أبو فضل بن الخشاب
عاشت بلدان العالم الاسلامي في القرن الخامس الهجري حالات من التمزق السياسي والضعف العام وبرز هذا في النصف الثاني من هذا القرن في بلاد الشام والأندلس بشكل خاص ، فالشام عاش في فوضى مدمرة ، وفقدان للامن والاستقرار بسبب تدفق التركمان على أراضيه ، وعانت بلاد الاندلس من التمزق ، ومما فرضته عليها حروب الاسترداد الصليبية آنذاك
وفي ذروة الضعف والدمار ، والعنف والعذاب ، والتناحر الداخلي ، وصل إلى مشارف الشام سنة ۱۰۹۸م حشود هائلة من نصارى أوربة الغربية ، استهدفت أولاً الوصول إلى بيت المقدس القضاء على العرب وإزالة الإسلام والمسلمين من الوجود ، حضارة وعقيدة
ودخلت جموع الغزاة الشام ، وعانت في دياره واستولت على كثير من مدنه وبلدانه ، وقتلت وأحرقت ودمرت دون أن تلقى مقاومة منظمة جماعية ، واستقرت حشود الغزاة في سواحل الشام و مناطق من بلدانه الداخلية في الشمال والجنوب
ودعا المؤرخون ما قام به هؤلاء الغزاة باسم الحروب الصليبية ، وأطلقوا تعميماً على الغزاة اسم الفرنجة ، وبحث هؤلاء في أسباب قيام هذه الحروب ، فربطوها بعوامل أوربية داخلية سياسية ، ودينية ،
حلات سبع من المغالطة مع - الأساسي ديني . ريب هي واجتماعية اقتصادية، وحين بحثوا في مراحلها جعلوها في كبيرة وأحيانا أكثر ذلك ، وفي هذا التقسيم والتعليل شيئا من المنطق بالنسبة للباحث الأوربي ، إنما يحوي ذلك على قسط كبير من تغافل عن حقيقة الأمور ، ووقائع التاريخ الصحيحة ، ذلك أن حشود الغزاة الصليبيين ، لم تكن أول قوات نصرانية - دافعها تغزو هذه البلاد ، ثم إن عدداً كبيراً من رجالات الصليبيين كان قد سبق لهم العمل كمر تزقة في جيوش الامبراطورية البيزنطية ، وقاتلوا ضد المسلمين في الشرق ، وكانوا على دراية باسلحة وطرق قتالهم مع أوضاعهم العامة ولا أن الحروب الصليبية حلقة من حلقات صراع عميق الجذور في التاريخ ، تجد فيما بعد القرن السابع للميلاد بين الإسلام وأوربة المسيحية ، والأوربي مهما تجرد ، تبقى هذه الحروب جزءاً من تاريخه وأسجاده ، يستلهمها كل حين، خاصة أيامنا هذه التي ينادي فيها بالوحدة الأوربية على أساس شعبي عام، ولم يحدث أن أجمعت أوربة قط إلا على عداء الإسلام والمسلمين أن رجال الحروب الصليبية هم سلف الباحث الأوربي ، نشأ على حبهم ، وتقديس ذكراهم، واتخاذهم مثلا أعلى له ، لهذا مجد الباحثون الأوربيون رجال الصليبيين وسوغوا أعمالهم ، وأضفوا عليهم صفاتــــا علوية ، فوق صفات البشر في الشجاعة والطاقات ، حتى جعلوا منهم قديسين أن واقع الحال لم يكن هكذا أبداً ، فالصليبيون كانوا بشراً أدنى من سواهم ثقافة وحضارة ، وحق شجاعة ومعرفة بفنون القتال ، ولقد حققوا انتصاراتهم في بلاد الشام لانهم واجهوا خصماً أنهكنه الفتن ، ومزقته الفرقة ، وكان وجودهم في المشرق مرتبط) . مع
، مما النهاية لقد نجح الصليبيون في بداية تواجدهم في الشام في اقامة أربع دول تمركزت في الرها ، انطاكية ، القدس ، وطرابلس ، وفي مواجهة ذلك كان المسلمين عدة اقطاعيات ودولتان ، واحدة في حلب وأخرى في دمشق ، وكان الصراع على أشده بين حكام الشام منح الفرنجة الفرصة لتمتين الاركان ، ثم التخطيط لشيء جديد واستهدفوا في البداية احتلال حلب للاطباق بعدها على الشام كله وأدرك سكان حلب هذا ، وتغافل عنه الحكام ، فقام أهل حلب .
