الجانب المظلم للكمالية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجانب المظلم للكمالية

    من النصائح الشائعة ألّا تكون إجابة المتقدمين على عمل ما عن سؤال مقابلات العمل الشهير (ما أكبر نقاط ضعفك؟) «الكمالية»، فالكمالية ليست نقطة ضعف، وإظهار نفسك بمظهر الكامل لن يقربك من نيل الوظيفة.






    للكمالية جوانب سيئة في الواقع وقد تصل إلى حد المرض أحيانًا.

    تحفز الكمالية في مظاهرها الصحية الطموح إلى التفوق، وهو الدافع الأساسي لسعي البشر إلى العظمة، إذ يصعب تخيل وصول أي شخص إلى مراحل احترافية في العزف أو الرقص أو الفن دون قرار منه بعدم القبول بجودة عادية لما يقوم به، وقد يصبح للكمالية أشكال أخرى غير صحية ومدمرة للذات أحيانًا، فالكمالية غير الصحية تجعلنا نقضي وقتًا أطول في الحزن بدلًا من المحاولة.

    هناك سببان أساسيان للكمالية غير الصحية التي يطلق البعض عليها أيضًا الكمالية العصابية، أولهما هو الميل إلى التفكير في انعكاس الفشل أو النجاح علينا في المهمة المطلوبة بدلاً من التركيز في المهمة نفسها، فعندما نقوم بشيء ما نعي بشكل أو بآخر فكرة أن النجاح أو الفشل فيه يظهر شيئًا عنا، عندما نركز في المهمة نفسها تصبح هذه الفكرة جانبية وتخرج عن دائرة التركيز، لكنها تبقى مركز الاهتمام لدى الكماليين إذ إنهم يطيلون التفكير كيف سيبدون عند النجاح أو الفشل في تلك المهمة. وهذه مشكلة، فمن الصعب النجاح في القيام بشيء إذا لم نركز فيه، وعندما يفكر المرء بأي شيء آخر –وفي هذه الحالة يفكر الكمالي في نفسه- فإن هذا التفكير يشغل حيزًا من عقله بينما يفترض أن يكون إتمام المهمة ما يشغله.

    السبب الآخر هو أن الشخص الكمالي يؤمن بأن المشروع الذي يقوم به يجب أن يكون أفضل ما أنجزه حتى الآن، وخير مثال على ذلك هو الكاتبة إليزابيث تالينت التي بدأت مشوارها في الكتابة بثقة كبيرة بالنفس، إذ نشرت مجموعتَها القصصية الأولى دارُ نشر مرموقة ونالت استحسان النقاد وهي لا تزال في أواخر العشرين من عمرها، ثم نشرت بعدها مجموعتين قصصيتين على مدى عشر سنين ثم لم تنشر شيئًا بعد ذلك لعقدين كاملين.





    الجانب المظلم للكمالية – السعي نحو الكمالية – السعي نحو المثالية – اللحاق بالمثاليات – للكمالية جوانب سيئة في الواقع وقد تصل إلى حد المرض أحيانًا



    وضحت تالينت معاناتها بميلها الخطير نحو الكمالية في سيرتها الذاتية (خدوش: مذكرات كمالية)، إذ كانت مقتنعة أنه بإمكانها التفوق على نفسها في كل محاولة لها، وكانت هذه القناعة في ظل نجوميتها مثل تفاحة مسمومة، فهي تقول في مذكراتها: «كانت المثالية التي تعيقني عن الكتابة تحمل مسيرتي بثقل كبيرة مضخمة نفسها، كنت قد انتهيت من كتابة أعظم ما كتبته في رحلتي التي تشبه تحليق سهم زينون».

    إن سهم زينون الذي عبرت به تالينت مجازًا عن رحلتها في الكتابة يعود إلى الفيلسوف الإغريقي زينون، الذي كان يقول إن السهم لن يصل إلى غايته أبدًا، لأنه أولًا يجب أن يقطع نصف المسافة إلى هدفه، وقبل ذلك نصف ذلك النصف وهكذا إلى اللا نهاية، وهكذا لن تصل إلى مبتغاك أبدًا لأن عليك أن تتجاوز عددًا لا نهائيًا من المراحل.

