أبو الفداء
بعد ما فتح المسلمون بلاد الشام قاموا بتقسيمها إلى أربع مناطق كل منها باسم جند ، وهي : جند حمص دمشق ، جند فلسطين ، جند الأردن ، وشمل جند حمص وسط بلاد الشام وشماليها ، وفي أيام يزيد بن معاوية تم تقسيم جند حمص إلى قسمين ، بحيث أفرد شمال الشام في جند خاص دعي باسم جنـــــد قنسرين ، لكن هذا التقسيم لم يدم بعد يزيد إلا قليلا فقد كانت بلاد الشام ، قبل الفتح العربي ، تعج بالقبائل العربية ، التي انحدر غالببتها من أصل يماني ، وكانت قبائل طيء وتنوخ أبرز قبائل شمال الشام ، ومنطقة الجزيرة ، ويستخلص من المصادر المتنوعة أنه عندما قامت الفتوحات كانت هذه القبائل قد فقدت طباعها البدوية ، ومالت نحو حياة الاستقرار في الأرياف أو في مناطق خاصة الحقت بمدن الشام ، وعرف كل منها باسم ( حاضر » . وإثر الفتوحات العربية الكبرى ، قامت قبائل كثيرة بالهجرة من شبه الجزيرة نحو البلاد المفتوحة ، وسلكت القبائل التي هاجرت من شمال شبه جزيرة العرب طريق وادي الفرات ، وصعد بعضها شمالاً نحو اقليم الجزيرة ، ثم تحول غرباً نحو شمال بلاد الشام ، واستطاعت القبائل الجديدة أن تستقر في مناطق هجرتها الجديدة ، وأن تنال لنفسها السيطرة والسيادة ، كما كان لهذه الهجرة أكبر الآثار على التركيب
ومع البشري ، والمستقبل السياسي والاجتماعي والحضاري الشمال الشام وظهر أولى هذه النتائج في تميز هذا الشمال يجعله جنداً خاصاً ، الأيام إزداد تميز هذا الشمال ، وبنفس الوقت برز بين القبائل التي هاجرت إليه قبيلة كلاب ، وبعد وفاة يزيد بن معاوية ، وأثناء الصراع على الخلافة ، هزمت كلاب في معركة مرج راهط ، وانتصرت قبيلة كلب التي تزعمت القبائل اليمانية والمستقرة في جنوب الشام ولعل أهم نتائج معركة مرج راهط أنها أزالت عملياً تقسيمات الأجناد و قسمت الشام إلى دارين يفصل بينهما خط وهمي يمر قرب الرستن على العاصي ، ويمضي شرقاً داخل بادية الشام حق الفرات ، وصارت الدار الشمالية لكلاب ، والجنوبية لكلب واستمر الصراع بين كلب وكلاب ، ونجم عنه توضح الانقسام السياسي الذي حل ببلاد الشام ، وكان لذلك نتائج خطيرة على مستقبل عدد من المدن الشامية البارزة ، فقد تأثرت حمص بشكل كبير ، وبدأت تفقد أهميتها تدرجيا ، وكذلك تأترت قنسرين ، فأخذت تتقهقر ، وازدادت أهمية حلب ، وتقدمت لتحتل مكان الصدارة بين مدن الشام ، وذلك على حساب كل من قنسرين وأنطاكية ، وصارت عاصمة ومركز الصراع مع الجنوب ، وفي المقابل عظمت أهمية دمشق ، على حساب القدس والرملة ، ومع الأيام صار الصراع بين شمال الشام وجنوبه صراعاً بين حلب ودمشق ، وتوضحت هذه الصورة بعد سقوط الدولة الأموية بفترة من الزمن ذلك أن الدولة العباسية ، التي اتخذت العراق مركزاً لها ، غرقت بمشاكل الأراضي الشرقية للخلافة ، وأولت الأراضي الغربية القليل من الشمال ،
العناية ، لذلك تطور في منطقة الحدود مع بيزنطة نظام دفاعي ، وكان هذا التطور واحداً من العوامل التي حرضت على تقدم حلب ، وأهلتها لتكون مركزاً سياسياً شبه مستقل
