برق
Telegraphy - Télégraphie
برق
من ويكيبيديا،
البَرْق (الجمع: بُروق) ظاهرة طبيعية بصرية تظهر في صورة شرارة كهربائية، والتي تنشأ عن تفريغ مفاجئ وعنيف في مناطق الغلاف الجوّي المشحونة. غالبًا ما يتشكّل البرق أثناء العواصف الرعدية؛ إذ أنّ الرعد هو صوت موجة الصدمة الناتجة عن ازدياد الضغط المفاجئ للجزيئات الغازية. عندما يكون التفريغ الكهربائي شديدًا بين السحاب وبين جسم مشحون على الأرض يسمّى البرق والرعد المصاحب له حينها بالصاعقة.
هناك ثلاثة أصناف رئيسية للبروق وذلك حسب مكان التفريغ، وهي المتشكّلة إمّا داخل سحابة العاصفة الرعدية أو بين السحب أو بين السحب والأرض. توجد عدّة أشكال ظاهرية للبرق يبلغ عددها حوالي 15 منها: برق عديم الرعد، والذي يشاهد ولا يُسمَع صوت رعده؛ وكذلك البرق الجاف، والذي يسبّب العديد من حرائق الغابات.
لكي تحدث عمليّة تفريغ كهربائي ينبغي توفّر شرطين أساسيّين؛ الأوّل: وجود فرق جهد كبير بالشكل الكافي بين منطقتين في الفضاء؛ والثاني: وجود وسط عازل يحول دون معادلة الشحنة، وهو الأمر الذي يؤمّنه الهواء في الغلاف الجوّي. من المعلوم أنّه خلال العاصفة الرعدية يحدث هناك فصل بين منطقتين مختلفتين في نمط الشحنة الكهربائية داخل السحابة؛ إلّا أنّ الآلية التفصيلية لعمليّة تشكّل البرق ما تزال غير مفهومة بالكامل.
نظريات التشكل[عدل]
يتشكّل البرق عادةً داخل المزن الركامي، والتي تسمّى أيضًا سحابة العاصفة الرعدية، وذلك من حدوث عملية تفريغ كهربائي، والتي تتمثّل بوميض البرق. لكي تحدث عملية التفريغ لا بدَّ من حدوث فصل للشحنات الكهربائية عن بعضها؛ إلّا أنّ عملية التفريغ الكهربائي الفعلية هي المرحلة الأخيرة من عملية معقّدة جدًّا.[2] ما يجعل الأمرَ معقّدًا هو التباين الواضح بين عملية تشكّل البرق طبيعيًا وبين التجارب المخبرية لتشكيل البرق في وسط غازي، إذ أنّ الحركية الكبيرة للجزيئات تُصعّب من مهمّة فصل الشحنات الكهربائية عن بعضها والإبقاء عليها كذلك لفترة طويلة، خاصّةً من غير استخدام تجهيزات تقنية من أجل محاكاة تشكّل البرق طبيعيًا. ما تزال الآلية الكاملة لتشكُّل البرق والصواعق محطَّ دراسةٍ وتحقيقٍ علمي.[3][4]
إن أكثر أنواع البرق دراسةً هو البرق المتشكّل بين السحاب والأرض (CG)؛ على الرغم من الشيوع الأكبر لومضات البرق داخل السحاب (IC) وبين السحب (CC) إلّا أنّه يصعب دراستها بسبب عدم وجود نقاط مادّية فيزيائية للمراقبة وللقياس على مستوى السحب، بالإضافة إلى صعوبة التنبّؤ بزمان ومكان حدوث ومضات البرق أو الصواعق في الأنواع الأخيرة. ولكن من حيث المبدأ، يمكن تعميم الملاحظات والنتائج المستحصَل عليها من البرق المتشكّل بين السحاب والأرض على باقي أنواع البروق.
الكَهْرَبَة[عدل]
تقع منطقة الشحن الكهربائي الرئيسية للعاصفة الرعدية في القسم المتوسّط، حيث يتحرّك الهواء صاعداً إلى الأعلى بسرعةٍ كبيرة (تيّار صاعد)، وتتراوح عندها درجات الحرارة بين -15 إلى -25 °س.
ما تزال عمليّة الشحن الكهربائي الحاصلة في العواصف الرعدية محطَّ دراسةٍ من العلماء، الذين يحاولون إيجاد تفسير نهائي لآلية حدوثها، إلّا أنّ هناك توافقٌ عام على المبادئ الأساسية لعملية الكَهْرَبة في العواصف الرعدية.
