الجزري
( بديع الزمان أبو العز بن اسماعيل بن الرزاز الجزري )
كان من عاش في النصف الثاني من القرن السادس الهجري حق أوائل القرن السابع الهجري / والنصف الثاني من القرن الثاني عشر حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي ) أبناء الجزيرة الواقعة بين دجلة والفرات ، لذلك كني بالجزري والمعلومات عنه نادرة جداً حيث لم يذكره الأقدمون رغم مكانته ومقدرته العلمية ، وتكاد تنحصر المعلومات عنه بما جاء في مقدمة مخطوطة كتابه ( الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل ويفهم من مقدمته تلك أنه عاش في بلاط الأسرة الحاكمة في بلدة ه آمد ، التي تعرف حالياً باسم ديار بكر على الضفة اليسرى لدجلة والمشهورة بموقعها وجمالها وثروتها . عاش الجزري في العصر الأيوبي في منطقة كانت تابعة لهم إسمياً مستقلة عنهم فعلياً ، حيث كانت تحكمها أسرة صغيرة من أصل تركماني . لقد عاش الجزري في ظل الأسرة الأرتقية التي حكمت آمد مدة من الزمن ، وأخذ علومه من كتب الأقدمين وتدرج في علمه ، حتى أصبح مهندس البلاط الأرتقي وحاز لقب ( رئيس الأعمال ) وهو منصب كان بمثابة رئيس الأشغال أو كبير المستشارين ، أو وزير الأشغال ، وقد بن بن ۵۵۹۷ - ۵۸۱ ) ( عاش في كنف نور الدين محمد أرسلان الذي حكم بين ٥٧٠ - ٥٦١ فـ ثم عاصر قطب الدين سكمان محمد في فترة حكمه التي دامت ما بين واستمر في خدمة ناصر الدين محمود بن محمد وفي عهده بدأ بتدوين كتابه ( الجامع بين العلم والعمل النافع ، وقد أنهى عمله في تصنيفه في الرابع من جمادى الآخرة عام ٦٠٢هـ الموافق ١٦ / ١ / ١٢٠٦ م ، إذ ذكر الناسخ الحصفكي بعد ثلاثة أشهر من انهاء الجزري لكتاب » ) بأنه قد ختم كتاب الجزري رحمه الله ( مما يؤكد أنه مات في العام المذكور علما بان ناصر الدين محمود بن محمد كان حكمه ما بين ( ٥٩٧ - ۱۲۰۰ - ۱۲۲۲ م ) لقد عاش الجزري في عصر الحروب الصليبية ، ورغم ذلك فقد كانت مدينته على غنى فاحش وتجارة لا تبور وزرع وفير ، لذلك انعكس هذا على شكل المدينة وأبنيتها إذ بدت بأعظم الحلل وأجملها وكان من أهم ما شغل نفسه به هو آلات التوقيت والماء ، وهو موضوع له شأنه العظيم عند العرب بسبب العبادات ، ولهذا كان اهتمام العرب بالساعات والماء اهتماما قديماً جداً، إذ نرى منذ أقدم عصورهم ، تتبعهم المواضيع توزيع المياه والتزيين بها ، وإيجاد البرك والبحرات التي تعتبر من روائع الفن الإسلامي في الشرق الإسلامي وفي الغرب سواء ، وفي الأندلس تتجلى روائع فن توزيع المياه والبرك الجميلة ، كذلك الحال بالنسبة للساعة ، فهي آلة ضرورية للمسلم للتسهيل قيامه بواجباته الدينية وأداء الصلاة بأوقاتها ، لذلك فإن للمسلمين اهتمامات خاصة الناحية أيضاً وخصوصاً لتعلقها بفروض الصلوات الخمس ويبدو من مقدمة كتاب الجزري أنه قد اطلع على كتب الحيل التي سبقته ، إذ يقول : ( وبعد فإني تصفحت من كتب المتقدمين وأعمال . هذه من .
