورادو الواقعة في كتلة مانتيغييرا Mantigueira الجبلية.
أما معدلات الهطل السنوي فلا تقل عن 2000مم في مختلف أنحاء حوض الأمازون، وترتفع إلى أكثر من 2500مم في منطقة المصب وفي أواسط الحوض، وترتفع هذه المعدلات على الحدود الكولومبية بتضافر المؤثرات التضريسـية التي تسمح بتوغل كتل الرياح الرطبة ووصولها إلى سوية عالية طبوغرافياً، كما هو الحال في إيتابانهاو Itapanhau في ولاية ساو باولو، حيث تصل معدلات الهطل السنوي إلى 4814مم وسطياً. ومع ذلك فإن معدلات الهطل السنوية لا تقل عن 1000مم إلا في مناطق محدودة جداً في شمال شرقي البرازيل الذي يتلقى نحو 250-500مم سنوياً.
النبات والحيوان: يتنوع المشهد النباتي في البرازيل تبعاً لتباين النماذج المناخية المحلية والترب الغالبة، فتغطي الغابة الاستوائية المعروفة محلياً باسم Mata معظم مناطق حوض الأمازون وأحواض روافده الجنوبية والشمالية. وتحت الغطاء الغابي الاستوائي المذكور تنمو آلاف الأصناف من النباتات الطفيلية والمتسلقة، وتنتشر بينها أصناف كثيرة جداً من الحشرات الزواحف السامَّة، أما غابات الإيغابوس Igapos فإنها تنمو في المناطق التي تغمرها المياه بين شهري شباط وتموز على طرفي الغابة الاستوائية الكثيفة. وإلى الجنوب من مدار الجدي، تنمو الغابات المدارية النفضية، إلى جانب الغابات المخروطية، وتتخلل الغابات المذكورة مساحات وجزر تنمو فيها حشائش السباسب (السافانا)، وتنتهي جنوباً بقطاع تزدهر فيه حشائش المروج والمراعي مؤلفة مع مناطق البامبا الأرجنتينية الشهيرة نطاقاً انتقالياً. أما المناطق التي يسودها فصل جفاف واضح فتزدهر فيها أعشاب السافانا الطويلة، وتتخللها أحياناً جنبات مبعثرة هنا وهناك، وتعيش فيها أصناف عدة من الحيوانات المفترسة بوجه عام، ويعرف هذا الغطاء محلياً باسم كامبوس Campos. وفي شمال شرقي البلاد، حيث يسود المناخ شبه الجاف لتناقص معدلات الهطل من جهة وللارتفاع الكبير لمعدلات التبخر من جهة ثانية، تنمو النباتات الشوكية وبعض المراعي الفقيرة، وتعرف هذه النباتات هنا باسم كآتنغا Caatinga. وعلى الهضاب الداخلية يزدهر غطاء السيرّادو Cerrado وهو غطاء غابي مخلخل تغلب فيه الأشجار القزمة والشوكيات المتنوعة ذات القشور الثخينة والجذور المتشعبة المتعمقة بحثاً عن المياه الباطنية، وعلى الشريط الساحلي ينمو القُرْم (المنغروف) والأشجار القزمة وشجيرات الكاكاو التي تزدهر على ضفاف البحيرات الشاطئية، كما تنمو حشائش المراعي على سواحل ريوغراندة دوسول Rio Grande do Sul وهضابها.
المياه السطحية: تمتلك البرازيل أغزر أنهار العالم، أهمها نهر الأمازون[ر] الذي يصب في المحيط الأطلسي بعد أن يقطع مسافة تزيد على 6275كم، ترتفع إلى نحو 7025كم بإضافة روافده العليا في سلاسل الأنديز، ويجري النهر في قطاع سهلي، ويراوح عرضه بين 5كم و25كم، ويصل عمقه إلى 70متراً، ومتوسط غزارته 200000م2/ثا، ويصرِّف النهر مياه حوض تزيد مساحته على 7 ملايين كم2، أكثر من نصفها في الأراضي البرازيلية، وله روافد يمنى أهمها: ريو بوروس Rio Purus ومادييرا Madeira وتاباخوز Tapajoz وكيسنغو Xingu التي تفيض مياهها بين شهري شباط وحزيران، وروافد يسرى أهمها: يابورا Yapura وريونيغرو Rio Nrgro وتفيض مياههما بين شهري تشرين الأول وشباط.
الأوضاع الجغرافية البشرية
يتألف سكان البرازيل من خليط بشري يضم عروقاً متباينة، يدين 95% منهم بالمسيحية أغلبهم من الكاثوليك (89%)، وبالبوذية واليهودية والإسلام، ويؤلفون 2.5% من السكان، والباقي وثنيون وعبدة أرواح وملاحدة.
الأوضاع العرقية: يصنف سكان البرازيل في عدة مجموعات عرقية رئيسة هي: العناصر البيضاء (القفقاسية) التي تؤلف نحو 60% من سكان البلاد، وهي من أصول برتغالية وإيطالية وإسبانية وألمانية وسلافية وعربية، والعناصر الخلاسية التي تؤلف 26% من السكان وهي نتاج تزاوج البيض والهنود (الكابوكلو)، وتزاوج الزنوج مع الهنود (الكافوزوس)، والزنوج 11% والهنود الحمر 1.7% والباقي 1.3% مزيج تحتل فيه العناصر ذات الأصول اليابانية والصينية مكان الصدارة.
