يونان (موسيقي في)
Greece - Grèce
الموسيقى
قامت الموسيقى في حياة اليونان القدماء بدور مهم ولاسيما في أداء الطقوس الدينية، وتروي الأساطير أن هوميروس[ر] كان يعزف على القيثارة وهو يقص الإلياذة والأوديسة، واتفق فلاسفة اليونان ـ ومنهم: أفلاطون وأرسطو ـ على أن الموسيقى وسيلة فعالة لتهذيب أخلاق البشر في المجتمعات، وكان فيثاغورث[ر] Pythagoras ت(580ـ490 ق.م) أول منظر في تاريخ الموسيقى ولو أنه لم يكن موسيقياً، أما أول موسيقي يذكره التاريخ اليوناني، وربما أول موسيقي معروف في تاريخ الحضارة الإنسانية فقد كان تيرباندروس Terpandros (القرن السابع قبل الميلاد) الذي ألَّف أغاني كانت تعزف بمرافقة آلة أو آلتين قُدمت للمرة الأولى في الألعاب الدلفية نحو عام 675ق.م، وفي القرون التالية وفي العصر الذهبي للمسرح اليوناني (بين 500 ـ 350 ق.م) صارت الموسيقى أداة تعبير بيد الدراميين، واستعملت مرافقة لأغاني الجوقة في العمل الدرامي وأحياناً للتأثير الصوتي. وبالإمكان عدّ اسخيليوس[ر] وسوفوكليس[ر] ويوربيديوس[ر] موسيقيين حقيقيين، استعملوا في كتاباتهم المسرحية الحروف المائلة للتمييز بين ما هو محكي وما هو موزون وملحن، والآلات التي استخدمت في المسرح اليوناني كانت آلات نفخ (فلوت، ترومبيت، كور) وآلات وترية (قيثارة، هارب) ولكن الموسيقيين اليونانيين لم يعرفوا البوليفوني «الحديث» (الكتابة لأكثر من صوت). وبعد دخول المسيحية البلاد امتزجت الموسيقى اليونانية القديمة بطقوس الكنيسة البيزنطية التي ورثتها، وضمت إليها منها ما يناسبها، ولما كانت الحضارة الهيلينية ـ اليونانية قد امتدت إلى الشرق فإن تقاليد الموسيقى اليونانية القديمة كانت معروفة في سورية وفلسطين ومصر والعراق وإيران، وورثت الحضارة الإسلامية مثلما ورثت الكنيسة البيزنطية قبل ذلك تقاليد الموسيقى اليونانية القديمة، وذابت الموسيقى اليونانية نتيجة لذلك في موسيقى الحضارات المجاورة، واختفت لأكثر من ألف عام من على الخريطة الموسيقية ولاسيما بعد ما أغلقت التقاليد المتقشفة للكنيسة الشرقية عليها الباب، فلم تصلها رياح التغيير، وبقيت بعيدة عن التراتيل الغريغورية [ر. الغريغوري (الغناء ـ)] للكنيسة الغربية التي قادت إلى ما سمي في العصور الوسطى الفن الجديد Ars nova musicae. والموسيقى الفولكلورية اليونانية هي في الحقيقة مزيج من ألحان «بلقانية» (تركية، بلغارية، سلوفينية) لا يتسع المجال للتفصيل فيها، وقد تطورت عبر القرون من دون أن يكون لها علاقة بالماضي العريق للموسيقى اليونانية القديمة التي قدمها الدراميون اليونان. أما الموسيقى التقليدية فلم تر الضوء حتى القرن العشرين عندما ظهر جيل من المؤلفين اليونانيين حاولوا اللحاق بركب الموسيقى الغربية التقليدية، كان أولهم مانوليس كالوميريس Manolis Kalomiris ت(1883ـ1962) الذي درس في ڤيينا، وحاول بعد عودته إلى اليونان تأسيس مدرسة موسيقية يونانية وطنية على قواعد أوربية، وألَّف في هذا المجال ثلاث سمفونيات حاول أن يمزج فيها بين الموسيقى الفولكلورية اليونانية وتقاليد الموسيقى الأوربية، وتأثر به عدد من المؤلفين الذين درسوا في فرنسا مثل ميكيس ثيودوراكيس Mikis Theodorakis ت(1925) الذي يعد اليوم أحد أكبر المؤلفين في