تقع منطقة الشحن الكهربائي الرئيسية للعاصفة الرعدية في القسم المتوسّط، حيث يتحرّك الهواء صاعدًا إلى الأعلى (تيّار صاعد) بسرعةٍ كبيرة تصل إلى 5-20 متر/الثانية وما فوق؛[5] وتتراوح عندها درجات الحرارة بين -15 إلى -25 °س، حيث تقع تلك المنطقة أعلى من مستوى التجمّد. في تلك المنطقة، تؤدّي مجموعة العوامل من درجة الحرارة وحركة التيّار الهوائي الصاعد السريعة إلى تكاثف بخار الماء داخل السحابة مشكّلًا مزيجًا من قطيرات ماءٍ صغيرة فائقة التبريد دون نقطة التجمّد، بالإضافة إلى حدوث عملية ترسيب إلى بلّورات جليد صغيرة وكذلك إلى حبيبات البَرَد الدقيق. بما أنّ عملية التكاثف طاردة للحرارة، فيؤدّي ذلك إلى زيادة حركية الجسيمات في الحيّز الفراغي داخل السحابة بالمقارنة مع خارجها، ممّا يساعد على اندفاعها داخل السحابة للأعلى. بالإضافة إلى ذلك، يحمل التيار الهوائي الصاعد قطيرات الماء فائقة التبريد وبلّورات الجليد الصغيرة إلى الأعلى؛ بالمقابل تميل حبيبات البَرَد الدقيق ذات الحجم الأكبر والكثافة الأعلى إلى السقوط أو البقاء معلّقةً في الهواء.[6]
عندما تصطدم بلّورات الجليد مع حبيبات البَرَد الدقيق تحدث عملية شحنٍ كهربائي، حيث تصبح بلّورات الجليد مشحونةً بشحنةٍ كهربائيةٍ موجبة، في حين تصبح حبيبات البَرَد الدقيق مشحونةً بشحنةٍ كهربائيةٍ سالبة.
يؤدّي ذلك التباين في حركة الجسيمات إلى حدوث تصادمات، والتي تؤدّي بدورها في النهاية إلى حدوث عملية شحنٍ كهربائي. فعندما تصطدم بلّورات الجليد مع حبيبات البَرَد الدقيق تحدث عملية شحنٍ كهربائي، حيث تصبح بلّورات الجليد مشحونةً بشحنةٍ كهربائيةٍ موجبة، في حين تصبح حبيبات البَرَد الدقيق مشحونةً بشحنةٍ كهربائيةٍ سالبة. يحمل التيّار الهوائي الصاعد بلّورات الجليد الصغيرة موجبة الشحنة إلى أعلى سحابة العاصفة الرعدية، في حين تبقى حُبيبات البَرَد الدقيق الأكثف إمّا معلّقةً في وسط سحابة العاصفة الرعدية أو تتساقط إلى القسم السفلي من تلك السحابة.[6] نتيجةً لذلك، يحدث تباينٌ في شحنة الفضاء الكهربائية بين أعلى السحابة الرعدية موجبة الشحنة وأسفلها سالبة الشحنة الكهربائية.[6] بيّنت الدراسات أنّ شدّة شحنة الفضاء متناسبة بشكلٍ مباشرٍ مع محتوى الجليد داخل سحابة العاصفة الرعدية؛ ممّا يعني أنّ احتمالية تشكّل البرق تزيد مع زيادة كمّية الجليد داخل السحابة.[7]
يصبح القسم الأعلى من سحابة العاصفة الرعدية موجب الشحنة؛ في حين أنّ القسم المتوسّط والسفلي يصبح سالب الشحنة.
