بولنده(سينما ومسرح)
Poland - Pologne
المسرح والسينما
المسرح: تعود بدايات المسرح البولندي إلى العصور الوسطى، وكان دينياً كما في سائر أنحاء أوربة. ويعود أول نص عثر عليه «زيارة الضريح المقدس» إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، حيث ظهرت المسرحية الدينية liturgical drama، باللغة اللاتينية، المستمدة من موضوعات الكتاب المقدس وحياة القديسين مضافاً إليها مشاهد حوارية، وحركات إيمائية تنطوي على دعابة اجتماعية ساخرة متهكمة، وقد قدمت هذه العروض باللغة اللاتينية في الكنائس ثم في الساحات العامة من قبل طلبة المدارس الدينية أو أفراد متدينون، بينما قدمت «العروض الشعائرية» ritualstic باللغة البولندية منذ القرن الخامس عشر.
كان مسرح طلبة جامعة كراكوف Krakov أول المسارح الدنيوية التي ظهرت في بولندة في بداية القرن السادس عشر، وبدأ معتمداً على إعادة تقديم المسرحيات الأسطورية القديمة التي كانت تقدم باللغة اللاتينية. ثم صارت تقدم باللغة البولندية منذ منتصف القرن السادس عشر. وكانت مواضيع المسرحيات متعددة مثل: المسرحية الدينية التي استمرت حتى القرن الثامن عشر، و«المسرحية الأخلاقية» مثل «حياة يوسف» التي أُلّفت عام 1545، و»المسرحية المأساوية» وأولها «توجيه المبعوثين اليونانيين» التي قدمت عام 1578 لمؤلفها ي. كوخا نوفسكي (1530-1584)J.Kochanowski ، و«الملهاة» وتشمل فصولاً تمثيلية تتضمن معجزات القديسين، أو إعداد للمسرحيات التقليدية القديمة، أو «الملهاة الشعبية» مثل «مأساة شحاذ» بنصها البولندي عام 1552.
وفي القرن السادس عشر ظهرت فرق جوالة إنكليزية قدّمت في بولندة مسرحيات شكسبير Shakespeare. وقدمت فرق إيطالية «ملهاة الفن» commedia del l’arte في عروض للعامة وفي القصور الملكية. وأُقيمت أول منصة مسرح دائم في وارسو (المسرح الملكي) عام 1637، وبدأ النبلاء يقيمون في قصورهم مسارح منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر قدمت عليها مؤلفات بولندية. وكانت عروض المدارس الدينية التي كتبها المعلمون أشهر العروض المسرحية التربوية الدينية استمرت حتى القرن الثامن عشر، إضافة إلى عروض مسرحيات كبار المؤلفين الفرنسيين مثل كورني Corneille، و راسين Racine، وموليير Molière المقدمة باللغة الأصلية أو باللغة البولندية التي تدعم التطورات الاجتماعية والسياسية.
أقيم أول مسرح دائم عام 1765 سمي فيما بعد بـ«المسرح القومي» ضم فرقاً مسرحية إيطالية وفرنسية، والفرقة البولندية المحترفة الأولى. ومثّل هذا المسرح انعطافا هاماً في تاريخ المسرح البولندي، وأسهم في تطوير الملهاة الاجتماعية الساخرة وازدهر كمؤسسة تضطلع بدور اجتماعي ووطني هام في الحقبة بين عامي 1783 و1814 بإدارة ف. بوغوسوافسكي (1757-1829)W.Boguslawski الذي لقب بأبي المسرح البولندي. ولم يتأثر المسرح القومي بمحنة سقوط الدولة البولندية عام 1795 بل استطاع أن يدعم اللغة والأدب البولنديين معبراً عن تطلعات المجتمع. وانقطعت الصلات بين المسرح البولندي والمسرح الأوربي الغربي بعد ثورة عام 1831، ثم عادت تنبعث في مؤلفات س. فيسبيانسكي (1869-1907)S.Wyspianski في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
أسس المسرح البولندي، ثم أنشئت في معظم المدن البولندية بعد الاستقلال عام 1918 مسارح خاصة نالت معونات مالية من الدولة. وتشكل اتحاد فناني المسرح كمنظمة قوية دافعت عن الفنانين من أعضائها، كما أُصدرت «مجلة المسرح البولندي».
