بارمنيدس ايلي
Parmenides of Elea - Parménide d'Elée
بارمِنيدس الإيلي
(515ـ؟ ق.م)
بارمِنيدس Parmenides of Elea أبرز فلاسفة اليونان قبل سقراط، والمؤسس الحقيقي للمدرسة الإيلية[ر]، مع أن أفلاطون ذكر أن أكسينوفان القولوفوني Xenophones of Colophon هو رائدها الأول، ولد في مدينة إيلية في جنوبي إيطالية، وكانت ثغراً إيونياً إغريقياً.
يطرح بارمِنيدس فلسفته في قصيدة لم يبق منها إلا شذرات، أسماها «في الطبيعة»، ضمَّنها آراءه في الوجود والعدم، فكان أول من نظم الشعر في الفلسفة. والقصيدة تتألف من مقدمة وقسمين: أما المقدمة فتصف بارمنيدس وهو يلتقي بإلهة توحي له بالحقيقة التي نراها في القسم الأول من القصيدة، فيضع مذهب الحقيقة القائل بأن الوجود الحقيقي واحد ومتجانس وأبدي وثابت في موضع التعارض الشديد مع جدل هيراقليطس القائل بالصيرورة أو التغير الدائم.
ويعدّ جوهر فلسفته تعبيراً واضحاً عن «وحدة الوجود»، لهذا فهو يرى أن الوجود موجود، وأن اللاوجود غير موجود. ومادام الأمر كذلك، فمن التناقض القول بالحركة والتغيّر والصيرورة، إذ إن كلا منها يفترض العدم. وهذا يعني أن الوجود بكامله في الحاضر، ليس له ماض ولا مستقبل، فهو واحد متناه، ومتجانس لا يقبل القسمة، ممتلئ كله بوجوده، ولذا كان ثابتاً لا بداية ولا نهاية، وهذا يجعله تام الاستدارة كالكرة بمعنى أنه متوازن في كل نقاطه لا درجات متفاوتة فيه، لأن هذا الوجود الواحد بالنسبة للعقل، كثير بالنسبة للحس، يجتمع فيه الأضداد فهو وجود ولا وجود وحار وبارد، ونور وظلام، وخفيف وثقيل. والمعرفة العقلية معرفة فلسفية بالوجود معرفة يقينية، ومعرفة بالحقيقة، والمعرفة الحسية بالوجود معرفة بطبيعة الأشياء، أو معرفة ظاهرية ظنية. لهذا رفض التسليم بوحدة الأضداد التي تجعل العدم والوجود شيء واحد.
وإذا كان الوجود موجوداً، كان لابد للعدم أن يكون غير موجود، وهذا يعني استحالة معرفة اللاوجود أو التحدث عنه، فالوجود هو الموضوع الأول للعقل: «لأنك لا تعرف ما ليس بموجود ـ لأن هذا مستحيل ـ كلا ولا يمكنك التعبير عنه»، وهنا يربط بارمنيدس الوجود مع الفكر ليقرّ بأن الموجود فقط هو موضوع للتفكير والتعبير، وهذا ما وضحه فيما بعد ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود».
كما أوجز بارمنيدس في الجزء الثاني من القصيدة «في الظن» أي العلم الطبيعي، فلسفة كونية مؤداها أن العالم يتركب من جوهرين أو من عنصرين متضاديين هما النار والتراب، وأن النار هي مبدأ خلق، وأن التراب مادة منها تولّد البشر. وقد قصد إلى بيان أن العالم الظاهر يمكن تعليله بزوج واحد من الأضداد الحسية الظاهرة (الحار والبارد) دون إدخال ما يسمونه بمبادئ الوجود الحق مثل المحدود واللامحدود عند الفيثاغوريين. كما اشتمل على تفسير للفكر والمعرفة، كما كان يشتمل على تفسير للفلك مما ينطوي على نقاط مشتركة مع فلسفة أنكسيمندرس.
شق بارمنيدس اتجاهاً جديداً في الفلسفة اليونانية، مخالفاً للمدرسة الإيونية[ر] ذات النزعة الطبيعية، فاتخذ في معارضتها اتجاهاً عقلياً يسعى إلى بناء الواقع بناء فكرياً جدلياً، قلما يتعاطف مع التجربة المباشرة. ومنذئذ أصبحت الفلسفة اليونانية تسير في اتجاهين مختلفين.
ويعد بارمنيدس صاحب مذهب الوجود من دون منازع،. فهو أول من وضع ملامح الأنطولوجية علماً فلسفياً شاملاً، وجعلها الغاية القصوى من التأمل الفلسفي. وهو من هذه الناحية ملهم أرسطو الذي جعل الفلسفة الأولى هي دراسة الوجود بما هو موجود. ولقد استفاد من فلسفته كل من أتوا بعده من فلاسفة الوجود، من أمثال ابن سينا وابن رشد وتوما الإكويني وكريستيان وولف ونيقولاى هرتمن ومارتن هيدغر ولويس لافيل وسارتر.
