يعقوبي (احمد اسحق)
Al-Ya’coubi (Ahmad ibn Ishaq-) - Al-Ya’coubi (Ahmad ibn Ishaq-)
اليعقوبي (أحمد بن إسحق ـ)
(… ـ 292هـ/… ـ 905م)
أحمد بن إسحق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي، مؤرخ وجغرافي من أهل بغداد، كان جدّه من موالي المنصور، وعُرف بـابن واضح الإخباري، والكاتب لأنه تحدّر من أسرة تحترف الكتابة الديوانية في دواوين الخلافة العباسية. وتختلف الروايات حول وفاته بين سنة 282 هـ في بعض الروايات، أو في سنة 284هـ حسب رواية ياقوت الحموي، ولكن شاكر مصطفى يرجح وفاته في سنة 292هـ/905م معتمداً على مقدمة فييت ناشر كتاب «البلدان».
اكتسب اليعقوبي من أسرته وعمله الثقافة إلى جانب الخبرة فضلاً عن الاتصال بالسلطة وما يؤدي إليه ذلك من استيعاب لمسائل قد لا تتاح لغيره. وكان كثير الترحال إلى المناطق البعيدة في شبابه طلباً للعلم والمعرفة، فذهب إلى المغرب، وأقام مدة في أرمينيا، ودخل الهند وزار الأقطار العربية.
تيسر لليعقوبي تأليف كتابه الثمين في الجغرافية «البلدان»، أو في الجغرافية التاريخية، الذي تضمن معلومات قيمة عن الأمصار والمدن والقبائل والاقتصاد، وأثرت هذه المعلومات بوضوح في كتابه في التاريخ المسمى «تاريخ اليعقوبي».
ويعدّ كتاب «البلدان» بداية ناجحة لنمط «المسالك والممالك»، إذ جمع فيه أخبار البلدان وفصل فيها مع المعلومات الجغرافية، فهو يشبه المسعودي في ذلك. ويعتبر كتاب «البلدان» أقدم ما وصلنا من نوعه من الكتب مع المعلومات الجغرافية، وإن كان هذا العنوان قد ورد على كتاب هشام بن محمد الكلبي سنة 204هـ، وكتب أخرى سبقت اليعقوبي. وكانت طبعته الأولى في ليدن سنة 1892م من قبل دي خويه De Goeje. مع كتاب «الأعلاق النفسية» لابن رستة، ثم طبع في مصر.
وقد وصلتنا من مؤلفات اليعقوبي رسالة صغيرة تسمى «مشاكلة الناس لزمانهم» طبعت كما يذكر شاكر مصطفى. وله كتاب «التاريخ» وهو موجز تاريخي منظم يتناول التاريخ العالمي منذ الخلق حتى سنة 259هـ/872م في خطة لابد من أنها احتاجت إلى قسط طيب من البحث لتحقيقها. وقد طبع كتابه عدة طبعات.
كان فهم اليعقوبي للتاريخ العالمي يتناول بجانب تاريخ الأنبياء وتاريخ الفرس والجاهلية تواريخ الأمم الأخرى القديمة من آشورية وبابلية وهنود ويونان ورومان وفراعنة وبربر وحبش وزنج وتُرك وصين. فهو من هذه الزاوية تاريخ عالمي حقيقي، وإن اصطبغ بعضه بالأسطورة بسبب ضيق المصادر وغلبة الخرافة فيها. وقد اهتم في هذه التواريخ بالجانب الحضاري أكثر من اهتمامه بالجانب السياسي. ولخص بقدر ما سمحت له معارفه ما كان لدى الناس في عصره من معلومات عن الأمم الأخرى القديمة، كما أظهر في مادته لوناً من ألوان امتزاج الثقافات في ذلك العصر.
وحين وصل اليعقوبي إلى التاريخ الإسلامي اختط لنفسه أن يذكر التقاويم الفارسية والرومية، وأن يورد تفاصيل فلكية في مطلع كل عهد تعين الخبراء في النجوم على تتبع مجرى الأحداث. وقد أشار أن مصدره في ذلك هو كتاب «طوالع السنين والأوقات لمؤلفه ما شاء الله الحاسب». كما يأخذ عن الخوارزمي المنجم.