ومع نهاية القرن التاسع للميلاد بعدما أخذت أصول الدولة للعباسية تتفكك ، وظهر إلى الوجود دولة مصر الإسلامية المستقلة ، ومارست هذه الدولة سياسة خارجية محددة تجاه بلاد الشام ، نبعت من طبيعة تركيب مصر الجغرافي ، واستندت إلى تجارب تاريخ العلاقات بين مصر القديمة وبلاد الشام ، فمصر التي هي عبارة عن سهل ليس له حدود ذات موانع طبيعية تحميه ، غزيت دائما عن طريق بلاد الشام ، لذلك قامت سياسة هذا البلد القديمة على احتلال الشام ، للتصدي لكل هجوم طارىء ، خارج أراضي مصر ، وغالباً ما ترافق هذا الاحتلال مع مطامح الحكام ورغباتهم ، كما أنه دفع نحو التوسع الامبراطوري . ما قامت دولة مصر الإسلامية المستقلة ، أن هذه الدولة نجحت في احتلال الشام، إنما أخفقت في الاحتفاظ بالقسم الشمالي وحدث أنه بعد
لأسباب منها : منه ،
البعد في المسافات ، ووجود قبيلة كلاب التي حرصت على المحافظة على استقلالها ، وسياسة الامبراطورية البيزنطية التي ابتغت أن لا تكون حدودها المباشرة مع دولة إسلامية قوية ، بل أرادت أن يكون بينها دولة صغيرة حاجزة ، وهكذا حافظت حلب على استقلالها ، وجرت محاولات الإقامة دولة مستقلة بها ، وأخفق الكلابيون في هذا المقصد في البداية بسبب تركيبهم القبلي ، ونجح سيف الدولة الحمداني في إقامة الدولة الحمدانية في حلب ، ويجهد بالغ احتفظت مصر يجنوب الشام ، واستمر
وحيث على هذا الأساس الصراع بين حلب ودمشق ، وبلغ درجات عظمى من العنف في القرنين العاشر والحادي عشر م . وأثناء هذا الصراع ازداد اضمحلال مدينة حمص ، وساعد على ذلك تدميرها من قبل البيزنطيين في القرن العاشر ، وصارت منطقة حماه أرض الصراع بين حلب ودمشق ، وساعد هذا الصراع على دفع حمـاة وتقدمها ، أن الصراع بين حلب ودمشق لم يتوصل إلى نتائج حاسمة دائمة لصالح أحد الطرفين ، فقد استفادت حماة من ذلك ، وبدأت تتحول منذ أواخر القرن الحادي عشر من حقل للصراع إلى منطقة عازلة بين القوتين المتصارعتين ، وتطورت حماة من بلدة صغيرة كانت تابعة لجنــــد حمص ، وأخذت تتحول إلى مدينة من أبرز مدن الشام وفي القرن الثاني عشر ، بعدما دخل الصليبيون الشام أخفقوا في احتلال شيزر وحماه ، لكنهم تمركزوا غير بعيد عنها ، فصارا من أهم مراكز المقاومة الاحتلال الصليبي ، وفي الوقت الذي رفع الخطر الصليبي من شأن حماة ، وجد خطر آخر زاد من شأنها أيضاً، وجاء ذلك من تمركز قوى الدعوة الاسماعيلية الجديدة الحشيشية - في عدد من القلاع والحصون الواقعة إلى الغرب من حماة ، ووجه الاسماعيليون نشاطهم ضد السلطات الاسلامية السنية ، لذلك صارت حماة أبرز مراكز رصد النشاط المعادي للسنة ، وقاعدة للتصدي له . - ٣٥٣ -
كما ساعد على تقدم حماة ، وزاد من أهميتها ، موقعها الهام علي نهر العاصي ، وإحاطتها بعدد من المراكز الحصينة مثل شيزر وكفر طاب ، ووفرة مواردها الاقتصادية التي تمكنها من تحمل نفقات دويلة مستقلة ذات بلاط وجند خاص بها .