تساعد حركة التيّارات الهوائية الصاعدة للأعلى والرياح في الارتفاعات العليا من الغلاف الجوي على تشتيت بلّورات الجليد الصغيرة بشكلٍ أفقي في القسم الأعلى من سحابة العاصفة الرعدية وإبعادها عن قاعدتها؛ بحيث تحدث عمليّة إعادة توزيع. بالإضافة إلى ذلك، تحدث أيضًا، ولكن على نطاق أصغر، عمليّة تشكّل لشحنةٍ كهربائيةٍ موجبة بالقرب من أسفل سحابة العاصفة الرعدية بسبب الهطول وبسبب درجات الحرارة الدافئة.[6] وكلّما اقتربت حبيبات البَرَد الدقيق من المنطقة الدافئة أسفل السحابة فإنّها تذوب وتنصهر، وبذلك تقوم قطيرات الماء الناشئة عن عملية الذوبان بأخذ الشحنة السالبة معها، والتي عندما تمرّ بالمنطقة موجبة الشحنة أسفل السحابة تحصل هناك عملية معادلة للشحنة، وبالتالي يكون الهطول معتدل الشحنة.[8]
تشكّل الحقل الكهربائي[عدل]
يمكن أن يتشكّل البرق من الحركة الدورانية للهواء الدافئ الرطب عبر الحقول الكهربائية،[9] ثم تقوم جسيمات الماء أو الجليد بتجميع الشحنة كما هو الحال في مولد فان دي غراف.[10] فمع مرور الوقت تتجمّع حبيبات البَرَد الدقيق ذات الشحنة السالبة أسفل سحابة العاصفة الرعدية، وعندما تدنو تلك السحابة من سطح الأرض، تحدث عملية تحريض كهربائي ساكن (حثّ كهروستاتيكي) على سطح الأرض أسفل سحابة العاصفة الرعدية وذلك بشحنة كهربائية مساوية بالقيمة للشحنة في السحابة ولكنّها معاكسة لها بالقطبية. بسبب وجود منطقتين مختلفتي الشحنة يتولّد حقل كهربائي في الهواء بينهما، وتتفاوت شدّته حسب كمّية الشحنة. تكون الشحنة الكهربائية الموجبة المحرَّضَة أوّل تشكّلِها صغيرةً نسبيًا، وعند اقتراب سحابة العاصفة الرعدية، وذلك عند قياسها مقابل نقطة ثابتة، إلّا أنّها تزداد مع اقتراب مركز العاصفة، ثم لا تلبث أن تنخفض مجدّدًا مع مرور السحابة. يمكن للقيمة المرجعية لشحنة السطح المحرَّضة أن تُمثَّل تقريبيًا على هيئة منحني الجرس. يمكن قياس شدّة الحقل الكهربائي في الغلاف الجوي بأجهزة خاصة.
عندما يتجاوز الحقل الكهربائي الموضعي قيمة شدة العزل للهواء الرطب (حوالي 3 ملايين فولت لكل متر) فإنّ التفريغ الكهربائي يحصل على هيئة صاعقة، والتي غالبًا ما تتبع بومضات تفريغ بشكل متناسب، والتي تتفرّع من نفس المسار.[11] من جهةٍ أخرى، فإنّ الحقل الكهربائي داخل سحابة العاصفة الرعدية ليس كبيرًا بالشكل الكافي لكي يقوم بتوليد عملية تشكّل البرق من تلقاء نفسه.[12] الأمرَ الذي جعل الباحثين يميلون حاليًا لوجود ضرورةٍ لحدوث تأيّن للهواء وتشكيل مسار أو قناة تؤمّن نقل الشحنة الكهربائية.
تشكّل قناة البرق عبر التأيّن[عدل]
قائد البرق[عدل]
قائد البرق متشعّباً أثناء نزوله تجاه الأرض.
صاعقةٌ من السحاب إلى الأرض لوحظت في صحراء موهافي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وميضُ برقٍ داخل السحاب يضيء مجموعةَ السُحب بالكامل.
إنّ تشكّل البرق يتطلّب وجودَ قناةٍ ثنائية الاتجاه من الهواء المتأيّن، والتي تُدعى «قائد البرق» (ملاحظة 1)، والتي تتشكّل بعمليةٍ ما تزال غير مفهومة بالكامل بين منطقتين مختلفتين بالشحنة الكهربائية في سحابة العاصفة الرعدية. يتكوّن قائد البرق من قنوات ناقلة كهربائيًا من الهواء المتأيّن، والتي تمرّ عبر (أو تنجذب إلى) مناطق ذات شحنة كهربائية معاكسة لشحنة رأس القائد. يعمل رأس القائد ثنائي الاتجاه على مَلْءِ منطقةٍ مشحونةٍ داخل سحابة العاصفة الرعدية تُعرَف باسم «البئر»، وذلك بشحنةٍ معاكسةٍ لشحنته. من الممكن أن تَملأَ نهايةٌ واحدةٌ للقائد البئرَ بشحنةٍ موجبةٍ بالكامل، في حين أنّ النهاية الأخرى ما تزال فعّالة. عند حدوث ذلك، يمكن لنهاية القائد التي مَلأتِ البئرَ أن تنتشرَ خارج سحابة العاصفة الرعدية، ممّا يؤدّي إلى وميضٍ داخل السحاب أو وميض من السحاب إلى الأرض.
