المسرح الياباني Japan يتصف بتراثه العريق والمتنوع تمثيلية موسيقية راقصة .نبيل الحفار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسرح الياباني Japan يتصف بتراثه العريق والمتنوع تمثيلية موسيقية راقصة .نبيل الحفار

    يابان (مسرح في)

    Japan - Japon

    المسرح

    يتصف المسرح الياباني بتراثه العريق والمتنوع في عروض تمثيلية موسيقية راقصة، تتخللها ألعاب خفة وبهلوانيات متقنة. وحسب المدوَّنات التاريخية يعود هذا التراث المزدهر إلى ما قبل إعلان البوذية[ر] رسمياً إحدى ديانات اليابان إلى جانب الشينتوية[ر] وذلك في عام 538؛ مما أدى إلى الانفتاح على ثقافات البر الآسيوي المحيط وتَمثُّل بعض عناصرها محلياً. تعدّ عروض «كاغورا» Kagura أقدم فنون العرض اليابانية، ويرجح أنها تعود إلى بدايات التاريخ الياباني، وهي مرتبطة بشعائر الأضاحي والعبادة، لكنها تطورت عبر العصور إلى فنون عرض بلاطية مازالت موجودة حتى اليوم باسم «ميكاغورا» Mikagura، وهي نوع من المسرحيات الدينية الاحتفالية المتعلقة بحكايات الآلهة. ومن ناحية أخرى تطورت عناصرها الشعبية مع تضمينها مسرحيات الدمى والعرائس إلى ما يعرف اليوم باسم «ساتوكاغورا» Satukagura، وهي تقدم في المعابد الشينتوية. وفي القرن السابع الميلادي ظهر أول مسرح تمثيلي بمؤثرات بوذية تمكن من تجاوز الجوانب البدائية في العروض السابقة عليه، وعُرف باسم «غيغاكو» Gigaku واستخدم نحو 220 قناعاً خشبياً مختلفاً بقياس 30ـ40سم مازالت محفوظة في المتاحف. وهو نوع من الرقص التمثيلي الدرامي تعود أصوله إلى احتفالات آلهة الخصب الآسيوية، واكتسب بتطور الزمن عناصر ساخرة من المظاهر الحياتية بشقيها الديني والدنيوي. وفي المرحلة نفسها تبنى البلاط الياباني من البر الآسيوي شكل مسرح «بوغاكو» Bugaku الذي تضمن كثيراً من العناصر الدرامية التي تجلت في التعبير الرقصي حتى نهاية القرن الحادي عشر حين تقلص جانبه الدرامي، واستمر إلى اليوم في جانبه الرقصي. أما مسرح «سانغاكو» Sangaku فقد دخل اليابان من الصين في القرن الثامن، وانتشر بسرعة مدهشة ممهداً الطريق ـ بما يتضمنه من ألعاب الخفة والرقص البلهواني وعناصر التهريج الفاقعة ـ أمام ظهور مسرح «ساروغاكو» Sarugaku «الكوميدي» الساخر في القرن الرابع عشر، والذي استمد جُلَّ عناصره الرئيسية من الـ«كاغورا» التراثية متحولاً بالتدريج إلى مشاهد حوارية قصيرة ذات طابع نقدي مع تراجع اللعب والرقص، حتى صار مسرح تسلية بطابع شعبي يقدم في بلاطات الأمراء والملوك. ومن المرجح كذلك أن مسرح «دينغاكو» Dengaku الفلاحي قد ظهر في المرحلة نفسها متطوراً من رقصة «تاو ـ وِه ـ ماتسوري» Ta-ue-Matsuri التي كانت تؤدى في احتفالات زراعة شتلات الأرز وحصادها، وصار يُقدم منذ القرن الحادي عشر من قبل ممثلين محترفين؛ لكن المصادر لا تفصح عن مضامين عروض هذا النوع المسرحي الشعبي ـ الديني. ويرى الباحثون أن المسرحية الدينية الراقصة المسماة «شوشي» Shushi التي تقارب مفهوم «الأوبرا» الأوربي هي المهاد الذي انبثق منه مسرح «نو» أو Noh في القرن الرابع عشر.