بعد ما فتح المسلمون بلاد الشام قاموا بتقسيمها إلى أربع مناطق كل منها باسم جند ، وهي : جند حمص دمشق ، جند فلسطين ، جند الأردن ، وشمل جند حمص وسط بلاد الشام وشماليها ، وفي أيام يزيد بن معاوية تم تقسيم جند حمص إلى قسمين ، بحيث أفرد شمال الشام في جند خاص دعي باسم جنـــــد قنسرين ، لكن هذا التقسيم لم يدم بعد يزيد إلا قليلا فقد كانت بلاد الشام ، قبل الفتح العربي ، تعج بالقبائل العربية ، التي انحدر غالببتها من أصل يماني ، وكانت قبائل طيء وتنوخ أبرز قبائل شمال الشام ، ومنطقة الجزيرة ، ويستخلص من المصادر المتنوعة أنه عندما قامت الفتوحات كانت هذه القبائل قد فقدت طباعها البدوية ، ومالت نحو حياة الاستقرار في الأرياف أو في مناطق خاصة الحقت بمدن الشام ، وعرف كل منها باسم ( حاضر » . وإثر الفتوحات العربية الكبرى ، قامت قبائل كثيرة بالهجرة من شبه الجزيرة نحو البلاد المفتوحة ، وسلكت القبائل التي هاجرت من شمال شبه جزيرة العرب طريق وادي الفرات ، وصعد بعضها شمالاً نحو اقليم الجزيرة ، ثم تحول غرباً نحو شمال بلاد الشام ، واستطاعت القبائل الجديدة أن تستقر في مناطق هجرتها الجديدة ، وأن تنال لنفسها السيطرة والسيادة ، كما كان لهذه الهجرة أكبر الآثار على التركيب
ومع البشري ، والمستقبل السياسي والاجتماعي والحضاري الشمال الشام وظهر أولى هذه النتائج في تميز هذا الشمال يجعله جنداً خاصاً ، الأيام إزداد تميز هذا الشمال ، وبنفس الوقت برز بين القبائل التي هاجرت إليه قبيلة كلاب ، وبعد وفاة يزيد بن معاوية ، وأثناء الصراع على الخلافة ، هزمت كلاب في معركة مرج راهط ، وانتصرت قبيلة كلب التي تزعمت القبائل اليمانية والمستقرة في جنوب الشام ولعل أهم نتائج معركة مرج راهط أنها أزالت عملياً تقسيمات الأجناد و قسمت الشام إلى دارين يفصل بينهما خط وهمي يمر قرب الرستن على العاصي ، ويمضي شرقاً داخل بادية الشام حق الفرات ، وصارت الدار الشمالية لكلاب ، والجنوبية لكلب واستمر الصراع بين كلب وكلاب ، ونجم عنه توضح الانقسام السياسي الذي حل ببلاد الشام ، وكان لذلك نتائج خطيرة على مستقبل عدد من المدن الشامية البارزة ، فقد تأثرت حمص بشكل كبير ، وبدأت تفقد أهميتها تدرجيا ، وكذلك تأترت قنسرين ، فأخذت تتقهقر ، وازدادت أهمية حلب ، وتقدمت لتحتل مكان الصدارة بين مدن الشام ، وذلك على حساب كل من قنسرين وأنطاكية ، وصارت عاصمة ومركز الصراع مع الجنوب ، وفي المقابل عظمت أهمية دمشق ، على حساب القدس والرملة ، ومع الأيام صار الصراع بين شمال الشام وجنوبه صراعاً بين حلب ودمشق ، وتوضحت هذه الصورة بعد سقوط الدولة الأموية بفترة من الزمن ذلك أن الدولة العباسية ، التي اتخذت العراق مركزاً لها ، غرقت بمشاكل الأراضي الشرقية للخلافة ، وأولت الأراضي الغربية القليل من الشمال ،
العناية ، لذلك تطور في منطقة الحدود مع بيزنطة نظام دفاعي ، وكان هذا التطور واحداً من العوامل التي حرضت على تقدم حلب ، وأهلتها لتكون مركزاً سياسياً شبه مستقل