لا بقوتهم بل بضعف العرب وتمزق قواهم أنه لمن الخطأ والحال كما وصفت ان تتم دراسة تاريخ الحروب الصليبية ، وكأن هذا التاريخ قطعة من التاريخ الأوربي البحت ، وجزء منه لا يتجزأ ، ذلك أن أحداث الحروب الصليبية كان مسرحها الشرق ، وفي هذا الشرق يمكن فقط أن ندرك أسرار نجاح الصليبين في البداية ، مع مراحل تاريخ وجودهم في الشام ، ثم اخفاقهم في
بعدة حركات وانتفاضات ابتغوا من ورائها اسقاط الحكم التركماني في مدينتهم ، واستبداله بحكم شعبي يتزعمه رجال منظمة الأحداث، وظل الحلبيون يجهدون في هذا السبيل قرابة عقدين من الزمن حتى تحقق لهم ما أرادوه ." وجرت العادة في الغرب الأوربي على تقسيم تاريخ الحروب الصليبية مراحل أو أكثر ، وذلك حسب عدد الحملات الكبرى التي جاءت من الغرب ، وفي الحقيقة هذا غير مطابق لما حصل ، ذلك أن الصليبين لم يتوقف تدفقهم على الشام براً وبحراً باحجام مختلفة ونميات متفاوتة ، ولهذا من العبث الحديث عن حملات ، فلقد كان هناك حملة واحده بدأت قبل ۱۰۹۸م وانتهت بتصفية آخر معاقل الفرنجة بالشام . إلى سبع
6 وعندما نرفض التقسيم الذي أبدع في الغرب ، من الممكن استبداله بالقول بأن تواجد الفرنجة في الشام بعد تأسيس دولهم قد مر باربع مراحل تعلقت بمراحل الاستفاقة وأعمال التحرير ، وقد ارتبطت كل مرحلة من هذة المراحل باسم مدينة إسلامية وتأثرت أبعد التأثير بدرجة الوعي والوحدة بين صفوف المسلمين ، ومراحل التحرير بعد الصمود هي: مرحلة الموصل ، تليها مرحلة حلب ، ثم مرحلة دمشق ، وأخيراً مرحلة القاهرة ، فمن الموصل انطلقت أول قوات التحرير المنظم وبقوات الموصل امكن الانتقال من حالة الدفاع والانحسار العربي ، إلى حالة الهجوم واسترداد الأرض ، وتحرير الانسان ، ومن حلب أمكن صنع الوحدة بين شمال الشام وجنوبه ، ومن دمشق قيدت جيوش حطين وأخيراً تحملت القاهرة مسؤولية العبء الأكبر في أعمال تصفية وجود الفرنجة واقتلاعهم نهائياً وقد انجبت كل مرحلة من هذه المراحل أيضاً قائداً متميزاً أو أكثر ، ففي مرحلة الموصل نجد زنكي ، وفي مرحلة حلب عندنا نور الدين محمود ، وفي مرحلة دمشق قاد صلاح الدين النصر في حطين ، وفي مرحلة القاهره لا شك أن الظاهر بيبرس كان العملاق بين قادة المسلمين. ومن المعروف أن الصليبيين بعد ما استولوا على طرابلس ، هدفوا نحو الاستيلاء على حلب ، لسد ثغرة بين الرها وأنطاكية وللاطباق على الشام كله لتحويله لاتينياً ، وبعدما أغاروا مراراً على حلب قاموا سنة ٥١٨ ه / ١١٢٤ م بتحضير كل شيء للاستيلاء على حلب ، وحشدوا قواهم جميعا مع قوى بعض الاقطاعيين العرب والتركمان ، وألقوا الحصار على المدينة وقام أهل حلب بتنظيم الدفاع عن مدينتهم ، وشكلوا هيئة دفاع .
عامة رأسها قاضي المدينة أبو الفضل بن الخشاب ، وأخذ المهاجمون يشددون الضغط على حلب ، وقطعوا الشجر ، وخربوا مشاهد كثيرة ، ونبشوا قبور موتى المسلمين ، وأخذوا توابيتهم إلى الخيم ، وجعلوها أوعية لطعامهم ، وسلبوا الأكفان ، وعمدوا إلى ما كان من الموتى لم تنقطع أوصاله ، فربطوا في أرجلهم الحبال ، وسحبوهم مقابل المسلمين ، وجعلوا يقولون : « هذا نبيكم محمد ، وآخر يقول : هذا عليكم ، وأخذوا مصحفاً من بعض المشاهد بظاهر حلب ، وقالوا : يا مسلم أبصر كتابكم ، وثقبه الفرنجي ، وشده بخيطين ، وعمله نفرا ) النفر : السير الذي يوضع في مؤخر السرج ) ، لبرذونــه ، وأقاموا كلما ظفروا بمسلم قطعوا يديه ، ومذاكيره ، ودفعوه إلى المسلمين » .