أوربا، ليس لأنه مؤلف موسيقى «زوربا» Zorba الشهيرة فقط، بل لمواقفه السياسية ودفاعه عن حقوق الشعوب المظلومة؛ إذ وقف في الستينيات من القرن العشرين ضد الديكتاتورية العسكرية في اليونان فسجن ونكل به، وفي السبعينيات ثار ضد الانقلاب العسكري في تشيلي، واتهمته الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من مرة بمعاداة السامية ولاسيما بعد بيانه الشهير الذي نُشر على صفحات الإنترنت عام 2002 بعنوان «تقرير» Statement الذي هاجم فيه إسرائيل ورئيس حكومتها شارون، واتهم الولايات المتحدة بأنها ـ بذريعة الحرب ضد الإرهاب ـ تسمح لحكومة إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وأدان الحرب على العراق ووصفها بأنها حرب همجية واستعمل كلمات قاسية قلما صدرت عن فنان أوربي، وتُعدّ أعماله اليوم ـ ولاسيما كانتاته وسمفونياته ـ من بين أفضل ما أنتجته الموسيقى الأوربية في السنوات الخمسين الأخيرة، ويختلف عنه مواطنه يانيس كسناكيس Iannis Xenakis ـ ت(1922ـ2001) الذي درس أيضاً في باريس وتتلمذ على يدي آرثر أونيغر [ر] وأوليفييه ميسيان[ر] ـ في ابتعاده عن الأسلوب التقليدي واستغلاله آخر ما وصلت إليه المدارس التجريبية من علوم، واستعماله الحاسوب في تأليف مصنفات لم تحقق نجاحاً كبيراً في صالات الموسيقى، ولكنها وجدت لنفسها مجالاً واسعاً في التلفاز والسينما، فاستخدمت خلفية صوتية للأفلام والمسلسلات، ويعتمد فن السينما اليوم وإلى حد كبير على المؤثرات الصوتية التي جاء بها أساتذة المدرسة التجريبية في الخمسينيات والستينيات والتي كان كسناكيس أحد أبرز ممثليها.
زيد الشريف
Greece - Grèce
الموسيقى
قامت الموسيقى في حياة اليونان القدماء بدور مهم ولاسيما في أداء الطقوس الدينية، وتروي الأساطير أن هوميروس[ر] كان يعزف على القيثارة وهو يقص الإلياذة والأوديسة، واتفق فلاسفة اليونان ـ ومنهم: أفلاطون وأرسطو ـ على أن الموسيقى وسيلة فعالة لتهذيب أخلاق البشر في المجتمعات، وكان فيثاغورث[ر] Pythagoras ت(580ـ490 ق.م) أول منظر في تاريخ الموسيقى ولو أنه لم يكن موسيقياً، أما أول موسيقي يذكره التاريخ اليوناني، وربما أول موسيقي معروف في تاريخ الحضارة الإنسانية فقد كان تيرباندروس Terpandros (القرن السابع قبل الميلاد) الذي ألَّف أغاني كانت تعزف بمرافقة آلة أو آلتين قُدمت للمرة الأولى في الألعاب الدلفية نحو عام 675ق.م، وفي القرون التالية وفي العصر الذهبي للمسرح اليوناني (بين 500 ـ 350 ق.م) صارت الموسيقى أداة تعبير بيد الدراميين، واستعملت مرافقة لأغاني الجوقة في العمل الدرامي وأحياناً للتأثير الصوتي. وبالإمكان عدّ اسخيليوس[ر] وسوفوكليس[ر] ويوربيديوس[ر] موسيقيين حقيقيين، استعملوا في كتاباتهم المسرحية الحروف المائلة للتمييز بين ما هو محكي وما هو موزون وملحن، والآلات التي استخدمت في المسرح اليوناني كانت آلات نفخ (فلوت، ترومبيت، كور) وآلات وترية (قيثارة، هارب) ولكن الموسيقيين اليونانيين لم يعرفوا البوليفوني «الحديث» (الكتابة لأكثر من صوت). وبعد دخول المسيحية البلاد امتزجت الموسيقى اليونانية القديمة بطقوس الكنيسة البيزنطية التي ورثتها، وضمت إليها منها ما يناسبها، ولما كانت الحضارة الهيلينية ـ اليونانية قد امتدت