لم نحن فضوليون ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لم نحن فضوليون ؟

    تدفعنا غريزة الفضول إلى التطور على مستوى الأفراد، وإلى النجاح على مستوى الجنس بشري، ولكن رغم ما فيها من منافع فلها أضرارها وخطورتها، فقد يكون الفضول عثرةً أكثر من كونه عامل تطور، وقد يُودي بك إلى الانهيار. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نُقاد في حياتنا بمثل هذه الغريزة؟ لم نحن البشر فضوليون جدًا؟






    وإذا نظرنا للأمر بتعقيد أكثر، هل وجد العلماء تعريفًا لهذا الدافع الغريزي؟

    اهتم باحثون من شتى التخصصات بالفضول وماهيته لذا لا يفاجئنا عدم وجود تعريف محدد له متفق عليه بين نطاق واسع من العلماء، والفضول عامل متأصل فينا يساعدنا على التعلم ونحن أطفال، وعلى البقاء بعد البلوغ. وقال ويليام جايمس أحد أوائل علماء النفس الحديث: «الفضول هو الدافع نحو المعرفة».

    وقال إيفان بافلوف: «الكلاب فضولية تجاه أي محفز جديد من خلال تساؤلها: (ما هذا؟)، والذي يدفعهم للتركيز بشكل عفوي بكل ما هو جديد في بيئتهم».

    أجمع العلماء على أن الفضول ليس إشباعًا لرغبة مؤقتة أو حالية مثل الجوع والعطش، بل هو دافع غريزيّ فينا، ويمثل الفضول جزءًا كبيرًا من سلوكياتنا، فالأمر لا يتعلق بجين خاص بالفضول يجعلنا نجوب الأرض نستكشفها، لكنه ذو مكونات جينية تتفاعل مع البيئة -كغيرها من باقي الجينات- بطرق معقدة جدًا لتشكل ما نحن عليه من سلوك وتصرفات.






    في دراسة نُشرت عام 2007 في مجلة Proceedings of the Royal Society B, Biological Science، وجد الباحثون تغيّرات في جينات معينة عند الأفراد الشغوفين باستكشاف الطبيعة، وترتبط الطفرة في الجين المسمى DRD4 بميول المرء نحو الإبداع والتجديد.



    يجدر بالأطفال تعلم كم هائل من المعلومات في وقت قصير والفضول هو ما يدفعهم -بصرف النظر عن التركيب الجيني لكل طفل- نحو التعلّم. فلن يستطيعوا تحقيق التطور ذاته في غياب نزعة الفضول، وقالت كاثرين توومي المحاضرة في اللغة وتنمية التواصل في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة: «لو لم يكن الأطفال فضوليين، لما تعلموا شيئًا ولا تقدموا خطوة».

    توضح العديد من الدراسات مدى ميل الأطفال إلى التجديد، ففي دراسة كلاسيكية عام 1964، وُجد أن الأطفال ما بين الأعمار 2 إلى 6 أشهر يملّون بسرعة من الأنماط البصرية المعقدة كلما طالت رؤيتهم لها. وفي دراسة أخرى عام 1983 نُشرت في مجلة Developmental Psychology، وُجد أن الأطفال بالأعمار من 8 إلى 12 شهرًا يملّون دائمًا من ألعابهم بمرور الوقت مفضلين الحصول على ألعاب جديدة. وهذا النوع من التجديد يعرف بالفضول الإدراكي، وهو نوع من الفضول يقتصر على الأطفال والحيوانات وأحيانًا البالغين، ويكمن هذا النوع في السعي نحو كل جديد، وبمجرد التعرض له كثيرًا، يصبح المرء غير مهتمًا به باحثًا عن جديد آخر.




    والأمثلة على هذا النوع كثيرة؛ منها المناغاة في حالة الأطفال -بداية إصدار الطفل لأصوات ليست ذات معنى-، تقول توومي: «تكون المراحل الأولى من مناغاة الأطفال استكشافًا، فالطفل في شهوره الأولى يصدر أصواتًا وحروفًا لينةً في بداية تعلمه الكلام، يبدأ الأمر باستكشاف عشوائي لما يمكن لأحباله الصوتية أن تفعل، ويُعد هذا تطبيقًا عمليًا للفضول الإدراكي. وفي نهاية المطاف، سيصدر الطفل صوتًا مثل ما يقوله أبوه وأمه، فيظل يردد الصوت نفسه مرارًا وتكرارًا».

    ويتفرد الجنس البشري بنوع خاص من الفضول يسميه علماء النفس «الفضول المعرفي»، وهو ما يجعلنا نتوق إلى المعرفة فنحسم الشك باليقين، ويظهر هذا النوع في حياتنا متأخرًا؛ لأنه يتطلب منهجًا معقدًا.

    ويرى الدكتور أجوستين فوينتس أستاذ الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في جامعة برنستون أن هذا النوع من الفضول ميّزنا -نحن البشر- عن بقية الحيوانات، ومهّد لنا الطريق لبناء كل تفصيلة في عالمنا، فاستطعنا بفضله الابتكار ابتداءً من الفأس وحتى الأجهزة الحديثة. وقال دكتور فوينتس: «استطاع الجنس البشري، بفضل هذا النوع من الفضول، الانتقال من مرحلة التعامل بحذر شديد مع الطبيعة إلى التلاعب بها عبر الاختراع والتمعن في كل الاحتمالات الجديدة الممكنة».

    ولكن لكلٍ عواقبه، وليس كل ما نريده يتحقق فعلًا، ففي أحيان كثيرة يكون الفشل عاملًا فعالًا للنضج والنمو، وقس على ذلك الأطفال. فغالبية الأطفال مهَرة في الزحف، لكنهم لا يتوقفون عن التطلع لكل ما هو جديد، فيحاولون التنقل من مرحلة الزحف بمهارة تامة إلى المشي، ولكن الإقدام على خطوة كهذه يكلفهم بعض الشيء، ففي دراسة نُشرت في مجلة Psychological Scienceعام 2012، أجريت الدراسة على الأطفال ذوي أعمار تتراوح بين 12 إلى 16 شهرًا، وُجد أن محاولاتهم لتعلّم المشي تسفر عن وقوعهم ما يقرب من 17 مرةً في الساعة الواحدة.




    ولا تأتي الأفكار الجديدة دائمًا بعواقب حميدة، فالفضول قد يُسفر عن كوارث مثل انقراض الغالبية العظمى من سكان العالم. فعلى سبيل المثال، استطاع شعب الإسكيمو، الذي يقطن جزءًا رئيسيًا من المناطق الساحلية من ألاسكا وكندا، وجزءًا من الساحل الشرقي لجرينلاند، أن يخلق طرقًا جديدة للتعامل مع تحديات المناخ الشمالي، لكننا نسينا الحديث عن الآلاف من أولئك الذين فشلوا في التأقلم مع تلك الطبيعة القاسية.

    وفي النهاية، ليس كل من قادهم فضولهم عاشوا حتى يروا ثمرة تلك الغريزة وما قادتهم إليه، لكنهم أسهموا في بناء أجيال مفكّرة..



    المصدر:ibelieveinsci
يعمل...
X