يمن (موسيقي في)
Yemen - Yémen
الموسيقى في اليمن
تعدّ الموسيقى واحدة من أهم الفنون في اليمن، ويعود التراث الموسيقي اليمني في جذوره إلى أبعد من العصر الجاهلي الذي كانت اليمن تغذي فيه الحجاز وأطراف الجزيرة العربية بالقيان (المغنون والمغنيات). وجرادتا عبد الله جدعان ليستا أول من غنى الغناء العربي لأنه يعود في جذوره إلى عهد عاد كما يقول القلقشندي.
لم تكن الموسيقى اليمنية قديمها وحديثها في يوم من الأيام أسيرة حدود اليمن، فانتقل جلها إلى الخليج والجزيرة العربية حتى صار فناً من فنونهما، بما فيها الغناء المتقن الذي شاع في الحجاز في زمن الخليفة عثمان بن عفانt بفضل المغني طويس اليمني الأصل كما يقول أحمد تيمور، ثم في زمن الأمويين والعباسيين. والغناء المتقن فن يمني مازال معمولاً به في اليمن حتى اليوم، وبناؤه الموسيقي يقوم على استهلال غنائي خال من الإيقاع يؤدى بأسلوب الموال، ثم يتحول في جزئه الثاني إلى الأداء بمرافقة الإيقاع الثقيل؛ ليصير هزجاً سريعاً بمرافقة الرقص في جزئه الثالث، وأشهر من غنى هذا اللون في اليمن الحارثي والسنيدار ومحمد مرشد ناجي.
استقت الموسيقى اليمنية مقوماتها من مصادر ثلاثة، وأول هذه المصادر هي الإيقاعات الموسيقية والأغاني الشعبية الخاصة بالبوادي والأرياف وأغاني البحر والألحان التراثية التي تعدّ جميعها اللبنة الأساسية في صياغة الألحان والأغاني في اليمن. والمصدر الثاني هو ألحان الخليج والجزيرة العربية التي تتشابه إلى حدّ بعيد في إيقاعاتها وصيغها مع الموسيقى اليمنية التي انتقلت إلى الخليج والجزيرة بالسماع والمشافهة وبانتقال المؤدين منها وإليها.
أما المصدر الثالث فهو الإيقاعات الإفريقية والهندية التي تأثرت بها، وهذه الإيقاعات وفدت إلى اليمن عن طريق المبادلات التجارية التي كان يقوم بها تجار اليمن والهنود والأفارقة. وقد طور الفنانون اليمنيون هذه الإيقاعات بما يلائم موسيقاهم، فطبعوها بطابعهم المحلي اليمني، مثال ذلك رقصة «الطنبورة» ورقصة «الباميلا» اللتان هما من أصل إفريقي، ورقصة «الزربادي» ذات الإيقاعات السريعة والملامح الهندية، ويعدّ الفنان محمد جمعة خان أول فنان نقل هذه الإيقاعات إلى الموسيقى اليمنية في مستهل القرن العشرين.
والتراث اليمني غني جداً، وقد قبس منه الفنانون اليمنيون شيئاً كثيراً، إضافة إلى إحيائه. ومن أبرز ألوانه الأهازيج التي ترافق الأعياد والاحتفالات والأعراس وما شابه ذلك. ثم الأغاني، وأنواعها كثيرة، والمتداول منها:
ـ أغاني «الجمالي»: وهي خاصة بالسفر، وترجع في أصولها إلى فن الحداء، ولغتها أقرب إلى الفصحى منها إلى العامية.
ـ أغاني «الكاسر»: ويؤديها البحارة، إما بغرض التجارة وإما الصيد.
ـ أغاني «بني مغراه»: وتؤدى في جنوبي اليمن بمرافقة الرقص، وهي خاصة بالفلاحين والمزارعين.
ـ أغاني «الزربادي»: وتؤدى بمرافقة الرقص، وتتميز باستعمال الآلات الإيقاعية والناي المعروف في اليمن باسم «المردوف»، ويتألف قالبها الفني من لازمة موسيقية ومذهب غنائي وأدوار، ويختلف إيقاع ألحان الأدوار عن إيقاع اللازمة والمذهب.