تيسير شيخ الأرض
Parmenides of Elea - Parménide d'Elée
بارمِنيدس الإيلي
(515ـ؟ ق.م)
بارمِنيدس Parmenides of Elea أبرز فلاسفة اليونان قبل سقراط، والمؤسس الحقيقي للمدرسة الإيلية[ر]، مع أن أفلاطون ذكر أن أكسينوفان القولوفوني Xenophones of Colophon هو رائدها الأول، ولد في مدينة إيلية في جنوبي إيطالية، وكانت ثغراً إيونياً إغريقياً.
يطرح بارمِنيدس فلسفته في قصيدة لم يبق منها إلا شذرات، أسماها «في الطبيعة»، ضمَّنها آراءه في الوجود والعدم، فكان أول من نظم الشعر في الفلسفة. والقصيدة تتألف من مقدمة وقسمين: أما المقدمة فتصف بارمنيدس وهو يلتقي بإلهة توحي له بالحقيقة التي نراها في القسم الأول من القصيدة، فيضع مذهب الحقيقة القائل بأن الوجود الحقيقي واحد ومتجانس وأبدي وثابت في موضع التعارض الشديد مع جدل هيراقليطس القائل بالصيرورة أو التغير الدائم.
ويعدّ جوهر فلسفته تعبيراً واضحاً عن «وحدة الوجود»، لهذا فهو يرى أن الوجود موجود، وأن اللاوجود غير موجود. ومادام الأمر كذلك، فمن التناقض القول بالحركة والتغيّر والصيرورة، إذ إن كلا منها يفترض العدم. وهذا يعني أن الوجود بكامله في الحاضر، ليس له ماض ولا مستقبل، فهو واحد متناه، ومتجانس لا يقبل القسمة، ممتلئ كله بوجوده، ولذا كان ثابتاً لا بداية ولا نهاية، وهذا يجعله تام الاستدارة كالكرة بمعنى أنه متوازن في كل نقاطه لا درجات متفاوتة فيه، لأن هذا الوجود الواحد بالنسبة للعقل، كثير بالنسبة للحس، يجتمع فيه الأضداد فهو وجود ولا وجود وحار وبارد، ونور وظلام، وخفيف وثقيل. والمعرفة العقلية معرفة فلسفية بالوجود معرفة يقينية، ومعرفة بالحقيقة، والمعرفة الحسية بالوجود معرفة بطبيعة الأشياء، أو معرفة ظاهرية ظنية. لهذا رفض التسليم بوحدة الأضداد التي تجعل العدم والوجود شيء واحد.
وإذا كان الوجود موجوداً، كان لابد للعدم أن يكون غير موجود، وهذا يعني استحالة معرفة اللاوجود أو التحدث عنه، فالوجود هو الموضوع الأول للعقل: «لأنك لا تعرف ما ليس بموجود ـ لأن هذا مستحيل ـ كلا ولا يمكنك التعبير عنه»، وهنا يربط بارمنيدس الوجود مع الفكر ليقرّ بأن الموجود فقط هو موضوع للتفكير والتعبير، وهذا ما وضحه فيما بعد ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود».
كما أوجز بارمنيدس في الجزء الثاني من القصيدة «في الظن» أي العلم الطبيعي، فلسفة كونية مؤداها أن العالم يتركب من جوهرين أو من عنصرين متضاديين هما النار والتراب، وأن النار هي مبدأ خلق، وأن التراب مادة منها تولّد البشر. وقد قصد إلى بيان أن العالم الظاهر يمكن تعليله بزوج واحد من الأضداد الحسية الظاهرة (الحار والبارد) دون إدخال ما يسمونه بمبادئ الوجود الحق مثل المحدود واللامحدود عند الفيثاغوريين. كما اشتمل على تفسير للفكر والمعرفة، كما كان يشتمل على تفسير للفلك مما ينطوي على نقاط مشتركة مع فلسفة أنكسيمندرس.
شق بارمنيدس اتجاهاً جديداً في الفلسفة اليونانية، مخالفاً للمدرسة الإيونية[ر] ذات النزعة الطبيعية، فاتخذ في معارضتها اتجاهاً عقلياً يسعى إلى بناء الواقع بناء فكرياً جدلياً، قلما يتعاطف مع التجربة المباشرة. ومنذئذ أصبحت الفلسفة اليونانية تسير في اتجاهين مختلفين.
ويعد بارمنيدس صاحب مذهب الوجود من دون منازع،. فهو أول من وضع ملامح الأنطولوجية علماً فلسفياً شاملاً، وجعلها الغاية القصوى من التأمل الفلسفي. وهو من هذه الناحية ملهم أرسطو الذي جعل الفلسفة الأولى هي دراسة الوجود بما هو موجود. ولقد استفاد من فلسفته كل من أتوا بعده من فلاسفة الوجود، من أمثال ابن سينا وابن رشد وتوما الإكويني وكريستيان وولف ونيقولاى هرتمن ومارتن هيدغر ولويس لافيل وسارتر.
تيسير شيخ الأرض