أ ـ الهنود الحمر: أقلية صغيرة لا يزيد عدد أفرادها على 1.200.000نسمة، يعيشون على هامش الحضارة في مجموعات صغيرة تستوطن مناطق معزولة من الغابة الاستوائية، وبعض أنحاء الهضبة البرازيلية، يبلغ عددها 467 مستوطنة مجموع مساحتها 625000كم2، وأهم قبائلهم: الكاراييبيون Caraïbes في الغابة الاستوائية، والبوتوكوديون Botocudos في ولاية ماتّو غراسّو، وقبائل الغاليبي Galibis والغاراني Guaranis، وقبائل الغيس Ges والتوبي Tupis وكانت من أولى القبائل التي اتصلت بالمهاجرين البيض الذين أجبروهم على العمل في الزراعة وفي استخراج المعادن، مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة منهم، وهذا مادفع الماريشال كوندون Kondon عام 1911 إلى تأسيس جمعيّة رسميّة أوكل إليها مهمة حماية الهنود الحمر والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وقد دخل الكثير من مفردات لغة التوبي Tupie في اللغة المحكيّة، كما أُخذ عنهم زراعة الذرة الصفراء والمانيهوت.
ب ـ العناصر الزنجية: تصل أعدادهم إلى 15.57 مليون نسمة تقريباً، تتألف غالبيتهم من أحفاد المجموعات الزنجية التي نقلها المستعمرون البيض الأوائل من القارة الإفريقية عنوة، لتشغيلها في العمل الزراعي وفي استخراج الثروات الباطنية، وقد توقف وصول هذه الأفواج مع إلغاء قانون الرق عام 1888، ومع ذلك تدفق على البرازيل فيما بعد نحو خمسة ملايين زنجي من المهاجرين الطوعيين، ويعيش غالبية الزنوج في مدن باهيا و«رصيف» وريو دي جانيرو وفي بعض مناطق سهل الأمازون، وتتناقص أعدادهم في جنوبي البلاد بوجه عام، كما أنهم يعيشون عادة تحت وطأة البؤس والفقر والحرمان.
حـ ـ العناصر الخلاسية: تصل أعدادها إلى 36.79 مليون نسمة تقريباً، يؤلفون مجموعة بشرية نشأت عن تزاوج مجموعات عرقية مختلفة، بين: جماعة الكافوزوس Cafuzos الناجمة عن تزاوج الزنوج والهنود الحمر، وجماعة الكابوكلو Caboclo الناجمة عن تزاوج البيض ولاسيما البرتغاليين والهنود الحمر، ويؤلف أفرادها العنصر الغالب في مدن الشمال الشرقي، يضاف إليها مجموعة ناجمة عن تزاوج العناصر البيضاء والزنوج ويتوزع أفرادها في مختلف أنحاء البلاد.
د ـ العناصر البيضاء والمهاجرون الأوائل: تؤلف عناصر الكابوكلو والبرتغاليون المستعمرون الأوائل الذين نشروا لغتهم ومذهبهم الكاثوليكي، أساس العناصر البيضاء البرازيلية الذين تصل أعدادهم إلى 84.9 مليون نسمة، يليهم في الأهمية، العناصر ذات الأصول الهولندية التي أسست مدينة برنامبوكو (رصيف اليوم)، فالفرنسيون الذين أسسوا سان لويس دومارانهاو، وقد تزايدت أعداد المهاجرين الأوربيين الأوائل إلى البرازيل بتشجيع من الحكومة المحلية، فهاجر إليها نحو 1.5 مليون إيطالي و800000 برتغالي، و800000 إسباني و900.000 ألماني ألفوا جاليات غنية في جنوبي البلاد، كما هاجر إليها السلاف الذين اندمجوا بالعناصر اللاتينية، بعكس العناصر الألمانية التي حافظت على لغتها وجنسيتها، كما وصلت إلى البرازيل أعداد كبيرة من العرب السوريين واللبنانيين الذين عملوا بالتجارة بوجه خاص، وكان لهم أثر بالغ الأهمية في مختلف مرافق الحياة اليومية، واندمج أفراد الجالية العربية بالمجتمع البرازيلي حتى تمكن بعضهم من تقلُّد مناصب حكومية في جميع المستويات وأرفعها، ومايزال أحفاد المهاجرين العرب الأوائل يحافظون على صلاتهم بالوطن الأم وعلى عاداتهم وتقاليدهم ولهم أنديتهم ومحافلهم وتجمعاتهم في أغلب المدن البرازيلية. وفي البلاد أكثر من مليون ياباني يقيمون في مدينة ساوباولو ومحافظة بارانا بوجه خاص، وأكثر من 350000 هندي (آسيوي). وقد استمرت أفواج المهاجرين بالتدفق على البرازيل من أنحاء العالم وخاصة من منطقة حوض البحر المتوسط على الرغم من إصدار قوانين تحد من الهجرة إليها، كما حصل عام 1934 وعام 1937 (القانون الخاص بالحد من دخول اليابانيين).
الأوضاع الديمغرافية: تزايدت أعداد سكان البرازيل في القرنين التاسع عشر والعشرين تزايداً سريعاً، وتعزى الزيادات إلى تدفق المهاجرين، وإلى التزايد الطبيعي للسكان، فبعد أن كان معدل التزايد السكاني 2% مابين الحربين العالميتين، قفز إلى 3.2% بين عامي 1945 و1970، ثم عاد فهبط إلى 2.3% في مطلع الثمانينات وإلى 2% عام 1991 و1.4% بين 1990ـ1996 الذي وصل معدل الولادات فيه إلى 24 بالألف.
والشعب البرازيلي فتي، يؤلف الأطفال من الفئة الأقل من 15 سنة 41.7% من تعداد السكان. ويعزى الارتفاع الكبير لنسبة الأطفال إلى ارتفاع نسبة الخصوبة إذ إن 55.32% من المتزوجات ممن هن في سن الإنجاب يضعن 4- 12 مولوداً. أما نسبة الرجال فتصل إلى 49.8% من سكان البرازيل مقابل 50.2% للنساء، ويصل متوسط العمر في البرازيل إلى 66 سنة (63 للذكور، و69 للإناث). وقد ارتفعت نسبة سكان المدن من 31% من إجمالي سكان البلاد عام 1940 إلى 56% من السكان عام 1970 وإلى 67% عام 1980، لتقفز إلى 76% عام 1996. وأهم المدن البرازيلية التي يزيد عدد سكانها على المليون: ساوباولو 15.22مليون نسمة، ريو دي جانيرو 10.19مليون نسمة، وسالفادور 2.2مليون نسمة، وبيلوهوريزونت نحو 2مليون نسمة، وبرازيلية 1.8 مليون نسمة.
