شخصيات مؤثرة
محمد توفيق باشا، هو خديوي مصر والسودان بين 1879 و 1892، والحاكمُ السادسُ من سلالةِ محمد علي.
في عامِ 1866 نجحَ الخديوي اسماعيل في مساعيهِ لتغيير ترتيب الخلافةِ الخديويّة مصر، فبدلًا من أن ينتقلَ اللقبُ إلى أكبرِ سليلٍ حيٍّ لمحمد علي، أصبح ينتقلُ الآن من الأبِ إلى الابن. سعى اسماعيل إلى هذا التغيير في الأساسِ بسببِ كرهه لعمه، حليم باشا.
اعتقدَ الخديوي اسماعيل أنّه سيكون قادرًا على اختيارِ أيّ من أبنائِه ليكونَ خلفًا له، ولكنّه وجدَ بعد التغيير أنّ القوى العظمى (بريطانيا، وألمانيا، والنمسا، والإمبراطورية العثمانية) قد فسّرت الترتيبَ الجديد على أنّه فرضٌ صارمٌ للابن الأكبر.
كان الخديو محمد توفيق بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمدعلى باشا،سادس حكام مصر من الأسرة العلوية، وهو مولود في ١٨٥٢فى القاهرة،وهو الابن الأكبر للخديو إسماعيل من جاريته نور هانم شفق، وهى لم تكن ضمن زوجات الخديو إسماعيل الأربع بل كانت من مستولداته، وربما يكون ذلك سبب عدم إرسال توفيق مع باقى أبناء إسماعيل للدراسة في أوروبا، وذلك يفسر أيضاً العلاقةالسيئة بين توفيق وأبيه والتى تجلت بعد عزل إسماعيل في نأى توفيق عنه وإقصاء كل رجاله وكان توفيق قد جاء على الأريكة الخديويةبعد أن عمدالإنجليزوالفرنسيون لخلع أبيه الخديو إسماعيل ،وظل توفيق خديويا لمصر،إلى أن توفى في٧يناير ١٨٩٢فى قصره بضاحية حلوان، وكان توفيق منذ تولى الحكم علم أن بقاءه مرهون برضا الأجانب عليه،خاصة إنجلترا وفرنسا،
تسلم الحكم في 26 يونيو 1879، بعد أن أجبر الإنجليز والفرنسيون أباه الخديوي إسماعيل على ترك منصبه، لإغراقه البلاد في ديون أجنبية ضخمة مهدت السبيل للأوروبيين للتدخل في شؤون البلاد، وعندما حاول إسماعيل التصدي للنفوذ الأجنبي، أجبر على ترك منصبه لأكبر أبنائه توفيق.
بعد توليه الحكم، استقالت نظارة شريف الأولى في 5 يوليو 1879 بعد 3 شهور من توليه رئاسة النظارة، لكن الخديوي طلب منه تأليف نظارة جديدة، فألفها في نفس اليوم، ولكنه اشترط على الخديوي أن تحكم وزارته بمقتضى دستور جديد، وحينما قدم شريف ملامح الدستور الجديد مشتملاً على وجود مجلس للنواب، يكون له الرقابة على إدارة الدولة، رفض الخديوي توفيق ذلك، ما أدى إلى استقالة شريف باشا، ليتولى "توفيق" بنفسه رئاسة وزارته الثانية أثناء فترة حكمه في 18 أغسطس 1879، ولم تستمر طويلا حيث انتهى عملها 21 سبتمبر، بسبب التدخل الأوروبي.
بيع في عهده حصة مصر في أرباح قناة السويس (15%)، وكانت مرهونة لبعض الماليين الفرنسيين منذ عهد إسماعيل، وبذلك فقدت مصر ما تبقى لها من الفائدة المادية للقناة، وحاول الخديوي توفيق استرضاء الأوروبيين، فنفى جمال الدين الأفغاني، وفرض العديد من القيود المالية التي طالب بها دائنو مصر، وذلك بموجب قانون التصفية الصادر عام 1880، الذي خصص أكثر من نصف إيرادات مصر لصالح الدين العام، وبذلك تمكن الأجانب من السيطرة على الاقتصاد المصري.
وفي عهده، تذمر الضباط المصريون في عهده من اضطهاد عثمان رفقي وزير الجهادية (الحربية) وإجحافه بحقوقهم وتفضيل الشراكسة والأتراك عنهم، مما دفعهم إلى تقديم عريضة لمصطفى رياض -رئيس النظار- في فبراير 1881، للمطالبة بعزله، وبالرغم من تدبير مؤامرة للقبض على مقدمي العريضة واحتجازهم، إلا أن زملاءهم تمكنوا من إطلاق سراحهم، وذهب الجميع إلى قصر عابدين وطلبوا من الخديوي عزل وزير الحربية، واضطر الخديوي إلى عزله، وتعيين محمود سامي البارودي وزيرًا للحربية.