المتأخرين أسباب الحيل في الحركات المشبهة بالروحانية ، وآلات المساء المتخذة للساعات المستوية والزمانية ، ونقل الأجسام بالأجسام عن المقامات الطبيعية ، وتأملت في الخلاء والملاء ، لوازم مقالات برهانية ، وباشرت علاج هذه الصناعة ، برهة من الزمان وترقيت في عملها عن رتبة الخبر إلى العيان ، فأخذت فيها أخذ بعض من سلف وخلف ، واحتذيت حذو من عمل وعرف ، ولما لهجت بمزاولة هذا المعنى الدقيق ونجحت بمحاولة مجازه والتحقيق ، رمقتني أعين الظن بالتبريز في هذا الفن العزيز ، وامتدت إلى أبواع ذوي الهمم الرفيعة لاستطلاع أنواع الحكم البديعة ، فعناني من عناية ملوك زماني وفلاسفة أواني ، ما أثمر به غرس اعتدادي وأقمر له ليل اجتهادي
وهكذا يبين لنا الجزري اعتماده آثار من سبقه ، وتفحص انتاج معاصريه سواء الآثار الكتابية أو المصنوعات ، فهو يعيب على النظريين الذين لم يربطوا انتاجهم النظري بالإنتاج العلمي ثم وضع كتاباً سجل فيه نتائج أبحاث عمره ، وزينه بالأشكال والرسوم بعد أن دقق عملياً ما ابتدعه نظرياً ، ويقول في هذا : د سولت لي نفسي أن أصنع في ذلك تذكاراً لمن عنيت ببشر أديمه ورغبت في تعليمه » ، إلا أنه يقول : ( ثم إني عدلت عما به هممت وتركت ما عليه عزمت حذار إنكار عائب صائب بنظر ثاقب » . أن دخل الجزري في خدمة الصالح أبي الفتح محمود بن قرا أرسلان عرض عليه بعض انتاجه : ( وبينما أنا ذات يوم لديه عرضت عليه شيئاً مما صنعته وهو ينظر إلي ، ثم ينظر ويفكر فيما كنت هممت به ، ولا أشعر فرمى حيث كنت بإصابته عما أخفيت ، فقال لقد صنعت أشكالاً عديمة المثل وأخرجتها إنما بعد محمد بن رمیت و كشف
من القوة إلى الفعل ، فلا تضع ما أتيت فيه وشيدت مبانيه ، ، وأحب أن تصنف كتابا ينظم وصف ما استبددت بتمثيله وانفردت بوصف تصويره وتشكيله، فبذلت من قوتي حسب الاستطاعة إذ لم أجد حيداً عن الطاعة إذاً يثبت لنا الجزري مقالته هذه قصة اخراج كتابه ، ويثبت لنا أيضاً أنه هو صانع ومبدع تلك الآلات وكذلك راسمها ، إذ أن مقدرة الجزري في الرسم تعادل مقدرته في الاختراع والابتداع فاختياره الألوان ووضوح الفكرة ، واتقان الأبعاد وقوة التعبير تظهر عبقريته الرسم الصناعي أو في الأشخاص والأشياء لقد كان أول تقدير للجزري في اختراعاته ، وفي موهبته في الرسم جاء من الملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد بن قرا أرسلان ، كما جاء في النص السابق ، ثم بعد ذلك بعصور قام الكثير من المستشرقين بدراسة الجزري ، فقام «دونالد هیل» عام ١٩٧٤ بترجمة الكتاب إلى الأنكليزية ، وقد سبقه بنشر أعمال الجزري « فرتز هاوس وايلهارد سواء رسید فيدمان » .
و من الناحية الفنية في رسومات الجزري، تعرض لدراستها و كومارا سوامي ، بصفته مؤرخ للفن كذلك تعرض كل من « سارتون والدوميلي وكارادي ومايرهون ، ، للحديث عن الجزري وأعماله ونتائجها ملفتين النظر لأهميتها ولعبقرية الجزري في التكنولوجيا العلمية وقد قام الدكتور أحمد يوسف الحسن ضمن نشاطه المشكور في تاريخ العلوم عند العرب بتحقيق كتاب الجزري ونشره ، وقام بنشر بعض الأبحاث عنه ، ولعله أول من تحدث عنه باللغة بالعربية باسهاب فقد ذكر في قاموس المنجد قسم الأعلام على أنه : « فنان ألف .
