نور الدين الشهيد
[ ت : ١١٧٤ م ]
بعد ما اغتيل عماد الدين زنكي سنة ١١٤٦ ، بعده ابنه نور الدين محمود ، واتخذ نور الدين مدينة حلب مقراً له ، وكان مثله مثل أبيه في الشجاعة والحزم والاخلاص والطموح ، إنما تميز على أبيه بتقواه وزهده ، وسلامة نيته ، وطهارة طويته ، فقد كان يعتقد بأن الله تعالى قد أوكل إليه مهمة اقتلاع الفرنجة من ديار العرب ، وتوحيد هذه الديار وأهليها ، تحت راية واحدة ، ولهدف واحد ، کا هي وكانت فاتحة أعمال نور الدين ، استعادة مدينة الرها من الصليبيين الذين استغلوا حادث اغتيال زنكي ، وتوقعوا انشغال أسرته بالصراع حول ميراثه العادة آنذاك ، فاحتلوها ثانية ، وبعد هذا بذل نور الدين جهد ما أوتيه من قوة وطاقات في سبيل إثارة الأمة ، وتنشيط روج الجهاد فيها ، وزرع مشاعر التضحية بين جميع أفرادها في كافة مناطق الأراضي العربية والاسلامية ، ويعتبر نور الدين بحق من أعظم القادة الذين اسهموا في ايجاد جيل مسلم جديد له روح جديدة ، تضحي في سبيل الجهاد والتحرير ، وتخترع السلاح ، وتبدع الخطط ، وتصنع كل ما يحتاجه الجهاد والتحرير ، وهي في نفس الوقت روح متحضرة ، تحب حياة الوحدة والجماعة ، وتعشق التعاون والتكاتف ، مثق فة
وتكره الفرقة وتمجها ، وتجسدت هذه الروح الجديدة في معظم أفراد الأمة ، وفي شخص نور الدين فيكان مثلاً أعلى ، وانموذجاً يقتدي به . ومكنت هذه الروح نور الدين سنة ١١٥٤ م من الذهاب إلى دمشق
بناء على دعوة أهلها له ، فوحد لأول مرة منذ قرون شمال الشام مع جنوبه ، وشملت هذه الوحدة أجزاء من الجزيرة وهي أيضاً التي سببت بناء العديد من الرباطات والمدارس ، والجامعات والمشافي ، وهي التي رعت الثقافة ، وشجعت المثقفين ، فنور الدين هو الذي شجع ابن عساكر على كتابة تاريخ لمدينة دمشق ، جاء في ثمانين مجلدة كبار ، وهذا أمر لم يعهد له مثيل في سير الأمم وتواريخها وكانت جميع المعارك وقعت بين العرب والصليبيين حتى هذا التاريخ غير فاصلة ، فبلاد الشام ، بلاد تساعد بنيتها الجغرافية على قيام كثير من القلاع والحصون ، وكانت معظم المدن والبلدان فيها ذات أسوار للدفاع ، لذا كان كلما حدثت معركة بين قوة مسلمة وأخرى صليبية ، كانت هذه المعركة غالباً ما تحدث قرب أسوار إحدى القلاع أو الحصون ، ولذلك كانت تستغرق وقتاً مديداً ، وتستهلك جهداً عظيماً دونما نتائج كبيرة ، وكان إذا ما حدت ووقع اشتباك في أحد مواقعه
وإذا كان حادث وفاة عماد الدين زنكي قد أنهى المرحلة الأولى من مراحل الوجود الصليبي في الشام ، فإن تسلم نور الدين لمدينة دمشق قد أنهى مرحلة حلب ، وابتدأ المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة دمشق ، وبلا شك كانت هذه المرحلة أهم مراحل التحرير وأخطرها فبعدما وحد" نور الدين بين شمال الشام وجنوبه ، اتخذ من دمشق مركزاً عدداً وقاد من دمشق الحملات ضد الصليبيين ، وخاض لأعماله من العديد من المعارك معهم