ثم اختط اليعقوبي أن يسجل في ختام كل عهد أسماء الرجال الذين شاركوا فيه مع الخلفاء وأمراء الحج وقواد الحملات ومشاهير القضاة. حتى إذا قارب عصره أوجز في الأخبار جداً فلا تأخذ (ثورة الزنج) من اهتمامه إلا ملاحظات بسيطة، وهذا ما جعله يظهر أكثر علماً بالعهدين الأموي والعباسي الأول منه بعصره.
ومصادر اليعقوبي في تاريخه متعددة تظهر انتباهاً بارعاً (للمنهج التاريخي). فهو في قسم التاريخ القديم يرجع إلى المصادر الأصلية مثل التوراة. وحين يتحدث عن التاريخ الفارسي لا ينسى أن ينبه أن مادته أسطورية لا يوثق بها؛ ويأخذ عن المصادر اليونانية المترجمة حين يكتب عن الثقافة اليونانية.
واتبع في هذه المصادر نهجاً انتقائياً لأنه رأى أن ما رواه الأشياخ المتقدمون من العلماء والرواة وأصحاب السير والأخبار والتاريخيات متباين. فقد اختلفوا في أحاديثهم وأخبارهم في السنين والأعمار، ولذلك أخذ منهم بأجمع المقالات والروايات. ومصادره لهذا ذات ألون عديدة، فهي علوية تارة، وعباسية أخرى، ومدنية حيناً (عن الواقدي وابن إسحق)، وعراقية حيناً آخر (عن المدائني والهيثم بن عدي). وقد أخذ النسب عن ابن الكلبي، والفلك عن ما شاء الله الحاسب والخوارزمي الفلكي.
اتبع اليعقوبي في عرض مادته تسلسل العهود خليفة بعد خليفة، واتبع في عهد كل خليفة توالي السنين، وبذلك جمع بين أسلوبي العهود والحوليات. وأكثر اليعقوبي من إيراد الرسائل والخطب كنصوص سياسية ووثائق، وجاء أحياناً بمعلومات تاريخية تفرد بها.
ولم يستطع اليعقوبي أن يمنع ميوله من الظهور في تضاعيف الأسطر، فهو واضح الميل إلى علي وأولاده، حين يتحدث عن الراشدين والأمويين، ويكثر من إيراد أقوال أبناء علي وخطبهم وسيرهم مع المبالغة.
عبد الرحمن البيطار
Al-Ya’coubi (Ahmad ibn Ishaq-) - Al-Ya’coubi (Ahmad ibn Ishaq-)
اليعقوبي (أحمد بن إسحق ـ)
(… ـ 292هـ/… ـ 905م)
أحمد بن إسحق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي، مؤرخ وجغرافي من أهل بغداد، كان جدّه من موالي المنصور، وعُرف بـابن واضح الإخباري، والكاتب لأنه تحدّر من أسرة تحترف الكتابة الديوانية في دواوين الخلافة العباسية. وتختلف الروايات حول وفاته بين سنة 282 هـ في بعض الروايات، أو في سنة 284هـ حسب رواية ياقوت الحموي، ولكن شاكر مصطفى يرجح وفاته في سنة 292هـ/905م معتمداً على مقدمة فييت ناشر كتاب «البلدان».
اكتسب اليعقوبي من أسرته وعمله الثقافة إلى جانب الخبرة فضلاً عن الاتصال بالسلطة وما يؤدي إليه ذلك من استيعاب لمسائل قد لا تتاح لغيره. وكان كثير الترحال إلى المناطق البعيدة في شبابه طلباً للعلم والمعرفة، فذهب إلى المغرب، وأقام مدة في أرمينيا، ودخل الهند وزار الأقطار العربية.
تيسر لليعقوبي تأليف كتابه الثمين في الجغرافية «البلدان»، أو في الجغرافية التاريخية، الذي تضمن معلومات قيمة عن الأمصار والمدن والقبائل والاقتصاد، وأثرت هذه المعلومات بوضوح في كتابه في التاريخ المسمى «تاريخ اليعقوبي».
ويعدّ كتاب «البلدان» بداية ناجحة لنمط «المسالك والممالك»، إذ جمع فيه أخبار البلدان وفصل فيها مع المعلومات الجغرافية، فهو يشبه المسعودي في ذلك. ويعتبر كتاب «البلدان» أقدم ما وصلنا من نوعه من الكتب مع المعلومات الجغرافية، وإن كان هذا العنوان قد ورد على كتاب هشام بن محمد الكلبي سنة 204هـ، وكتب أخرى سبقت اليعقوبي. وكانت طبعته الأولى في ليدن سنة 1892م من قبل دي خويه De Goeje. مع كتاب «الأعلاق النفسية» لابن رستة، ثم طبع في مصر.