صاعقة بسبب اتصال قَائِدَي برق، الأوّل موجب الشحنة ممثّلاُ بالخطّ الأزرق، والثاني سالب الشحنة ممثلاُ بالخطّ الأحمر.
في وميضٍ نمطيٍّ من السحاب إلى الأرض يتشكّل قائدٌ ثنائيّ الاتجاه بين منطقة رئيسية سالبة الشحنة وبين منطقة أسفلَ منها ذات شحنة موجبة في عاصفة السحابة الرعدية. تمتلئ المنطقة موجبة الشحنة بسرعة من القائد سالب الشحنة، ومن ثَمّ ينتشر باتّجاه الأرض المشحونة بالتحريض. تعمل قناتا قائد البرق الموجبة والسالبة بشكلٍ متعاكس الاتجاه، فالقائد الموجب يكون اتجاهه نحو الأعلى إلى السحاب، في حين أنّ القائد السالب يكون اتجاهه نحو الأرض. تعمل قناتا قائد البرق بشكلٍ متزامنٍ وعلى اتّجاهين متعاكسَين في عددٍ من الدفقات المفاجئة المتتابعة. عادةً ما يتشعّب قائد البرق أثناء نزوله على هيئة أغصان الشجر؛[13] بالإضافة إلى ذلك، فإنّ قائد البرق ينتقل بشكل متقطّع بعملية تسمى «تدرّج» (ملاحظة 2)؛ حيث يمكن أن يحدث هناك تفاوت جزئي بسيط في قيم الشحنة الكهربائية عبر مسار قناة البرق، لذلك تأخذ أحياناً شكلًا متعرّجًا. يمكن تتبُّع تلك الملاحظات المذكورة بواسطة كاميرات خاصّة تمكّن من تصوير فيديو بالحركة البطيئة. يقوم كلّ قائد بتجميع الشحن على الرأس مطلقاً بذلك قنواتٍ أخرى جديدة، والتي تقوم بالتجميع بشكل لحظي مجدّدًا من أجل زيادة تركيز الأيونات المشحونة، ثم ليقوم مجدّدًا بإطلاق قنواتٍ جديدة، وهكذا دواليك. يستمرّ القائد السالب بالانتشار والتشعّب كلّما تحرّك باتجاه الأسفل واقترب من سطح الأرض. تصف نظرية التخلّل ظاهرةَ الاتّصال العشوائي الملاحظَة أثناء تشكّل قائد البرق.[14]
يبلغ طول حوالي 90% من القنوات الأيونية في قائد البرق 45 متر تقريبًا.[15] يتطلّب تشكّل القنوات الأيونية في قائد البرق زمنًا أطول نسبيًا (بضعة مئات من الملّي ثانية) بالمقارنة مع عملية التفريغ (عشرات من الميكرو ثانية). إنّ التيّار الكهربائي المُتطلَّبُ لتشكيل القناة له قيمة تتراوح بين عشرات إلى مئات الأمبيرات، والتي تتقزّم من قبل تيّارات متعاقبة أثناء عملية التفريغ الفعلية.
