الحب دون التزام.. هل هو حب حقاً؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحب دون التزام.. هل هو حب حقاً؟

    لم يعد الالتزام رائجًا حاليًا؛ بل يبدو أن العلاقات الخالية منه في ازدياد، وباتت كلمة «أحبك» تعني «أريد أن أكون معك اليوم» لأن الغد قد يحمل فرصةً أفضل ولا بدّ من اغتنامها! جعلت تطبيقات المواعدة مقابلة أشخاص جدد أمرًا سهلًا إلى حد ما، فلماذا لا نتمتع بهذه الأفضلية؟ ولماذا نحرم أنفسنا من فرصة لقاء شخص جديد قد يكون أكثر إثارة للاهتمام؟ كلها أسئلة عززت رغبة المرء بعلاقة خالية من الالتزام لا يُلام فيها على تعدد شركائه عبر الهرب من تقديم أي وعود.






    يجب هنا تسليط الضوء أيضًا على الشعور بالوحدة الناتج عن عدم الالتزام، ونبدأ بذلك عبر توضيح الفرق بين الوقوع في الحب والحب الناضج.

    تبقى مكنونات الشخص الذي نقع في حبه غامضةً في البداية؛ فنحاول غالبًا تخمين أفكار الطرف الآخر ومشاعره واهتماماته بصورة غير مباشرة بواسطة التحدث إلى أصدقائنا الذين يعرفون حقيقة مشاعرنا أو التجسس على الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

    نتيجة هذا الغموض وعدم القدرة على معرفة ما يجول في عقل الآخر، لا نحصل على الطمأنينة التي نسعى إليها في علاقتنا مع الآخر، ومن ثم نشعر بالغيرة وعدم الأمان، لأننا لا نعرف هذا الشخص جيدًا بما يكفي لكشف المخاطر.

    يؤكد الروائي جورج إليوت ميل الفرد إلى رؤية الاهتمام الرومانسي ضمن إطار الغموض عند شعوره بالغيرة في المراحل الأولى من العلاقة، إذ يقول: «لا يمكن إرضاء الغيرة إلا بالمعرفة الكاملة التي تكشف أعمق خبايا القلب».








    من أين جاء هذا التطفل؟

    يقترح مارسيل بروست أننا في الواقع لا نعرف سوى القليل عن عقول الآخرين، لكننا لا نلاحظ ذلك نتيجة عدم اهتمامنا عمومًا بأفكار معظم الناس ومشاعرهم، ونكتشف جهلنا بمجرد أن نصبح مهتمين بطريقة جدية؛ أي عندما نقع في الحب.

    عندما يخضع موضوع الحب للتأويل والتفسير المستمرين بهذه الطريقة، يبقى «الآخر» غامضًا مع أفكاره المخفية ودوافعه المجهولة المتروكة للتخمين، ومن ثم تحول عدم قابلية اختراق عقل الآخر في هذه المرحلة دون وجود العلاقة الحميمية. لهذا السبب، فإن الوقوع في الحب والحب نفسه أمران مختلفان تمامًا!






    قد تشعر في هذه المرحلة المبكرة بالسعادة العارمة عندما يخاطبك الآخر مستخدمًا اسمك أو كلمة «أنت»، ولا يتمحور الاهتمام الرومانسي في تلك اللحظة حول شخص آخر غامض نحاول فهمه من وجهة نظر خارجية؛ بل حول فكرة تحدّث شخص آخر إلينا؛ إذ يمنحنا التعامل المباشر بهذه الطريقة الأمل في قراءة عقل الآخر مستقبلًا، ومن ثم يظهر الأمل بالحب عبر هذا الباب الضيق الذي فُتح وحقق تواصلًا وانجذابًا بينكما.

    إذا حالفك الحظ وتطورت العلاقة، سوف تحتاج إلى تقليل اعتمادك على الأدلة غير المباشرة حول أفكار شريكك ودوافعه، وأن تقبل ببساطة ما يقوله الآخر لك. تتطور الثقة، وتلعب محادثاتكما دورًا رئيسيًا في هذا التطور الذي قد يصل إلى مرحلة تعرف فيها شريكك لدرجة لا تحتاج هذه المحادثة -التي كانت أساسيةً في المرحلة الأولى- وتصبحان قادرين على «قراءة» بعضكما والتنعّم بالصمت الذي يصبح نفسه حميميًا.

    يظهر أمر آخر عندما نجد الحب: مُركّب من الحبيبين، أو ما يسمّى كلمة «نحن». يمكن استخدام كلمة نحن في سياقات مختلفة، لكن تُعتبر هنا بمثابة ضمير الحميمية الرومانسية الذي يستمر ويدوم على عكس التحالفات المؤقتة التي نعقدها في حياتنا اليومية؛ إذ يتشارك الحبيبان الرومانسيان في وضع الخطط المهمة ويفكران فيما سيفعلان معًا، ضمن إطار العمل الجماعي الذي يجعل شخصين بمثابة زوجين ويلغي شعورهما بالوحدة لأنهما عثرا على الحب.