ـ أغاني «العوادي»: وهي تراثية ذات إيقاعات رتيبة تعتمد في نظمها على الشعر، وتؤدى بمرافقة العود. وهي خاصة بمنطقة حضرموت، والغناء الحضرمي شهد بواراً لغلبة الموسيقى الهندية عليه بسبب الجالية الهندية الكبيرة بحضرموت وفي أغلب المدن الساحلية ولاسيما في مدينتي عدن والمكلا، حتى صارت الأغنية الحضرمية صدى لألحان هندية أو للأغاني العربية البدائية، ولم تستعد أمجادها إلا على يدي الفنان أبي بكر المحضار عام 1965 الذي كوّن مع المطرب أبي بكر سالم بالفقيه ثنائياً رائعاً، فغنى له روائع مثل: «يا زارعين العنب» و«نار بعدك» و«سلم حتى لو بكف الإشارة» التي تجاوزت اليمن إلى مختلف بقاع الجزيرة العربية، وغناها مشاهير المطربين فيها.
ـ أغاني «الحدري»: أي وسط وادي حضرموت وأسفله وفيها ترنم الأبيات الشعرية ترنيماً يعتمد على المد، وهو غناء حزين ومؤثر.
ـ «الدان»: لون من الغناء يشبه الموال، وهو على نوعين: الدان الموقع، ويعتمد في الأداء على الكلام العامي والإيقاع، والدان المرسل، ويعتمد الشعر في الأداء بمرافقة آلة إيقاعية واحدة، وهو يشبه في أدائه غناء الموال الزهيري في جنوبي العراق.
ـ الموشحات [ر. الموشح (فن ـ)]: يجمع فنانو اليمن على أن الموشحات عرفت في اليمن قبل الأندلس، وإن أول من قال الموشح الشعري هو مقدم بن معافر اليمني، ومعافر هو حاكم «المعافر» التي هي اليوم «الحجرية». والموشحات اليمنية من الأعمال التراثية الدينية ذات الإيقاعات البطيئة، وهي على أنواع منها: اللحجي نسبة إلى لحج، وتؤدى فيها موقعة ومرسلة، واليافعي، وتشبه الغناء الديني المنتشر في السعودية، والصنعاني التي تحتاج إلى مهارة فائقة في الأداء.
ـ الصوت: مصطلح فني عرف عند العرب في العصر العباسي، وهو اليوم من أهم ألوان الغناء اليمني، ذكره الأصبهاني في كتاب «الأغاني»، فعدد أنغامه وإيقاعاته وطرق غنائه، وأورد بعض نصوصه، وذكره أيضاً صفي الدين الأرموي[ر] في كتابه «الأدوار»، مع تدوين لإيقاعاته وأنغامه بمصطلحات ذلك العصر الموسيقية، وقد اختفى غناء الصوت من الحياة الموسيقية بعد سقوط بغداد في القرن السابع الهجري على أيدي المغول، ولم يعد للظهور إلا في القرن الثاني عشر للهجرة، ولا يوجد دليل علمي على أن الصوت المعمول به اليوم هو نفسه الذي ذكره الأصبهاني على الرغم مما ذهب إليه الباحثون عن وجود روابط في أصولهما الغنائية، ويذكر كتاب «المقامات العربية» بأن فن الصوت نشأ في حضرموت، ونقله إلى البحرين وبعض دول الخليج الفنان عبد الرحيم العسيري، وأخذه عنه الفنان محمد فارس البحريني، وهذا لقنه ضاحي بن الوليد والقطري خيري بن إدريس.
والصوت على نوعين: عربي وشامي، والعربي ما كان مقياسه الموسيقي 6/4، والشامي 4/4، وكلاهما يؤديان بمرافقة العود، حتى قيل: «لا صوت بدون العود»، إضافة إلى آلة المرواس الإيقاعية، ثم دخلت في غنائه آلة الكمان، ومن ثم أدخل محمد فارس في غنائه آلة القانون، ومع ذلك ظل العود الآلة الرئيسة في غنائه. والمقامات الموسيقية المستعملة فيه هي: الراست والبياتي والحجاز والسيكاه وغيرها. وهو فن ارتجالي آني يتدخل فيه مزاج المغني ونوعية المستمعين عند اختيار المؤدي للأسلوب الذي سينتهجه في أداء الصوت، ويستهل غناء الصوت عزفاً بالعود بما يشبه التقاسيم من المقام الذي يختاره المغني، ثم يبدأ الغناء بكلمة «ياليل» ليلفت انتباه المستمعين إليه، يعقبه بموال يكون مدخلاً إلى الصوت الذي سيغنيه على أن يكون الموال من الشعر القديم وأن يكون الصوت من النصوص القديمة أو البديلة منها من الشعر المنظوم لهذا الغرض، فيغني المغني عدداً من القصائد بلحن وإيقاع واحد لا يتغير، وبأصوات متجانسة فيما يخص أسلوبي الصوت العربي والشامي، وكما يبدأ الغناء بارتجالات على العود ينتهي بارتجالات مماثلة تدفع بالمستمع إلى التأمل عوضاً عن هتاف الإعجاب.
