القاضي يحيى بن أكْثَم - Yahya ibn Aktham

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القاضي يحيى بن أكْثَم - Yahya ibn Aktham

    يحيي اكثم

    Yahya ibn Aktham - Yahya ibn Aktham

    يحيى بن أكْثَم
    (159ـ 242هـ/775 ـ 857م)

    أبو محمد، يحيى بن أكثم بن محمد التَّميمي المَرْوَزي، نسبة إلى قبيلة تميم التي ينتمي إليها، وإلى مدينة «مرو» عاصمة خراسان التي وُلد فيها. وهو أحد أحفاد أكثم بن صيفي حكيم العرب في الجاهلية.
    كان قاضياً من القضاة المعدودين في عصره، رفيع القدر، عظيم الشأن، اشتهر بين الناس بعلمه وفضله، ورياسته وسياسته لأمره وأمر أهل زمانه من الخلفاء وأصحاب السلطان.
    تلقى العلوم الفقهية في شبابه عن أشهر علماء القرن الثاني الهجري، فسمع من عبد الله بن المبارك وسـفيان ابن عُيَيْنة ووَكِيع بن الجرَّاح وغيرهم، حتى أصبح عالماً بالفقه، بصيراً بالأحكام، صارماً في القضاء لا يطعن أحد عليه فيه. وكان يقوم بنفسه باختبار المرشحين لمنصب القضاء، ولا يُقرُّ لهم إلاّ بعد تحققه من صلاحهم وحسن تأهلهم لهذا المنصب الجليل.
    ومن أبرز تلامذته الذين رووا عنه علي بن المديني إمام المحدِّثين في عصره، ومحمد بن إسماعيل البخاري صاحب «الجامع الصحيح» وأبو حاتم الرازي المحدِّث المفسِّر وغيرهم.
    وكان الخليفة المأمون قد برع في مختلف العلوم والفنون، وكان مجلسه يغصُّ بأهل العلم والفضل، فلما سمع بيحيى بن أكثم، وعرف ما هو عليه من العلم والعقل؛ استدعاه إليه في سنة 202هـ، وامتحنه في بعض المسائل الفقهية، فأخذ بمجامع قلبه، وأمر بألاَّ يُحجب عنه ليلاً ولا نهاراً، فكان أن ولاَّه القضاء في البصرة، ثم قلَّده منصب قاضي القضاة في بغداد وجعل في يده تدبير أهل مملكته، فأصبح الوزراء ورجال الدولة آنئذ لا يبرمون شيئاً من أحكامهم إلاّ بعد مطالعة يحيى بن أكثم واستشارته.
    وقد توثقت العلاقة بين المأمون وبينه، فكانا يخرجان معاً إلى النزهات، ويزوره يحيى في قصره ويبيت عنده، ويروي أخباره، ويفضي إليه المأمون بأسراره. ولا يُعرف أحد غلب على سلطان الخليفة المأمون وصار من أخلص المقربين إليه إلا يحيى بن أكثم والقاضي أحمد بن أبي دؤاد.
    ولما توجه المأمون إلى مصر في سنة 215هـ صَحِبه القاضي يحيى بن أكثم، فولاه قضاء مصر مدة ثلاثة أيام فقط، ثم خرج مع المأمون وقفلا راجعين إلى بغداد.
    بيد أن يحيى بن أكثم ـ مع ما تبوأه من المكانة العلمية ومع ما ينبغي للقاضي الفقيه أن يتصف به من الرزانة والوقار ـ كان عـذب اللسان، حلو الحديث، حسن العِشرة، لا يدع الهزل في مجالسه، ولا الدعابة في مسامراته، فقد سئل أحد البلغاء عن يحيى بن أكثم وأحمد بن أبي دؤاد: أيُّهما أنبلُ؟ فقال: «كان أحمد يَجِدُّ مع جاريته وابنته، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوِّه». وقد عرَّضه هذا المزاح لنقد الحسَّاد وتجريحهم إياه، حتى هجاه بعض الشعراء ورموه بالتهم الشنيعة، بيد أن الإمام أحمد بن حنبل كان يدافع عنه ويُجلُّه وينكر ما ينسب إليه، ويقول: «سبحان الله! من يقول هذا؟ ما عرفتُ في يحيى بن أكثم بدعة قط».
    وقد استطاع بذكائه وقوة حجته أن يحمل المأمون على تحريم زواج المتعة بعد أن كان مقتنعاً به. وكان جريئاً ثابت الرأي في قضية «خَلْق القرآن» التي نادى بها المأمون وحمل الناس عليها، وأوذي من جَرَّائها لفيف من العلماء، فوقف يحيى يعارض المأمون ويتصدى لـه، ويقول: «القرآن كلام الله، فمن قال إنه مخلوق يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُرِبت عنقه». ولعل هذا الخلاف مما أثار نقمة المأمون وسخطه عليه في آخر حياته، فأبعده عنه، وأوصى أخاه المعتصم بألاَّ يُقَرِّبه ولا يستوزره، متَّهماً إياه بخبث السريرة وسوء الطوية.
    فلما تولى المعتصم الخلافة بعد وفاة أخيه المأمون سنة 218هـ سار سيرة أخيه في تبني فكرة خلق القرآن، وأخذ يمتحن الناس بها، وهو يعلم برأي يحيى بن أكثم ومجاهرته برفضها، فعزلـه عن القضاء، فلزم يحيى بيته وانقطع عن الناس، وامتدت عزلته إلى آخر أيام الواثق بالله. حتى إذا آل الأمر إلى المتوكل على الله سنة 232هـ ردّه إلى عمله في القضاء بتزكية من الإمام أحمد بن حنبل، بيد أن المتوكل ما لبث أن عزله سنة 240هـ، واستصفى أمواله، فرحل إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ومعه أخته، وعزم على المجاورة هناك، ثم تناهى إليه أن المتوكل رضي عنه وصفا قلبه عليه، فانقلب راجعاً إلى العراق، فما كاد يصل إلى «الرَّبَذة» وهي من قرى المدينة المنورة حتى مرض وأدركته المنية فيها، وكان آنئذٍ قد بلغ من العمر ثلاثاً وثمانين سنة.
    يذكر ابن خَلِّكان أن الكتب التي ألَّفها القاضي يحيى بن أكثم كانت أجلَّ الكتب في الفقه، فتركها الناس لطولها. ولـه كتب في الأصول، وكتاب سماه «التنبيه»، ولكن هذه الكتب طواها الزمان ولم يُكشف عنها.
    محمَّـد كمـال
يعمل...
X