دخل الشاعرُ الفرنسيّ فيليب جاكوتيت (1925 - 2021) في محراب سلسلة البلياد "غاليمار" المخصّصة للكبار العالميين، أمثال شكسبير وموليير وديدرو ولوركا وأندريه جيد وغوته وسيلين وريلكه وبلزاك وبوشكين وهولدرلن. ومع أنّ هذه السلسلة من الأعمال الكاملة تُخصّص عادة للراحلين، فإن استثناءات ما كسرت القاعدة، ليدخل إليها مؤلفون وهم أحياء وآخرهم فيليب جاكوتيت. وقد يدخل في الأشهر المقبلة لو كليزيو. فهل يستحق هذا الشاعر المنعزل في الطبيعة، في كسوره، ووحدته، وفي تجربته غير المنتمية إلى أيّ تيار أو مدرسة؟
في الواقع هذا الشاعر، كأنّه آخر الشعراء الغنائيين من القلب إلى القلب. لكنها غنائية مكثفة غير مكشوفة، تلمع أحيانًا من غموضها، أو من شفافياتها الغامضة، لكن من دون تعقيد أو إبهام فهو ليس لاعب أشكال، ولا مفجّر لغات، ولا هاوي نحت، أو حفر، أو كسر. على العكس، بساطته تشبه بساطة بول إيلوار أو ناظم حكمت، أو لوركا لكنها بساطة مفخخة، مركّبة في تجربتها اللغويّة، مصفّاة في بنيتها وقاموسها، يذكّر بأشعار الكبير جورج شحادة أو الإيطالي يوغاريني. مع هذا، وعلى الرغم من تأثره بالشّعر الفرنسي، فإننا نجدُ في قصائده ما يُحيل إلى شعراء ألمان كهولدرلن، وخصوصًا جورج تراكل.
كأنّني أراهُ تسرَّب إلى معماريّة البلياد المُفخَّمة كدمعة، أو كهمسة، أو كقطرة جدول.. أو بريق نجمة، أحببته مُذ تعرّفت على شعره قبل نحو 40 عامًا، وترجمتُ له قصائد في مجلّات عديدة. ضاعَت وضاعَت معها تلكَ الذكريات، كما يضيعُ أيّ شيء.
أوان البذر
كنّا نتمنّى الحفاظ على النّقاء،
للشرّ ما يفوقُ الحقيقة
كنّا نتمنّى ألا نُكِنّ ضغينةً
مع أنّ العاصفة تبلبلُ الحبوب
من يعلمُ؟
كمْ أنّ الحبوبَ خفيفة
يشكِّك في عبادةِ الرّعد.
أنا خطُّ الأشجارِ غير المُلتبس
حيثُ تخفقُ حمائمُ الهواء بأجنحتها!
أنتَ الذي نداعبهُ حيثُ يولدُ الشّعر...
لكنْ تحتَ الأصابع التّي خيّبتها المسافة
تنكسرُ الشّمس النّاعمة كقشّة.
يتربّعُ النهارُ فيّ كَثَورٍ:
كأنّما على وشكِ الاعتقاد بأنّه قويّ...
لوْ كانَ بالإمكانِ تركُ التوريرو
وتأخيرُ تنفيذِ الموتِ قليلًا.
آه
! أيّام الرّبيع الأولى
لاعبينَ في ساحةِ المدرسة
بينَ حصتين منَ الرّيح.
أنا متلهّفٌ وقلق:
منْ يعرفُ الجروحَ؟
ومنْ يعرفُ الكنوزَ التي تحملُها حياةٌ أخرى؟
يستطيعُ ربيعٌ
أنْ يتفجَّرَ فرحًا أو يهبّ نحوَ الموت.
ها هو الشحرور!
فتاةٌ خائفةٌ
تخرجُ من بيتها.
العشبُ في العشبِ الرّطب.
مِن مسافةٍ كبيرة
أرى شارِعًا بأشجارٍ
منازلُهُ
والهواءُ المنعشُ للفصلِ
الّذي غالبًا ما يغيّرُ وجهتهُ
عربةٌ تمرُّ بأمتعةٍ بيضاء
تحتَ نبتِ أحراجِ الظّلال
الأيامُ تمضي إلى الأحلام
وما يتبقّى لي
في وقتٍ ضئيلٍ أحصيه.
