الحاكم بأمر الله
في سنة ٩٩٦ م ، توفي الخليفة العزيز الفاطمي ، فخلفه ابنه أبو علي المنصور بلقب الحاكم بأمر الله ، وكان صبياً صغيراً ، فأديرت أمور الدولة من قبل عدد من الرجال إلى أن بلغ من السن ما مكنه من مباشرة الحكم بنفسه ، وما أن فعل ذلك حتى طبع العصير بطابعه الخاص ، ونظراً لكثرة ما قام به من أعمال اتسمت بالتناقض الظاهري الشديد ، ثم النهاية التي آل اليها ، اختلفت آراء الناس فيه في القديم والحديث ، فالدروز رفعوه الى المنزلة الإلهية، ويحيى بن سعيد الأنطاكي - وكان من معاصريه وسمه بالاصابة بالماليخوليا والجنون ، وفي القرن الثاني عشر الميلادي اعتبر المؤرخ الحلبي العظيمي رأي الأنطاكي دليلا على عدم الفهم ، وقصوراً في الإدراك ، وفي الوقت نفسه وصف وليم الصوري ـ وهو كبير المؤرخين الصليبيين اللاتين - الحاكم بتنين الرعب ، وفي عصرنا رأى بعض الكتاب في شخصية الحاكم لغزاً يستحيل حله ، ورأى آخرون فيه الشر والكفر وقام عبد المنعم ماجد فرفعه الى منزلة أبي بكر وعمر . والحق أن وصف كل من الأنطاكي ووليم الصوري متأثر إلى أبعد المحدود بعقيدة الرجلين ، وهي المسيحية ، ذلك أن الحاكم اتبع سياسة خاصة متشددة تجاه أهل الذمة من يهود و نصارى ، وكان باعثه على اتباع هذه السياسة هو أنه كان يعمل على تأسيس عقيدة جديدة ، أراد أن الناس عليها إن طوعاً وإن كرها . يجمع
ويبدو ، أن الحاكم أراد أن يزلزل أركان مجتمع دولته ، خاصة في مصر فكان يصدر الأوامر الغريبة ثم يلغيها ، ويصدر غيرها وهكذا ، ولعله ابتغى من وراء ذلك تمهيد الطريق أمام عقيدته الجديدة ، ثم اقناع الناس بأنه فقط فعال لما يريد . ولم يكتف الحالم بالأخذ بهذه الوسيلة ، بل عمد الى الإكثار من سفك الدماء، خاصة دماء كبار رجالات الدولة ، ولعله أراد من وراء هذا إزالة رجال العقيدة القائمة ، لإحلال أتباع العقيدة الجديدة محلهم ثم الإيحاء بأنه هو وحده قادر على أخذ الحياة ممن يشاء ، وساعة بشاء وله الحق في ذلك كاملا دون اعتراض وقد واجه الحاكم العديد من الثورات ، كان أولها وأكبرها ثورة أبي ركوة الذي ادعى أنه هشام بن الوليد الأموي الأندلسي ، وقام نشاطه بين البدو الذين كانوا يقطنون الأراضي الليبية المصرية ، وبعد جهود مضنية تسنى للحاكم القضاء على هذه الثورة. وأتى بعد هذه الثورة التي ساهمت فيها قبائل بني قره العربية ، ثورة أخرى فجرتها قبائل طى، في فلسطين ، وقد جلبت طيء واحداً من أشراف مكة ، وأعلنته خليفة في الرملة ، وتيسر أيضاً للحاكم القضاء على هذه الثورة ، ثم واجه بعد هذا جيشانا شعبياً في بلاد الشام ، تزعمه الأحداث ، وقد نجح احداث مدينة صور بزعامة ملاح اسمه علاقة في انتزاع زمام الأمور في بلدتهم من الفاطميين ، وقام العلاقة بإعلان استقلاله ، وضرب نقوده الخاصة ، وكانت ردة فعل الحاكم تجاه هذه الثورة في غاية الشدة، حيث بعث اسطوله ضد صور ، وأردفه يجيش بري ، واستطاع الفاطميون أخذ صور ، وأوقعوا الهزيمة بالعلاقة وأسروه ، حيث حمل الى القاهرة ، وهناك سلخ هذا الثائر حياً ، وصلب بظاهر القاهرة