زاد الاهتمام بالمسائل السياسية والاجتماعية، وظهر اتجاه جديد في المسرح سمي بالواقعية الجديدة، وأسس المخرج شيلّر L.Schiller المسرح البولندي الملحمي الذي أضحى رمزاً للثقافة المسرحية الحديثة في بولندة. وتطور المسرح الشعبي في الأرياف كما تحولت مدرسة وارسو للمسرح عام 1932 إلى المعهد الوطني للفنون المسرحية.
أغلقت المسارح كافة في أثناء الحرب العالمية الثانية، ونشأت عوضاً عنها مسارح سرية قدمت عروضاً، ونظمت دورات في البيوت لتعليم التمثيل. ونشطت فرق مسرحية في معسكرات الاعتقال وفي وحدات الجيش.
بدأ مسرح الجيش الأول البولندي يزاول نشاطه المسرحي في مدينة لوبلين، ثم انتشرت المسارح في مختلف المدن البولندية بتشجيع من الدولة باعتبار المسرح أداة توجيه سياسي واجتماعي. وصارت برامج المسرحيات غنية بأعمال طليعيي المسرح الشهيرين مثل: ي. غروتوفسكي (1933-1999) J.Grotowski الذي أنشأ «المختبر المسرحي» استمر من عام 1956إلى عام 1984 وهو مسرح تجريبي يبحث في أساليب جديدة لأداء الممثل وتعامله مع المسرح كوحدة متكاملة، فألغى الفصل بين المنصة والنظارة، وأسس مفهوم «المسرح الفقير».
نشطت الفرق المسرحية الطلابية التي تشكلت بعفوية مثل مسرح «س. ت. س» S.T.S الساخر (1954-1972) الذي قدّم عروضاً مسرحية واستعراضية ساخرة حقق بعضها شهرة كبيرة، وقدمت هذه الفرق كوادر من مخرجي وممثلي المسرح المحترف. أما مسرح الدمى فتعود تقاليده إلى القرن السادس عشر، وقام في مرحلة الاحتلال (1772- 1918)، بدور سياسي وتربوي هام بفضل الحرية في اختيار المواضيع والتمثيل باللغة البولندية وصار مسرح «باي» Paj أول مسرح دمى محترف. وبعد الحرب العالمية الثانية أقيم عدد من مسارح الدمى التي وصلت إلى مستوى فني متميز حازت التقدير داخل بولندة وخارجها.
يتمتع المسرح البولندي بسمعة دولية جيدة للعروض التي تقدمها الفرق المسرحية البولندية خارج البلاد، والجوائز التي نالتها في المهرجانات الدولية، واستقدام المسارح الأجنبية للمخرجين والمصممين البولنديين. ويقام في بولندة سنوياً العديد من المهرجانات المسرحية في المجالات المختلفة. كما تصدر دوريات كثيرة تهتم بشؤون المسرح والنقد المسرحي مثل «الحوار»، و«المسرح»، و«يوميات مسرحية»، و«المسرح في بولندة».
ويتركز النشاط المسرحي في العاصمة وارسو، وأسست مسارح كبيرة أخرى في مدن كراكوف، وفروتسواف، و غدانْسك، وبوزنان.
السينما
بذل ك. بروشينسكي (1875-1945) K.Broszynski جهوداً كبيرة في محاولة اختراع السينما عن طريق تحريك الصور الفوتوغرافية ونظم أول عرض سينمائي في بولندة عام 1896، للأخوين الفرنسيين لوميير Lumière. وبدأ السينمائيون البولنديون عملهم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في تنفيذ أفلام قصيرة وثائقية ومشاهد من الحياة اليومية. ونشأت أول شركة إنتاج بولندية في عامي 1901 و1902. وتحقق أول فيلم روائي قصير «عودة عربيد» (1902). وبدأ نمو الإنتاج السينمائي في السنوات (1908-1914) نفذت فيها أفلام ذات طابع اجتماعي مثل «زيارته الأولى إلى وارسو» من تمثيل الممثل المشهور أنطوني فيرتنير (1874-1959)A.Fertner . وتحقق أول فيلم ناطق «أخلاقيات السيدة دولسكا» (1930). واستمر تنفيذ المؤلفات الأدبية سينمائياً والأفلام التاريخية والاستعراضية والساخرة الهزلية والموسيقية جسدت المضامين الإجتماعية التي تميزت بجمالية المشاهد والمناظر، وحركية الأحداث. وانتشرت دور العرض السينمائي وصار عددها 807 دارعرض عام 1938. ووجد عدد من السينمائيين البولنديين فرصهم في السينما العالمية مثل الممثلة بولا نيغري P.Negri التي أضحت نجمة في السينما الألمانية ثم الأمريكية، و ر. بوليسوافسكي (1889-1937)R.Poleslawski أحد مخرجي هوليوود المرموقين، و ف. ستاريفيتش (1899-1965) W.Starewicz وهو من رواد أفلام الكرتون في روسية القيصرية ثم في فرنسة.
