الخدمة العسكرية مع الكاميرا / ١٩١٤_ ١٩١٨
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي تاريخ التصوير رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد . ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينيه فابیان و هانس کریستیار ادم ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالأسود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدأ بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
التصوير الحربي خلال الحرب العالمية الأولى . كان مليئاً بالتناقضات ، وبعيداً جداً عن الواقع الفعلي للحرب . كان الموت في هذه الحرب دائما هو موت الأبطال فما من أحد توفي ، حسب الصورة المنشورة له . في الوحل ، او اصيب بفقدان البصر اثناء هجوم بالغازات ، او سقط من الطائرة ... ما من أحد تبعثرت اشلاؤه عبر شظايا قنبلة او تمزق أو إحترق داخل دبابة ... وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى يشاهد قراء الصحف أي صورة من ساحات القتال كما هي في واقعها ، وكدليل على المعارك الدامية الحاصلة !
إن ما سمح للألمان مشاهدته كان عبارة عن مشاهد واحداث من الحياة اليومية وعلى البطاقات البريدية ( Past Card ) ، التي كانت منتشرة في تلك الفترة ظهرت الحرب وكانها وسيلة للمتعة ، وعلى إعلانات الصحف صور الضباط الذاهبون إلى الحرب ، كما لو كانوا ذاهبين إلى حفلة ساهرة وحتى تاريخ عام ۱۹۱۷ ، كانت إحدى شركات المشروب الألمانية ، تقوم بالدعاية لمشروباتها باظهارها على شكل مدفع يطلق حممه وقذائفه على العدو الفرنسي الرسام ليسارز ( LISSARZ ) رسـم لاحـدى الشركات الأخرى رسماً دعائياً لمجموعة من الضباط ، وهم يشربون الانخـاب في غابات الأردين ، إحتفالا بانتصاراتهم كاعلان لنفس المشروب الذي تنتجه الشركة .
هذا الاسلوب في التعامل مع الحرب لم يتوقف على التصوير وحده ، بل طال كل جوانب الحياة ، من خطابات الامبراطور الألماني غليوم الثاني ، إلى أغاني الميوزيك هول ، البريطانية حتى قصائد الشعراء .. كلهم كانوا يتغنون بالحرب في وقت يموت فيه الناس بابشع الطرق في ساحات الحرب.
لقد دمرت آلة الحرب كل شيء تدميراً كاملا . وقد كانت اكوام الجثث المكدسة مختلطة باكوام حديد الدبابات ، فالدبابات هي الأخـرى تفشخت مثـل جثث الإنسان والحيوان ، وجثث الحيوانات تعرضت للصدأ مثل الحديد .
كل هذه المواد يكن من السهولة بمكان تعامل المصورين معها لم يكن ممكنا ان يصور اي من المصورين ما يقوم به الجنود ضد بعضهم البعض . كانت الصور الأكثر رواجاً هي صور ما فعلته الحرب بعتـاد الحرب تم إظهار الموت والدمار وخردة الحرب .. وهذه الأخيرة عبارة عن بقايا الناس من نظارات مكدسة ثياب او اطباق من الألومنيوم للطعام ، أو الأحذية وما شابه .
في فردان ( Verdun ) وقف المصورون مشدوهين أمام خردة الحرب هذه البقايا التي تنتهي بها كل الحروب ، وقفـوا مسعورین ، دون التمكن من إبعاد النظر ، فصوروا تلالا من حقائب الظهر .. ملطخة بالوحـل مع اكياس الخبز المتعفن وقطع الخيم وجيوب الخرطوش الممزقة مع . قرب ، الماء العسكرية والخوذ والأحزمة والحراب .
المواطنون في تلك الفترة كانوا يغمضون اعينهم امام ضحايا الحرب ، وما من احد تجرا ان ينظر ويتفحص الصور بدقة .... وحـدهـم أنصار السلام والمناهضون للحرب عملوا على نشر الكتب السوداء وإقامـة المعارض لهذه الصور ، دلالة على قذارة الحرب
وفي آب من عام ١٩١٤ أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قوانين رقابية خاصة من أجل حملة الدعاية للحرب ... وفي الثاني عشر من ذلك التاريخ ، أصدر البرلمان البريطاني قانوناً للدفاع عن المملكة حيث أعطى مجلس الوزراء صلاحية تامة للمحاكم العسكرية بإصدار عقوبات بالأشغال الشاقة على الذين لا يتقيدون بهذه القوانين قبل ذلك بايام اصدرت فرنسا قانوناً عاماً للمراقبة يتضمن ما يلي : ثمنع كل نشرة يستفيد منها العدو أو تكون ذات تأثير سلبي على معنويات الجيش والشعب . .