صنعاء ـ الأغنية الصنعائية: يعود تراث الغناء الصنعاني الذي يغطي جميع أرجاء اليمن إلى مئات السنين، ويتميز من غيره من الأغاني اليمنية، بنصوصه الملأى بالحكم والمعاني المعبرة عن القيم الاجتماعية والوطنية والدينية والغزلية النابعة من ضمير الشعب، وهذا ما دفع بالفنانين إلى الاهتمام به والحفاظ عليه وتجديده بالتأليف على غراره، وهذا التراث قديمه وجديده ظل يؤدى بآلات الطرب التقليدية القديمة التي عفا عليها الدهر، مثل القنبوس (القيثارة القديمة [ر. القيثارة]) والعود ذي الأوتار الأربعة المصنوع من الرق، والرباب والناي والمرواس (آلة إيقاعية) والطاسة النحاسية، وهي آلة إيقاعية تصنع من جلود الماعز وأطر نحاسية، والهاجر (الطبل الكبير) والسمسمية، وهي آلة موسيقية تتألف من قطعة خشبية مدورة ومجوفة تثبت فيها ثلاثة عيدان مستطيلة الشكل تشبه المثلث، تشد عليها خمسة أوتار، وكل وتر يصدر عنه نغمة واحدة بخلاف العود والرباب، ويتطلب العزف بها تدريباً طويلاً وشاقاً ليبرع العازف بها. وهذه الآلة عرفتها حضرموت قبل غيرها من المدن اليمنية، وجيء بها من ينبع في الحجاز في القرن الثالث الهجري.
ظلت هذه الآلات مجتمعة أو منفردة ترافق الغناء الصنعاني ولاسيما غناء الصوت والدان والأغاني الشعبية إلى أن تم تجديدها أو الاستغناء بغيرها منذ ستينيات القرن العشرين، فاستُبدل بالعود الرقي ذي الأوتار الأربعة العود الخشبي ذو الأوتار الخمسة، وبالرباب الكمان وبالمرواس الدربكة وبالطاسة الدف. ويعدّ محمد محمود الحارثي وأيوب طارش وأحمد السينيدار أشهر من أدى ألوان الغناء الصنعاني، وهؤلاء ورثوا فنونه من مشاهير الراحلين أمثال علي أبي بكر باشراحيل وإبراهيم الماس وعلي عوض الحراش وصالح العنزي وغيرهم. ولم يقف تطوير الفرقة الموسيقية عند هذا الحد لأن الفنان الحضرمي أبا بكر سالم بالفقيه قام بتجربة رائدة عندما استعمل الآلات الموسيقية الحديثة إضافة إلى العود، وغنى بمرافقة عشرين عازفاً أغنية «واه مغرد» الصنعانية بعد أن كانت تؤدى بمرافقة العود والطبل، ثم تعاون مع المغني وعازف العود أحمد فتحي والفرقة التي كونها في إحياء عدد من الأغنيات التراثية من مثل: «يا رسولي قم» و«ذا نسيم القرب نسنس» و«نسيم السحر» وغيرها، فأطلقا الأغنية الصنعانية من عقالها لتنطلق في رحاب الوطن العربي بالجديد الذي جاءا به. وأول من تأثر بتجربة بالفقيه فنانو الخليج والجزيرة ـ من مثل عوض الدوخي ومحمد بن فارس وطلال المداح ومحمد عبده وخالد الشيخ ـ الذين غنوا الأغاني الصنعانية بالأسلوب الجديد.