ولم يؤثر هذا على الحلبيين وظلت معنوياتهم عالية قوية ، واصرارهم شديداً ، ونقصت مؤن الحلبيين : وبلغ بهم الضر إلى حالة عظيمة حتى أكلوا الميتات والجيف ، ووقع فيهم المرض ، ويحدثنا أحد زعماء المقاومة بأن الحلبيين و كانوا في وقت الحصار مطروحين من المرض في أزقة البلد ، فإذا زحف الفرنج وضرب بوق الفزع ، قاموا كأنما نشطوا من عقال ، وقاتلوا حتى يردوا الفرنج ، ثم يعود كل واحد من المرضى إلى فراشه » .
واشتد الحصار وطال ، وهنا قرر الحلبيون ارسال وقد يتوجه نحو الجزيرة وسواها يطلب العون من حكامها ، وفي الليل تسرب وفد جمع عدداً القضاة ، وفي قسوة الشتاء ، سافر الوفد أولاً إلى ماردين حيث اعتقل أفراده من قبل حاكمها ، بحجة التغرير ، ويحدثنا القاضي أبو غانم - جد ابن العديم مؤرخ حلب - بقوله : ( فأعملنا الحيلة من
= الذي كنا في الحرب إلى الموصل ، وأن نمضي إلى البرستي صاحب الموصل - ونستصرخ به ، ونستنجده ، فتحدثنا مع من يهربنا ، وكان للمنزل باب يصر صريراً عظيماً إذا فتح ، أو أغلق ، فأمرنا بعض أصحابنا أن يطرح في صائر الباب زيتاً ، ويعالجه لنفتحه عند الحاجة ، ولا يعلم الجماعة الموكلون بنا إذا فتحناه بما نحن فيه ، وواعدنا الغلمان إذا جن الليل ان يسرجوا الدواب ، ويأتونا بها ، ونخرج خفية في جوف الليل ، ونركب ونمضي . قال : كان الزمان شتاء والثلج كثير على الأرض . . فلما نام الموكلون بنا ، جاء الغلمان بأسرهم ، إلا غلامي ياقوت وأخبر غلمان رفاقي أن قيد الدابة تعسر عليه فتحه ، وامتنع كره ، فضاقت صدورنا لذلك ، وقلت لأصحابي : قوموا أنتم ، وانتهزوا الفرصة ، ولا تنتظروني ، فقاموا وركبوا ، الدليل معهم يدلهم على الطريق ، ولم يعلم الموكلون بنا بشيء مما تخفيه ، وبقيت وحدي من بينهم مفكراً. لا يأخذني نوم ، حتى كان وقت السحر ، فجاءني ياقوت بالدابة ، وقال الساعة انكسر القيد ، قال : فقمت ، وركبت لا أعرف الطريق ، ومشيت في الثلج أطلب الجهة التي أقصدها ، قال : فما طلع الصبح الا أنا وأصحابي الذين سبقوني في مكان واحد ، وقد ساروا من أول الليل ، وسرت من آخره ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فنزلنا وصلينا الصبح ، وركبنا وحثثنا دوابنا ، وأعملنا السير ، وصلنا الموصل . . حتى
وفي الموصل قابل الوفد البرسقي حاكم المدينة ، واستطاع اثارته واقناعه بالذهاب على رأس قواته لانجاد حلب ، وعندما أشرفت
عساكر الموصل على مدينة حلب ، رحلت قوات الصليبيين منسحبة ، وهكذا نجت حلب ، وكان هذا الحادث نهاية مرحلة الصمود الاسلامي امام موجة الغزو العارمة ، وبالتالي بداية عهد التحرير لقد كتبت حلب بصمودها ملحمة عظمى من ملاحم تاريخ الاسلام وصان جهادها شرف الحضارة العربية ، فكان ذلك نقطة تحول عظمى في تاريخ العالم ، لانه كما بين آرنولد تويني لو سقطت حلب لصــــــار الشرق لا تنسا
عاشت بلدان العالم الاسلامي في القرن الخامس الهجري حالات من التمزق السياسي والضعف العام وبرز هذا في النصف الثاني من هذا القرن في بلاد الشام والأندلس بشكل خاص ، فالشام عاش في فوضى مدمرة ، وفقدان للامن والاستقرار بسبب تدفق التركمان على أراضيه ، وعانت بلاد الاندلس من التمزق ، ومما فرضته عليها حروب الاسترداد الصليبية آنذاك