روسيا نفسها وضعت في تلك الفترة أيضاً لائحة تتضمن تسعاً وعشرين نقطة تتعلق بالرقابة العسكرية .
هذا ما كان واقعاً في جبهة الحلفـاء ...
اما على الجبهة الألمانية فكان الحال أقل سوءاً . حيث يعمد الموظفون في مصلحة الصحافة العسكرية إلى طبع اختـامهم على الطرف الخلفي للصورة كإجـازة لمرورها عبر طاولاتهم .. هؤلاء الموظفون كانوا يمارسون سلطاتهم على كل اقسام الجيش حتى على مصلحـة المستعمرات ، وكان على مصوري الحرب تسليم ثلاث نسخ غير مطبوعة من صورهم ، والتدوين خلف الصورة وقت ومكان أخذ اللقطة مع إسم المصور وعنوانه ... والصور التي كانت الرقابة تسمح بمرورها كانت تحمل يومها خاتم ( B.U.F.A ) .
ولتسهيل الأمور على المصورين أصدر المركز الرئيسي للمراقبة نشرة خاصة وزعت على رئاسة تحرير عموم الصحف وتتضمن كل ما هو مسموح أو ممنوع في مجال النشر ومن الممنوعات مثلا نشر صور الأسلحة الجديدة مثل قاذفة اللهب ، والقنابل اليدوية والألغام الحارقة كذلك يمنع نشر المعلومات عن النقاط والمواقع ذات الأهمية العسكرية كالتحصينات البحرية والممرات العسكرية .. إضافة لذلك يمنع نشر الاعلانات عن الاعضاء والأطراف الاصطناعية وعن لحم الكلاب !!!
ومن الصور التي كانت تعتبر بمثابة دعاية للعدو هي صور الجنود الذين يقفون في الطابور ، للحصول على الزيدة والبطاطا وغير ذلك من المنتوجات الغذائية اما صور الخراب الذي تسبب به الروس في بولونيا فكانت مرغوبة لأنها تؤثر جدا في نظرة البلاد المحايدة !
عمل المراقب إذن كان يشمل التشطيب والـرونشة .. والقص أو الحذف ترك للبيروقراطيين في جبهة الحلفاء ، بينما في الرايخ الثالث كان هتلر نفسه يشرف أحياناً على الرقابة .
في بريطانيا لم يترك أي مجال للتفسيرات الصحفية فقد نشر مكتب الصحافة في لندن بصفته المسؤول عن الرقابة ما يسمى ملاحظات د . وملاحظة ١٥٣٠ د . مثلا نصت على عدم تسلم أي صورة غير موقعة من قبل صاحبها ، حيث يصار إلى طبع ونشر الصور الموقعة التي وافق عليها المكتب . أما الصحف التي لم تتقيد بالملاحظات الرقابية فقد نصت الملاحظة ١٥٨٠ د . على تشطيبها من لائحـة التوزيع ...
هذا الأمر أدى بالطبع صراع بين الصحافة والمراقب و في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام ١٩١٤ حملت صحيفة الدايلي ميل » البريطانية بعنف على الحكومة ، وذلك في مقالها الافتتاحي ، مؤكدة أن الحكومة تقوم بحذف فاضح للحقوق المبدئية لرعاياها البريطانيين بحرمانها المواطن من حق النقد بعد سنة من ذلك التاريخ ه هاجمت صحيفة الدايلي نيوز اللـورد نـورتكليف ، المعـروف بقيصر الصحف البريطـانـيـة وذلك بكتاب مفتوح وموجه إلى اللـورد نفسه . وقد جاء الكتاب :
لم يكن ما قمت به من دعاية للحرب ضد البوير بداعي حبك لبريطانيا ، بل لمقتضيات بيع صحفك ، وعندما اصريت على إتخاذ إجراءات صارمة بحق روسيا كان ذلك أيضاً لان صرخة الحرب اثمرت عن دعاية جيدة لصحفك . وباختصار فانت بقيت لعشرين سنة بمثابة الصحافي الذي يضرم النار بريطانيا والذي هو على إستعداد لاضرامها في العالم ، لمجرد أن يكون بإمكانك إصدار طبعة خاصـة حـول ذلك ! .