هذه التجربة سبقتها محاولة أخرى في لحج قامت على يدي الشاعر والملحن أحمد فضل القمندان الذي يعدّ باني النهضة الموسيقية في لحج قبل الاستقلال، فهو أول من اهتم بالموسيقى والغناء، فأسس في عهد شقيقه عبد الكريم فضل سلطان لحج أول مدرسة للموسيقى والغناء لتعليم العزف بالعود والرباب والكمان، وأنشأ فرقة موسيقية خاصة به، ودعم فرقتي ندوة الجنوب والندوة اللحجية الموسيقيتين. وتبنى معهما عدداً من المؤلفين والملحنين والمغنين والعازفين من مثل محمد اللحجي وسعد بن أحمد وفضل طفش وهادي سعد سالم وأحمد صالح علي. وقد ازدهر فن الغناء في عهده، وتابع ازدهاره فيما بعد بفضل الشاعر والملحن عبد الله هادي سبيت. وقد ابتدع تلميذ القمندان محمد اللحجي ألحاناً جديدة، أدت إلى ظهور عدد من الفرق الموسيقية التي لم تصمد طويلاً منها «فرقة الحوطة» التي أسسها الفنان محمد مرشد ناجي التي سجلت للإذاعة والتلفزيون فيضاً من الأغاني التراثية اللحجية. على الرغم من التقدم السريع الذي أحرزه الغناء الحديث فإن أغلب المغنين المعاصرين يفضلون أداء ألحان «القمندان»؛ إذ غنى له المطرب أحمد يوسف «غزلان في الوادي» وفيصل علوي رائعته «تاج شمسان»:
إذا رأيتَ على شمسان في عدنِ
تاجاً من المزنِ يروي المحلَ في تبنِ
قلْ للشَّبيبةِ نبغي هكذا لكمُ
تاجاً منَ العلمِ يمحي الجهلَ في اليمنِ
تولى اتحاد الفنانين بعد الاستقلال مسيرة النهضة الموسيقية في اليمن، فأسس عدداً كبيراً من الفرق الموسيقية التي نهضت بالموسيقى والغناء، ومازالت تعمل بجدّ لتواكب الحياة الموسيقية العربية، ويعد المطرب عبد الرب إدريس خير سفير للموسيقى اليمنية في الوطن العربي.
صميم الشريف
Yemen - Yémen
الموسيقى في اليمن
تعدّ الموسيقى واحدة من أهم الفنون في اليمن، ويعود التراث الموسيقي اليمني في جذوره إلى أبعد من العصر الجاهلي الذي كانت اليمن تغذي فيه الحجاز وأطراف الجزيرة العربية بالقيان (المغنون والمغنيات). وجرادتا عبد الله جدعان ليستا أول من غنى الغناء العربي لأنه يعود في جذوره إلى عهد عاد كما يقول القلقشندي.
لم تكن الموسيقى اليمنية قديمها وحديثها في يوم من الأيام أسيرة حدود اليمن، فانتقل جلها إلى الخليج والجزيرة العربية حتى صار فناً من فنونهما، بما فيها الغناء المتقن الذي شاع في الحجاز في زمن الخليفة عثمان بن عفانt بفضل المغني طويس اليمني الأصل كما يقول أحمد تيمور، ثم في زمن الأمويين والعباسيين. والغناء المتقن فن يمني مازال معمولاً به في اليمن حتى اليوم، وبناؤه الموسيقي يقوم على استهلال غنائي خال من الإيقاع يؤدى بأسلوب الموال، ثم يتحول في جزئه الثاني إلى الأداء بمرافقة الإيقاع الثقيل؛ ليصير هزجاً سريعاً بمرافقة الرقص في جزئه الثالث، وأشهر من غنى هذا اللون في اليمن الحارثي والسنيدار ومحمد مرشد ناجي.
استقت الموسيقى اليمنية مقوماتها من مصادر ثلاثة، وأول هذه المصادر هي الإيقاعات الموسيقية والأغاني الشعبية الخاصة بالبوادي والأرياف وأغاني البحر والألحان التراثية التي تعدّ جميعها اللبنة الأساسية في صياغة الألحان والأغاني في اليمن. والمصدر الثاني هو ألحان الخليج والجزيرة العربية التي تتشابه إلى حدّ بعيد في إيقاعاتها وصيغها مع الموسيقى اليمنية التي انتقلت إلى الخليج والجزيرة بالسماع والمشافهة وبانتقال المؤدين منها وإليها.