وفي ذروة الضعف والدمار ، والعنف والعذاب ، والتناحر الداخلي ، وصل إلى مشارف الشام سنة ۱۰۹۸م حشود هائلة من نصارى أوربة الغربية ، استهدفت أولاً الوصول إلى بيت المقدس القضاء على العرب وإزالة الإسلام والمسلمين من الوجود ، حضارة وعقيدة
ودخلت جموع الغزاة الشام ، وعانت في دياره واستولت على كثير من مدنه وبلدانه ، وقتلت وأحرقت ودمرت دون أن تلقى مقاومة منظمة جماعية ، واستقرت حشود الغزاة في سواحل الشام و مناطق من بلدانه الداخلية في الشمال والجنوب
ودعا المؤرخون ما قام به هؤلاء الغزاة باسم الحروب الصليبية ، وأطلقوا تعميماً على الغزاة اسم الفرنجة ، وبحث هؤلاء في أسباب قيام هذه الحروب ، فربطوها بعوامل أوربية داخلية سياسية ، ودينية ،
حلات سبع من المغالطة مع - الأساسي ديني . ريب هي واجتماعية اقتصادية، وحين بحثوا في مراحلها جعلوها في كبيرة وأحيانا أكثر ذلك ، وفي هذا التقسيم والتعليل شيئا من المنطق بالنسبة للباحث الأوربي ، إنما يحوي ذلك على قسط كبير من تغافل عن حقيقة الأمور ، ووقائع التاريخ الصحيحة ، ذلك أن حشود الغزاة الصليبيين ، لم تكن أول قوات نصرانية - دافعها تغزو هذه البلاد ، ثم إن عدداً كبيراً من رجالات الصليبيين كان قد سبق لهم العمل كمر تزقة في جيوش الامبراطورية البيزنطية ، وقاتلوا ضد المسلمين في الشرق ، وكانوا على دراية باسلحة وطرق قتالهم مع أوضاعهم العامة ولا أن الحروب الصليبية حلقة من حلقات صراع عميق الجذور في التاريخ ، تجد فيما بعد القرن السابع للميلاد بين الإسلام وأوربة المسيحية ، والأوربي مهما تجرد ، تبقى هذه الحروب جزءاً من تاريخه وأسجاده ، يستلهمها كل حين، خاصة أيامنا هذه التي ينادي فيها بالوحدة الأوربية على أساس شعبي عام، ولم يحدث أن أجمعت أوربة قط إلا على عداء الإسلام والمسلمين أن رجال الحروب الصليبية هم سلف الباحث الأوربي ، نشأ على حبهم ، وتقديس ذكراهم، واتخاذهم مثلا أعلى له ، لهذا مجد الباحثون الأوربيون رجال الصليبيين وسوغوا أعمالهم ، وأضفوا عليهم صفاتــــا علوية ، فوق صفات البشر في الشجاعة والطاقات ، حتى جعلوا منهم قديسين أن واقع الحال لم يكن هكذا أبداً ، فالصليبيون كانوا بشراً أدنى من سواهم ثقافة وحضارة ، وحق شجاعة ومعرفة بفنون القتال ، ولقد حققوا انتصاراتهم في بلاد الشام لانهم واجهوا خصماً أنهكنه الفتن ، ومزقته الفرقة ، وكان وجودهم في المشرق مرتبط) . مع
، مما النهاية لقد نجح الصليبيون في بداية تواجدهم في الشام في اقامة أربع دول تمركزت في الرها ، انطاكية ، القدس ، وطرابلس ، وفي مواجهة ذلك كان المسلمين عدة اقطاعيات ودولتان ، واحدة في حلب وأخرى في دمشق ، وكان الصراع على أشده بين حكام الشام منح الفرنجة الفرصة لتمتين الاركان ، ثم التخطيط لشيء جديد واستهدفوا في البداية احتلال حلب للاطباق بعدها على الشام كله وأدرك سكان حلب هذا ، وتغافل عنه الحكام ، فقام أهل حلب .