عام ١٩١٦ جري تحـول معقول ، حين بدأت الحكومة البريطانية باستشارات حول كيفية إرضاء حاجة المواطنين عبر الأخبـار المصـورة وفي عهد التصـويـر الصحفي ، كـانت الفرصة ضئيلة في إبقاء الصحافيين بعيدين عن ساحات القتال ، بالإضافة إلى ذلك كانت الحاجة ماسة إلى هذه المواد الدعائية للقضية و العادلة . من هذا المنطلق إتحدت ثماني
وكالات في جميعة موحدة باسم إتحاد أصحاب وكالات الصحف المصورة ( PAPPA ) ، وتوجهوا بطلب إلى الحكومة من أجل تنظيم عملهم . وأثمرت الاتصالات عن تسوية ما بين المصالح الصحفية والمصالح القومية . فقد أرسلت الأركان العامة في لندن واحـداً وعشرين مصوراً صحافياً ، إلى الجبهة ، بتكليف خاص لايجاد الأفكار المناسبة لاستخدامها في الصحف والمجلات من أجل إرضاء المصالح العامة ... هذا التدبير عادت وسلكته باقي الحكومات يومها :
المخبرون الصحافيون الذين تقدموا كمصورين مرافقين للجيوش ، فوجئوا في الولايات المتحدة بان العملية كانت أشبه بالتجنيد حيث يتوجب على المتقدم المثول شخصياً في وزارة الحربية وأن يقسم على تقديم الحقيقة للشعب الأميركي كما عليه كتمان كل ما من شانه إفادة العدو . كما توجب عليه الاجابة بقلم حبر على الاسئلة المتعلقة بحالته الصحية - حيث منع إستعمال الآلة الكاتبة هنا وعليه أيضاً الاجابة عن تاريخ حياته وطباعة وما شابه ، وبعد كل ذلك عليه دفع الف دولار من أجل التجهيزات ووضع كفالة مالية بمبلغ عشرة آلاف دولار وإذا ما تخطى المصور الحربي قوانين المراقبة ، يصبح المبلغ من حق الوزارة التي تحوله إلى الأعمال الخيرية .
اما في بريطانيا فكان هناك ثلاثة رجال من ذوي الكلمة النافدة ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ، واللورد كيتشز وزير الحـربيـة ومـن ثـم اللـورد نورثكليف - قيصر الصحف -
وهو صاحب دار للنشر هذا الثلاثي عمل ما بوسعه لوضع الصعوبات امام دخول رجـال الصحافة إلى جبهات القتال .
تشرشل الذي كان مخبراً حربياً خلال حرب - البوير . ، وتحول في هذه الفترة إلى منصب رئيس الأميرالية , صرح بوضوح وإختصار : لا يوجد مكان للصحـافي على متن السفن الحربية ! .
اللورد كيتشز ، اصدر اوامره بالقاء القبض على كل مصور يشاهد في الجبهة وهو غير معتمد رسميا من قبل وزارة الحربية ورغم وجود مصورين ورسامين في الجبهات وداخل الخنادق ، ولكن الاوامر كانت تلزم بعدم تصویر كل شيء ، ويذكر الرسام بول ناش في هذا المجال تلك الأوامر بقوله - لقد حظر علينا رسم الموتى من الجنود ، لأنه كما يبدو لا يوجد في الحرب جنود موتی اللورد نورتكليف الذي عين كمدير للدعاية في المناطق العدوة ، تطلع في دائرته هذه على كل ما حوله وباعتباره صاحب عدة صحف - تايمس ، ديلي ميرور - ديلي ميل - إختار الرجل المؤهل أكثر من غيره برايه ، وهو رئيس قسم الرياضة في إحدى صحفه ليقدمه إلى الجيش . وإقتـرح قيصر الصحافة ، على رجله التمرين على ركوب الخيل . ولكـن رغم إقتداء العديد من المخبرين الصحافيين بهذا الأمر ، لكن الخيل لم تفدهم بشكل معقول ولمزيد من الاهتمام بهم عمدت وزارة الحرب البريطانية إلى إلباس المخبرين ثباب الضباط لكن بدون رتب ، ومع ربطة خضراء على الذراع الايمن كما أسكن المخبرون الحربيون في فيللا بتاتنغهايم . حيث يقضون وقتاً ممتعاً ، فالخدم كانوا يقدمون لهم المشروبات الايرلندية ويلبون كل طلباتهم ، اما الازعاج الوحيد فكانوا يتعرضون له من قبل ضباط المراقبة الذين يعيشون معهم ، ويرافقـونـهـم إلى كل الأمكنة .. ما عدا ساحات القتال هذه الازعاجـات قرر المخبـرون نشرها في مذكراتهم كوسيلة وحيدة للاحتجاج عليها .