    أدى رسوخ النظام الإقطاعي في اليابان منذ القرن الثاني عشر إلى تنوع أوسع مما سبق في أصناف فنون العرض المسرحية (الراقصة والدرامية)، ومع نمو استقلالية الأمراء الإقطاعيين وتبلور تقاليد طبقة محاربي الساموراي وأخلاقياتها نحو القرن الرابع عشر برز مسرح الـ«نو» شكلاً فنياً مهيمناً في جميع أنحاء اليابان ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتقاليد العرض مع مسرح «كيوغن» Kyogen الذي يعدّ بمنزلة الفواصل الهزلية بين فصول الـ«نو» المأساوية. وكانت عروض «نو+ كيوغن» تستغرق تقليدياً يوماً بأكمله إلى أن تقلص زمن العرض في القرن العشرين إلى نحو أربع ساعات موزعة على خمسة فصول مأساوية مختلفة الموضوعات، تتخللها أربعة فواصل هزلية بموضوعات متفرقة أيضاً. كما ثبت معمار مكان العرض بحيث بات منصة مربعة الشكل ترتفع من زواياها أربعة أعمدة تحمل سقف معبد شينتوي. ويمتد من يسار المنصة جسر ضيق محاط بأشجار الصنوبر يؤدي إلى «الكواليس» التي يخرج منها الممثل الرئيسي «شيتِه» Shite وتابعه «واكي» Waki ليعبرا الجسر على المنصة، وهما في أثناء العبور يعرّفان الجمهور بدوريهما، في حين يُحظَّر على بقية الشخصيات characters والشخوص figures استعمال هذا الجسر للظهور على المنصة. تستخدم شخصيات مسرح «نو» أقنعة خشبية مطلية بمساحات لونية تمثل طبيعة الشخصية، وترمز إلى حالات شعورية معيّنة حسب اتجاه القناع ودرجة ميلانه تبعاً لمصدر الضوء والجمهور. وفي المسرح الياباني التقليدي عامة لا يسمح للمرأة بالتمثيل منذ القرن السابع عشر، لكن الأمر اختلف في القرن العشرين مع دخول مؤثرات المسرح الغربي والسينما.
    يُعدّ مسرح «كابوكي» Kabuki ثمرة لازدهار بعض المدن تجارياً مع نشوء طبقة برجوازية ترغب في التفتح الثقافي، وتطمح إلى تلبية متطلباتها الترفيهية، وذلك منذ نهاية القرن السادس عشر. ومع نهاية القرن السابع عشر بلغ مسرح «كابوكي» ذروته الأولى في مشارب الشاي التي اتخذت معمارياً شكل مسرح يناسب عروض «الكابوكي»؛ وذلك بمنصة مستطيلة طولها ضعف عرضها، يمتد منها عند طرفي ضلعها الطويل المواجه للجمهور ممران يعبران الصالة حتى غرف الأزياء و«المكياج» الموجودة على جانبي مدخل الصالة. الممر الواقع على يسار الجمهور والمسمى «هاناميشي» Hanamichi عريض نسبياً يستعرض عليه الممثل قبل دخوله في دوره قدراته الحركية وزيه وقناعه وسيفه إن كان محارباً. وأرضية هذا الممر مصقولة ولمّاعة كالزجاج مثل أرضية المنصة. أما الممر الآخر فهو لخروج الممثلين نحو «الكواليس». ومنصة «الكابوكي» مزودة منذ تأسيسها بقرص دوَّار لتحريك جزء من المنظر (الديكور)، يحركه عمال المنصة من أسفلها حسب مبدأ الدواليب المسننة، كما أن أعلى المنصة مزود بجسور عدة لإسقاط ستائر تغطي جدار الخلفية بمناظر تلائم المشهد، إضافة إلى إمكانية إسقاط قفص كبير يمثل سجناً فردياً حسب ضرورة الحدث. وفي مكان سقوط القفص في الجهة اليمنى من المنصة يوجد في أرضية المنصة فتحة متحركة (فخّ) trapdoor لسقوط الممثل في حفرة أو بئر أو في جهنم. كما كانت منصة «الكابوكي» مزودة عند جانبيها بإمكانيات متطورة لتوليد مؤثرات صوتية وضوئية، لتمثيل الرعد والبرق مثلاً.