وتدمر مع . الحصينة القريبة ، فيتخذ موقف الدفاع ، ولذا طال أمد الحروب الصليبية ، فاحتاجت إلى تكاليف باهظة ، وبات على العرب وقادتهم تأمين الموارد الكافية من الرجال والمؤن ، والسلاح والمال لنفقات هذه الحروب ، وبنفس الوقت العمل من أجل خلق ظروف وحالات مواتية القيام معركة فاصلة العدو ، تحطم فيها قواه العسكرية مؤسساته الحربية ، وبذلك يسهل اقتلاعه
وبعد ما وحمد نور الدين الشام والجزيرة • نظر أمامه فرأى مصر بمواردها الهائلة ، وطاقاتها الجبارة ، وموقعها الممتاز ، وكان الحكم في مصر على غاية من الضعف والتمزق والفوضى ، وأراد نور الدين انقاذ مصر وضمها إلى الوحدة ، وادخال الروح الجديدة التي حلت بالشام إليها ، كما ود أن تستخدم طاقات مصر ومواردها لتزج في المعركة بدلاً من التبعثر والهدر والضياع وكان من حين ما تصدى نور الدين للفرنجة ، ألقى في روعهم أن الشام صارت سداً فولاذيا أمامهم، وإنه لم يبق أمامهم إلا البحر أو مصر ، لهذا أراد الصليبيون احتلال مصر وأرادوا الاستفادة منها ومن وأن يحولوا بين العرب وبين تطويقهم ، والعمل في سبيل القضاء عليهم واقتلاعهم ، لهذا جردوا عدة حملات ضد مصر : لكن " نور الدين تمكن من احباط خططهم ، ونجح سنة ١١٦٧ في توحيد مصر مع بلاد الشام والجزيرة وفي سنة ۱۱۷۱ م ألغيت الخلافة الفاطمية ، كما تم الاستيلاء على ليبيا واليمن ، وشهدت مصر قيام حياة جديدة ، ويقظة متفتحة ، وأخذت تستعد لتأخذ دورها أعمال التحرير ، وطوقت الآن ممتلكات الفرنجة ، وأعدة نور الدين قواته من أجل المعركة الفاصلة ، وكان موقناً من أن مواردها ،
[ ت : ١١٧٤ م ]
بعد ما اغتيل عماد الدين زنكي سنة ١١٤٦ ، بعده ابنه نور الدين محمود ، واتخذ نور الدين مدينة حلب مقراً له ، وكان مثله مثل أبيه في الشجاعة والحزم والاخلاص والطموح ، إنما تميز على أبيه بتقواه وزهده ، وسلامة نيته ، وطهارة طويته ، فقد كان يعتقد بأن الله تعالى قد أوكل إليه مهمة اقتلاع الفرنجة من ديار العرب ، وتوحيد هذه الديار وأهليها ، تحت راية واحدة ، ولهدف واحد ، کا هي وكانت فاتحة أعمال نور الدين ، استعادة مدينة الرها من الصليبيين الذين استغلوا حادث اغتيال زنكي ، وتوقعوا انشغال أسرته بالصراع حول ميراثه العادة آنذاك ، فاحتلوها ثانية ، وبعد هذا بذل نور الدين جهد ما أوتيه من قوة وطاقات في سبيل إثارة الأمة ، وتنشيط روج الجهاد فيها ، وزرع مشاعر التضحية بين جميع أفرادها في كافة مناطق الأراضي العربية والاسلامية ، ويعتبر نور الدين بحق من أعظم القادة الذين اسهموا في ايجاد جيل مسلم جديد له روح جديدة ، تضحي في سبيل الجهاد والتحرير ، وتخترع السلاح ، وتبدع الخطط ، وتصنع كل ما يحتاجه الجهاد والتحرير ، وهي في نفس الوقت روح متحضرة ، تحب حياة الوحدة والجماعة ، وتعشق التعاون والتكاتف ، مثق فة
وتكره الفرقة وتمجها ، وتجسدت هذه الروح الجديدة في معظم أفراد الأمة ، وفي شخص نور الدين فيكان مثلاً أعلى ، وانموذجاً يقتدي به . ومكنت هذه الروح نور الدين سنة ١١٥٤ م من الذهاب إلى دمشق