ظهرت عدّة فرضيات لتفسير نشوء قنوات قائد البرق، افترضت إحداها أنّ وابلًا من الإلكترونات ذات سرعة مرتفعة نسبيًا يتشكّل من الأشعّة الكونية، والذي يتسارع لاحقاً بعمليّة تدعى «الانهيار الجامح» (ملاحظة 3). عندما تصطدم هذه الإلكترونات المتسارعة مع جزيئات الهواء المعتدلة تقوم بتأيّينها ممّا يولّد قائد البرق. يمكن من حيث المبدأ للأشعّة الكونية عالية الطاقة الصادرة عن المستعرات الأعظمية بالإضافة إلى الرياح الشمسية أن تدخل الغلاف الجوي وتشحن الهواء، ممّا يخلق مساراتٍ للبرق والصواعق.[16] كان عالم الفيزياء والمناخ تشارلز ويلسون من أوائل من اقترح ذلك، إذ أنّ الإلكترونات المتهيّجة وفق تلك الطريقة يمكن لها من حيث المبدأ أن تزداد بشكلٍ أسّيٍ مطّردٍ تسلسليّ. تقول فرضيةٌ أخرى أنّ تشكّل قائد البرق يعود إلى حقولٍ كهربائيةٍ مُجمَّعةٍ من حقولٍ صغيرةٍ متشكّلةٍ بالقرب من قطيرات الماء أو بلّورات الجليد.[17]
لسانُ نورٍ صاعدٌ للأعلى[عدل]
عند اقتراب قائدٍ متدرّجٍ من الأرض يؤدّي وجود شحناتٍ معاكسةٍ على الأرض إلى زيادة شدّة الحقل الكهربائي. يكون الحقل الكهربائي على أشدّه في الأجسام المُؤَرَّضَة التي تكون قِمَمُها قريبةّ من قاعدة سحابة العاصفة الرعدية مثل الأشجار أو الأبنية العالية. إذا كان الحقل الكهربائي قويًّا بالشكل الكافي تتشكّل من تلك النقاط قناةٌ أيونيةٌ موجبةُ الشحنة تسمّى «لسانُ النور الصاعدُ للأعلى» (ملاحظة 4). كان «هاينز كازيمير» قد وضّح الأسس النظرية لهذه الظاهرة في خمسينات القرن العشرين.[18][19]
مع اقتراب القائد سالب الشحنة تزداد شدّة الحقل الكهربائي الموضعي وتكون الأجسام المُؤرَّضة معرّضةً لظاهرة التفريغ الهالي، بحيث يمكن لها أن تتجاوز عتبةً معيّنة، وأن تشكّل لسانَ نورٍ صاعدًا للأعلى.
الارتباط[عدل]
عندما يتّصل قائدٌ هابطٌ إلى الأسفل مع قائدٍ متوفّرٍ صاعدٍ إلى الأعلى تحدث عمليّة تسمى «الارتباط» (ملاحظة 5)، بحيث يمكن أن يتشكّل ممرٌّ ذو مقاومةٍ كهربائيةٍ ضئيلة، ممّا يمكّن من حدوث عملية التفريغ الكهربائي. ساعدت تقنيّات التصوير السريع من الحصول على صورٍ وفيديوهات لعملية الارتباط بالإضافة إلى صورٍ مرئية لقائد برقٍ غير متّصل عند حدوث التشعّب.[20]
التفريغ[عدل]
الضربة المرتدّة
تصوير سريع يظهر أقساماً مختلفةً من وميض برقٍ أثناء مرحلة التفريغ.
عند الارتباط تتشكّل قناةٌ ناقلةٌ لتكون صلةَ وصلٍ بين منطقةٍ ذات شحنةٍ سالبةٍ فائضةٍ في سحابة العاصفة الرعدية وبين شحنةٍ موجبةٍ فائضةٍ في الأسفل، ويحدث هبوطٌ كبيرٌ في المقاومة على طول قناة البرق. في هذه الأثناء، ونتيجةً لذلك تتسارع الإلكترونات بشكلٍ كبير في منطقةٍ تبدأ من نقطة الارتباط وتتوسّع على طول شبكة القائد بسرعاتٍ تعادل أجزاءً من سرعة الضوء. تبدو هذه العملية لمراقبٍ على سطح الأرض على هيئة «ضربة مرتدّة» (ملاحظة 6)، والتي تكون أكثر أقسام وميض البرق ضياءً وملاحَظةً أثناءَ عمليّة التفريغ.
يمرّ تيّارٌ كهربائيٌ كبيرُ الشدّة عبرَ قناة البلازما من سحابة العاصفة الرعدية إلى الأرض ويقوم بتعديل الشحنة الموجبة على الأرض عندما تقوم الإلكترونات بالسَرَيان من نقطة الضربة إلى المناطق المحيطة؛ ممّا يؤدّي في النهاية إلى حدوث فرقٍ في الجهد الكهربائي. بما أنّ الكهرباء تسري بالطرق الممكنة المُتاحة لها والأقلّ مقاومة؛[21] فإنّ جزءًا من تيّار الضربة المرتدّة يمرّ عبر قناةٍ ويخرج من الأخرى مُكهرِبًا الأشياءَ بما فيها الكائنات الحيّة الموجودة على الأرض، ويحدث ما يعرف باسم الصاعقة.
