قسام التراب
قام في مجتمع بلاد الشام فيما قبل القرن الرابع للهجرة بعض التنظيمات الاجتماعية ، وكان أهم هذه التنظيمات من الناحية الشعبية والبلدية منظمة عرفت باسم ( الأحداث، ونحن حين نحاول تعقب تاريخ هذه المنظمة لنعرف بدايته ، نجد الجهد في هذا السبيل هباء ، ذلك أن المؤرخ المسلم ، دون أخبار مؤسسات الحكم ، وما ارتبط بها ، ونادراً ما أولى إهتمامه للمحكومين، وكان يأتي على ذكرهم عندما يرتبط ذلك عرضياً بأمر ما أو قضية من قضايا السلطة أننا لا ندري تاريخ قيام منظمة الأحداث وأسباب ذلك ، بعدما قامت الخلافة العباسية ، واستقرت في العراق ، وانشغلت بمشاكل الشرق ، كان ظل سلطانها في الشام ضعيفاً ، ولما أصاب الخلل النظام العباسي تعرضت بلاد الشام لمخاطر خارجية من بيزنطة وتعرضت مدنها المخاطر محلية قدمت من البادية، لهذا اضطر سكان المدن الشامية لتكوين منظمات بلدية تتولى الدفاع حين الحاجة ، وتقوم برعاية الأمور العامة داخل المدينة في أوقات السلم ومع الأيام تطورت هذه المنظمات فغدت أشبه بمليشيات شعبية ، و عرفت باسم الأحداث ـ جمع حدث - ربما لأن غالبية من انتسب إليها في البداية كان من الشبان ، ولعل مما ساعد ع لى تطور هذه المليشيات ) ضعف الحكومات المحلية في الشام مع اضطرار بعض الحكام لاستخدامها من . أجل مآربهم وأغراض حكمهم الخاصة ، وهذا بدوره لا بد أيضاً قد أثر في تطور منظمة الأحداث ، وساعد على توطد أركانها إن الفترة الممتدة ما بين النصف الثاني للقرن الرابع الهجري الى نهاية القرن الخامس قد شهدت ذروة نشاط الأحداث في مدن الشام ، وتجلى هذا بشكل كبير في مدينتي حلب ودمشق ، ذلك أنه في هذه الفترة كانت الخلافة الفاطمية قد انتقلت من تونس الى مصر ، وسعت هذه الخلافة للسيطرة على الشام فاصطدمت قواتها بالأحداث لقد قامت عقيدة الفاطميين في الحكم على إطاعة الإمام بشكل مطلق ، وسعى الفاطميون نحو إزالة القوى التي تعترض سبيلهم ، لهذا اصطدموا عندما حاولوا فتح جنوب بلاد الشام بأحداث دمشق وسواها ، وعبثاً حاولوا دخول دمشق وادارتها بشكل مباشر، فلم يتم لهم ذلك إلا بعد
أن أنزلوا بالأحداث ضربات ساحقة
ففي سنة ٣٥٩ هـ / ٩٦٩م زحف جيش فاطمي من مصر على دمشق، فلم يتمكن من دخولها ، فحاصرها طويلا ، ومنعه الأحداث الاقتراب من أسوارها ، وظل الحال هكذا حق اتفق جماعة من التجار والأشراف قائد الجيش على فتح إحدى بوابات المدينة له ، وتم للقوات الفاطمية دخول دمشق ، ولكن إلى حين ، حيث غادر دمشق زعيم الأحداث متوجها إلى الأحساء ، وهناك اجتمع مع الحسن الأعصم زعيم القرامطة ، فأخبره بما نزل بدمشق ، فثار الأعصم وقاد قواته الى الشام حيث أنزل ضربة قاسية بالجيش الفاطمي، وألحق به الهزيمة وبقائده الموت ، وتابع القرامطة سيرهم من الشام الى مصر ، كيا بخلصوها من الحكم الفاطمي ، من مع وكادوا ينجحون .