كثافة السكان وتوزعهم: تتركز غالبية سكان البرازيل في القطاع الساحلي الذي ترتفع فيه الكثافة السكانية إلى أكثر من 50نسمة/كم2، وذلك بخلاف إقليم أمازونية الذي لايقطنه أكثر من 5% من سكان البلاد مع أنه يحتل نحو نصف المساحة العامة، وعلى هذا فإن الكثافة السكانية هنا لا تتجاوز 1.1نسمة/كم2، وكذلك الحال في منطقة الهضاب الداخلية (إلا محافظة برازيلية الاتحادية)، التي تقل الكثافة السكانية فيها عن شخص واحد/كم2. أما أعلى الكثافات ففي إقليم الجنوب الشرقي الذي يقطنه نحو 42.1% من السكان، وتراوح الكثافة فيه بين 25و50نسمة/كم2، ترتفع إلى 250نسمة/كم2 في ولاية سـاو باولو وإلى أكثر من 350نسمة/كم2 في ريو دي جانيرو، يليها إقليم الشمال الشرقي وإقليم أقصى جنوبي البلاد الذي يمتاز بمناخه المعتدل. أما الكثافة العامة في البرازيل فهي 18.9نسمة/كم2 (1996).
الأوضاع الجغرافية الاقتصادية
أما أهم مرافق الحياة الاقتصادية وأوجه النشاط البشري فهي:
1 ـ القطاع الزراعي: تصل مساحة الأراضي الزراعية إلى 2837319كم2 تقريباً وهذا يؤلف نحو 33.3% من إجمالي المساحة العامة، ويجتذب هذا القطاع مايقرب من 25% من إجمالي القوى العاملة في البرازيل، ويسهم بنحو 14% من إجمالي الدخل القومي (1996). ويعّد البن أهم المحاصيل الزراعية على الإطلاق، ولقد أدخلت زراعته من غويانة عام 1727، وانتشرت في معظم أنحاء البلاد، ويؤلف البن اليوم المحصول الزراعي الرئيس في البلاد ويزيد معدل إنتاجها السنوي منه على 1.3 مليون طن وتجود زراعته في مختلف أنحاء البرازيل وخاصة في مناطق ساو باولو وشمالي ولاية بارانا وفي وادي باراييبا، يليه قصب السكر الذي تزدهر زراعته في منطقتي ريو دي جانيرو وساو باولو وعلى طول السواحل الشمالية الشرقية، ويزيد الإنتاج السنوي من السكر على 8.5 مليون طن، أما الكاكاو فقد تطورت زراعته مع مطلع القرن العشرين في ولاية باهيا التي تنتج نحو 95% من الإنتاج البرازيلي السنوي (نحو 200000 طن)، كما تنتج مناطق الأمازون كميات مهمة من المطاط الطبيعي الذي ظلت البرازيل تحتكر تجارته العالمية حتى مطلع القرن العشرين، حين بدأت تنافسها بعض أقطار جنوب شرقي آسيا وعلى رأسها ماليزية. كما تزرع الفواكه المدارية بأنواعها المعروفة في مختلف أنحاء البلاد باستثناء أقصى الجنوب.
وإلى جانب الإقطاعات الواسعة الآنفة الذكر، تنتشر في البرازيل المزارع الصغيرة نسبياً التي تعتمد على وسائل الزراعة البدائية لافتقار أصحابها إلى الإمكانات المادية اللازمة لشراء الأدوات والآليات والأسمدة الضرورية، وتتخصص هذه المزارع بإنتاج بعض المحاصيل والغلال الصناعية كالقطن الذي يزيد معدل الإنتاج السنوي منه على 819000 طن، والتبغ الذي يصل إنتاجها منه إلى 558000 طن، يليها المحاصيل الغذائية وعلى رأسها المانيهوت (30مليون طن)، والذرة الصفراء (27مليون طن) والرز (10.4مليون طن) وفول الصويا (17.6مليون طن) والقمح (3ملايين طن) والخضار المتنوعة (12.7مليون طن).
2 ـ تربية الحيوان: تطورت هذه الحرفة مع بداية وصول المهاجرين البيض فنشطت تربية المواشي، وخاصة في مراعي الهضاب الداخلية والشمال الشرقي. أما تربية الحيوانات في جنوب شرقي البلاد كما هي الحال في ولايتي ميناس جيراس وساو باولو فإنها تعتمد على الوسائل والأساليب العلمية الحديثة، وتتخصص بإنتاج الحليب، على العكس من تربية القطعان الكبيرة جداً المخصصة لإنتاج اللحوم والجلود، وتمتلك البرازيل نحو 126مليون رأس من الأبقار وأكثر من 60مليون رأس من الضأن، إضافة إلى أعداد كبيرة جداً من المعز الذي يربى في شمال شرقي البلاد، وأكثر من 32مليون خنزير موزعة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في مناطق زراعة الذرة الصفراء، كما تسهم حرفة الصيد البحري والنهري بإنتاجها الكبير من الأسماك المتنوعة في إغناء الدخل الزراعي، شأنها شأن حرفة استغلال الثروة الغابية التي تقدم أصنافاً كثيرة جداً من الأخشاب الاستوائية والمدارية الثمينة.
3 ـ القطاع الصناعي: ظلت البرازيل بلداً زراعياً حتى مطلع القرن التاسع عشر، واقتصر نشاطها الصناعي على بعض الصناعات اليدوية وعلى تكرير السكر وتنقيته بطرق بدائية.