    كان زينون مخطئًا في رأيه حول إمكانية الحركة، ولكنه يرسم صورة واضحة عن ذهن الكمالي، أو ما قد يعد فخّه أيضًا. إذ يبدو الأمر وكأن الكمالي يحاول الوصول إلى الأفق الذي يبدو في المتناول ولكنه ليس كذلك في الواقع. وما يجعل النجاح أقل احتمالًا أيضًا هو نظرة الكمالي الرومنسية إلى النجاح، وأمله في سهولة الوصول إليه.

    كما في حالة تالينت وأملها في كتابة متقنة وجميلة وكأن القدرة على إبداعها ستنزل من السماء على صفحاتها، فهي تقول: «من الأوهام الأخرى التي تنتج عن كتابة شيء خارق الجمال هي نشره، وكما علمتني تجارب تلت ذلك بفترة قصيرة فإن تحول المسودة إلى كتاب مطبوع أمر مضنٍ».






    إن المشكلة هي أن الكماليين يتوقعون قدرتهم على التفوق على أنفسهم في المحاولة التالية وهو أمر مستبعد إحصائيًا مهما بذلوا من جهد في تلك المحاولة. إن أداءنا يكون قريبًا من المتوسط الخاص بنا غالبًا، ولكن مع مرور الوقت والمثابرة على المحاولة بإمكاننا رفع مستوى المتوسط فيصبح ما كان يومًا أعظم إنجازاتنا متوسط قدرتنا أو أقل ما يمكننا القيام به.

    إن الأشخاص الذين يبدؤون بدايات عظيمة –تفوق متوسطهم- كما في حالة تالينت معرضون للوقوع في هذا الخطأ، فهم يعتقدون أن بإمكانهم التفوق بسهولة على إنجاز كان غير متوقع قبل حدوثه. ولكن إذا حققت إنجازًا يفوق قدراتك فمن الصعب أن يتكرر النجاح نفسه في المحاولة التالية ناهيك عن التفوق عليه، تستطيع أن تحسن قدرتك مع الوقت مع تكرار المحاولات.

    إن الأمر أسوأ بالنسبة إلى الكماليين، إذ إن أي شيء يقلّ عن إنجازهم الأكبر يعدّ فشلًا مؤكدًا في مهمتهم، وتعبر تالينت عن هذه الفكرة بقولها: «إن الانتهاء من الصفحة الأولى والوقت الذي أضعته في سعيي وراء بداية رائعة للكتاب كانا سجني الذي احتجزت فيه في دوائر مغلقة انتهت فيها كل المحاولات بإخفاق كبير».

    هناك احتمالان وحيدان للعقل المصاب بالكمالية غير الصحية: الجمال الخارق أو الفشل الذريع. وهما ناتجان عن الدافع النفسي للكمالية، الذي كان في حالة تالينت برودة أمها تجاهها، إذ رفضت احتضان ابنتها عند ولادتها لأنها كانت مغطاة بالخدوش. كانت تالينت قد خدشت جسمها وهي في رحم أمها، وتخفي كلمات أمها «كنتِ مغطاة بالخدوش» كثيرة التكرار في الكتاب شعورًا بتجريم الذات، فقد شعرت تالينت بضرورة أن تكون مثالية لكي تعوض عن فعل خدشها لنفسها في رحم أمها.






    السؤال الأهم ليس عن كيفية تحول الكمالية إلى أمر غير صحي، بل عن كيفية تجنب التحول وإمكانية تحويله إلى الأمر الصحي المعاكس وهو الدافع إلى التفوق. إن الحل هو التقييم الواقعي للموقف، وإدراك تناقض ثنائية الفشل الذريع والنجاح الساحق في تحقيق الهدف.

    من المهم أيضًا الحذر من الإغراء الخفي لعقلية الكمالي ذاتية التدمير. قد تبدو هذه العقلية جذابة لنا، فهذا الضيق قد يبدو مهدئًا أحيانًا. يلجأ إليه البعض أحيانًا بعد إقناع أنفسهم بعدم جدوى محاولة التغيير، إذ إن جوهر هذه الحالة النفسية هو عدم القدرة على القيام بالأمور بطريقة مختلفة. تعبر تالينت عن ذلك في كتابها: «عندما كنت أخبر معالجي النفسي مرارًا بأن الكمالية كانت تقتلني، كان الحرمان منها يناسبني، فقد كان المرض عذري. أشعر بالأسف الشديد لأنني لم أرق إلى نجاحي الموعود، وروحيًا كانت الكمالية موطني».