وبعدما أخفق القرامطة في القضاء على الخلافة الفاطمية انسحبوا إلى ديارهم ، وهنا جدد الفاطميون العمل لافتتاح الشام ، ولعدة سنوات أرسلوا الجيش تلو الآخر ، لكن دونما نجاح يذكر ، ذلك أن الأحداث كانوا لهم بالمرصاد ، ويبدو أن الحروب زادت من قوة الأحداث وصارت منطقة الباب الصغير في دمشق مقراً لهم ، كما تقلب على زعامتهم عدد من المقدمين كان أبرزهم وأبعدهم شهرة قسام التراب . وقسام هذا كان أصله عربياً من بلحارث ، نشأ في احدى قرى دمشق وجاء دمشق حيث عمل فى التراب ، ثم انضم الى الأحداث ، فتزايد أمره بينهم حتى غدا أول رجل بينهم. وفي سنة ٣٦٨ هـ / ٩٧٨م استبد قسام وأحداثه بأمور دمشق ، وضبطوها ضبطاً شديداً ، وقام قسام باجراء احتياطي فراسل الخليفة الفاطمي العزيز فاعترف اسمياً بسلطانه ، ودافعه عن دمشق ، وتظاهر العزيز بالقبول والرضى، إلا أنه قام في العام التالي ٥٣٦٩ / ٩٧٩ م ، بارسال جيش ضد دمشق ، وأخفق هذا الجيش في مهمته واضطر الى الانسحاب راضياً بتعهد من قسام وأحداثه أن لا يسلموا دمشق لحاكم يدين بالطاعة للعباسيين ، وسكتت القاهرة على مضض ودامت جمهورية الأحداث الشعبية ، تحكم دمشق بزعامة قسام حتى جاءت سنة ۵۳۷۱ / ۹۸۱ م ، حيث أرسلت القاهرة جيشاً فاطمياً جديداً ضد دمشق وذلك بعدما أخفقت في إعادة السيطرة على هذه المدينة بالحصار الاقتصادي وبإثارة الأعراب ضدها .
وألقى الجيش الفاطمي الحصار على دمشق ، وطال الحصار واشتدت المقاومة ، وفي ذروة المعركة قام أثرياء دمشق وأشرافها بالاتصال بقائد القوات الفاطمية ، ثم أخذوا في تثبيط الناس عن قسام ، وضغطوا عليه وأغروه كي يوقف المقاومة ويسلم المدينة . وفي لحظة إعياء نفسي وجسدي شديد ، وخوف وأمل ، قبل قسام بانهاء المقاومة وتسليم المدينة على شرط الأمان له ولأصحابه .
قام في مجتمع بلاد الشام فيما قبل القرن الرابع للهجرة بعض التنظيمات الاجتماعية ، وكان أهم هذه التنظيمات من الناحية الشعبية والبلدية منظمة عرفت باسم ( الأحداث، ونحن حين نحاول تعقب تاريخ هذه المنظمة لنعرف بدايته ، نجد الجهد في هذا السبيل هباء ، ذلك أن المؤرخ المسلم ، دون أخبار مؤسسات الحكم ، وما ارتبط بها ، ونادراً ما أولى إهتمامه للمحكومين، وكان يأتي على ذكرهم عندما يرتبط ذلك عرضياً بأمر ما أو قضية من قضايا السلطة أننا لا ندري تاريخ قيام منظمة الأحداث وأسباب ذلك ، بعدما قامت الخلافة العباسية ، واستقرت في العراق ، وانشغلت بمشاكل الشرق ، كان ظل سلطانها في الشام ضعيفاً ، ولما أصاب الخلل النظام العباسي تعرضت بلاد الشام لمخاطر خارجية من بيزنطة وتعرضت مدنها المخاطر محلية قدمت من البادية، لهذا اضطر سكان المدن الشامية لتكوين منظمات بلدية تتولى الدفاع حين الحاجة ، وتقوم برعاية الأمور العامة داخل المدينة في أوقات السلم ومع الأيام تطورت هذه المنظمات فغدت أشبه بمليشيات شعبية ، و عرفت باسم الأحداث ـ جمع حدث - ربما لأن غالبية من انتسب إليها في البداية كان من الشبان ، ولعل مما ساعد ع لى تطور هذه المليشيات ) ضعف الحكومات المحلية في الشام مع اضطرار بعض الحكام لاستخدامها من . أجل مآربهم وأغراض حكمهم الخاصة ، وهذا بدوره لا بد أيضاً قد أثر في تطور منظمة الأحداث ، وساعد على