( بديع الزمان أبو العز بن اسماعيل بن الرزاز الجزري )
كان من عاش في النصف الثاني من القرن السادس الهجري حق أوائل القرن السابع الهجري / والنصف الثاني من القرن الثاني عشر حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي ) أبناء الجزيرة الواقعة بين دجلة والفرات ، لذلك كني بالجزري والمعلومات عنه نادرة جداً حيث لم يذكره الأقدمون رغم مكانته ومقدرته العلمية ، وتكاد تنحصر المعلومات عنه بما جاء في مقدمة مخطوطة كتابه ( الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل ويفهم من مقدمته تلك أنه عاش في بلاط الأسرة الحاكمة في بلدة ه آمد ، التي تعرف حالياً باسم ديار بكر على الضفة اليسرى لدجلة والمشهورة بموقعها وجمالها وثروتها . عاش الجزري في العصر الأيوبي في منطقة كانت تابعة لهم إسمياً مستقلة عنهم فعلياً ، حيث كانت تحكمها أسرة صغيرة من أصل تركماني . لقد عاش الجزري في ظل الأسرة الأرتقية التي حكمت آمد مدة من الزمن ، وأخذ علومه من كتب الأقدمين وتدرج في علمه ، حتى أصبح مهندس البلاط الأرتقي وحاز لقب ( رئيس الأعمال ) وهو منصب كان بمثابة رئيس الأشغال أو كبير المستشارين ، أو وزير الأشغال ، وقد بن بن ۵۵۹۷ - ۵۸۱ ) ( عاش في كنف نور الدين محمد أرسلان الذي حكم بين ٥٧٠ - ٥٦١ فـ ثم عاصر قطب الدين سكمان محمد في فترة حكمه التي دامت ما بين واستمر في خدمة ناصر الدين محمود بن محمد وفي عهده بدأ بتدوين كتابه ( الجامع بين العلم والعمل النافع ، وقد أنهى عمله في تصنيفه في الرابع من جمادى الآخرة عام ٦٠٢هـ الموافق ١٦ / ١ / ١٢٠٦ م ، إذ ذكر الناسخ الحصفكي بعد ثلاثة أشهر من انهاء الجزري لكتاب » ) بأنه قد ختم كتاب الجزري رحمه الله ( مما يؤكد أنه مات في العام المذكور علما بان ناصر الدين محمود بن محمد كان حكمه ما بين ( ٥٩٧ - ۱۲۰۰ - ۱۲۲۲ م ) لقد عاش الجزري في عصر الحروب الصليبية ، ورغم ذلك فقد كانت مدينته على غنى فاحش وتجارة لا تبور وزرع وفير ، لذلك انعكس هذا على شكل المدينة وأبنيتها إذ بدت بأعظم الحلل وأجملها وكان من أهم ما شغل نفسه به هو آلات التوقيت والماء ، وهو موضوع له شأنه العظيم عند العرب بسبب العبادات ، ولهذا كان اهتمام العرب بالساعات والماء اهتماما قديماً جداً، إذ نرى منذ أقدم عصورهم ، تتبعهم المواضيع توزيع المياه والتزيين بها ، وإيجاد البرك والبحرات التي تعتبر من روائع الفن الإسلامي في الشرق الإسلامي وفي الغرب سواء ، وفي الأندلس تتجلى روائع فن توزيع المياه والبرك الجميلة ، كذلك الحال بالنسبة للساعة ، فهي آلة ضرورية للمسلم للتسهيل قيامه بواجباته الدينية وأداء الصلاة بأوقاتها ، لذلك فإن للمسلمين اهتمامات خاصة الناحية أيضاً وخصوصاً لتعلقها بفروض الصلوات الخمس ويبدو من مقدمة كتاب الجزري أنه قد اطلع على كتب الحيل التي سبقته ، إذ يقول : ( وبعد فإني تصفحت من كتب المتقدمين وأعمال . هذه من .