    عندما يختفي الحب أحيانًا، قد يقول أحد الشريكين: «سنتمكن نحن من حل المشكلة»، ويرد عليه الآخر: «لا يوجد ما تسميه نحن»، مدعيًا أن المُركّب قد تفكك، وأن الحب قد توقف عن العمل كغراء يربط بين العاشقين، ومن ثم يصبحان منفصلين ومستقلين تمامًا مرةً أخرى.






    ما يجب توضيحه هنا هو عدم القدرة على منح «نحن الحميمية» فرصةً للوجود دون التزام؛ فعندما يحافظ العاشقان على خياراتهما مفتوحةً، يَبقيان في المقابل داخل حالة انفصال يبحث ضمنها كل منهما في نهاية المطاف عن نفسه/نفسها فقط، ويمكن لأي منهما أن يخطط لمستقبله مع استبعاد الطرف الآخر، ومن ثم لا يصل الحب إلى حالة الاكتمال، ويبقى العاشقان وحيدين.

    تجدر الإشارة أيضًا إلى عجز ذي مشاعر الغيرة الشديدة أحيانًا عن تكوين مُركّب مع من يكنّ له/لها المشاعر، بسبب استمرار تفسيره وتخمينه ما يدور في عقل الآخر دون توقف، ما يزيد التباعد بينهما ويمنع العلاقة من التقدم إلى ما بعد المرحلة الأولية التي يعتبر فيها الطرفان (أو طرف واحد) اختراق عقل الآخر أمرًا مستحيلًا.

    متى الوقت المناسب للالتزام؟

    إن افتراض صحة الاعتبارات السابقة كلها لا يلغي خطر الالتزام المبكر للغاية –تجاه الشخص الخطأ أحيانًا- وما قد يحمله من فشل وبؤس للعلاقة. على أي حال، يبقى عدم الرغبة في الالتزام مصدر الخطر الأكبر غالبًا، وسيكشف مرور الوقت صحّة المخاطرة -إن اتخذتها- من خطئها. قد لا يكون هذا الآخر توأم روحك وقد تفشل في العثور على الحب، لكن عدم التزامك أبدًا يعني بقاءك وحيدًا إلى الأبد؛ لأن توأم الروح ليس مجرد شخص تتفق معه جيدًا؛ بل شخصًا تلتزمه ويلتزمك.


    م يعد الالتزام رائجًا حاليًا؛ بل يبدو أن العلاقات الخالية منه في ازدياد، وباتت كلمة «أحبك» تعني «أريد أن أكون معك اليوم» لأن الغد قد يحمل فرصةً أفضل ولا بدّ من اغتنامها! جعلت تطبيقات المواعدة مقابلة أشخاص جدد أمرًا سهلًا إلى حد ما، فلماذا لا نتمتع بهذه الأفضلية؟ ولماذا نحرم أنفسنا من فرصة لقاء شخص جديد قد يكون أكثر إثارة للاهتمام؟ كلها أسئلة عززت رغبة المرء بعلاقة خالية من الالتزام لا يُلام فيها على تعدد شركائه عبر الهرب من تقديم أي وعود.






    يجب هنا تسليط الضوء أيضًا على الشعور بالوحدة الناتج عن عدم الالتزام، ونبدأ بذلك عبر توضيح الفرق بين الوقوع في الحب والحب الناضج.

    تبقى مكنونات الشخص الذي نقع في حبه غامضةً في البداية؛ فنحاول غالبًا تخمين أفكار الطرف الآخر ومشاعره واهتماماته بصورة غير مباشرة بواسطة التحدث إلى أصدقائنا الذين يعرفون حقيقة مشاعرنا أو التجسس على الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

    نتيجة هذا الغموض وعدم القدرة على معرفة ما يجول في عقل الآخر، لا نحصل على الطمأنينة التي نسعى إليها في علاقتنا مع الآخر، ومن ثم نشعر بالغيرة وعدم الأمان، لأننا لا نعرف هذا الشخص جيدًا بما يكفي لكشف المخاطر.

    يؤكد الروائي جورج إليوت ميل الفرد إلى رؤية الاهتمام الرومانسي ضمن إطار الغموض عند شعوره بالغيرة في المراحل الأولى من العلاقة، إذ يقول: «لا يمكن إرضاء الغيرة إلا بالمعرفة الكاملة التي تكشف أعمق خبايا القلب».








    من أين جاء هذا التطفل؟

    يقترح مارسيل بروست أننا في الواقع لا نعرف سوى القليل عن عقول الآخرين، لكننا لا نلاحظ ذلك نتيجة عدم اهتمامنا عمومًا بأفكار معظم الناس ومشاعرهم، ونكتشف جهلنا بمجرد أن نصبح مهتمين بطريقة جدية؛ أي عندما نقع في الحب.