    والأداء التمثيلي في مسرحي «نو» و«كابوكي» مؤسلب غير واقعي، وكذلك الإلقاء الذي يقارب الغناء مع مرافقة موسيقية مستمرة. ويتميز زي الممثل في الـ«كابوكي» بالشعر المستعار الملون الذي يحمل صفة الشخصية، إضافة إلى أن ممثل «الكابوكي» يطلي قناع دوره على وجهه مباشرة، ولا يستخدم أقنعة جاهزة. وإذا كان مسرح الـ«النو» يقارب المأساة، فإن الـ«كابوكي» يقارب الملهاة مع بعض اللمسات المأساوية؛ أي «الكوميتراجيديا» Comitragedy بالمفهوم الغربي.
    يعدّ مسرح الدمى «بونراكو» Bunraku الدعامة الثالثة للمسرح الياباني التقليدي، وقد عاصر نشوؤه بدايةَ مسرح «النو». ولاعبو الدمى يظهرون أمام الجمهور بزي أسود كامل، ويبلغ طول الدمية بين 70ـ90سم، واللافت أن عروض هذا المسرح موجهة إلى جميع الفئات العمرية، وليس إلى الأطفال، كما قد يتبادر إلى الذهن، وقد صار له كتّابه المشهورون الذين يعتمدون في نصوصهم على عناصر خيالية على صعيد الأداء الحركي، لا يمكن تحقيقها فيزيائياً إلا من قبل شخصيات الدمى.
    أدت سنوات العزلة الطويلة التي فرضتها اليابان على نفسها بين القرون 17ـ19 إلى جمود مسارحها فنياً وتكرار موضوعاتها أدبياً. وقد أدت بعض محاولات التجديد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى ظهور هجين من الأشكال السائدة مثل «كابوكي الجديد» Shinkabuki أو «المدرسة الجديدة» Shimpageki التي لا تختلف عن أيّ مسرح تجاري ترفيهي من حيث الهدف. ومع مطلع القرن العشرين وبداية التصنيع الرأسمالي المتصاعد بسرعة والانفتاح على العالم مجدداً، ظهرت بوادر التأثر بالفن المسرحي بمفهومه الغربي، فترجمت بعض أعمال الكتّاب السوڤييت والأوربيين الغربيين والأمريكيين، كما زارت كثير من فرق المسرح و«الأوبرا» و«الباليه» اليابان، وأثرت في عملية تجديد مسرحها التي تجلت في حركة «المسرح الجديد» Shingeki عن طريق الاقتباس والتقليد أولاً، لكن تأثيرها بقي محدوداً حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية حين بات المسرح الواقعي الجديد أحد مظاهر الحياة الثقافية المسرحية جنباً إلى جنب مع الأنماط التقليدية الموروثة. وفي الوقت نفسه تأسست في اليابان مدارس ومعاهد عليا لتدريس التمثيل و«الدراما»، كما جرت محاولات ناجحة لتطوير فن التمثيل الغربي اعتماداً على نتائج المدارس القديمة «للنو» و«الكابوكي»، كما أقيمت في المدن اليابانية الكبرى مهرجانات دولية عدة للمسرح الحديث إلى جانب مهرجانات تخصصية مثل «مهرجان شكسبير الدولي في طوكيو».
    نبيل الحفار

يعمل...
X