أما المصدر الثالث فهو الإيقاعات الإفريقية والهندية التي تأثرت بها، وهذه الإيقاعات وفدت إلى اليمن عن طريق المبادلات التجارية التي كان يقوم بها تجار اليمن والهنود والأفارقة. وقد طور الفنانون اليمنيون هذه الإيقاعات بما يلائم موسيقاهم، فطبعوها بطابعهم المحلي اليمني، مثال ذلك رقصة «الطنبورة» ورقصة «الباميلا» اللتان هما من أصل إفريقي، ورقصة «الزربادي» ذات الإيقاعات السريعة والملامح الهندية، ويعدّ الفنان محمد جمعة خان أول فنان نقل هذه الإيقاعات إلى الموسيقى اليمنية في مستهل القرن العشرين.
والتراث اليمني غني جداً، وقد قبس منه الفنانون اليمنيون شيئاً كثيراً، إضافة إلى إحيائه. ومن أبرز ألوانه الأهازيج التي ترافق الأعياد والاحتفالات والأعراس وما شابه ذلك. ثم الأغاني، وأنواعها كثيرة، والمتداول منها:
ـ أغاني «الجمالي»: وهي خاصة بالسفر، وترجع في أصولها إلى فن الحداء، ولغتها أقرب إلى الفصحى منها إلى العامية.
ـ أغاني «الكاسر»: ويؤديها البحارة، إما بغرض التجارة وإما الصيد.
ـ أغاني «بني مغراه»: وتؤدى في جنوبي اليمن بمرافقة الرقص، وهي خاصة بالفلاحين والمزارعين.
ـ أغاني «الزربادي»: وتؤدى بمرافقة الرقص، وتتميز باستعمال الآلات الإيقاعية والناي المعروف في اليمن باسم «المردوف»، ويتألف قالبها الفني من لازمة موسيقية ومذهب غنائي وأدوار، ويختلف إيقاع ألحان الأدوار عن إيقاع اللازمة والمذهب.
ـ أغاني «العوادي»: وهي تراثية ذات إيقاعات رتيبة تعتمد في نظمها على الشعر، وتؤدى بمرافقة العود. وهي خاصة بمنطقة حضرموت، والغناء الحضرمي شهد بواراً لغلبة الموسيقى الهندية عليه بسبب الجالية الهندية الكبيرة بحضرموت وفي أغلب المدن الساحلية ولاسيما في مدينتي عدن والمكلا، حتى صارت الأغنية الحضرمية صدى لألحان هندية أو للأغاني العربية البدائية، ولم تستعد أمجادها إلا على يدي الفنان أبي بكر المحضار عام 1965 الذي كوّن مع المطرب أبي بكر سالم بالفقيه ثنائياً رائعاً، فغنى له روائع مثل: «يا زارعين العنب» و«نار بعدك» و«سلم حتى لو بكف الإشارة» التي تجاوزت اليمن إلى مختلف بقاع الجزيرة العربية، وغناها مشاهير المطربين فيها.
ـ أغاني «الحدري»: أي وسط وادي حضرموت وأسفله وفيها ترنم الأبيات الشعرية ترنيماً يعتمد على المد، وهو غناء حزين ومؤثر.
ـ «الدان»: لون من الغناء يشبه الموال، وهو على نوعين: الدان الموقع، ويعتمد في الأداء على الكلام العامي والإيقاع، والدان المرسل، ويعتمد الشعر في الأداء بمرافقة آلة إيقاعية واحدة، وهو يشبه في أدائه غناء الموال الزهيري في جنوبي العراق.
ـ الموشحات [ر. الموشح (فن ـ)]: يجمع فنانو اليمن على أن الموشحات عرفت في اليمن قبل الأندلس، وإن أول من قال الموشح الشعري هو مقدم بن معافر اليمني، ومعافر هو حاكم «المعافر» التي هي اليوم «الحجرية». والموشحات اليمنية من الأعمال التراثية الدينية ذات الإيقاعات البطيئة، وهي على أنواع منها: اللحجي نسبة إلى لحج، وتؤدى فيها موقعة ومرسلة، واليافعي، وتشبه الغناء الديني المنتشر في السعودية، والصنعاني التي تحتاج إلى مهارة فائقة في الأداء.
