الحراني الشكل الثاني العباسي المعتدل (١) ورواية البكائي الشكل الثالث العباسي المحض
لم يصل إلينا مباشرة ، نسخة كاملة من سيرة ابن اسحق، بل وصلنا أجزاء من رواية ابن بكير عنه ، وأوراق من رواية الحراني، أما رواية البكائي فلم تصل إلينا - للاسف - في شكلها الأول ، بل نالها تعديل ابن هشام واختصاره ، وهذا على كل حال رأي يبقـــى عرضة للنقاش ، لاننا لا نملك حتى الآن نسخة كاملة لاحدى الروايات الثلاث ، بحيث تمكن المقارنة ويمكن التحقق التام
معلوماتنا عن ابن هشام ، الذي هذب رواية البكائي قليلة ، وقد ذكر السهيلي في ( الروض الانف ) انه كان يدعى عبد الملك بن هشام ، وانه كان مشهوراً يحمل العلم ، متقدماً في علم النسب والنحو وهو حميري معافري ، الأصل المنشأ والوفاة ، وزاد ابن خلكان نقلاً عن ابن يونس صاحب : تاريخ مصر ، أنه توفي سنة ثماني عشرة ومائتين ، بينما أكد السهيلي وفاته سنة ٢١٣ه ، هذا ولا يسلم لهاتين الروايتين ، اذ من العودة إلى الفاكهي صاحب تاريخ مكة نستنتج ان ابن هشام توفي بعد ) ٢٥٠ ه ) وأنه تبعاً لذلك لم يلق البكائي ليأخذ عنه مباشرة بطريقة السماع عندما أراد تهذيب سيره ابن اسحق – نصاً مكتوباً برواية البكائي ولا ندري كيف وصله ، ولعل ذلك كان بطريق ( الوجادة » أو بنوع من أنواع « الإجازة ، إنه على أي حال بشيء من ذلك في مطلع تهذيبه ، فهو يبدأ هكذا بصري ة مصري وعلى هذا أن ابن هشام صادف أمامه يبدو لا يصرح
(1) لقد نشرت ماوصل الينا من أجزاء الرواية الأولى الثانية محققاً في بيروت سنة ١٩٧٦
- و قال أبو محمد عبد الملك بن هشام ، هذا كتاب سيرة رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب « ثم يقول بعد سرده للنسب الشريف : . قال أبو محمد عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله إلى آدم عليه السلام » .
إنها طريقة شاذة في عرض الإسناد ، إذ القاعدة ذكر الإسناد قبل الرواية ، فهل يا ترى اقتحمت العبارة اقحاماً من قبل إنسان ما في فترة من الفترات ؟ لا نملك إجابة مقنعة لهذا السؤال وكل ما نعرفه أن ابن هشام بين خطة عمله بالكتاب : « تارك بعض ماذكره ابن اسحق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله فيه ذكر ، ولا نزل فيه من القرآن شيء ، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب ، ولا تفسيراً له ، ولا شاهداً عليه ، لما ذكرت من الاختصار، واشعاراً ذكرها لم أو أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء يشنع الحديث بها وبعض يسوء بعض الناس ذكره . إن مما يؤسف له لجوء ابن هشام الى حذف الكثير من مادة ابن اسحق التي اعتبرها غير ضرورية ، ثم عسفه بالنص بتعديل بعض أخباره ، أو تعديل الفاظه حسبما فهمها ليكسبها قبولاً أو وضوحا رأى أنها تفتقر اليها ولاشك أن تعديلاته وشروحه هذه تأثرت ببيئته الثقافية وطبيعة العصر الذي عاش فيه . فالنصف الثاني من القرن الثالث للهجرة غير النصف الثاني من القرن الثاني ، يضاف إلى هذا أن اهتمامات ابن هشام كانت اهتمامات لغوية نحوية ، وقد أثر ذلك تأثيراً كبيراً على طريقته في اختيار الأخبار وفي إيرادها ، وهكذا ذهبت اهتمامات ابن اسحق التاريخية والإخبارية ضحية عنت ابن هشام اللغوي