حتى الضيـوف ، ضيوف الشرف الذين كانوا يأتون إلى الجبهة كمساندة معنوية في الحـرب . لم يسمح لهم زيارة الخطوط المتقدمة ، لا بل انهم لم بروا سحابة دخان واحدة خلال الحـرب تنبعث من مدفع البعض كانوا مرتاحين لهذا الأمر الكاتب كونان دويل - مؤلف روايات شارلوك هولمز البوليسية - كان يرتدي لباس و ملازم کاونتري ، وتزين كتفيه شارات ذهبية لدرجة ان العقداء كانوا يقدمون له التحية لدى رؤيته .
جورج برنارد شو الكاتب الايرلندي السـاخـر حـذر الصحافيين غير الراضين عن هذا الواقع بقوله : . نحن لسنا بحاجة إلى أي مراقبة .. اثناء الحرب علينا مـراقبـة انفسنا بانفسنا .
الكولونيل الكندي ماكس ايتكن المسؤول عن المراقبة رشح هاري ادوارد کنوبل کاول مصور كندي رسمي ، لكن هذا الأخير لم يكن مصوراً بل مهندس مناجم ومع التصوير الحربي ، كلف كنوبل بتصوير كل المدن والأبنية والخنادق التي تستولي عليها القوات الكندية وفي حال أقدم على تصوير امور اخرى كان کنوبل يتعرض للتانيب .
بالاضافة إلى كل ذلك حظر على الجنود البريطانيين والكنديين اخـذ كاميراتهم الخاصة إلى الخنادق . وقبل إعادة هذه الكاميرات لدى صدور القرار تمت مراقبتها لئلا يكون قد بقي اي فيلم في إحداها ، ومع صدور هذا الأمر الاداري استثنـي الضباط الذين يريدون اخذ صور
تذكارية لتزيين تاريخ افواجهم وهكذا ذهب الجنود إلى الحرب دون كاميرات .. لكنهم تزودوا بصور شخصية ، وفي عام 1914 لجا الملايين من الآباء إلى البوماتهم العائلية ، لياخذوا منها صور الزوجة والأولاد معهم إلى الجبهة كتعويذة أمل لعودة سعيدة إلى الوطن وكوسيلة معنوية للمساعدة في الأحوال العصيبة . كثيرون ذهبوا إلى المصورين ليحملوا معهم إلى الجبهـة صـورة من الوطن وباعتزاز كانوا يعرضون هذه الصور على رفاقهم .
وكتب العالم النفساني الدكتور بورغر برنز يقول . هذه الصور العائلية كان لها فيما بعد الأثر الكبير في تطـويـل الحيـاة .
خصـوصـاً بالنسبة لأسـرى الحرب ، لقد اعطتهم القدرة على إحتمال الأسر وعذابه .
الصور الجماعية كانت مرغوبة خلال الحرب فمعها كان الجندي يشعر بالدفء وبالتكاتف والثقة وفي الحرب الأهلية الأميركية كان الجنود يقفون في الصف كما ذكرنا سابقاً أمام مشغل ماثيو برادي اما خلال الاضطرابات في باريس عـام فكـان البـروليتـاريـون ، بتسلقون المتاريس ويقفون في صفوف وقد غطى وجوههم البارود ، لأخذ صور جماعيـة هذه الظاهرة إستمرت في الحرب العالمية الثانية حيث كانت الوقفات الجماعية أمام الكاميرا بمثابـة الدليل على الانتصار تماماً كما الحال مع رفع علم الفوج . وربما يكون أهم ما في هذه الصور بالنسبة للجنود هي التأكيد بأنهم زالوا أحياء . خصوصاً وان هذه الصور ستصل اخيراً إلى الأهـل ، واحياناً مع بعض البطاقات البريدية ، التي كانت . ۱۸۷۱ تنتشر في . أكشاك . خاصة . غالباً ما يلحق بها . إستديوهات ، للتصوير ، حيث باستطاعة الجندي شراء ، البوست کارت . ومن ثم أخذ صورة فوتوغرافية وإرسال الاثنين إلى الأهل في الوطن .
ورغم أن التصـويـر كـان محظوراً على الجنود لكن غالباً كان الجندي الألماني يعمد إلى إخفاء كاميرا خاصة داخل حقيبة ملابسه ، ومن ثم يعمل على التقاط الصور المناسبة بغياب رؤسائه .