وعندما شعر الحاكم باستتباب الأمور له ، بدأ بتحركه الديني ، فكان أن تخلى عن ملابسه المزركشة بالذهب ، ولبس الصوف وتظاهر بالزهد ، للدعاة بالقول بأن الإله قد حل فيه ، وقد نجم عن هذا و سمح التحرك الديني الجديد عقيدة جديدة عرفت باسم عقيدة التوحيد ، وشهرت باسم الحركة الدرزية ، فما خلفيات حركة الحاكم ، ثم ما هي المضامين العامة
للعقيدة الجديدة ؟ . إن الإجابة على الشطر الأول من هذا السؤال نجدها في الكتابات الدينية الاسماعيلية ، فمن المعلوم أن مذاهب الشيعة العامة تطورت حول مسألة الإمامة ، وفي نفس الوقت طورت هذه المسألة وأغنتها بمواد جديدة ، وصور مبدعة ، ويمكن ملاحظة هذا عند الاسماعيلية بشكل جلي ، فالإمام عندهم ( في كل عصر وزمان هو الأوحد المؤيد من قبل الله ، وكل من جعل له نداً أو عديلاً ، فقد أشرك ، كشركه بالله العظيم : والإمامة عند الاسماعيلية متصلة منذ بداية الخليقة ، لم تنقطع ولن تنقطع . ، وحتى ظهور الأنبياء لم يؤثر عليها ذلك أن الأنبياء كانوا أئمة ناطقين ، تواجد إلى جانب كل منهم إمام صامت ، والأئمة كما هو معلوم ليسوا على درجة واحدة، بل تفاوتوا بالمكانة . ومن منطلق السبعية ، رأى الاسماعيليون أن الأنبياء ذوي هم سبعة كل واحد منهم جاء بشريعة ( فالولاية لآدم عليه السلام ، وان الطهارة لنوح ، وإن الصلاة لابراهيم وأن الزكاة لموسى ، وأن الحج لمحمد ، وأن الجهاد للقائم ، فمن هو القائم هذا ؟ العزم
لقد استعارت الاسماعيلية وسواها من الأفلاطونية المحدثة تجربة تأويل النصوص المقدسة ، التي وجدت عند فيلون وتطورت أفلوطين
في سنة ٩٩٦ م ، توفي الخليفة العزيز الفاطمي ، فخلفه ابنه أبو علي المنصور بلقب الحاكم بأمر الله ، وكان صبياً صغيراً ، فأديرت أمور الدولة من قبل عدد من الرجال إلى أن بلغ من السن ما مكنه من مباشرة الحكم بنفسه ، وما أن فعل ذلك حتى طبع العصير بطابعه الخاص ، ونظراً لكثرة ما قام به من أعمال اتسمت بالتناقض الظاهري الشديد ، ثم النهاية التي آل اليها ، اختلفت آراء الناس فيه في القديم والحديث ، فالدروز رفعوه الى المنزلة الإلهية، ويحيى بن سعيد الأنطاكي - وكان من معاصريه وسمه بالاصابة بالماليخوليا والجنون ، وفي القرن الثاني عشر الميلادي اعتبر المؤرخ الحلبي العظيمي رأي الأنطاكي دليلا على عدم الفهم ، وقصوراً في الإدراك ، وفي الوقت نفسه وصف وليم الصوري ـ وهو كبير المؤرخين الصليبيين اللاتين - الحاكم بتنين الرعب ، وفي عصرنا رأى بعض الكتاب في شخصية الحاكم لغزاً يستحيل حله ، ورأى آخرون فيه الشر والكفر وقام عبد المنعم ماجد فرفعه الى منزلة أبي بكر وعمر . والحق أن وصف كل من الأنطاكي ووليم الصوري متأثر إلى أبعد المحدود بعقيدة الرجلين ، وهي المسيحية ، ذلك أن الحاكم اتبع سياسة خاصة متشددة تجاه أهل الذمة من يهود و نصارى ، وكان باعثه على اتباع هذه السياسة هو أنه كان يعمل على تأسيس عقيدة جديدة ، أراد أن الناس عليها إن طوعاً وإن كرها . يجمع