تعتمد الصناعة البرازيلية على الطاقة الكهربائية التي يزيد معدل إنتاجها السنوي على 201مليار كيلو واط/ساعي، كما تنتج مايقرب من 6.7مليون طن من الفحم الحجري ونحو 29مليون طن من النفط الخام وكميات مهمة من الغاز الطبيعي. وصناعة استخراج النفط وتكريره حكر على شركة النفط الوطنية البرازيلية المعروفة باسم بيتروبراس Petrobras، أما أهم مناطق استخراجه فهي: ولاية باهيا وإقليم الشمال الشرقي، وبعض أنحاء أمازونية.
تضم الأرض البرازيلية ثروات معدنية كثيرة جداً أهمها فلزات الحديد الخام (أكثر من 92.9مليون طن) وتقع مكامنه الرئيسة في ولايات ميناس جيرايس وماتوغروسو وغوياس وفي الشمال الشرقي، كما أن توضعات الصخور المتبلورة في ولايتي ماتوغروسو وميناس جيراس وفي الجزء البرازيلي من هضبة غويانة تحوي كميات كبيرة جداً من فلزات الرصاص والزنك والنيكل والقصدير والمنغنيز الذي يزيد إنتاج البرازيل منه على 683000طن، وفي البرازيل كميات كبيرة من التنغستين والكروم والتيتان والفاناديوم واليورانيوم والبوكسيت الذي يزيد معدل إنتاجه السنوي على 6.5 مليون طن. ولا يزيد معدل الإنتاج الحالي من الذهب على 62.424 طناً لعام 1995، كما تنتج كميات محدودة من الفضة والماس وبعض الأحجار الكريمة.
وتتركز أغلب الصناعات في مجمعات صناعية كبرى، أهمها مجمّع ساو باولو الذي ينتج بمفرده مايقرب من نصف الإنتاج البرازيلي، تليه مجمعات ريو دي جانيرو وبيلوهوريزونت و«رصيف» وبورتو أليغرو وسلفادور وماناوس ومجمع العاصمة برازيلية.
4 ـ طرق المواصلات والتجارة: يصل الطول الإجمالي لطرق السيارات في البرازيل إلى 1411900كم. وتزداد أهمية شبكة الطرق وكثافتها في إقليم الجنوب الشرقي وفي الجنوب، كما تولي الحكومة الاتحادية طرق السيارات في المناطق الداخلية عناية فائقة.
أما طول السكك الحديدية فلايتجاوز 29207كيلومتراً، منها 1971كيلومتراً فقط مكهربة، كما تقوم الملاحة النهرية بدور بارز في مناطق الهضاب الداخلية، وفي شمالي وشمال شرقي البلاد بوجه خاص.
لمحة تاريخية
أول من اكتشف سواحل البرازيل الشمالية ومصب نهر الأمازون وسواحل غويانة الراهنة هو أحد بحارة كريستوف كولومبوس ويدعى فيشنته يانيز بينزون Vicente Yañez Pinzon، ومع ذلك فإن المكتشف الفعلي للبرازيل هو الملاح البرتغالي بيدرو الفاريز كابرال (1460-1526) Pedros Alvares Cabral الذي قادته التيارات البحرية القوية إلى النزول على سواحل ولاية باهيا الراهنة، وهكذا جعل من البرازيل مستعمرة برتغالية وذلك مع المعارضة الإسبانية ومطالبتها بها، واستمرت الصراعات على البرازيل بين كل من إسبانية والبرتغال حتى عام 1526 حين أعطيت البرازيل للبرتغال بموجب اتفاقية باداخوز Badajoz، ومع مطلع عام 1555بدأت المحاولات الفرنسية للتغلغل فيها، ومهدوا لهذه المحاولات بتأسيس مستعمرة صغيرة في منطقة ريو دي جانيرو اليوم، ودخل الأسطول الفرنسي في مواجهات عنيفة مع الأسطول البرتغالي، وحقق هذا الأخير نصراً كبيراً وقام بتدمير المستعمرة الفرنسية المذكورة، أما الهولنديون فقد مهدوا لتدخلهم باحتلال مناطق واسعة على السواحل البرازيلية، ولكنهم تعرضوا لهزيمة قاسية وأُجلوا عنها نهائياً عام 1644، ومع كشف الذهب في المناطق الداخلية تعمقت فكرة الاستعمار الكامل للمنطقة ووطدت البرتغال أقدامها بتوقيعها معاهدة سان ألفونسو عام 1777 وثبتت بموجبها الحدود بين الممتلكات ومناطق النفوذ الإسبانية والبرتغالية، ومع إدخال زراعة البن عام 1800 بدأ المستعمرون الجدد بنقل أوائل أفواج الزنوج الإفريقيين وازدهرت تجارة الرقيق فيها.