لا بقوتهم بل بضعف العرب وتمزق قواهم أنه لمن الخطأ والحال كما وصفت ان تتم دراسة تاريخ الحروب الصليبية ، وكأن هذا التاريخ قطعة من التاريخ الأوربي البحت ، وجزء منه لا يتجزأ ، ذلك أن أحداث الحروب الصليبية كان مسرحها الشرق ، وفي هذا الشرق يمكن فقط أن ندرك أسرار نجاح الصليبين في البداية ، مع مراحل تاريخ وجودهم في الشام ، ثم اخفاقهم في
بعدة حركات وانتفاضات ابتغوا من ورائها اسقاط الحكم التركماني في مدينتهم ، واستبداله بحكم شعبي يتزعمه رجال منظمة الأحداث، وظل الحلبيون يجهدون في هذا السبيل قرابة عقدين من الزمن حتى تحقق لهم ما أرادوه ." وجرت العادة في الغرب الأوربي على تقسيم تاريخ الحروب الصليبية مراحل أو أكثر ، وذلك حسب عدد الحملات الكبرى التي جاءت من الغرب ، وفي الحقيقة هذا غير مطابق لما حصل ، ذلك أن الصليبين لم يتوقف تدفقهم على الشام براً وبحراً باحجام مختلفة ونميات متفاوتة ، ولهذا من العبث الحديث عن حملات ، فلقد كان هناك حملة واحده بدأت قبل ۱۰۹۸م وانتهت بتصفية آخر معاقل الفرنجة بالشام . إلى سبع
6 وعندما نرفض التقسيم الذي أبدع في الغرب ، من الممكن استبداله بالقول بأن تواجد الفرنجة في الشام بعد تأسيس دولهم قد مر باربع مراحل تعلقت بمراحل الاستفاقة وأعمال التحرير ، وقد ارتبطت كل مرحلة من هذة المراحل باسم مدينة إسلامية وتأثرت أبعد التأثير بدرجة الوعي والوحدة بين صفوف المسلمين ، ومراحل التحرير بعد الصمود هي: مرحلة الموصل ، تليها مرحلة حلب ، ثم مرحلة دمشق ، وأخيراً مرحلة القاهرة ، فمن الموصل انطلقت أول قوات التحرير المنظم وبقوات الموصل امكن الانتقال من حالة الدفاع والانحسار العربي ، إلى حالة الهجوم واسترداد الأرض ، وتحرير الانسان ، ومن حلب أمكن صنع الوحدة بين شمال الشام وجنوبه ، ومن دمشق قيدت جيوش حطين وأخيراً تحملت القاهرة مسؤولية العبء الأكبر في أعمال تصفية وجود الفرنجة واقتلاعهم نهائياً وقد انجبت كل مرحلة من هذه المراحل أيضاً قائداً متميزاً أو أكثر ، ففي مرحلة الموصل نجد زنكي ، وفي مرحلة حلب عندنا نور الدين محمود ، وفي مرحلة دمشق قاد صلاح الدين النصر في حطين ، وفي مرحلة القاهره لا شك أن الظاهر بيبرس كان العملاق بين قادة المسلمين. ومن المعروف أن الصليبيين بعد ما استولوا على طرابلس ، هدفوا نحو الاستيلاء على حلب ، لسد ثغرة بين الرها وأنطاكية وللاطباق على الشام كله لتحويله لاتينياً ، وبعدما أغاروا مراراً على حلب قاموا سنة ٥١٨ ه / ١١٢٤ م بتحضير كل شيء للاستيلاء على حلب ، وحشدوا قواهم جميعا مع قوى بعض الاقطاعيين العرب والتركمان ، وألقوا الحصار على المدينة وقام أهل حلب بتنظيم الدفاع عن مدينتهم ، وشكلوا هيئة دفاع .
عامة رأسها قاضي المدينة أبو الفضل بن الخشاب ، وأخذ المهاجمون يشددون الضغط على حلب ، وقطعوا الشجر ، وخربوا مشاهد كثيرة ، ونبشوا قبور موتى المسلمين ، وأخذوا توابيتهم إلى الخيم ، وجعلوها أوعية لطعامهم ، وسلبوا الأكفان ، وعمدوا إلى ما كان من الموتى لم تنقطع أوصاله ، فربطوا في أرجلهم الحبال ، وسحبوهم مقابل المسلمين ، وجعلوا يقولون : « هذا نبيكم محمد ، وآخر يقول : هذا عليكم ، وأخذوا مصحفاً من بعض المشاهد بظاهر حلب ، وقالوا : يا مسلم أبصر كتابكم ، وثقبه الفرنجي ، وشده بخيطين ، وعمله نفرا ) النفر : السير الذي يوضع في مؤخر السرج ) ، لبرذونــه ، وأقاموا كلما ظفروا بمسلم قطعوا يديه ، ومذاكيره ، ودفعوه إلى المسلمين » .