ـ الصوت: مصطلح فني عرف عند العرب في العصر العباسي، وهو اليوم من أهم ألوان الغناء اليمني، ذكره الأصبهاني في كتاب «الأغاني»، فعدد أنغامه وإيقاعاته وطرق غنائه، وأورد بعض نصوصه، وذكره أيضاً صفي الدين الأرموي[ر] في كتابه «الأدوار»، مع تدوين لإيقاعاته وأنغامه بمصطلحات ذلك العصر الموسيقية، وقد اختفى غناء الصوت من الحياة الموسيقية بعد سقوط بغداد في القرن السابع الهجري على أيدي المغول، ولم يعد للظهور إلا في القرن الثاني عشر للهجرة، ولا يوجد دليل علمي على أن الصوت المعمول به اليوم هو نفسه الذي ذكره الأصبهاني على الرغم مما ذهب إليه الباحثون عن وجود روابط في أصولهما الغنائية، ويذكر كتاب «المقامات العربية» بأن فن الصوت نشأ في حضرموت، ونقله إلى البحرين وبعض دول الخليج الفنان عبد الرحيم العسيري، وأخذه عنه الفنان محمد فارس البحريني، وهذا لقنه ضاحي بن الوليد والقطري خيري بن إدريس.
والصوت على نوعين: عربي وشامي، والعربي ما كان مقياسه الموسيقي 6/4، والشامي 4/4، وكلاهما يؤديان بمرافقة العود، حتى قيل: «لا صوت بدون العود»، إضافة إلى آلة المرواس الإيقاعية، ثم دخلت في غنائه آلة الكمان، ومن ثم أدخل محمد فارس في غنائه آلة القانون، ومع ذلك ظل العود الآلة الرئيسة في غنائه. والمقامات الموسيقية المستعملة فيه هي: الراست والبياتي والحجاز والسيكاه وغيرها. وهو فن ارتجالي آني يتدخل فيه مزاج المغني ونوعية المستمعين عند اختيار المؤدي للأسلوب الذي سينتهجه في أداء الصوت، ويستهل غناء الصوت عزفاً بالعود بما يشبه التقاسيم من المقام الذي يختاره المغني، ثم يبدأ الغناء بكلمة «ياليل» ليلفت انتباه المستمعين إليه، يعقبه بموال يكون مدخلاً إلى الصوت الذي سيغنيه على أن يكون الموال من الشعر القديم وأن يكون الصوت من النصوص القديمة أو البديلة منها من الشعر المنظوم لهذا الغرض، فيغني المغني عدداً من القصائد بلحن وإيقاع واحد لا يتغير، وبأصوات متجانسة فيما يخص أسلوبي الصوت العربي والشامي، وكما يبدأ الغناء بارتجالات على العود ينتهي بارتجالات مماثلة تدفع بالمستمع إلى التأمل عوضاً عن هتاف الإعجاب.
صنعاء ـ الأغنية الصنعائية: يعود تراث الغناء الصنعاني الذي يغطي جميع أرجاء اليمن إلى مئات السنين، ويتميز من غيره من الأغاني اليمنية، بنصوصه الملأى بالحكم والمعاني المعبرة عن القيم الاجتماعية والوطنية والدينية والغزلية النابعة من ضمير الشعب، وهذا ما دفع بالفنانين إلى الاهتمام به والحفاظ عليه وتجديده بالتأليف على غراره، وهذا التراث قديمه وجديده ظل يؤدى بآلات الطرب التقليدية القديمة التي عفا عليها الدهر، مثل القنبوس (القيثارة القديمة [ر. القيثارة]) والعود ذي الأوتار الأربعة المصنوع من الرق، والرباب والناي والمرواس (آلة إيقاعية) والطاسة النحاسية، وهي آلة إيقاعية تصنع من جلود الماعز وأطر نحاسية، والهاجر (الطبل الكبير) والسمسمية، وهي آلة موسيقية تتألف من قطعة خشبية مدورة ومجوفة تثبت فيها ثلاثة عيدان مستطيلة الشكل تشبه المثلث، تشد عليها خمسة أوتار، وكل وتر يصدر عنه نغمة واحدة بخلاف العود والرباب، ويتطلب العزف بها تدريباً طويلاً وشاقاً ليبرع العازف بها. وهذه الآلة عرفتها حضرموت قبل غيرها من المدن اليمنية، وجيء بها من ينبع في الحجاز في القرن الثالث الهجري.