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي تاريخ التصوير رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد . ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينيه فابیان و هانس کریستیار ادم ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالأسود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدأ بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
التصوير الحربي خلال الحرب العالمية الأولى . كان مليئاً بالتناقضات ، وبعيداً جداً عن الواقع الفعلي للحرب . كان الموت في هذه الحرب دائما هو موت الأبطال فما من أحد توفي ، حسب الصورة المنشورة له . في الوحل ، او اصيب بفقدان البصر اثناء هجوم بالغازات ، او سقط من الطائرة ... ما من أحد تبعثرت اشلاؤه عبر شظايا قنبلة او تمزق أو إحترق داخل دبابة ... وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى يشاهد قراء الصحف أي صورة من ساحات القتال كما هي في واقعها ، وكدليل على المعارك الدامية الحاصلة !
إن ما سمح للألمان مشاهدته كان عبارة عن مشاهد واحداث من الحياة اليومية وعلى البطاقات البريدية ( Past Card ) ، التي كانت منتشرة في تلك الفترة ظهرت الحرب وكانها وسيلة للمتعة ، وعلى إعلانات الصحف صور الضباط الذاهبون إلى الحرب ، كما لو كانوا ذاهبين إلى حفلة ساهرة وحتى تاريخ عام ۱۹۱۷ ، كانت إحدى شركات المشروب الألمانية ، تقوم بالدعاية لمشروباتها باظهارها على شكل مدفع يطلق حممه وقذائفه على العدو الفرنسي الرسام ليسارز ( LISSARZ ) رسـم لاحـدى الشركات الأخرى رسماً دعائياً لمجموعة من الضباط ، وهم يشربون الانخـاب في غابات الأردين ، إحتفالا بانتصاراتهم كاعلان لنفس المشروب الذي تنتجه الشركة .
هذا الاسلوب في التعامل مع الحرب لم يتوقف على التصوير وحده ، بل طال كل جوانب الحياة ، من خطابات الامبراطور الألماني غليوم الثاني ، إلى أغاني الميوزيك هول ، البريطانية حتى قصائد الشعراء .. كلهم كانوا يتغنون بالحرب في وقت يموت فيه الناس بابشع الطرق في ساحات الحرب.
لقد دمرت آلة الحرب كل شيء تدميراً كاملا . وقد كانت اكوام الجثث المكدسة مختلطة باكوام حديد الدبابات ، فالدبابات هي الأخـرى تفشخت مثـل جثث الإنسان والحيوان ، وجثث الحيوانات تعرضت للصدأ مثل الحديد .
كل هذه المواد يكن من السهولة بمكان تعامل المصورين معها لم يكن ممكنا ان يصور اي من المصورين ما يقوم به الجنود ضد بعضهم البعض . كانت الصور الأكثر رواجاً هي صور ما فعلته الحرب بعتـاد الحرب تم إظهار الموت والدمار وخردة الحرب .. وهذه الأخيرة عبارة عن بقايا الناس من نظارات مكدسة ثياب او اطباق من الألومنيوم للطعام ، أو الأحذية وما شابه .
في فردان ( Verdun ) وقف المصورون مشدوهين أمام خردة الحرب هذه البقايا التي تنتهي بها كل الحروب ، وقفـوا مسعورین ، دون التمكن من إبعاد النظر ، فصوروا تلالا من حقائب الظهر .. ملطخة بالوحـل مع اكياس الخبز المتعفن وقطع الخيم وجيوب الخرطوش الممزقة مع . قرب ، الماء العسكرية والخوذ والأحزمة والحراب .
المواطنون في تلك الفترة كانوا يغمضون اعينهم امام ضحايا الحرب ، وما من احد تجرا ان ينظر ويتفحص الصور بدقة .... وحـدهـم أنصار السلام والمناهضون للحرب عملوا على نشر الكتب السوداء وإقامـة المعارض لهذه الصور ، دلالة على قذارة الحرب
وفي آب من عام ١٩١٤ أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قوانين رقابية خاصة من أجل حملة الدعاية للحرب ... وفي الثاني عشر من ذلك التاريخ ، أصدر البرلمان البريطاني قانوناً للدفاع عن المملكة حيث أعطى مجلس الوزراء صلاحية تامة للمحاكم العسكرية بإصدار عقوبات بالأشغال الشاقة على الذين لا يتقيدون بهذه القوانين قبل ذلك بايام اصدرت فرنسا قانوناً عاماً للمراقبة يتضمن ما يلي : ثمنع كل نشرة يستفيد منها العدو أو تكون ذات تأثير سلبي على معنويات الجيش والشعب . .