ومع هزيمة البرتغال على يد جيوش نابليون التي احتلت البرتغال، التجأت العائلة المالكة إلى ريو دي جانيرو عام 1808 واستقرت فيها حتى غادرها الملك جان السادس عام 1816 عائداً إلى بلاده، مخلفاً فيها ابنه بيدرو الأول الذي عينه حاكماً على البرازيل، ولكنه لم يلبث أن أعلن استقلال البرازيل وتوج نفسه امبراطوراً عليها في 12تشرين الأول عام 1822، واستمر في الحكم حتى 7نيسان عام 1831، حين تنازل لابنه بيدرو الثاني الذي توج امبراطوراً عام 1840 وظل في الحكم حتى وفاته عام 1889 وقد تزعمت البلاد في عهده حلفاً ضم الأرجنتين والأورغواي ودخل في حرب طاحنة مع جيش الباراغواي الذي كان يعد أقوى جيوش أمريكة الجنوبية في ذلك الوقت وتمكن من تحقيق الانتصار (1865-1870) الذي توِّج بمكاسب إقليمية مهمة لصالح البرازيل. وفي عام 1888 أُلغي نظام الرق وعُزل الامبراطور تمهيداً لإعلان قيام جمهورية البرازيل الاتحادية التي استُفتي على دستورها الجديد في 22شباط عام 1891 الذي نص على أن تكون البرازيل دولة اتحادية باسم الولايات المتحدة البرازيلية، كما نص على أن يكون النظام رئاسياً قوياً وعلى فصل السلطات واحترام الحريات العامة، وصار الماريشال فلامانو بيكزوتو Flamano Piexoto رئيساً للبلاد (1891-1894) ولكن تحالف كبار الإقطاعيين مكنهم من التحكم بالأمور السياسية ووضع أيديهم على السلطة الفعلية، وعينوا مانويل فيراز دي كاموس سالس Manuel Ferraz de Camos Sales رئيساً للبلاد، وساءت أحوال الزنوج الذين لم تمضِ على تحررهم مدة طويلة، كما تدهورت أحوال المزارعين، وتركزت الثروات في أيدي فئة صغيرة من الإقطاعيين ومن رجال السلطة وأتباعها. وأعلنت البرازيل الحرب على ألمانية عام 1917، وبدأت البلاد تعاني الأزمات الاقتصادية الخانقة، كان أشدها تأثيراً أزمة عام 1929 الآنفة الذكر، ومع تدهور الأوضاع وصل فارغاس Celulio Vargas إلى السلطة، وأعلن حربه على الفساد والتخلف والفقر، وانتهج سياسة إصلاح اجتماعي واقتصادي وفكري، وأعلن الحرب على ألمانية عام 1942، لكنه أزيح عن السلطة عام 1945، ثم لم يلبث أن عاد إليها مجدداً بين عامي 1951 و1954. وبدأ عهده الثاني بتأميم المرافق الاقتصادية الرئيسة في البلاد لكنه تعرض إبانها إلى سلسلة من المؤامرات والدسائس دفعته إلى الانتحار تاركاً لشعبه رسالة يوضح فيها الملابسات التي أجبرته على وضع حد لحياته، وخلفه يوسلينو كوبيتشك J.Kubitschek (1954-1961) الذي تميز عهده ببناء العاصمة الجديدة برازيلية[ر] لتحل محل ريو دي جانيرو في محاولة لنقل مركز الثقل الاقتصادي للبلاد إلى المناطق الداخلية من جهة ولتسهيل مهام الدفاع عن العاصمة ـ إن تطلب الأمر ذلك ـ من جهة ثانية، وخلفه غولار Joao Goulart الذي انتهج سياسة إصلاح اجتماعي فأطاحوه بانقلاب عام 1964 أوصل العسكريين إلى السلطة، وتتالى على رئاسة الجمهورية بين عامي 1964 و1985 كل من: كاستيلو برانكو Castelo Branco وكوستا إي سيلفا Costa e Silva وميديسي Midici وخيزيل Geisel وفيغويريدو Figueiredo، ومع التدهور المروِّع للأحوال الاقتصادية والاجتماعية في البرازيل، ترك العسكريون السلطة، وانتُخب تانكريدو نيفيس Tancredo Neves رئيساً للجمهورية في كانون الثاني عام 1985، ولكنه توفي إثر عملية جراحية أجريت له قبيل استلامه السلطة فانتخب نائبه خوزيه سارني José Sarney رئيساً للبلاد. وهو اليوم منذ 1995 فرناندو هنريكه كاردوسو F.H.Cardoso.
نظام الحكم
البرازيل جمهورية اتحادية تتألف من 22ولاية وأربعة أقاليم ومحافظة اتحادية وحيدة هي العاصمة البرازيلية، وهي موزعة على خمسة أقاليم جغرافية كبرى.
يُنتخب رئيس الجمهورية تبعاً لأحكام الدستور البرازيلي، بالانتخاب غير المباشر إذ ينتخبه أعضاء الكونغرس الوطني البرازيلي لدورة رئاسية مدتها ستة أعوام، والكونغرس الوطني يمثل السلطة التشريعية ويتألف من مجلسين اثنين:
مجلس الشيوخ: يُختار أعضاؤه بالانتخاب السري المباشر لدورة تشريعية مدتها ثمانية أعوام.
ومجلس النواب: ينتخب أعضاؤه بالانتخاب السري العام المباشر، لدورة برلمانية مدتها أربعة أعوام.
وحق الانتخاب محصور بمن يجيد القراءة والكتابة من البرازيليين، لذا فقد شهدت نسبة من يحق له الاقتراع تطوراً محسوساً في الخمسين سنة الأخيرة، فبعد أن كان مقتصراً على ثلث البالغين البرازيليين عام 1950 ارتفع إلى نحو 75% منهم في مطلع التسعينات، وهذا ماعزز التيار الديمقراطي البرازيلي.
أما أهم الأحزاب السياسية وعددها أكثر من 10 أحزاب في البرازيل فهي: حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، والحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب العمال البرازيلي وحزب الجبهة الحرة.
المظاهر الحضارية
إن هذا الغنى الحضاري وتنوعه وتمازجه في البرازيل أنتج أشكال فنون متنوعة في مجالات الموسيقا والأدب وغيره وقدم رجالاً ومنجزات كثيرة منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم. مثل أنطونيو فرانشسكو ليسبوا A.F.Lisboa المشهور بأليخدنهو[ر] أي المُقْعد الصغير، وهو معماري ونحات مشهور من القرن المذكور. أما فنانو البرازيل المعاصرون فمنهم الرسام كانديدو بارتيناري C.Portinari الإيطالي الأصل والموسيقار العالمي هيتور فيلا ـ لوبوس H.Villa Lobos الذي شرب موسيقاه بالموسيقى الشعبية البرازيلية الهندية ـ الإفريقية (الزنجية). وفي مجال العمران فإن أسلوب المدرسة البرازيلية المعاصرة منتشر في أنحاء العالم وتميزه الفسحة المفتوحة للمسكن والنوافذ الواسعة.
وترتبط شبكة تلفزيونات البرازيل بالشبكات العالمية وأقمارها الصنعية، إضافة إلى وسائل الإعلام الحديثة الأخرى.