توطد أركانها إن الفترة الممتدة ما بين النصف الثاني للقرن الرابع الهجري الى نهاية القرن الخامس قد شهدت ذروة نشاط الأحداث في مدن الشام ، وتجلى هذا بشكل كبير في مدينتي حلب ودمشق ، ذلك أنه في هذه الفترة كانت الخلافة الفاطمية قد انتقلت من تونس الى مصر ، وسعت هذه الخلافة للسيطرة على الشام فاصطدمت قواتها بالأحداث لقد قامت عقيدة الفاطميين في الحكم على إطاعة الإمام بشكل مطلق ، وسعى الفاطميون نحو إزالة القوى التي تعترض سبيلهم ، لهذا اصطدموا عندما حاولوا فتح جنوب بلاد الشام بأحداث دمشق وسواها ، وعبثاً حاولوا دخول دمشق وادارتها بشكل مباشر، فلم يتم لهم ذلك إلا بعد
أن أنزلوا بالأحداث ضربات ساحقة
ففي سنة ٣٥٩ هـ / ٩٦٩م زحف جيش فاطمي من مصر على دمشق، فلم يتمكن من دخولها ، فحاصرها طويلا ، ومنعه الأحداث الاقتراب من أسوارها ، وظل الحال هكذا حق اتفق جماعة من التجار والأشراف قائد الجيش على فتح إحدى بوابات المدينة له ، وتم للقوات الفاطمية دخول دمشق ، ولكن إلى حين ، حيث غادر دمشق زعيم الأحداث متوجها إلى الأحساء ، وهناك اجتمع مع الحسن الأعصم زعيم القرامطة ، فأخبره بما نزل بدمشق ، فثار الأعصم وقاد قواته الى الشام حيث أنزل ضربة قاسية بالجيش الفاطمي، وألحق به الهزيمة وبقائده الموت ، وتابع القرامطة سيرهم من الشام الى مصر ، كيا بخلصوها من الحكم الفاطمي ، من مع وكادوا ينجحون .
وبعدما أخفق القرامطة في القضاء على الخلافة الفاطمية انسحبوا إلى ديارهم ، وهنا جدد الفاطميون العمل لافتتاح الشام ، ولعدة سنوات أرسلوا الجيش تلو الآخر ، لكن دونما نجاح يذكر ، ذلك أن الأحداث كانوا لهم بالمرصاد ، ويبدو أن الحروب زادت من قوة الأحداث وصارت منطقة الباب الصغير في دمشق مقراً لهم ، كما تقلب على زعامتهم عدد من المقدمين كان أبرزهم وأبعدهم شهرة قسام التراب . وقسام هذا كان أصله عربياً من بلحارث ، نشأ في احدى قرى دمشق وجاء دمشق حيث عمل فى التراب ، ثم انضم الى الأحداث ، فتزايد أمره بينهم حتى غدا أول رجل بينهم. وفي سنة ٣٦٨ هـ / ٩٧٨م استبد قسام وأحداثه بأمور دمشق ، وضبطوها ضبطاً شديداً ، وقام قسام باجراء احتياطي فراسل الخليفة الفاطمي العزيز فاعترف اسمياً بسلطانه ، ودافعه عن دمشق ، وتظاهر العزيز بالقبول والرضى، إلا أنه قام في العام التالي ٥٣٦٩ / ٩٧٩ م ، بارسال جيش ضد دمشق ، وأخفق هذا الجيش في مهمته واضطر الى الانسحاب راضياً بتعهد من قسام وأحداثه أن لا يسلموا دمشق لحاكم يدين بالطاعة للعباسيين ، وسكتت القاهرة على مضض ودامت جمهورية الأحداث الشعبية ، تحكم دمشق بزعامة قسام حتى جاءت سنة ۵۳۷۱ / ۹۸۱ م ، حيث أرسلت القاهرة جيشاً فاطمياً جديداً ضد دمشق وذلك بعدما أخفقت في إعادة السيطرة على هذه المدينة بالحصار الاقتصادي وبإثارة الأعراب ضدها .
وألقى الجيش الفاطمي الحصار على دمشق ، وطال الحصار واشتدت المقاومة ، وفي ذروة المعركة قام أثرياء دمشق وأشرافها بالاتصال بقائد القوات الفاطمية ، ثم أخذوا في تثبيط الناس عن قسام ، وضغطوا عليه وأغروه كي يوقف المقاومة ويسلم المدينة . وفي لحظة إعياء نفسي وجسدي شديد ، وخوف وأمل ، قبل قسام بانهاء المقاومة وتسليم المدينة على شرط الأمان له ولأصحابه .
تعليق