ظلت هذه الآلات مجتمعة أو منفردة ترافق الغناء الصنعاني ولاسيما غناء الصوت والدان والأغاني الشعبية إلى أن تم تجديدها أو الاستغناء بغيرها منذ ستينيات القرن العشرين، فاستُبدل بالعود الرقي ذي الأوتار الأربعة العود الخشبي ذو الأوتار الخمسة، وبالرباب الكمان وبالمرواس الدربكة وبالطاسة الدف. ويعدّ محمد محمود الحارثي وأيوب طارش وأحمد السينيدار أشهر من أدى ألوان الغناء الصنعاني، وهؤلاء ورثوا فنونه من مشاهير الراحلين أمثال علي أبي بكر باشراحيل وإبراهيم الماس وعلي عوض الحراش وصالح العنزي وغيرهم. ولم يقف تطوير الفرقة الموسيقية عند هذا الحد لأن الفنان الحضرمي أبا بكر سالم بالفقيه قام بتجربة رائدة عندما استعمل الآلات الموسيقية الحديثة إضافة إلى العود، وغنى بمرافقة عشرين عازفاً أغنية «واه مغرد» الصنعانية بعد أن كانت تؤدى بمرافقة العود والطبل، ثم تعاون مع المغني وعازف العود أحمد فتحي والفرقة التي كونها في إحياء عدد من الأغنيات التراثية من مثل: «يا رسولي قم» و«ذا نسيم القرب نسنس» و«نسيم السحر» وغيرها، فأطلقا الأغنية الصنعانية من عقالها لتنطلق في رحاب الوطن العربي بالجديد الذي جاءا به. وأول من تأثر بتجربة بالفقيه فنانو الخليج والجزيرة ـ من مثل عوض الدوخي ومحمد بن فارس وطلال المداح ومحمد عبده وخالد الشيخ ـ الذين غنوا الأغاني الصنعانية بالأسلوب الجديد.
هذه التجربة سبقتها محاولة أخرى في لحج قامت على يدي الشاعر والملحن أحمد فضل القمندان الذي يعدّ باني النهضة الموسيقية في لحج قبل الاستقلال، فهو أول من اهتم بالموسيقى والغناء، فأسس في عهد شقيقه عبد الكريم فضل سلطان لحج أول مدرسة للموسيقى والغناء لتعليم العزف بالعود والرباب والكمان، وأنشأ فرقة موسيقية خاصة به، ودعم فرقتي ندوة الجنوب والندوة اللحجية الموسيقيتين. وتبنى معهما عدداً من المؤلفين والملحنين والمغنين والعازفين من مثل محمد اللحجي وسعد بن أحمد وفضل طفش وهادي سعد سالم وأحمد صالح علي. وقد ازدهر فن الغناء في عهده، وتابع ازدهاره فيما بعد بفضل الشاعر والملحن عبد الله هادي سبيت. وقد ابتدع تلميذ القمندان محمد اللحجي ألحاناً جديدة، أدت إلى ظهور عدد من الفرق الموسيقية التي لم تصمد طويلاً منها «فرقة الحوطة» التي أسسها الفنان محمد مرشد ناجي التي سجلت للإذاعة والتلفزيون فيضاً من الأغاني التراثية اللحجية. على الرغم من التقدم السريع الذي أحرزه الغناء الحديث فإن أغلب المغنين المعاصرين يفضلون أداء ألحان «القمندان»؛ إذ غنى له المطرب أحمد يوسف «غزلان في الوادي» وفيصل علوي رائعته «تاج شمسان»:
إذا رأيتَ على شمسان في عدنِ
تاجاً من المزنِ يروي المحلَ في تبنِ
قلْ للشَّبيبةِ نبغي هكذا لكمُ
تاجاً منَ العلمِ يمحي الجهلَ في اليمنِ
تولى اتحاد الفنانين بعد الاستقلال مسيرة النهضة الموسيقية في اليمن، فأسس عدداً كبيراً من الفرق الموسيقية التي نهضت بالموسيقى والغناء، ومازالت تعمل بجدّ لتواكب الحياة الموسيقية العربية، ويعد المطرب عبد الرب إدريس خير سفير للموسيقى اليمنية في الوطن العربي.
صميم الشريف