ويعد البرازيليون من شعوب عشاق الرياضة ورياضة كرة القدم بالذات، وفيها أكبر ملاعب العالم مثل ملعب ريو دي جانيرو الذي يتسع لـ 200.000متفرج. كما تعج شواطئ البلاد وبلاجاتها بمرتاديها في مواسم الصيف، إضافة إلى ميلهم إلى الموسيقا والرقص وإحياء المهرجانات. أما التأثير العربي للمغتربين فمحدود على الرغم من أثرهم في مجال التجارة. وكذلك ينحصر تأثير المغتربين اليابانيين (أكثر من مليون نسمة) في ازدهار بعض جوانب الزراعة. وقد أخذ المغتربون واليابانيون يندمجون بالمجتمع البرازيلي ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وارتفاع نسب الزيجات المختلطة.
محمد فائد حاج حسن
الأدب البرازيلي
يقصد بالأدب البرازيلي ما كتبه البرازيليون باللغة البرتغالية، فهو أدب الشعب البرازيلي الناطق بهذه اللغة. وقد أسهم في هذا الأدب ثلاث مجموعات عرقية: المهاجرون الأوربيون، والأفارقة السود، والهنود الحمر من سكان أمريكة الأصليين.
ظهرت بوادر الأدب البرازيلي مع بدء عهد الاستيطان البرتغالي عام 1532. وقد اهتم هذا الأدب إبان قرنين ونصف من تاريخه بالتاريخ والجغرافية واستكشاف البرازيل، وبالحروب التي رافقت الغزو والاستيطان، وكان يعكس القلق السائد في ذلك العصر ويتحدث عن الفاتحين المغامرين والحكام والنبلاء وربابنة البحر والتجار، كما يتحدث عن السكان الأصليين، وموضوع إدخالهم في الديانة المسيحية.
وكان الرحالة مثل بنتو تيشايرا بينتو Bento Teixeira Pinto والقساوسة والمبشرون مثل الأب جوزيه دي أنشيتا José de Anchieta والقس اليسوعي أنطونيو فيايرا Antônio Vieira من أهم كتّاب هذه المرحلة، وكان أدبهم خاضعاً للتأثيرات الحضارية القادمة من إسبانية والبرتغال، ولم يخرج عن سياق أدب الباروك[ر] Baroque. وفي أواخر هذه المرحلة ظهرت المدرسة الباهية نسبة إلى منطقة باهيا Bahia التي كانت مركزاً للأدب ومنبعاً للملاحم البرازيلية الأولى. ومن أعلام هذه المدرسة فيسينتي دي سلفَدور Vicente de Salvador والشاعر غريغوريو دي ماتوس غيّرا (1663- 1696) Gregôrio de Mattos Guerra الذي ظل من أبرز وجوه الأدب البرازيلي في مرحلة الاستيطان حتى ظهر بازيليو دا غاما (1741- 1795) Basilio da Gama الذي كتب بلهجة هجينة تمزج البرتغالية بمفردات هندية وأخرى إفريقية، فكان هذا فاتحة لخروج الأدب البرازيلي من الدوران في الفلك البرتغالي.
ثم دخل الأدب البرازيلي منذ منتصف القرن الثامن عشر مرحلة انتقالية امتدت حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر وانتقلت فيها العاصمة الأدبية من الشمال الشرقي (باهيا) إلى الجنوب (ميناس جيرايس Minas Gerais)، وهناك ظهرت مدرسة ميناس الأدبية (المدرسة المَنْجَمية) التي تميزت بظهور توجهات اتباعية (كلاسيكية) نتيجة التأثر بأدب عصر التنوير [ر]، كما بدأت تظهر في الملاحم الشعرية عند داغاما وجوزيه دي سانتا ريتا دوراو José de Santa Rita Durão ملامح أدب قومي من سماته الافتخار بالوطن والتعاطف مع السكان الأصليين كما في ملحمة دوراو «تنين البحر» Caramurú. وكان هذا الأدب مثالاً للبساطة وتقديس الطبيعة، مما أكسبه طابعاً إبداعياً واضحاً خاصة في الشعر الغنائي الرعوي، الذي احتفظ في أكثره بصبغة أسطورية شعبية، وهو ما تبدى في شعر توماس أنطونيو غونزاغا Thomaz Antônio Gonzaga وزملائه إيغناسيو جوزيه دي ألفارينغا بيشوتو Ignacio José de Alvarenga Peixoto وكلاوديو مانويل دا كوستا Claudio Manuel da Costa اللذين تغنيا مناهضة الاحتلال البرتغالي.
بدأت مرحلة ما بعد الاستقلال الذي حصلت عليه البرازيل عام 1822 وسادت الإبداعية (الرومنسية) وامتدت سيطرتها حتى السبعينات من القرن التاسع عشر، وكونت النزعة الوطنية تياراً مهماً داخل الإبداعية البرازيلية، واتخذ هذا التيار من الهندي الأحمر بطلاً يمثل الفولكلور الوطني، وظهر هذا واضحاً في ملاحم الشاعر أنطونيو غونسالفس دياس (1823- 1864) Antônio Concalves Dias. ثم حلت النزعة السرتونية (نسبة إلى السرتون O Sertão وهي الأراضي شبه القاحلة في الشمال الشرقي من البرازيل) محل النزعة الهندية، وكان موضوعها الأساسي نقد سيطرة نظام الأبوة في الحياة الريفية. وقد ظهر هذا في أشعار تميزت بإحساس قوي بتخلف المجتمع البرجوازي البرازيلي وسذاجته فطغت على الشعر الغنائي نغمة الحزن والوحدة والسأم وخاصة في قصائد مانويل أنطونيو آلفَرس دي أزيفيدو Manuel Antônio Alvares de Azevedo والفريدو إسكرغولي طاناوي (1843- 1899) Alfredo Escragolle Taunay. وقد اهتم بعض الشعراء بالموضوعات الاجتماعية الأخرى مثل حركة تحرير العبيد، وكان من أبرزهم أنطونيو دي كاسترو آلفس (1847- 1871) Antônio de Castro Alves الذي اشتهر بمجموعته الشعرية «العبيد» (1883) Os escravos. وظهر التيار الاجتماعي الواقعي وكذلك الإبداعي واضحاً في قصص جواكين مانويل دي ماسيدو (1820- 1882) Joaquim Manuel de Macedo، وفي رواية مانويل أنطونيو دي ألميدا (1831- 1861) Manuel Antônio de Almeida «مذكرات رقيب في الشرطة» (1852) Memorias de un sargento de milicias إلى جانب جوزيه دي ألينكار (1829- 1877) José de Alencar الذي كان من ألمع كتّاب تلك المرحلة.