    يجب مقاومة هذا الميل إلى تآلف المرء مع كماليته، فالكمالية غير الصحية تبدأ حينها، بالوعود الآسرة بالنجاح في المستقبل القريب جدًا، فلا يمكننا الإيمان بهذا النجاح الموعود لفترة طويلة قبل أن نكتشف أنه كان خطأ.

    يتحول هذا الافتتان تدريجيًا إلى شيء مختلف ألا وهو تقبّل المرء لكونه كماليًا، وتأكده من الفشل. تبدأ بإقناع نفسك بأنك إذا لم تحدث تأثيرًا خارقًا فلا جدوى من محاولة القيام بأي شيء. ولكن هذا غير محتمل، يتوصل الكمالي إلى قرار عدم المحاولة، فما الجدوى من محاولة القيام بشيء يعد فشلًا بالنسبة لمعاييرك؟ توصلنا الكمالية إلى العجز في هذه المرحلة وتقتلنا ببطء.






    ربما لو استمرت تالينت بمحاولة الكتابة في العقدين الذين توقفت فيهما عن الكتابة لكانت قد تفوقت على إنجازها السابق، ليس في المحاولة الأولى أو الثانية أو الثالثة ولكنها كانت ستتمكن من ذلك في نهاية المطاف.

    الكمالية غير الصحية ليست رغبة في الكمال ببساطة، بل في النجاح المتواصل دون أي فترات من الفشل أو بدايات خاطئة، هي توق إلى عظمة تزداد بثبات يكون فيها كل إنجاز متفوقًا على الإنجازات السابقة، وهذا لا يقدر عليه البشر ببساطة.

    يتحدث ويليام لينش في كتابه (صور للأمل) عن الكمالية التي كان يعانيها، وعن ميل الكمالي إلى التركيز على نفسه بدلًا من التركيز على المهمة التي يقوم بها، وعن لومه لنفسه بقسوة موجهًا طاقة ضرورية للنجاح في المهمة إلى انتقاد وجلد غير مفيد للذات، ويصف لينش القدرة على التغلب على الكمالية المدمرة بطريقة جميلة بقوله: «القدرة على تجنب الحكم على الذات هي أفضل ما يمكن للإنسان القيام به. التسامي عن الحكم على أهمية وجودة الأمور التي يقوم بها هو الانتصار الذي نحتاجه في وقتنا هذا. علينا نتوقف عن جلدنا أنفسنا».

    من النصائح الشائعة ألّا تكون إجابة المتقدمين على عمل ما عن سؤال مقابلات العمل الشهير (ما أكبر نقاط ضعفك؟) «الكمالية»، فالكمالية ليست نقطة ضعف، وإظهار نفسك بمظهر الكامل لن يقربك من نيل الوظيفة.






    للكمالية جوانب سيئة في الواقع وقد تصل إلى حد المرض أحيانًا.

    تحفز الكمالية في مظاهرها الصحية الطموح إلى التفوق، وهو الدافع الأساسي لسعي البشر إلى العظمة، إذ يصعب تخيل وصول أي شخص إلى مراحل احترافية في العزف أو الرقص أو الفن دون قرار منه بعدم القبول بجودة عادية لما يقوم به، وقد يصبح للكمالية أشكال أخرى غير صحية ومدمرة للذات أحيانًا، فالكمالية غير الصحية تجعلنا نقضي وقتًا أطول في الحزن بدلًا من المحاولة.

    هناك سببان أساسيان للكمالية غير الصحية التي يطلق البعض عليها أيضًا الكمالية العصابية، أولهما هو الميل إلى التفكير في انعكاس الفشل أو النجاح علينا في المهمة المطلوبة بدلاً من التركيز في المهمة نفسها، فعندما نقوم بشيء ما نعي بشكل أو بآخر فكرة أن النجاح أو الفشل فيه يظهر شيئًا عنا، عندما نركز في المهمة نفسها تصبح هذه الفكرة جانبية وتخرج عن دائرة التركيز، لكنها تبقى مركز الاهتمام لدى الكماليين إذ إنهم يطيلون التفكير كيف سيبدون عند النجاح أو الفشل في تلك المهمة. وهذه مشكلة، فمن الصعب النجاح في القيام بشيء إذا لم نركز فيه، وعندما يفكر المرء بأي شيء آخر –وفي هذه الحالة يفكر الكمالي في نفسه- فإن هذا التفكير يشغل حيزًا من عقله بينما يفترض أن يكون إتمام المهمة ما يشغله.