ومع نهاية القرن التاسع للميلاد بعدما أخذت أصول الدولة للعباسية تتفكك ، وظهر إلى الوجود دولة مصر الإسلامية المستقلة ، ومارست هذه الدولة سياسة خارجية محددة تجاه بلاد الشام ، نبعت من طبيعة تركيب مصر الجغرافي ، واستندت إلى تجارب تاريخ العلاقات بين مصر القديمة وبلاد الشام ، فمصر التي هي عبارة عن سهل ليس له حدود ذات موانع طبيعية تحميه ، غزيت دائما عن طريق بلاد الشام ، لذلك قامت سياسة هذا البلد القديمة على احتلال الشام ، للتصدي لكل هجوم طارىء ، خارج أراضي مصر ، وغالباً ما ترافق هذا الاحتلال مع مطامح الحكام ورغباتهم ، كما أنه دفع نحو التوسع الامبراطوري . ما قامت دولة مصر الإسلامية المستقلة ، أن هذه الدولة نجحت في احتلال الشام، إنما أخفقت في الاحتفاظ بالقسم الشمالي وحدث أنه بعد
لأسباب منها : منه ،
البعد في المسافات ، ووجود قبيلة كلاب التي حرصت على المحافظة على استقلالها ، وسياسة الامبراطورية البيزنطية التي ابتغت أن لا تكون حدودها المباشرة مع دولة إسلامية قوية ، بل أرادت أن يكون بينها دولة صغيرة حاجزة ، وهكذا حافظت حلب على استقلالها ، وجرت محاولات الإقامة دولة مستقلة بها ، وأخفق الكلابيون في هذا المقصد في البداية بسبب تركيبهم القبلي ، ونجح سيف الدولة الحمداني في إقامة الدولة الحمدانية في حلب ، ويجهد بالغ احتفظت مصر يجنوب الشام ، واستمر
وحيث على هذا الأساس الصراع بين حلب ودمشق ، وبلغ درجات عظمى من العنف في القرنين العاشر والحادي عشر م . وأثناء هذا الصراع ازداد اضمحلال مدينة حمص ، وساعد على ذلك تدميرها من قبل البيزنطيين في القرن العاشر ، وصارت منطقة حماه أرض الصراع بين حلب ودمشق ، وساعد هذا الصراع على دفع حمـاة وتقدمها ، أن الصراع بين حلب ودمشق لم يتوصل إلى نتائج حاسمة دائمة لصالح أحد الطرفين ، فقد استفادت حماة من ذلك ، وبدأت تتحول منذ أواخر القرن الحادي عشر من حقل للصراع إلى منطقة عازلة بين القوتين المتصارعتين ، وتطورت حماة من بلدة صغيرة كانت تابعة لجنــــد حمص ، وأخذت تتحول إلى مدينة من أبرز مدن الشام وفي القرن الثاني عشر ، بعدما دخل الصليبيون الشام أخفقوا في احتلال شيزر وحماه ، لكنهم تمركزوا غير بعيد عنها ، فصارا من أهم مراكز المقاومة الاحتلال الصليبي ، وفي الوقت الذي رفع الخطر الصليبي من شأن حماة ، وجد خطر آخر زاد من شأنها أيضاً، وجاء ذلك من تمركز قوى الدعوة الاسماعيلية الجديدة الحشيشية - في عدد من القلاع والحصون الواقعة إلى الغرب من حماة ، ووجه الاسماعيليون نشاطهم ضد السلطات الاسلامية السنية ، لذلك صارت حماة أبرز مراكز رصد النشاط المعادي للسنة ، وقاعدة للتصدي له . - ٣٥٣ -
كما ساعد على تقدم حماة ، وزاد من أهميتها ، موقعها الهام علي نهر العاصي ، وإحاطتها بعدد من المراكز الحصينة مثل شيزر وكفر طاب ، ووفرة مواردها الاقتصادية التي تمكنها من تحمل نفقات دويلة مستقلة ذات بلاط وجند خاص بها .
تعليق