مصارعة الديوك هواية ومكسب في جنوب العراق
مباريات مصارعة الديوك تتسبب في العديد من المشاكل العائلية.
الثلاثاء 2023/02/28
رياضة الدم
رغم انتشار عشاق ومشجعي كرة القدم في عموم العراق إلا أن الكثير من العراقيين تستهويهم مصارعة الديوك، الرياضة القديمة والغريبة، ورغم ما فيها من دماء لكنها شغلتهم عن التلفزيون وعائلاتهم وزوجاتهم.
البصرة (العراق) - تحت ضوء خافت، تجمّع عراقيون حول حلبة لمشاهدة ديكين يلوحان بأجنحتهما ويتضاربان في مدينة البصرة الجنوبية، حيث تمارس هواية مصارعة الديوك منذ عقود.
يجلس عشرات من الهواة في إحدى الليالي ليشاهدوا واحدة من مباريات مصارعة الديوك على مدرجات ضيقة في مقهى شعبي، وهم يدخنون السجائر والنرجيلة ويشربون الشاي.
ويتناحر الديكان صاحبا العرف الأحمر، ويدوران حول بعضهما البعض على سجادة متسخة، في رقصة دموية، يقفزان تارةً، ويضربان رقاب بعضهما بعنف طوراً، ما يخلف بقع دم على الأرض.
تنتهي المواجهة التي قد تدوم ساعة أو ساعتين، إلى حين ينال التعب من الطائرين، أو يتدخل أحد أصحابهما ليعلن أن ديكه أرهق وهزم، كما يشرح رياض علي السبعيني الذي يمارس هذه الهواية منذ 20 عاماً تقريبا.
على مدى أكثر من ليلة، تتواصل تلك المصارعات التي تمارس منذ عقود في البصرة، أكبر مدن جنوب العراق والمطلة على الخليج.
وفي بلد لا يزال المجتمع فيه محافظاً ومتديناً إلى حد كبير، توضع مراهنات على اللعبة، على الرغم من أن المقامرة محرمة في الدين الإسلامي.
وعموماً، يضع فقط أصحاب الديوك رهانات على حيواناتهم، وأحياناً قليلة ينضمّ الجمهور للرهان أيضاً، والمكسب يتراوح بين 25 ألفاً و100 ألف دينار (20 إلى 75 دولاراً).
وفي حين أن هذه اللعبة ممنوعة في الكثير من الدول، إلا أنها لا تزال رائجة في بعضها، فهي مشهورة في الهند والفلبين، كما يسمح بها في بعض مناطق شمال فرنسا ومقاطعات ما وراء البحار الفرنسية.
يقول رياض علي “هذه لعبة شعبية من قديم الزمان. أنا من مواليد العام 1949، ولدت وهذه اللعبة موجودة، تعود إلى عشرينات القرن العشرين وربما قبل”.
وانخرط رياض في هذا الوسط منذ كان طفلاً، بعدما ورث هذه الهواية عن أبيه، ويقول إن هذه اللعبة وصلت إلى البصرة عبر القوارب التي رست في مينائها.
وينتشر في عموم المحافظات خصوصاً في البصرة والموصل وبغداد صراع الديوك المعروفة باسم “الهراتي” وهي ذات الأصول الأفغانية وتتميز عن غيرها بكبر حجمها وكثافة ريشها، فيما تتميز الديكة الهندية بسيقان قوية وعنق طويل فضلاً عن ثباتها وسرعة توجيهها للضربات القوية ويبلغ ثمنها الآلاف من الدولارات، وهي الأقوى والأفضل.
رقصة دموية
ويشاهد ناجي حمزة السبعيني أيضاً، هذه المصارعات منذ سبعينات القرن الماضي، على الرغم من أنها كانت “ممنوعة في أيام صدام حسين، وكانت تمارس في البيوت البعيدة وليس في المقاهي”، حسب قوله.
ويقول إنها هواية تسببت في العديد من المشاكل العائلية، فغالبا ما يفضل هؤلاء الهواة ديكتهم على زوجاتهم حين يوضعون في خيار قاس بين واحد منهم.
ويشارك محمد بدوره منذ العام 1992 في هذه المصارعات. وابتاع ديوكه الثلاثة من تركيا في مقابل 1100 إلى 900 دولار للرأس الواحد.
ويقول هذا الرجل الخمسيني “إنها هواية للترفيه خصوصاً في الشتاء، نأتي هنا بعد العصر نمضي ساعتين أو ثلاثاً ونرى الأصدقاء الذين تمتعهم هذه اللعبة أكثر من أي شيء آخر، حتى أكثر من التلفزيون ومن كرة القدم”.
وينص قانون اللعبة على أن يستمر الصراع بين الديكين لساعتين، وتحديدا لثماني جولات مدة كل منها 13 دقيقة، على أن تلي كل جولة استراحة لدقيقتين.
ويعتبر خاسرا الديك الذي ينهزم في ثلاث جولات، أي الديك الذي يلتصق رأسه بالأرض أكثر من دقيقة، علما أن صاحب الديك يمكن أن يسحبه من النزال بموافقة الحكم إذا رأى أنه قد يُقتل مثلا، ويعتبر حينها منسحبا ومنهزما.
ويقول محمد إن “الوقت المحدد للمصارعة هو ساعتان فقط، لكن أحيانا يتفق المربون على مواصلة النزال حتى النهاية”، ومن المفترض أن تتخلل النزال استراحة لدقيقة واحدة كل 10 دقائق يتم خلالها فحص الديكة المتصارعة من قبل أصحابها، وتنظيف مناقيرها وسقيها الماء البارد.
ويضيف “هذا صراع نطلق عليه اسم رياضة الدم التي تجمع الناس من كل المحافظات ومن كل الطبقات، وبينهم الضباط ورجال الأعمال والمسؤولون، في أجواء حماسية لا يمكن أن نختبرها مع أي رياضة أخرى”.
ويطلق المربّون على الديوك أسماء من يحبون، ويدافعون عنها بشراسة حتى أنه قد ينجم عنها خسارة أصدقاء، كما أنهم لا يتوانون عن توبيخ من يتعرض لها بشدة. ويكرس هؤلاء معظم أوقاتهم لتربيتها وتدريبها بشكل مكثف والعناية بها وفق نظام غذائي يشمل اللحوم والبيض وقشور الفاكهة ومواد أخرى.