    السبب الآخر هو أن الشخص الكمالي يؤمن بأن المشروع الذي يقوم به يجب أن يكون أفضل ما أنجزه حتى الآن، وخير مثال على ذلك هو الكاتبة إليزابيث تالينت التي بدأت مشوارها في الكتابة بثقة كبيرة بالنفس، إذ نشرت مجموعتَها القصصية الأولى دارُ نشر مرموقة ونالت استحسان النقاد وهي لا تزال في أواخر العشرين من عمرها، ثم نشرت بعدها مجموعتين قصصيتين على مدى عشر سنين ثم لم تنشر شيئًا بعد ذلك لعقدين كاملين.





    الجانب المظلم للكمالية – السعي نحو الكمالية – السعي نحو المثالية – اللحاق بالمثاليات – للكمالية جوانب سيئة في الواقع وقد تصل إلى حد المرض أحيانًا



    وضحت تالينت معاناتها بميلها الخطير نحو الكمالية في سيرتها الذاتية (خدوش: مذكرات كمالية)، إذ كانت مقتنعة أنه بإمكانها التفوق على نفسها في كل محاولة لها، وكانت هذه القناعة في ظل نجوميتها مثل تفاحة مسمومة، فهي تقول في مذكراتها: «كانت المثالية التي تعيقني عن الكتابة تحمل مسيرتي بثقل كبيرة مضخمة نفسها، كنت قد انتهيت من كتابة أعظم ما كتبته في رحلتي التي تشبه تحليق سهم زينون».

    إن سهم زينون الذي عبرت به تالينت مجازًا عن رحلتها في الكتابة يعود إلى الفيلسوف الإغريقي زينون، الذي كان يقول إن السهم لن يصل إلى غايته أبدًا، لأنه أولًا يجب أن يقطع نصف المسافة إلى هدفه، وقبل ذلك نصف ذلك النصف وهكذا إلى اللا نهاية، وهكذا لن تصل إلى مبتغاك أبدًا لأن عليك أن تتجاوز عددًا لا نهائيًا من المراحل.

    كان زينون مخطئًا في رأيه حول إمكانية الحركة، ولكنه يرسم صورة واضحة عن ذهن الكمالي، أو ما قد يعد فخّه أيضًا. إذ يبدو الأمر وكأن الكمالي يحاول الوصول إلى الأفق الذي يبدو في المتناول ولكنه ليس كذلك في الواقع. وما يجعل النجاح أقل احتمالًا أيضًا هو نظرة الكمالي الرومنسية إلى النجاح، وأمله في سهولة الوصول إليه.

    كما في حالة تالينت وأملها في كتابة متقنة وجميلة وكأن القدرة على إبداعها ستنزل من السماء على صفحاتها، فهي تقول: «من الأوهام الأخرى التي تنتج عن كتابة شيء خارق الجمال هي نشره، وكما علمتني تجارب تلت ذلك بفترة قصيرة فإن تحول المسودة إلى كتاب مطبوع أمر مضنٍ».






    إن المشكلة هي أن الكماليين يتوقعون قدرتهم على التفوق على أنفسهم في المحاولة التالية وهو أمر مستبعد إحصائيًا مهما بذلوا من جهد في تلك المحاولة. إن أداءنا يكون قريبًا من المتوسط الخاص بنا غالبًا، ولكن مع مرور الوقت والمثابرة على المحاولة بإمكاننا رفع مستوى المتوسط فيصبح ما كان يومًا أعظم إنجازاتنا متوسط قدرتنا أو أقل ما يمكننا القيام به.

    إن الأشخاص الذين يبدؤون بدايات عظيمة –تفوق متوسطهم- كما في حالة تالينت معرضون للوقوع في هذا الخطأ، فهم يعتقدون أن بإمكانهم التفوق بسهولة على إنجاز كان غير متوقع قبل حدوثه. ولكن إذا حققت إنجازًا يفوق قدراتك فمن الصعب أن يتكرر النجاح نفسه في المحاولة التالية ناهيك عن التفوق عليه، تستطيع أن تحسن قدرتك مع الوقت مع تكرار المحاولات.

    إن الأمر أسوأ بالنسبة إلى الكماليين، إذ إن أي شيء يقلّ عن إنجازهم الأكبر يعدّ فشلًا مؤكدًا في مهمتهم، وتعبر تالينت عن هذه الفكرة بقولها: «إن الانتهاء من الصفحة الأولى والوقت الذي أضعته في سعيي وراء بداية رائعة للكتاب كانا سجني الذي احتجزت فيه في دوائر مغلقة انتهت فيها كل المحاولات بإخفاق كبير».