روسيا نفسها وضعت في تلك الفترة أيضاً لائحة تتضمن تسعاً وعشرين نقطة تتعلق بالرقابة العسكرية .
هذا ما كان واقعاً في جبهة الحلفـاء ...
اما على الجبهة الألمانية فكان الحال أقل سوءاً . حيث يعمد الموظفون في مصلحة الصحافة العسكرية إلى طبع اختـامهم على الطرف الخلفي للصورة كإجـازة لمرورها عبر طاولاتهم .. هؤلاء الموظفون كانوا يمارسون سلطاتهم على كل اقسام الجيش حتى على مصلحـة المستعمرات ، وكان على مصوري الحرب تسليم ثلاث نسخ غير مطبوعة من صورهم ، والتدوين خلف الصورة وقت ومكان أخذ اللقطة مع إسم المصور وعنوانه ... والصور التي كانت الرقابة تسمح بمرورها كانت تحمل يومها خاتم ( B.U.F.A ) .
ولتسهيل الأمور على المصورين أصدر المركز الرئيسي للمراقبة نشرة خاصة وزعت على رئاسة تحرير عموم الصحف وتتضمن كل ما هو مسموح أو ممنوع في مجال النشر ومن الممنوعات مثلا نشر صور الأسلحة الجديدة مثل قاذفة اللهب ، والقنابل اليدوية والألغام الحارقة كذلك يمنع نشر المعلومات عن النقاط والمواقع ذات الأهمية العسكرية كالتحصينات البحرية والممرات العسكرية .. إضافة لذلك يمنع نشر الاعلانات عن الاعضاء والأطراف الاصطناعية وعن لحم الكلاب !!!
ومن الصور التي كانت تعتبر بمثابة دعاية للعدو هي صور الجنود الذين يقفون في الطابور ، للحصول على الزيدة والبطاطا وغير ذلك من المنتوجات الغذائية اما صور الخراب الذي تسبب به الروس في بولونيا فكانت مرغوبة لأنها تؤثر جدا في نظرة البلاد المحايدة !
عمل المراقب إذن كان يشمل التشطيب والـرونشة .. والقص أو الحذف ترك للبيروقراطيين في جبهة الحلفاء ، بينما في الرايخ الثالث كان هتلر نفسه يشرف أحياناً على الرقابة .
في بريطانيا لم يترك أي مجال للتفسيرات الصحفية فقد نشر مكتب الصحافة في لندن بصفته المسؤول عن الرقابة ما يسمى ملاحظات د . وملاحظة ١٥٣٠ د . مثلا نصت على عدم تسلم أي صورة غير موقعة من قبل صاحبها ، حيث يصار إلى طبع ونشر الصور الموقعة التي وافق عليها المكتب . أما الصحف التي لم تتقيد بالملاحظات الرقابية فقد نصت الملاحظة ١٥٨٠ د . على تشطيبها من لائحـة التوزيع ...
هذا الأمر أدى بالطبع صراع بين الصحافة والمراقب و في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام ١٩١٤ حملت صحيفة الدايلي ميل » البريطانية بعنف على الحكومة ، وذلك في مقالها الافتتاحي ، مؤكدة أن الحكومة تقوم بحذف فاضح للحقوق المبدئية لرعاياها البريطانيين بحرمانها المواطن من حق النقد بعد سنة من ذلك التاريخ ه هاجمت صحيفة الدايلي نيوز اللـورد نـورتكليف ، المعـروف بقيصر الصحف البريطـانـيـة وذلك بكتاب مفتوح وموجه إلى اللـورد نفسه . وقد جاء الكتاب :
لم يكن ما قمت به من دعاية للحرب ضد البوير بداعي حبك لبريطانيا ، بل لمقتضيات بيع صحفك ، وعندما اصريت على إتخاذ إجراءات صارمة بحق روسيا كان ذلك أيضاً لان صرخة الحرب اثمرت عن دعاية جيدة لصحفك . وباختصار فانت بقيت لعشرين سنة بمثابة الصحافي الذي يضرم النار بريطانيا والذي هو على إستعداد لاضرامها في العالم ، لمجرد أن يكون بإمكانك إصدار طبعة خاصـة حـول ذلك ! .