في بعض الحالات يمكن أن ينشأ وميضُ برقٍ من السحاب إلى الأرض من منطقة ذات شحنة موجبة على الأرض تقع تحت العاصفة. هذا النوع من التفريغ ينشأ عادةً من أعالي الإنشاءات الطويلة مثل هوائيات أبراج الاتصال. إنّ الكمّية الهائلة من التيّار الكهربائي الحاصلة أثناء الضربة المرتدّة، بالإضافة إلى معدّل السرعة الفائق والزمن القصير الذي تحدث فيه العملية يؤدّي في النهاية إلى حدوث فرط إحماء في قناة القائد المكتملة، ممّا يسهم في تشكيل قناة من البلازما ذات موصلية كهربائية مرتفعة. يمكن لدرجات الحرارة في لبّ قناة البلازما أن تتجاوز 50 ألف كلفن؛ ممّا يؤدّي إلى إشعاعها بلون أبيض مزرق. عندما يتوقّف تدفًّقُ التيّار الكهربائي تتبرّد القناة وتتشتّت خلال عشراتِ إلى مئاتِ الملّي ثانية، ثمّ تختفي على هيئة رُقَعٍ مُجَزّئةٍ من غازٍ وَمّاض. تؤدّي عمليّة التسخين فائقة السرعة لغازات الهواء إلى حدوث عملية تمدّد مفاجئة على شكلٍ انفجاري، ممّا يؤدّي إلى حدوث موجة صدمة تُسمَع على هيئة رعد.
التكرار[عدل]
أظهرت الفيديوهات فائقة السرعة بفحصها إطارًا تِلوَ الآخر أنّ أغلب ومضات البرق من السحاب إلى الأرض سالب الشحنة تكون مُكوَّنةً من 3 إلى 4 ضرباتٍ فردية، ويمكن أن يصل العدد إلى 30.[22]
تكون هناك فواصل زمنية بين الضربات المتكرّرة تتراوح بين 40 إلى 40 ملّي ثانية، بحيث أنّ مناطق أخرى مشحونة في السحابة تقوم في تلك الأثناء بالتفريغ بضرباتٍ متعاقبة. تسبّب الضربات المتكرّرة أحيانًا ظاهرةً مشابهةً لحالة المصباح الاصطرابي الرعّاش.[23]
لِفَهم سبب اتّخاذ ضربات مرتدّة متعدّدة نفسَ قناة البرق ينبغي معرفة وفهم سلوك القائد الموجب؛ إذ أنّ الأخير يضمحلّ بسرعةٍ أكبرَ من القائد السالب. لأسبابٍ ما تزال غير معلومة بالكامل، فإنّ القائد ثنائي الاتجاه يميل لأن يتشكّل على رؤوس قنوات القائد الموجب المضمحلّ، بحيث تحاول فيها النهاية السالبة أن تُعيدَ تأيين شبكة القائد. يسمّى هذا النوع من القائد باسم «القائد المرتد» (ملاحظة 7)، والتي عادةً ما تضمحلّ بشكلٍ سريع بعد تشكلّها. عندما تُتاحُ هناك فرصةٌ للاتصال مع القسم الموصل من شبكة القائد الرئيسية، تبدأ عملية ضربة مرتدّة بحيث يتشكلّ قائد يسمى «القائد الراشق» (ملاحظة 8)، والذي ينتقل بسرعةٍ عائداً على كامل طول القائد الأصلي أو على جزء منه. عندما يحدث هناك اتصال بين القائد الراشق مع الأرض يكون ذلك سببًا للضربات المرتدّة المتعاقبة.[24]
بالتالي، فإنّ كلّ ضربةٍ متعاقبةٍ تسبقُها ضربةُ قائدٍ راشقٍ مؤقّتة، والتي لها زمنُ نشوءٍ سريع، ولكنّها ذات شدّة أقلّ من الضربة المرتدّة الأصلية؛ وكلّ ضربةٍ متعاقبةٍ عادةً ما تعيد استخدام قناة التفريغ المستخدمة من الضربة التي سبقتها، إلّا أنّ القناة يمكن أن تتعرّض للانزياح عن موقعها السابق لأن الريح تزيح القناة الساخنة.
ا
تعليق