تميزت الإبداعية البرازيلية بتيارين: تيار للشمال، ريفي يصور الهندي والفلاح ورجل الأحراج، كما يصور الأنهار والفيافي والغابات، وتيار للجنوب، مدني يصور البرجوازي والتاجر والمستخدم والبائع والجندي، وتبدو فيه حياة المدينة القاتمة، وكان جوزيه دي ألينكار من أهم ممثلي التيار الأول، أما دي ماسيدو فقد مثّل التيار الثاني.
ظهرت في البرازيل إبان السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر مدرسة فلسفية دعيت «الرسيفية» نسبة إلى مدينة رسيفه Recife التي تقع في الشمال الشرقي من البرازيل، وراحت تدعو إلى أفكار داروين[ر] وسبنسر[ر] والمادية الألمانية، فمهد هذا لظهور البارناسية[ر] Parnassianismo والواقعية والطبيعية في الأدب البرازيلي، وكان من أهم أعلام هذا التيار جواكين ماريا ما شادو دي أسيس (1839-1908)Joaquim Maria Machado de Assis الذي كان رئيساً لأكاديمية الأدب البرازيلية وإيوكليدس دا كونيا (1866- 1909) Euclides da Cunha الذي نشر كتابه «السرتون» Os Sertões عام 1902، وألويزيو دي أزيفيدو[ر] Aluizio de Azevedo الذي كان من أول كتّاب المذهب الطبيعي في روايته «الخلاسي» (1881) O Mulato.
تطور الشعر البرازيلي في هذه المرحلة متأثراً بالشعر الفرنسي وظهرت المدرسة البارناسية التي كان من أهم أعلامها أولافو بيلاك Olavo Bilac (1865- 1918) الذي عُد أمير شعراء البرازيل. لكن الرمزية استطاعت في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن تزيح البارناسية فخرج الشعر الجديد متسماً بتدين غامض وصوفية حائرة، مستخدماً معجماً جديداً من الألفاظ الشعرية، موشحاً بشيء من شيطانية بودلير [ر] وموسيقية مالارميه [ر]. وكان من أهم أعلام هذا الشعر جواو دا كروز إي سوزا (1863- 1898) João da Cruz e Sousa وألفونسس دي غيمارايش (1870- 1921) Alphonsus de Guimarães. وبدأت في هذه الحقبة حركة التحديث في الشعر البرازيلي على يد الشعراء الطليعيين الذين كان أهمهم ماريو دي أندرادي (1893-1945) Mario de Andrade و أوزوالد دي أندرادي (1890- 1954) Oswald de Andrade وتمثلت في البحث عن صيغ وأدوات تعبيرية شعرية جديدة تنهل من التجريدية والشكلانية، وابتكار أسلوب وطني يقوم على التراث الشعبي، وتحدي القيم السائدة في الفن، واستخدام لغة غنائية أكثر صوراً وإيقاعات أشد قرباً من لغة العامة. وأهم رواد التحديث رْوي ريبايرو كوتو (1898- 1963) Rui Ribeiro Couto وآوغستو فيديريكو شميت (1906-1965) Augusto Federico Schmidt وسيسيليا ميريلس (1901- 1964) Cecilia Meireles وكارلوس درموند دي أندرادي (1902) Carlos Drummond de Andrade وجورجي دي ليما (1893- 1953) Jorge de Lima، وجواو كابرال دي ميلو نيتو (1920) João Cabral de Melo Neto، وفينيسيوس دي مورايس (1913- 1980) Vinicius de Mores ومانويل بندايرا[ر] Manuel Bandeira.
أما في النثر فقد ظهرت الرمزية جلية في روايات غراسا أرانيا (1868- 1931) Graca Aranha، وفي قصص إينريكي ماكسيميليانو كويليو نيتو (1864- 1934) Henrique Maximiliano Coelho Neto. وقامت في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين مدرسة واقعية برازيلية متميزة تناولت قضايا مهمة في الحياة الوطنية وخاصة في الشمال الشرقي، أكثر البلاد تخلفاً، وكان من أهم روايات هذه المدرسة روايتا غراسيليانو راموس (1892- 1953) Graciliano Ramos «ساو برناردو» São Bernardo و«الحياة اليابسة» (1938) Vidas Secas، ورواية راكيل دي كايروس Rachel de Queiroz «عام 1915» (1930) O quinze، وسلسلة روايات جوزيه لينس دو ريغو (1901- 1957 ) José Lins do Rego وفيها «أبناء المزارع» (1932) Menino de engenho و«النار الخامدة» (1943) Fogo Morto، وأغلب روايات جورجي أمادو[ر] Amado Jorge.
وبرزت في الشعر البرازيلي في الثلث الأخير من القرن العشرين ثلاث جماعات شعرية: جماعة «الدروب» Veredas وجماعة «الممارسة» Praxis وجماعة «الشعر المحسوس» Concrete. اتسمت الجماعتان الأولى والثانية بنزعة تجديدية مستمرة، في حين أعطت الثالثة بعداً عملياً جديداً بتحويل تقنيات الشعر المكتوب إلى شفهية مصحوبة بكل ما توفره التقانة الحديثة من إمكانات صوتية وتصويرية.