إلى الشرق فإن تقاليد الموسيقى اليونانية القديمة كانت معروفة في سورية وفلسطين ومصر والعراق وإيران، وورثت الحضارة الإسلامية مثلما ورثت الكنيسة البيزنطية قبل ذلك تقاليد الموسيقى اليونانية القديمة، وذابت الموسيقى اليونانية نتيجة لذلك في موسيقى الحضارات المجاورة، واختفت لأكثر من ألف عام من على الخريطة الموسيقية ولاسيما بعد ما أغلقت التقاليد المتقشفة للكنيسة الشرقية عليها الباب، فلم تصلها رياح التغيير، وبقيت بعيدة عن التراتيل الغريغورية [ر. الغريغوري (الغناء ـ)] للكنيسة الغربية التي قادت إلى ما سمي في العصور الوسطى الفن الجديد Ars nova musicae. والموسيقى الفولكلورية اليونانية هي في الحقيقة مزيج من ألحان «بلقانية» (تركية، بلغارية، سلوفينية) لا يتسع المجال للتفصيل فيها، وقد تطورت عبر القرون من دون أن يكون لها علاقة بالماضي العريق للموسيقى اليونانية القديمة التي قدمها الدراميون اليونان. أما الموسيقى التقليدية فلم تر الضوء حتى القرن العشرين عندما ظهر جيل من المؤلفين اليونانيين حاولوا اللحاق بركب الموسيقى الغربية التقليدية، كان أولهم مانوليس كالوميريس Manolis Kalomiris ت(1883ـ1962) الذي درس في ڤيينا، وحاول بعد عودته إلى اليونان تأسيس مدرسة موسيقية يونانية وطنية على قواعد أوربية، وألَّف في هذا المجال ثلاث سمفونيات حاول أن يمزج فيها بين الموسيقى الفولكلورية اليونانية وتقاليد الموسيقى الأوربية، وتأثر به عدد من المؤلفين الذين درسوا في فرنسا مثل ميكيس ثيودوراكيس Mikis Theodorakis ت(1925) الذي يعد اليوم أحد أكبر المؤلفين في أوربا، ليس لأنه مؤلف موسيقى «زوربا» Zorba الشهيرة فقط، بل لمواقفه السياسية ودفاعه عن حقوق الشعوب المظلومة؛ إذ وقف في الستينيات من القرن العشرين ضد الديكتاتورية العسكرية في اليونان فسجن ونكل به، وفي السبعينيات ثار ضد الانقلاب العسكري في تشيلي، واتهمته الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من مرة بمعاداة السامية ولاسيما بعد بيانه الشهير الذي نُشر على صفحات الإنترنت عام 2002 بعنوان «تقرير» Statement الذي هاجم فيه إسرائيل ورئيس حكومتها شارون، واتهم الولايات المتحدة بأنها ـ بذريعة الحرب ضد الإرهاب ـ تسمح لحكومة إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وأدان الحرب على العراق ووصفها بأنها حرب همجية واستعمل كلمات قاسية قلما صدرت عن فنان أوربي، وتُعدّ أعماله اليوم ـ ولاسيما كانتاته وسمفونياته ـ من بين أفضل ما أنتجته الموسيقى الأوربية في السنوات الخمسين الأخيرة، ويختلف عنه مواطنه يانيس كسناكيس Iannis Xenakis ـ ت(1922ـ2001) الذي درس أيضاً في باريس وتتلمذ على يدي آرثر أونيغر [ر] وأوليفييه ميسيان[ر] ـ في ابتعاده عن الأسلوب التقليدي واستغلاله آخر ما وصلت إليه المدارس التجريبية من علوم، واستعماله الحاسوب في تأليف مصنفات لم تحقق نجاحاً كبيراً في صالات الموسيقى، ولكنها وجدت لنفسها مجالاً واسعاً في التلفاز والسينما، فاستخدمت خلفية صوتية للأفلام والمسلسلات، ويعتمد فن السينما اليوم وإلى حد كبير على المؤثرات الصوتية التي جاء بها أساتذة المدرسة التجريبية في الخمسينيات والستينيات والتي كان كسناكيس أحد أبرز ممثليها.
زيد الشريف