ويبدو ، أن الحاكم أراد أن يزلزل أركان مجتمع دولته ، خاصة في مصر فكان يصدر الأوامر الغريبة ثم يلغيها ، ويصدر غيرها وهكذا ، ولعله ابتغى من وراء ذلك تمهيد الطريق أمام عقيدته الجديدة ، ثم اقناع الناس بأنه فقط فعال لما يريد . ولم يكتف الحالم بالأخذ بهذه الوسيلة ، بل عمد الى الإكثار من سفك الدماء، خاصة دماء كبار رجالات الدولة ، ولعله أراد من وراء هذا إزالة رجال العقيدة القائمة ، لإحلال أتباع العقيدة الجديدة محلهم ثم الإيحاء بأنه هو وحده قادر على أخذ الحياة ممن يشاء ، وساعة بشاء وله الحق في ذلك كاملا دون اعتراض وقد واجه الحاكم العديد من الثورات ، كان أولها وأكبرها ثورة أبي ركوة الذي ادعى أنه هشام بن الوليد الأموي الأندلسي ، وقام نشاطه بين البدو الذين كانوا يقطنون الأراضي الليبية المصرية ، وبعد جهود مضنية تسنى للحاكم القضاء على هذه الثورة. وأتى بعد هذه الثورة التي ساهمت فيها قبائل بني قره العربية ، ثورة أخرى فجرتها قبائل طى، في فلسطين ، وقد جلبت طيء واحداً من أشراف مكة ، وأعلنته خليفة في الرملة ، وتيسر أيضاً للحاكم القضاء على هذه الثورة ، ثم واجه بعد هذا جيشانا شعبياً في بلاد الشام ، تزعمه الأحداث ، وقد نجح احداث مدينة صور بزعامة ملاح اسمه علاقة في انتزاع زمام الأمور في بلدتهم من الفاطميين ، وقام العلاقة بإعلان استقلاله ، وضرب نقوده الخاصة ، وكانت ردة فعل الحاكم تجاه هذه الثورة في غاية الشدة، حيث بعث اسطوله ضد صور ، وأردفه يجيش بري ، واستطاع الفاطميون أخذ صور ، وأوقعوا الهزيمة بالعلاقة وأسروه ، حيث حمل الى القاهرة ، وهناك سلخ هذا الثائر حياً ، وصلب بظاهر القاهرة
وعندما شعر الحاكم باستتباب الأمور له ، بدأ بتحركه الديني ، فكان أن تخلى عن ملابسه المزركشة بالذهب ، ولبس الصوف وتظاهر بالزهد ، للدعاة بالقول بأن الإله قد حل فيه ، وقد نجم عن هذا و سمح التحرك الديني الجديد عقيدة جديدة عرفت باسم عقيدة التوحيد ، وشهرت باسم الحركة الدرزية ، فما خلفيات حركة الحاكم ، ثم ما هي المضامين العامة
للعقيدة الجديدة ؟ . إن الإجابة على الشطر الأول من هذا السؤال نجدها في الكتابات الدينية الاسماعيلية ، فمن المعلوم أن مذاهب الشيعة العامة تطورت حول مسألة الإمامة ، وفي نفس الوقت طورت هذه المسألة وأغنتها بمواد جديدة ، وصور مبدعة ، ويمكن ملاحظة هذا عند الاسماعيلية بشكل جلي ، فالإمام عندهم ( في كل عصر وزمان هو الأوحد المؤيد من قبل الله ، وكل من جعل له نداً أو عديلاً ، فقد أشرك ، كشركه بالله العظيم : والإمامة عند الاسماعيلية متصلة منذ بداية الخليقة ، لم تنقطع ولن تنقطع . ، وحتى ظهور الأنبياء لم يؤثر عليها ذلك أن الأنبياء كانوا أئمة ناطقين ، تواجد إلى جانب كل منهم إمام صامت ، والأئمة كما هو معلوم ليسوا على درجة واحدة، بل تفاوتوا بالمكانة . ومن منطلق السبعية ، رأى الاسماعيليون أن الأنبياء ذوي هم سبعة كل واحد منهم جاء بشريعة ( فالولاية لآدم عليه السلام ، وان الطهارة لنوح ، وإن الصلاة لابراهيم وأن الزكاة لموسى ، وأن الحج لمحمد ، وأن الجهاد للقائم ، فمن هو القائم هذا ؟ العزم
لقد استعارت الاسماعيلية وسواها من الأفلاطونية المحدثة تجربة تأويل النصوص المقدسة ، التي وجدت عند فيلون وتطورت أفلوطين
تعليق