    عندما يخضع موضوع الحب للتأويل والتفسير المستمرين بهذه الطريقة، يبقى «الآخر» غامضًا مع أفكاره المخفية ودوافعه المجهولة المتروكة للتخمين، ومن ثم تحول عدم قابلية اختراق عقل الآخر في هذه المرحلة دون وجود العلاقة الحميمية. لهذا السبب، فإن الوقوع في الحب والحب نفسه أمران مختلفان تمامًا!






    قد تشعر في هذه المرحلة المبكرة بالسعادة العارمة عندما يخاطبك الآخر مستخدمًا اسمك أو كلمة «أنت»، ولا يتمحور الاهتمام الرومانسي في تلك اللحظة حول شخص آخر غامض نحاول فهمه من وجهة نظر خارجية؛ بل حول فكرة تحدّث شخص آخر إلينا؛ إذ يمنحنا التعامل المباشر بهذه الطريقة الأمل في قراءة عقل الآخر مستقبلًا، ومن ثم يظهر الأمل بالحب عبر هذا الباب الضيق الذي فُتح وحقق تواصلًا وانجذابًا بينكما.

    إذا حالفك الحظ وتطورت العلاقة، سوف تحتاج إلى تقليل اعتمادك على الأدلة غير المباشرة حول أفكار شريكك ودوافعه، وأن تقبل ببساطة ما يقوله الآخر لك. تتطور الثقة، وتلعب محادثاتكما دورًا رئيسيًا في هذا التطور الذي قد يصل إلى مرحلة تعرف فيها شريكك لدرجة لا تحتاج هذه المحادثة -التي كانت أساسيةً في المرحلة الأولى- وتصبحان قادرين على «قراءة» بعضكما والتنعّم بالصمت الذي يصبح نفسه حميميًا.

    يظهر أمر آخر عندما نجد الحب: مُركّب من الحبيبين، أو ما يسمّى كلمة «نحن». يمكن استخدام كلمة نحن في سياقات مختلفة، لكن تُعتبر هنا بمثابة ضمير الحميمية الرومانسية الذي يستمر ويدوم على عكس التحالفات المؤقتة التي نعقدها في حياتنا اليومية؛ إذ يتشارك الحبيبان الرومانسيان في وضع الخطط المهمة ويفكران فيما سيفعلان معًا، ضمن إطار العمل الجماعي الذي يجعل شخصين بمثابة زوجين ويلغي شعورهما بالوحدة لأنهما عثرا على الحب.

    عندما يختفي الحب أحيانًا، قد يقول أحد الشريكين: «سنتمكن نحن من حل المشكلة»، ويرد عليه الآخر: «لا يوجد ما تسميه نحن»، مدعيًا أن المُركّب قد تفكك، وأن الحب قد توقف عن العمل كغراء يربط بين العاشقين، ومن ثم يصبحان منفصلين ومستقلين تمامًا مرةً أخرى.






    ما يجب توضيحه هنا هو عدم القدرة على منح «نحن الحميمية» فرصةً للوجود دون التزام؛ فعندما يحافظ العاشقان على خياراتهما مفتوحةً، يَبقيان في المقابل داخل حالة انفصال يبحث ضمنها كل منهما في نهاية المطاف عن نفسه/نفسها فقط، ويمكن لأي منهما أن يخطط لمستقبله مع استبعاد الطرف الآخر، ومن ثم لا يصل الحب إلى حالة الاكتمال، ويبقى العاشقان وحيدين.

    تجدر الإشارة أيضًا إلى عجز ذي مشاعر الغيرة الشديدة أحيانًا عن تكوين مُركّب مع من يكنّ له/لها المشاعر، بسبب استمرار تفسيره وتخمينه ما يدور في عقل الآخر دون توقف، ما يزيد التباعد بينهما ويمنع العلاقة من التقدم إلى ما بعد المرحلة الأولية التي يعتبر فيها الطرفان (أو طرف واحد) اختراق عقل الآخر أمرًا مستحيلًا.

    متى الوقت المناسب للالتزام؟

    إن افتراض صحة الاعتبارات السابقة كلها لا يلغي خطر الالتزام المبكر للغاية –تجاه الشخص الخطأ أحيانًا- وما قد يحمله من فشل وبؤس للعلاقة. على أي حال، يبقى عدم الرغبة في الالتزام مصدر الخطر الأكبر غالبًا، وسيكشف مرور الوقت صحّة المخاطرة -إن اتخذتها- من خطئها. قد لا يكون هذا الآخر توأم روحك وقد تفشل في العثور على الحب، لكن عدم التزامك أبدًا يعني بقاءك وحيدًا إلى الأبد؛ لأن توأم الروح ليس مجرد شخص تتفق معه جيدًا؛ بل شخصًا تلتزمه ويلتزمك.



    المصدر:ibelieveinsci
يعمل...
X