عام ١٩١٦ جري تحـول معقول ، حين بدأت الحكومة البريطانية باستشارات حول كيفية إرضاء حاجة المواطنين عبر الأخبـار المصـورة وفي عهد التصـويـر الصحفي ، كـانت الفرصة ضئيلة في إبقاء الصحافيين بعيدين عن ساحات القتال ، بالإضافة إلى ذلك كانت الحاجة ماسة إلى هذه المواد الدعائية للقضية و العادلة . من هذا المنطلق إتحدت ثماني
وكالات في جميعة موحدة باسم إتحاد أصحاب وكالات الصحف المصورة ( PAPPA ) ، وتوجهوا بطلب إلى الحكومة من أجل تنظيم عملهم . وأثمرت الاتصالات عن تسوية ما بين المصالح الصحفية والمصالح القومية . فقد أرسلت الأركان العامة في لندن واحـداً وعشرين مصوراً صحافياً ، إلى الجبهة ، بتكليف خاص لايجاد الأفكار المناسبة لاستخدامها في الصحف والمجلات من أجل إرضاء المصالح العامة ... هذا التدبير عادت وسلكته باقي الحكومات يومها :
المخبرون الصحافيون الذين تقدموا كمصورين مرافقين للجيوش ، فوجئوا في الولايات المتحدة بان العملية كانت أشبه بالتجنيد حيث يتوجب على المتقدم المثول شخصياً في وزارة الحربية وأن يقسم على تقديم الحقيقة للشعب الأميركي كما عليه كتمان كل ما من شانه إفادة العدو . كما توجب عليه الاجابة بقلم حبر على الاسئلة المتعلقة بحالته الصحية - حيث منع إستعمال الآلة الكاتبة هنا وعليه أيضاً الاجابة عن تاريخ حياته وطباعة وما شابه ، وبعد كل ذلك عليه دفع الف دولار من أجل التجهيزات ووضع كفالة مالية بمبلغ عشرة آلاف دولار وإذا ما تخطى المصور الحربي قوانين المراقبة ، يصبح المبلغ من حق الوزارة التي تحوله إلى الأعمال الخيرية .
اما في بريطانيا فكان هناك ثلاثة رجال من ذوي الكلمة النافدة ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ، واللورد كيتشز وزير الحـربيـة ومـن ثـم اللـورد نورثكليف - قيصر الصحف -
وهو صاحب دار للنشر هذا الثلاثي عمل ما بوسعه لوضع الصعوبات امام دخول رجـال الصحافة إلى جبهات القتال .
تشرشل الذي كان مخبراً حربياً خلال حرب - البوير . ، وتحول في هذه الفترة إلى منصب رئيس الأميرالية , صرح بوضوح وإختصار : لا يوجد مكان للصحـافي على متن السفن الحربية ! .
اللورد كيتشز ، اصدر اوامره بالقاء القبض على كل مصور يشاهد في الجبهة وهو غير معتمد رسميا من قبل وزارة الحربية ورغم وجود مصورين ورسامين في الجبهات وداخل الخنادق ، ولكن الاوامر كانت تلزم بعدم تصویر كل شيء ، ويذكر الرسام بول ناش في هذا المجال تلك الأوامر بقوله - لقد حظر علينا رسم الموتى من الجنود ، لأنه كما يبدو لا يوجد في الحرب جنود موتی اللورد نورتكليف الذي عين كمدير للدعاية في المناطق العدوة ، تطلع في دائرته هذه على كل ما حوله وباعتباره صاحب عدة صحف - تايمس ، ديلي ميرور - ديلي ميل - إختار الرجل المؤهل أكثر من غيره برايه ، وهو رئيس قسم الرياضة في إحدى صحفه ليقدمه إلى الجيش . وإقتـرح قيصر الصحافة ، على رجله التمرين على ركوب الخيل . ولكـن رغم إقتداء العديد من المخبرين الصحافيين بهذا الأمر ، لكن الخيل لم تفدهم بشكل معقول ولمزيد من الاهتمام بهم عمدت وزارة الحرب البريطانية إلى إلباس المخبرين ثباب الضباط لكن بدون رتب ، ومع ربطة خضراء على الذراع الايمن كما أسكن المخبرون الحربيون في فيللا بتاتنغهايم . حيث يقضون وقتاً ممتعاً ، فالخدم كانوا يقدمون لهم المشروبات الايرلندية ويلبون كل طلباتهم ، اما الازعاج الوحيد فكانوا يتعرضون له من قبل ضباط المراقبة الذين يعيشون معهم ، ويرافقـونـهـم إلى كل الأمكنة .. ما عدا ساحات القتال هذه الازعاجـات قرر المخبـرون نشرها في مذكراتهم كوسيلة وحيدة للاحتجاج عليها .