وقد وصلتنا من مؤلفات اليعقوبي رسالة صغيرة تسمى «مشاكلة الناس لزمانهم» طبعت كما يذكر شاكر مصطفى. وله كتاب «التاريخ» وهو موجز تاريخي منظم يتناول التاريخ العالمي منذ الخلق حتى سنة 259هـ/872م في خطة لابد من أنها احتاجت إلى قسط طيب من البحث لتحقيقها. وقد طبع كتابه عدة طبعات.
كان فهم اليعقوبي للتاريخ العالمي يتناول بجانب تاريخ الأنبياء وتاريخ الفرس والجاهلية تواريخ الأمم الأخرى القديمة من آشورية وبابلية وهنود ويونان ورومان وفراعنة وبربر وحبش وزنج وتُرك وصين. فهو من هذه الزاوية تاريخ عالمي حقيقي، وإن اصطبغ بعضه بالأسطورة بسبب ضيق المصادر وغلبة الخرافة فيها. وقد اهتم في هذه التواريخ بالجانب الحضاري أكثر من اهتمامه بالجانب السياسي. ولخص بقدر ما سمحت له معارفه ما كان لدى الناس في عصره من معلومات عن الأمم الأخرى القديمة، كما أظهر في مادته لوناً من ألوان امتزاج الثقافات في ذلك العصر.
وحين وصل اليعقوبي إلى التاريخ الإسلامي اختط لنفسه أن يذكر التقاويم الفارسية والرومية، وأن يورد تفاصيل فلكية في مطلع كل عهد تعين الخبراء في النجوم على تتبع مجرى الأحداث. وقد أشار أن مصدره في ذلك هو كتاب «طوالع السنين والأوقات لمؤلفه ما شاء الله الحاسب». كما يأخذ عن الخوارزمي المنجم.
ثم اختط اليعقوبي أن يسجل في ختام كل عهد أسماء الرجال الذين شاركوا فيه مع الخلفاء وأمراء الحج وقواد الحملات ومشاهير القضاة. حتى إذا قارب عصره أوجز في الأخبار جداً فلا تأخذ (ثورة الزنج) من اهتمامه إلا ملاحظات بسيطة، وهذا ما جعله يظهر أكثر علماً بالعهدين الأموي والعباسي الأول منه بعصره.
ومصادر اليعقوبي في تاريخه متعددة تظهر انتباهاً بارعاً (للمنهج التاريخي). فهو في قسم التاريخ القديم يرجع إلى المصادر الأصلية مثل التوراة. وحين يتحدث عن التاريخ الفارسي لا ينسى أن ينبه أن مادته أسطورية لا يوثق بها؛ ويأخذ عن المصادر اليونانية المترجمة حين يكتب عن الثقافة اليونانية.
واتبع في هذه المصادر نهجاً انتقائياً لأنه رأى أن ما رواه الأشياخ المتقدمون من العلماء والرواة وأصحاب السير والأخبار والتاريخيات متباين. فقد اختلفوا في أحاديثهم وأخبارهم في السنين والأعمار، ولذلك أخذ منهم بأجمع المقالات والروايات. ومصادره لهذا ذات ألون عديدة، فهي علوية تارة، وعباسية أخرى، ومدنية حيناً (عن الواقدي وابن إسحق)، وعراقية حيناً آخر (عن المدائني والهيثم بن عدي). وقد أخذ النسب عن ابن الكلبي، والفلك عن ما شاء الله الحاسب والخوارزمي الفلكي.
اتبع اليعقوبي في عرض مادته تسلسل العهود خليفة بعد خليفة، واتبع في عهد كل خليفة توالي السنين، وبذلك جمع بين أسلوبي العهود والحوليات. وأكثر اليعقوبي من إيراد الرسائل والخطب كنصوص سياسية ووثائق، وجاء أحياناً بمعلومات تاريخية تفرد بها.
ولم يستطع اليعقوبي أن يمنع ميوله من الظهور في تضاعيف الأسطر، فهو واضح الميل إلى علي وأولاده، حين يتحدث عن الراشدين والأمويين، ويكثر من إيراد أقوال أبناء علي وخطبهم وسيرهم مع المبالغة.
عبد الرحمن البيطار