بناء على دعوة أهلها له ، فوحد لأول مرة منذ قرون شمال الشام مع جنوبه ، وشملت هذه الوحدة أجزاء من الجزيرة وهي أيضاً التي سببت بناء العديد من الرباطات والمدارس ، والجامعات والمشافي ، وهي التي رعت الثقافة ، وشجعت المثقفين ، فنور الدين هو الذي شجع ابن عساكر على كتابة تاريخ لمدينة دمشق ، جاء في ثمانين مجلدة كبار ، وهذا أمر لم يعهد له مثيل في سير الأمم وتواريخها وكانت جميع المعارك وقعت بين العرب والصليبيين حتى هذا التاريخ غير فاصلة ، فبلاد الشام ، بلاد تساعد بنيتها الجغرافية على قيام كثير من القلاع والحصون ، وكانت معظم المدن والبلدان فيها ذات أسوار للدفاع ، لذا كان كلما حدثت معركة بين قوة مسلمة وأخرى صليبية ، كانت هذه المعركة غالباً ما تحدث قرب أسوار إحدى القلاع أو الحصون ، ولذلك كانت تستغرق وقتاً مديداً ، وتستهلك جهداً عظيماً دونما نتائج كبيرة ، وكان إذا ما حدت ووقع اشتباك في أحد مواقعه
وإذا كان حادث وفاة عماد الدين زنكي قد أنهى المرحلة الأولى من مراحل الوجود الصليبي في الشام ، فإن تسلم نور الدين لمدينة دمشق قد أنهى مرحلة حلب ، وابتدأ المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة دمشق ، وبلا شك كانت هذه المرحلة أهم مراحل التحرير وأخطرها فبعدما وحد" نور الدين بين شمال الشام وجنوبه ، اتخذ من دمشق مركزاً عدداً وقاد من دمشق الحملات ضد الصليبيين ، وخاض لأعماله من العديد من المعارك معهم
وتدمر مع . الحصينة القريبة ، فيتخذ موقف الدفاع ، ولذا طال أمد الحروب الصليبية ، فاحتاجت إلى تكاليف باهظة ، وبات على العرب وقادتهم تأمين الموارد الكافية من الرجال والمؤن ، والسلاح والمال لنفقات هذه الحروب ، وبنفس الوقت العمل من أجل خلق ظروف وحالات مواتية القيام معركة فاصلة العدو ، تحطم فيها قواه العسكرية مؤسساته الحربية ، وبذلك يسهل اقتلاعه
وبعد ما وحمد نور الدين الشام والجزيرة • نظر أمامه فرأى مصر بمواردها الهائلة ، وطاقاتها الجبارة ، وموقعها الممتاز ، وكان الحكم في مصر على غاية من الضعف والتمزق والفوضى ، وأراد نور الدين انقاذ مصر وضمها إلى الوحدة ، وادخال الروح الجديدة التي حلت بالشام إليها ، كما ود أن تستخدم طاقات مصر ومواردها لتزج في المعركة بدلاً من التبعثر والهدر والضياع وكان من حين ما تصدى نور الدين للفرنجة ، ألقى في روعهم أن الشام صارت سداً فولاذيا أمامهم، وإنه لم يبق أمامهم إلا البحر أو مصر ، لهذا أراد الصليبيون احتلال مصر وأرادوا الاستفادة منها ومن وأن يحولوا بين العرب وبين تطويقهم ، والعمل في سبيل القضاء عليهم واقتلاعهم ، لهذا جردوا عدة حملات ضد مصر : لكن " نور الدين تمكن من احباط خططهم ، ونجح سنة ١١٦٧ في توحيد مصر مع بلاد الشام والجزيرة وفي سنة ۱۱۷۱ م ألغيت الخلافة الفاطمية ، كما تم الاستيلاء على ليبيا واليمن ، وشهدت مصر قيام حياة جديدة ، ويقظة متفتحة ، وأخذت تستعد لتأخذ دورها أعمال التحرير ، وطوقت الآن ممتلكات الفرنجة ، وأعدة نور الدين قواته من أجل المعركة الفاصلة ، وكان موقناً من أن مواردها ،
تعليق