عصافير.. أزهار وثمار
قشةٌ عاليةٌ جدًا في الفجر
هذه الهبّة
التّربة
ما الّذي يعبرُ من جسمٍ إلى آخر؟
نبعٌ خرجَ مِن مهدِ الجبال
لا نسمعُ
فقط عصافير بين الحجارة
بعيدًا جدًا
مطارقُ.
في الواقع هذا الشاعر، كأنّه آخر الشعراء الغنائيين من القلب إلى القلب. لكنها غنائية مكثفة غير مكشوفة، تلمع أحيانًا من غموضها، أو من شفافياتها الغامضة، لكن من دون تعقيد أو إبهام فهو ليس لاعب أشكال، ولا مفجّر لغات، ولا هاوي نحت، أو حفر، أو كسر. على العكس، بساطته تشبه بساطة بول إيلوار أو ناظم حكمت، أو لوركا لكنها بساطة مفخخة، مركّبة في تجربتها اللغويّة، مصفّاة في بنيتها وقاموسها، يذكّر بأشعار الكبير جورج شحادة أو الإيطالي يوغاريني. مع هذا، وعلى الرغم من تأثره بالشّعر الفرنسي، فإننا نجدُ في قصائده ما يُحيل إلى شعراء ألمان كهولدرلن، وخصوصًا جورج تراكل.
كأنّني أراهُ تسرَّب إلى معماريّة البلياد المُفخَّمة كدمعة، أو كهمسة، أو كقطرة جدول.. أو بريق نجمة، أحببته مُذ تعرّفت على شعره قبل نحو 40 عامًا، وترجمتُ له قصائد في مجلّات عديدة. ضاعَت وضاعَت معها تلكَ الذكريات، كما يضيعُ أيّ شيء.
أوان البذر
كنّا نتمنّى الحفاظ على النّقاء،
للشرّ ما يفوقُ الحقيقة
كنّا نتمنّى ألا نُكِنّ ضغينةً
مع أنّ العاصفة تبلبلُ الحبوب
من يعلمُ؟
كمْ أنّ الحبوبَ خفيفة
يشكِّك في عبادةِ الرّعد.
أنا خطُّ الأشجارِ غير المُلتبس
حيثُ تخفقُ حمائمُ الهواء بأجنحتها!
أنتَ الذي نداعبهُ حيثُ يولدُ الشّعر...
لكنْ تحتَ الأصابع التّي خيّبتها المسافة
تنكسرُ الشّمس النّاعمة كقشّة.
يتربّعُ النهارُ فيّ كَثَورٍ:
كأنّما على وشكِ الاعتقاد بأنّه قويّ...
لوْ كانَ بالإمكانِ تركُ التوريرو
وتأخيرُ تنفيذِ الموتِ قليلًا.
آه
! أيّام الرّبيع الأولى
لاعبينَ في ساحةِ المدرسة
بينَ حصتين منَ الرّيح.
أنا متلهّفٌ وقلق:
منْ يعرفُ الجروحَ؟
ومنْ يعرفُ الكنوزَ التي تحملُها حياةٌ أخرى؟
يستطيعُ ربيعٌ
أنْ يتفجَّرَ فرحًا أو يهبّ نحوَ الموت.
ها هو الشحرور!
فتاةٌ خائفةٌ
تخرجُ من بيتها.
العشبُ في العشبِ الرّطب.
مِن مسافةٍ كبيرة
أرى شارِعًا بأشجارٍ
منازلُهُ
والهواءُ المنعشُ للفصلِ
الّذي غالبًا ما يغيّرُ وجهتهُ
عربةٌ تمرُّ بأمتعةٍ بيضاء
تحتَ نبتِ أحراجِ الظّلال
الأيامُ تمضي إلى الأحلام
وما يتبقّى لي
في وقتٍ ضئيلٍ أحصيه.
عصافير.. أزهار وثمار
قشةٌ عاليةٌ جدًا في الفجر
هذه الهبّة
التّربة
ما الّذي يعبرُ من جسمٍ إلى آخر؟
نبعٌ خرجَ مِن مهدِ الجبال
لا نسمعُ
فقط عصافير بين الحجارة
بعيدًا جدًا
مطارقُ.