المتأخرين أسباب الحيل في الحركات المشبهة بالروحانية ، وآلات المساء المتخذة للساعات المستوية والزمانية ، ونقل الأجسام بالأجسام عن المقامات الطبيعية ، وتأملت في الخلاء والملاء ، لوازم مقالات برهانية ، وباشرت علاج هذه الصناعة ، برهة من الزمان وترقيت في عملها عن رتبة الخبر إلى العيان ، فأخذت فيها أخذ بعض من سلف وخلف ، واحتذيت حذو من عمل وعرف ، ولما لهجت بمزاولة هذا المعنى الدقيق ونجحت بمحاولة مجازه والتحقيق ، رمقتني أعين الظن بالتبريز في هذا الفن العزيز ، وامتدت إلى أبواع ذوي الهمم الرفيعة لاستطلاع أنواع الحكم البديعة ، فعناني من عناية ملوك زماني وفلاسفة أواني ، ما أثمر به غرس اعتدادي وأقمر له ليل اجتهادي
وهكذا يبين لنا الجزري اعتماده آثار من سبقه ، وتفحص انتاج معاصريه سواء الآثار الكتابية أو المصنوعات ، فهو يعيب على النظريين الذين لم يربطوا انتاجهم النظري بالإنتاج العلمي ثم وضع كتاباً سجل فيه نتائج أبحاث عمره ، وزينه بالأشكال والرسوم بعد أن دقق عملياً ما ابتدعه نظرياً ، ويقول في هذا : د سولت لي نفسي أن أصنع في ذلك تذكاراً لمن عنيت ببشر أديمه ورغبت في تعليمه » ، إلا أنه يقول : ( ثم إني عدلت عما به هممت وتركت ما عليه عزمت حذار إنكار عائب صائب بنظر ثاقب » . أن دخل الجزري في خدمة الصالح أبي الفتح محمود بن قرا أرسلان عرض عليه بعض انتاجه : ( وبينما أنا ذات يوم لديه عرضت عليه شيئاً مما صنعته وهو ينظر إلي ، ثم ينظر ويفكر فيما كنت هممت به ، ولا أشعر فرمى حيث كنت بإصابته عما أخفيت ، فقال لقد صنعت أشكالاً عديمة المثل وأخرجتها إنما بعد محمد بن رمیت و كشف
من القوة إلى الفعل ، فلا تضع ما أتيت فيه وشيدت مبانيه ، ، وأحب أن تصنف كتابا ينظم وصف ما استبددت بتمثيله وانفردت بوصف تصويره وتشكيله، فبذلت من قوتي حسب الاستطاعة إذ لم أجد حيداً عن الطاعة إذاً يثبت لنا الجزري مقالته هذه قصة اخراج كتابه ، ويثبت لنا أيضاً أنه هو صانع ومبدع تلك الآلات وكذلك راسمها ، إذ أن مقدرة الجزري في الرسم تعادل مقدرته في الاختراع والابتداع فاختياره الألوان ووضوح الفكرة ، واتقان الأبعاد وقوة التعبير تظهر عبقريته الرسم الصناعي أو في الأشخاص والأشياء لقد كان أول تقدير للجزري في اختراعاته ، وفي موهبته في الرسم جاء من الملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد بن قرا أرسلان ، كما جاء في النص السابق ، ثم بعد ذلك بعصور قام الكثير من المستشرقين بدراسة الجزري ، فقام «دونالد هیل» عام ١٩٧٤ بترجمة الكتاب إلى الأنكليزية ، وقد سبقه بنشر أعمال الجزري « فرتز هاوس وايلهارد سواء رسید فيدمان » .
و من الناحية الفنية في رسومات الجزري، تعرض لدراستها و كومارا سوامي ، بصفته مؤرخ للفن كذلك تعرض كل من « سارتون والدوميلي وكارادي ومايرهون ، ، للحديث عن الجزري وأعماله ونتائجها ملفتين النظر لأهميتها ولعبقرية الجزري في التكنولوجيا العلمية وقد قام الدكتور أحمد يوسف الحسن ضمن نشاطه المشكور في تاريخ العلوم عند العرب بتحقيق كتاب الجزري ونشره ، وقام بنشر بعض الأبحاث عنه ، ولعله أول من تحدث عنه باللغة بالعربية باسهاب فقد ذكر في قاموس المنجد قسم الأعلام على أنه : « فنان ألف .
تعليق