حتى الضيـوف ، ضيوف الشرف الذين كانوا يأتون إلى الجبهة كمساندة معنوية في الحـرب . لم يسمح لهم زيارة الخطوط المتقدمة ، لا بل انهم لم بروا سحابة دخان واحدة خلال الحـرب تنبعث من مدفع البعض كانوا مرتاحين لهذا الأمر الكاتب كونان دويل - مؤلف روايات شارلوك هولمز البوليسية - كان يرتدي لباس و ملازم کاونتري ، وتزين كتفيه شارات ذهبية لدرجة ان العقداء كانوا يقدمون له التحية لدى رؤيته .
جورج برنارد شو الكاتب الايرلندي السـاخـر حـذر الصحافيين غير الراضين عن هذا الواقع بقوله : . نحن لسنا بحاجة إلى أي مراقبة .. اثناء الحرب علينا مـراقبـة انفسنا بانفسنا .
الكولونيل الكندي ماكس ايتكن المسؤول عن المراقبة رشح هاري ادوارد کنوبل کاول مصور كندي رسمي ، لكن هذا الأخير لم يكن مصوراً بل مهندس مناجم ومع التصوير الحربي ، كلف كنوبل بتصوير كل المدن والأبنية والخنادق التي تستولي عليها القوات الكندية وفي حال أقدم على تصوير امور اخرى كان کنوبل يتعرض للتانيب .
بالاضافة إلى كل ذلك حظر على الجنود البريطانيين والكنديين اخـذ كاميراتهم الخاصة إلى الخنادق . وقبل إعادة هذه الكاميرات لدى صدور القرار تمت مراقبتها لئلا يكون قد بقي اي فيلم في إحداها ، ومع صدور هذا الأمر الاداري استثنـي الضباط الذين يريدون اخذ صور
تذكارية لتزيين تاريخ افواجهم وهكذا ذهب الجنود إلى الحرب دون كاميرات .. لكنهم تزودوا بصور شخصية ، وفي عام 1914 لجا الملايين من الآباء إلى البوماتهم العائلية ، لياخذوا منها صور الزوجة والأولاد معهم إلى الجبهة كتعويذة أمل لعودة سعيدة إلى الوطن وكوسيلة معنوية للمساعدة في الأحوال العصيبة . كثيرون ذهبوا إلى المصورين ليحملوا معهم إلى الجبهـة صـورة من الوطن وباعتزاز كانوا يعرضون هذه الصور على رفاقهم .
وكتب العالم النفساني الدكتور بورغر برنز يقول . هذه الصور العائلية كان لها فيما بعد الأثر الكبير في تطـويـل الحيـاة .
خصـوصـاً بالنسبة لأسـرى الحرب ، لقد اعطتهم القدرة على إحتمال الأسر وعذابه .
الصور الجماعية كانت مرغوبة خلال الحرب فمعها كان الجندي يشعر بالدفء وبالتكاتف والثقة وفي الحرب الأهلية الأميركية كان الجنود يقفون في الصف كما ذكرنا سابقاً أمام مشغل ماثيو برادي اما خلال الاضطرابات في باريس عـام فكـان البـروليتـاريـون ، بتسلقون المتاريس ويقفون في صفوف وقد غطى وجوههم البارود ، لأخذ صور جماعيـة هذه الظاهرة إستمرت في الحرب العالمية الثانية حيث كانت الوقفات الجماعية أمام الكاميرا بمثابـة الدليل على الانتصار تماماً كما الحال مع رفع علم الفوج . وربما يكون أهم ما في هذه الصور بالنسبة للجنود هي التأكيد بأنهم زالوا أحياء . خصوصاً وان هذه الصور ستصل اخيراً إلى الأهـل ، واحياناً مع بعض البطاقات البريدية ، التي كانت . ۱۸۷۱ تنتشر في . أكشاك . خاصة . غالباً ما يلحق بها . إستديوهات ، للتصوير ، حيث باستطاعة الجندي شراء ، البوست کارت . ومن ثم أخذ صورة فوتوغرافية وإرسال الاثنين إلى الأهل في الوطن .
ورغم أن التصـويـر كـان محظوراً على الجنود لكن غالباً كان الجندي الألماني يعمد إلى إخفاء كاميرا خاصة داخل حقيبة ملابسه ، ومن ثم يعمل على التقاط الصور المناسبة بغياب رؤسائه .
تعليق