    هناك احتمالان وحيدان للعقل المصاب بالكمالية غير الصحية: الجمال الخارق أو الفشل الذريع. وهما ناتجان عن الدافع النفسي للكمالية، الذي كان في حالة تالينت برودة أمها تجاهها، إذ رفضت احتضان ابنتها عند ولادتها لأنها كانت مغطاة بالخدوش. كانت تالينت قد خدشت جسمها وهي في رحم أمها، وتخفي كلمات أمها «كنتِ مغطاة بالخدوش» كثيرة التكرار في الكتاب شعورًا بتجريم الذات، فقد شعرت تالينت بضرورة أن تكون مثالية لكي تعوض عن فعل خدشها لنفسها في رحم أمها.






    السؤال الأهم ليس عن كيفية تحول الكمالية إلى أمر غير صحي، بل عن كيفية تجنب التحول وإمكانية تحويله إلى الأمر الصحي المعاكس وهو الدافع إلى التفوق. إن الحل هو التقييم الواقعي للموقف، وإدراك تناقض ثنائية الفشل الذريع والنجاح الساحق في تحقيق الهدف.

    من المهم أيضًا الحذر من الإغراء الخفي لعقلية الكمالي ذاتية التدمير. قد تبدو هذه العقلية جذابة لنا، فهذا الضيق قد يبدو مهدئًا أحيانًا. يلجأ إليه البعض أحيانًا بعد إقناع أنفسهم بعدم جدوى محاولة التغيير، إذ إن جوهر هذه الحالة النفسية هو عدم القدرة على القيام بالأمور بطريقة مختلفة. تعبر تالينت عن ذلك في كتابها: «عندما كنت أخبر معالجي النفسي مرارًا بأن الكمالية كانت تقتلني، كان الحرمان منها يناسبني، فقد كان المرض عذري. أشعر بالأسف الشديد لأنني لم أرق إلى نجاحي الموعود، وروحيًا كانت الكمالية موطني».

    يجب مقاومة هذا الميل إلى تآلف المرء مع كماليته، فالكمالية غير الصحية تبدأ حينها، بالوعود الآسرة بالنجاح في المستقبل القريب جدًا، فلا يمكننا الإيمان بهذا النجاح الموعود لفترة طويلة قبل أن نكتشف أنه كان خطأ.

    يتحول هذا الافتتان تدريجيًا إلى شيء مختلف ألا وهو تقبّل المرء لكونه كماليًا، وتأكده من الفشل. تبدأ بإقناع نفسك بأنك إذا لم تحدث تأثيرًا خارقًا فلا جدوى من محاولة القيام بأي شيء. ولكن هذا غير محتمل، يتوصل الكمالي إلى قرار عدم المحاولة، فما الجدوى من محاولة القيام بشيء يعد فشلًا بالنسبة لمعاييرك؟ توصلنا الكمالية إلى العجز في هذه المرحلة وتقتلنا ببطء.






    ربما لو استمرت تالينت بمحاولة الكتابة في العقدين الذين توقفت فيهما عن الكتابة لكانت قد تفوقت على إنجازها السابق، ليس في المحاولة الأولى أو الثانية أو الثالثة ولكنها كانت ستتمكن من ذلك في نهاية المطاف.

    الكمالية غير الصحية ليست رغبة في الكمال ببساطة، بل في النجاح المتواصل دون أي فترات من الفشل أو بدايات خاطئة، هي توق إلى عظمة تزداد بثبات يكون فيها كل إنجاز متفوقًا على الإنجازات السابقة، وهذا لا يقدر عليه البشر ببساطة.

    يتحدث ويليام لينش في كتابه (صور للأمل) عن الكمالية التي كان يعانيها، وعن ميل الكمالي إلى التركيز على نفسه بدلًا من التركيز على المهمة التي يقوم بها، وعن لومه لنفسه بقسوة موجهًا طاقة ضرورية للنجاح في المهمة إلى انتقاد وجلد غير مفيد للذات، ويصف لينش القدرة على التغلب على الكمالية المدمرة بطريقة جميلة بقوله: «القدرة على تجنب الحكم على الذات هي أفضل ما يمكن للإنسان القيام به. التسامي عن الحكم على أهمية وجودة الأمور التي يقوم بها هو الانتصار الذي نحتاجه في وقتنا هذا. علينا نتوقف عن جلدنا أنفسنا».

يعمل...
X