أما النثر البرازيلي في الثلث الأخير من القرن العشرين، فهو نثر جيل الرفض والملل من كل قديم. وقد تحولت الواقعية على أيدي كتّاب هذه المرحلة إلى «واقعية جديدة» أهم سماتها البحث عن الهوية القومية، والخروج عن مفهوم «الالتزام» ليصير التزاماً بالجمال وحسب، وإلغاء الحدود بين الأجناس الأدبية ومزجها بالفنون الأخرى، وقطع الصلة بالتقاليد، وتغيير طرائق التعبير اللغوية بإلغاء الفروق بين لغة الأدب واللغة المحكية، كما في قصص روبين فونسيكا Rubem Fonseca وإيغناسيو دي لويولا برانداو Ignacio de Loyola Brandão. وقد كانت الروائية كلاريس ليسبكتور (1925- 1977) Clarice Lispector السباقة إلى تجاوز الأسلوب التقليدي في التعبير فأهملت النظرة الشاملة لتؤكد التفاصيل التي غالباً ما تكون مفرطة بالدقة.
قامت الكتابة المسرحية قبل هذه المرحلة على المجاز والتحليلات الفرويدية إلا أنها اغتنت كثيراً وتغير وضعها على يد كتّاب أمثال نلسون رودريغس (1912) Nelson Rodrigues وأريانو سواسونا (1927) Ariano Suassuna.
رضوان قضماني
العمارة والفن
لم يكن للبرازيل قبل قدوم المستعمرين الذين استوطنوها حضارة فنية تضاهي حضارة باقي بلدان أمريكة الجنوبية، ولكن تنوع مناطقها وأشكال التعبير العفوية فيها، وَسَمت الفن البرازيلي بملامح خاصة ومتنوعة مع تأثره البالغ بالفن البرتغالي، وهذه الخصوصية التي تستند إلى وحدة الأسلوب مع التنوع، والتأثر مع التميز، هي التي أضفت على الفن البرازيلي رونقه وجماله.
العمارة
تدين العمارة الدينية بخصوصيتها للفروق الدينية التي أسهمت في ظهور التوجهات المعمارية المختلفة وتطويرها، ففي القرن السابع عشر قلّد الرهبان الفرنسيسكانيون والبندكتيون والكرمليون النماذج اليسوعية الصارمة، وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر شرع التوجه نحو الروكوكو [ر]Rococo في الظهور ليتبدى في تنوع المخططات المعمارية وفي استخدام الجدران المتماوجة.
شهدت البرازيل في القرن العشرين، وعلى الخصوص في عام 1922، انفتاحاً متميزاً على التوجهات المعمارية الطليعية، ففي هذا العام أقيم بساو باولو أسبوع الفن الحديث، فتهيأت الأجواء المناسبة لتقبل التوجهات المعمارية والفنية الحديثة، وتشجع المسؤولون فبادروا إلى تكليف المعماريين والفنانين، فعهد الوزير غوستافو كابانيما إلى المعمار لوسيو كوستا وفريق عمله بتشييد وزارة التربية والصحة، وتقدم المعمار السويسري لوكوربوزييه[ر] Le Corbusier، في أثناء زياته مدينة ريو في عام 1936، برسوم هذا المشروع الأولية، وما إن حل عام 1936 حتى أصاب البرازيل ازدهار ذو شأن في الفنون كافة. وتتالى دعم الحكومة الرسمي للمعماريين الشباب: كارلوس لياو، وخورخي ماشادو، ومورييرا، وألفونسو ريدي (1909- 1963) الذي صمم ونفّذ متحف ريو للفن الحديث (افتتح عام 1960)، وشيد مع المعمار مورييرا بناء إدارة السكك الحديدية في ريو غراندة دو سول.
تعد مدينة برازيلية (عاصمة البلاد الجديدة من أكثرمشروعات تخطيط المدن تكاملاً على الصعيد العالمي، ففي عام 1956 كُلِّف لوسيو كوستا Lusio Costa وضع مخطط للمدينة، وصمم معظم أبنيتها أوسكار نييميير Oscar Niemeyer، فأضفى على المدينة طابعاً جمالياً تشكيلياً فائق الروعة، وشاركهم العمل فريق متكامل من المعماريين والفنانين الذين عملوا بانسجام تام لتحقيق هذا المشروع الضخم الذي جمع مابين الطابعين الجمالي والوظيفي. ونهض المشروع على مراحل مدروسة بدأت بتنظيم البنية التحتية، وانتهت بشبكة من الطرقات تربط العاصمة الجديدة بباقي المدن.
النحت
راح النحت البرازيلي يتجه نحو الحداثة على يد النحاتين فيكتور بريشيريه (1894- 1955) Victor Brecheret، وبرونو جيورجي Bruno Giorgi الذي وجد في ساحة السلطات الثلاث مكاناً يزاول فيه ميله للنصب التذكارية الضخمة، وسونيا إيبلينغ، وماري فييرا Mary Vieira وليجيا كلارك.
التصوير
لم يبلغ التصوير مابلغه كل من العمارة والنحت من تطور ومكانة. ومن أهم المصورين الذين يمثلون توجهات القرن السابع عشر فرانس بوست Frans Post (1612-1680)، وزاكاريا فاغنر (1614- 1668) Zacharia Wagner وكلاهما يتبع المدرسة الهولندية، ومن أهم مصوري القرن الثامن عشر مانويل كوستا آتايده Manuel da Costa Ataide، وفي خضم ثورة التحديث، في عام 1922 خاصة، ظهرت التعبيرية الألمانية التي أسهم في نقلها إلى البرازيل الفنان لازار سيغال (1891- 1957) Lasar Segal فنان الحياة الشعبية والمناظر البرازيلية.
وفي باريس مجموعة من الفنانين البرازيليين مثل: أنطونيو بانديرا وفلافيو شيرو وآرتور لويس بيزا، ولويزا ميللر، وليوبا وولف.
حنان قصاب حس