القضية ليست قضية شعر ممتاز صحيح أو غير ذلك ، إنها أعمق من هذا ، فعندما أخذ المسلمون في جمع أخبار النبي ل وروايتها ، لم يكن جميع من عمل بها من مستوى عروة بن الزبير وأبان بن عثمان والزهري وأئمة الحديث والفقه في الثقافية العالية ، كان بينهم من هو أدنى ثفافة ومقدرة أدبية ولغوية ، وهؤلاء اهتموا بالسيرة وكانوا يشكلون القطاع الأكبر من جماهير المسلمين ، ثم إن المجتمع العربي الاسلامي هو مجتمع حضارته منذ الأزل اعتادت على سرد الأخبار على شكل شعر منظوم ، ووجد بين المسلمين عدد هائل من القصاص ذوي المستويات المختلفة لقد انتهى إلى ابن اسحق روايات السيرة بأنواعها وبمختلف مشاربها ومستوياتها وطرق صياغتها وسردها شعراً ونثراً ، فصنف هذه الأخبار وعرضها بشكل منظم دقيق ، وكم هو رائع لو وصلنا كتابه كاملا ، لأن ذلك سيمكن من دراسة الحالة الثقافية للمجتمع الإسلامي في القرنين الاول والثاني بشكل شامل ولعل من المفيد أن نقارن عمل ابن هشام ليس فقط بالقطع الباقية من الروايتين الأولى والثانية لأبن اسحق ، ولكن أيضا بالمصادر التي نقلت عن ابن اسحق مباشرة أو عن طريق ابن هشام ، ففي د تاريخ مكة ، للفاكهي ( ت ۵۲۸۰ ) نصوص مقتبسة من كتاب ابن اسحق دون تهذيب وأخرى مهذبة رواها الفاكهي مباشرة وسماعاً من ابن هشام ، ( وهذا ما جعلنا نرجح وفاة ابن هشام بعد / ٢٥٠ / ه ) . ثم إن تاريخ الطبري فيه نقول عن ابن اسحق ، وكذلك كتاب الأغاني، وفي كتاب الاكتفاء للكلاعي أكبر النقول المعروفة عن ابن اسحق ، وحين نقوم بمقارنة ما لدينا من ابن اسحق على هذه الصورة بما هو موجود في كتاب ابن هشام ، يتضح لنا أن ما حذفه ابن هشام .
لم يصل إلينا مباشرة ، نسخة كاملة من سيرة ابن اسحق، بل وصلنا أجزاء من رواية ابن بكير عنه ، وأوراق من رواية الحراني، أما رواية البكائي فلم تصل إلينا - للاسف - في شكلها الأول ، بل نالها تعديل ابن هشام واختصاره ، وهذا على كل حال رأي يبقـــى عرضة للنقاش ، لاننا لا نملك حتى الآن نسخة كاملة لاحدى الروايات الثلاث ، بحيث تمكن المقارنة ويمكن التحقق التام
معلوماتنا عن ابن هشام ، الذي هذب رواية البكائي قليلة ، وقد ذكر السهيلي في ( الروض الانف ) انه كان يدعى عبد الملك بن هشام ، وانه كان مشهوراً يحمل العلم ، متقدماً في علم النسب والنحو وهو حميري معافري ، الأصل المنشأ والوفاة ، وزاد ابن خلكان نقلاً عن ابن يونس صاحب : تاريخ مصر ، أنه توفي سنة ثماني عشرة ومائتين ، بينما أكد السهيلي وفاته سنة ٢١٣ه ، هذا ولا يسلم لهاتين الروايتين ، اذ من العودة إلى الفاكهي صاحب تاريخ مكة نستنتج ان ابن هشام توفي بعد ) ٢٥٠ ه ) وأنه تبعاً لذلك لم يلق البكائي ليأخذ عنه مباشرة بطريقة السماع عندما أراد تهذيب سيره ابن اسحق – نصاً مكتوباً برواية البكائي ولا ندري كيف وصله ، ولعل ذلك كان بطريق ( الوجادة » أو بنوع من أنواع « الإجازة ، إنه على أي حال بشيء من ذلك في مطلع تهذيبه ، فهو يبدأ هكذا بصري ة مصري وعلى هذا أن ابن هشام صادف أمامه يبدو لا يصرح
(1) لقد نشرت ماوصل الينا من أجزاء الرواية الأولى الثانية محققاً في بيروت سنة ١٩٧٦
- و قال أبو محمد عبد الملك بن هشام ، هذا كتاب سيرة رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب « ثم يقول بعد سرده للنسب الشريف : . قال أبو محمد عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله إلى آدم عليه السلام » .