ولم يؤثر هذا على الحلبيين وظلت معنوياتهم عالية قوية ، واصرارهم شديداً ، ونقصت مؤن الحلبيين : وبلغ بهم الضر إلى حالة عظيمة حتى أكلوا الميتات والجيف ، ووقع فيهم المرض ، ويحدثنا أحد زعماء المقاومة بأن الحلبيين و كانوا في وقت الحصار مطروحين من المرض في أزقة البلد ، فإذا زحف الفرنج وضرب بوق الفزع ، قاموا كأنما نشطوا من عقال ، وقاتلوا حتى يردوا الفرنج ، ثم يعود كل واحد من المرضى إلى فراشه » .
واشتد الحصار وطال ، وهنا قرر الحلبيون ارسال وقد يتوجه نحو الجزيرة وسواها يطلب العون من حكامها ، وفي الليل تسرب وفد جمع عدداً القضاة ، وفي قسوة الشتاء ، سافر الوفد أولاً إلى ماردين حيث اعتقل أفراده من قبل حاكمها ، بحجة التغرير ، ويحدثنا القاضي أبو غانم - جد ابن العديم مؤرخ حلب - بقوله : ( فأعملنا الحيلة من
= الذي كنا في الحرب إلى الموصل ، وأن نمضي إلى البرستي صاحب الموصل - ونستصرخ به ، ونستنجده ، فتحدثنا مع من يهربنا ، وكان للمنزل باب يصر صريراً عظيماً إذا فتح ، أو أغلق ، فأمرنا بعض أصحابنا أن يطرح في صائر الباب زيتاً ، ويعالجه لنفتحه عند الحاجة ، ولا يعلم الجماعة الموكلون بنا إذا فتحناه بما نحن فيه ، وواعدنا الغلمان إذا جن الليل ان يسرجوا الدواب ، ويأتونا بها ، ونخرج خفية في جوف الليل ، ونركب ونمضي . قال : كان الزمان شتاء والثلج كثير على الأرض . . فلما نام الموكلون بنا ، جاء الغلمان بأسرهم ، إلا غلامي ياقوت وأخبر غلمان رفاقي أن قيد الدابة تعسر عليه فتحه ، وامتنع كره ، فضاقت صدورنا لذلك ، وقلت لأصحابي : قوموا أنتم ، وانتهزوا الفرصة ، ولا تنتظروني ، فقاموا وركبوا ، الدليل معهم يدلهم على الطريق ، ولم يعلم الموكلون بنا بشيء مما تخفيه ، وبقيت وحدي من بينهم مفكراً. لا يأخذني نوم ، حتى كان وقت السحر ، فجاءني ياقوت بالدابة ، وقال الساعة انكسر القيد ، قال : فقمت ، وركبت لا أعرف الطريق ، ومشيت في الثلج أطلب الجهة التي أقصدها ، قال : فما طلع الصبح الا أنا وأصحابي الذين سبقوني في مكان واحد ، وقد ساروا من أول الليل ، وسرت من آخره ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فنزلنا وصلينا الصبح ، وركبنا وحثثنا دوابنا ، وأعملنا السير ، وصلنا الموصل . . حتى
وفي الموصل قابل الوفد البرسقي حاكم المدينة ، واستطاع اثارته واقناعه بالذهاب على رأس قواته لانجاد حلب ، وعندما أشرفت
عساكر الموصل على مدينة حلب ، رحلت قوات الصليبيين منسحبة ، وهكذا نجت حلب ، وكان هذا الحادث نهاية مرحلة الصمود الاسلامي امام موجة الغزو العارمة ، وبالتالي بداية عهد التحرير لقد كتبت حلب بصمودها ملحمة عظمى من ملاحم تاريخ الاسلام وصان جهادها شرف الحضارة العربية ، فكان ذلك نقطة تحول عظمى في تاريخ العالم ، لانه كما بين آرنولد تويني لو سقطت حلب لصــــــار الشرق لا تنسا
تعليق