وفي عهده، قام أحمد عرابي بثورة في 9 سبتمبر 1881، وكان من مطالب عزل رياض باشا، وتشكيل مجلس النواب، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي، فبادر الخديوي بعزل الوزارة، وكلف شريف باشا بتشكيل وزارة جديدة، فكون وزارة وطنية في 14 سبتمبر 1881، و بدأ الاستعداد لإجراء انتخابات النواب، وشرع شريف في وضع دستور للبلاد، يتضمن توسيع اختصاصات المجلس، وجعل الوزارة مسؤولة أمامه، وغير ذلك من المزايا، عدا حق المجلس في مناقشة الميزانية حتى لا يؤدى ذلك لاحتجاج إنجلترا وفرنسا ويفتح الباب للتدخل الأجنبي.
واعترض أعضاء المجلس على عدم إعطائهم حق مناقشة الميزانية، وطالبوا بهذا الحق، بينما اعترض المراقبان الأجنبيان إعطاء المجلس هذا الحق، لأنه يعني مسئوليتهما أمام مجلس النواب، وأسرعت إنجلترا وفرنسا بتعضيد موقف المراقبين، وأرسلتا للخديوي مذكرة مشتركة تبلغانه فيها رغبتهما في مساعدته للتغلب على المصاعب الداخلية والخارجية.
عقب ذلك، قدم شريف باشا استقالته نتيجة للخلاف مع مجلس النواب، فعهد الخديوي توفيق لمحمود سامي البارودي بتأليف الوزارة، وعين أحمد عرابي وزيرًا للحربية، ووضع البارودي برنامجًا للإصلاح، وأعلن عن عزمه على التصديق على الدستور الذي أقره الوطنيون.
وأرسلت إنجلترا وفرنسا أسطولهما للإسكندرية، وقدمتا مذكرة جديدة في 25 مايو 1882، تطالب فيها بإقالة وزارة البارودي، وإبعاد أحمد عرابي عن مصر، وعبد العال حلمي وعلي فهمي للأرياف.
واستقال البارودي احتجاجًا على قبول الخديوي للمذكرة المشتركة الثانية، ورفض الضباط الثلاثة تنفيذ الأوامر بالخروج من القاهرة، وإزاء ذلك اضطر الخديوي إلى إبقاء عرابي في مركزه أمام تهديد حامية الإسكندرية، وطالب رؤساء الأديان بإبقاء عرابي وزملائه.
وفي يوليو 1882، قامت إنجلترا بضرب الإسكندرية، وأقام عرابي التحصينات في دمنهور وكفر الدوار لصد الإنجليز، وعزم على ردم قناة السويس لمنع دخول الإنجليز عن طريقها، ولكن ديليسبس وعده بمنع الأسطول الإنجليزي من المرور في قناة السويس، اعتمادًا على حيادها، ولكنه لم يف بوعده، فنقل عرابي تحصيناته إلى التل الكبير، لوقف زحف الإنجليز الذين نزلوا في الإسماعيلية.
وساءت أحوال العرابيين بسبب ضعف الجيش، وحل الإنهاك به عقب وصوله للتل الكبير، فضلاً عن إعلان السلطان العثماني عصيان عرابي، كما أن الخديوي توفيق أعلن عزله، ودعا إلى عدم مقاومة الإنجليز، بالإضافة إلى ذلك خيانة بعض الضباط. وعلى ذلك دخل الإنجليز القاهرة بدون مقاومة في 14 سبتمبر 1882، واضطر عرابي إلى التسليم، وتمخض عن الثورة العرابية في عهده إلى الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882.
ويحسب له قيامه بتنظيم مخصصات الأسرة الخديوية، فألغى مخصصات والدته وحرمه، واكتفى بمبلغ مائة ألف جنيه لمخصصاته السنوية، وكان أول من تنازل من أفراد الأسرة المالكة عن أطيانه، لدفع الدين المطلوب من الحكومة، وكان مهتمًا بنشر التعليم منذ أن كان وليًا للعهد، فأنشأ مدرسة القبة ، وعندما تولى الحكم أصدر مرسومًا في 27 مايو 1880 بتأليف لجنة للبحث في تنظيم التعليم وشؤونه، واقترحت اللجنة تأسيس مدرسة عليا للمعلمين لتخريج أساتذة، كما اقترحت زيادة عدد المدارس، فأنشأت كثير من معاهد التعليم الابتدائية والثانوية والعالية، وقد افتتحت المدرسة العليا للمعلمين في عهده، وأنشئت مدرسة مسائية للتعليم. وأنشأت الحكومة المجلس الأعلى للمعارف في 28 مارس 1881.
ألغى السخرة، وأمر بإصلاح المساجد والأوقاف الخيرية، واستدان بمبلغ مليون جنيه لإصلاح القناطر الخيرية، وأنشئ في عهده، عدد من البنوك والشركات الأجنبية، منها الشركة المساهمة الأمريكية التي تكونت عام 1881 لتوصيل التليفون بين القاهرة والإسكندرية، والتي تحولت إلى شركة التليفون الشرقية عام 1882 واتسع نشاطها بعد ذلك، ومن الشركات التي توطدت أعمالها في مصر شركة ترام القاهرة، وشركة النور، وشركة ترام الإسكندرية، وسكة حديد الدلتا.