إنها طريقة شاذة في عرض الإسناد ، إذ القاعدة ذكر الإسناد قبل الرواية ، فهل يا ترى اقتحمت العبارة اقحاماً من قبل إنسان ما في فترة من الفترات ؟ لا نملك إجابة مقنعة لهذا السؤال وكل ما نعرفه أن ابن هشام بين خطة عمله بالكتاب : « تارك بعض ماذكره ابن اسحق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله فيه ذكر ، ولا نزل فيه من القرآن شيء ، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب ، ولا تفسيراً له ، ولا شاهداً عليه ، لما ذكرت من الاختصار، واشعاراً ذكرها لم أو أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء يشنع الحديث بها وبعض يسوء بعض الناس ذكره . إن مما يؤسف له لجوء ابن هشام الى حذف الكثير من مادة ابن اسحق التي اعتبرها غير ضرورية ، ثم عسفه بالنص بتعديل بعض أخباره ، أو تعديل الفاظه حسبما فهمها ليكسبها قبولاً أو وضوحا رأى أنها تفتقر اليها ولاشك أن تعديلاته وشروحه هذه تأثرت ببيئته الثقافية وطبيعة العصر الذي عاش فيه . فالنصف الثاني من القرن الثالث للهجرة غير النصف الثاني من القرن الثاني ، يضاف إلى هذا أن اهتمامات ابن هشام كانت اهتمامات لغوية نحوية ، وقد أثر ذلك تأثيراً كبيراً على طريقته في اختيار الأخبار وفي إيرادها ، وهكذا ذهبت اهتمامات ابن اسحق التاريخية والإخبارية ضحية عنت ابن هشام اللغوي
القضية ليست قضية شعر ممتاز صحيح أو غير ذلك ، إنها أعمق من هذا ، فعندما أخذ المسلمون في جمع أخبار النبي ل وروايتها ، لم يكن جميع من عمل بها من مستوى عروة بن الزبير وأبان بن عثمان والزهري وأئمة الحديث والفقه في الثقافية العالية ، كان بينهم من هو أدنى ثفافة ومقدرة أدبية ولغوية ، وهؤلاء اهتموا بالسيرة وكانوا يشكلون القطاع الأكبر من جماهير المسلمين ، ثم إن المجتمع العربي الاسلامي هو مجتمع حضارته منذ الأزل اعتادت على سرد الأخبار على شكل شعر منظوم ، ووجد بين المسلمين عدد هائل من القصاص ذوي المستويات المختلفة لقد انتهى إلى ابن اسحق روايات السيرة بأنواعها وبمختلف مشاربها ومستوياتها وطرق صياغتها وسردها شعراً ونثراً ، فصنف هذه الأخبار وعرضها بشكل منظم دقيق ، وكم هو رائع لو وصلنا كتابه كاملا ، لأن ذلك سيمكن من دراسة الحالة الثقافية للمجتمع الإسلامي في القرنين الاول والثاني بشكل شامل ولعل من المفيد أن نقارن عمل ابن هشام ليس فقط بالقطع الباقية من الروايتين الأولى والثانية لأبن اسحق ، ولكن أيضا بالمصادر التي نقلت عن ابن اسحق مباشرة أو عن طريق ابن هشام ، ففي د تاريخ مكة ، للفاكهي ( ت ۵۲۸۰ ) نصوص مقتبسة من كتاب ابن اسحق دون تهذيب وأخرى مهذبة رواها الفاكهي مباشرة وسماعاً من ابن هشام ، ( وهذا ما جعلنا نرجح وفاة ابن هشام بعد / ٢٥٠ / ه ) . ثم إن تاريخ الطبري فيه نقول عن ابن اسحق ، وكذلك كتاب الأغاني، وفي كتاب الاكتفاء للكلاعي أكبر النقول المعروفة عن ابن اسحق ، وحين نقوم بمقارنة ما لدينا من ابن اسحق على هذه الصورة بما هو موجود في كتاب ابن هشام ، يتضح لنا أن ما حذفه ابن هشام .
تعليق