أضعفت الحرب العالمية الثانية من أهمية الإنتاج السينمائي وانتشار دور العرض، ووجد السينمائيون أنفسهم في خطوط القتال، إلا أن مجموعات سينمائية مثل «الطليعة السينمائية للجيش البولندي«، وأسست عام 1943 إلى جانب صفوف الجيش وأضحت أول مركز سينمائي إنتاجي بعد التحرير. وفي عام 1945، أُمم الإنتاج السينمائي وبدأ بعرض الأفلام الإخبارية والوثائقية حول التهديم وإعادة البناء، وانبعثت الأفلام العلمية والتعليمية من جديد.
بدأت السينما البولندية تؤكد وجودها عالمياً في نهاية أربعينيات القرن العشرين، إذ عالجت أحداث الحرب والسلام والمتغيرات الاجتماعية والسياسية، وكان أول أفلامها «الأغاني الممنوعة» (1947) للمخرج ل.بوتشكوفسكي (1900-1967)L.Buczkowski ، وبرزت مجموعة من المخرجين والممثلين والمصورين اُطلقت على أعمالهم «المدرسة السينمائية البولندية» في الأعوام 1957- 1965، وكانوا من خريجي المعهد العالي للسينما في مدينة وودج الذي أسس عام 1947.
تميزت هذه السينما بطرح قضايا مصير الإنسان البولندي والبطولات الفردية في أثناء الكوارث الحياتية، كما أعادت الارتباط بالتقاليد الرومنسية الوطنية. وقد ظهرت معالمها في منحيين تركز الأول منهما في تحقيق أفلام ذات حبكة اجتماعية معمقة توضح التعقيدات النفسية للإنسان المعاصر كما في أفلام المخرج أ. فايدا (1926)A.Wajda . بينما تركز المنحى الثاني في البحث عن صيغ وأشكال جديدة لتقديم القصة ـ الحدث، مبتعداً عن الأساليب التقليدية في العرض السينمائي في ثلاثينيات القرن العشرين، واقترب هذا المنحى من مفاهيم الفن الحديث كما في فيلمي «الشجاعة» (1958) و«رجل فوق السكة» (1957) للمخرج أ. مونك (1921-1961)A.Munk . وجدد الجيل الجديد من المخرجين مثل ك. كاراباس (1930)K.Karabasz الفيلم الوثائقي والفيلم الصامت محققين لهذين النوعين صدىً وتواجداً عالمياً. وقد أشار نقاد السينما العالميون إلى المدرسة السينمائية البولندية الحديثة بالظاهرة المتميزة في تطور السينما العالمية.
ظهرت في أواخر ستينيات القرن العشرين اتجاهات فنية جديدة في السينما البولندية إذ صار كتاب السيناريو يعملون في إخراج أفلامهم ت. كونفيتسكي (1926)T.Konwicki ، و س. روجيفتش (1924)S.Rozewicz . وتعددت الاتجاهات الفنية في السينما البولندية في سبعينيات القرن العشرين، فظهرت «الواقعية المحدودة» التي قدّمت أفلاماً عن الحياة والثقافة في مناطق بولندة المختلفة من منظور الوقائع الهامة في الحياة مثل فيلم «ملح الأرض السوداء» (1970) للمخرج ك. كوتز (1929)K.Kutz ، وتحول الكثير من القصص الأدبية البولندية الشهيرة إلى أفلام مثل فيلم «فرعون» (1966) عن رواية للأديب ب. بروس B.Prus، وفيلم «العرس» (1972) عن رواية للأديب س. فيسبيانسكي، وبرز جيل جديد من المخرجين صاحب مدرسة «السينما الثالثة» مثل الفرنسي من أصل بولندي ر. بولانسكي (1933)R,Polanski ، و ي. سكوليموفسكي (1938) J.Skolimowski ، و ك. زانوسي (1939)K.Zanussi .
وتطورت أفلام الكرتون والأفلام المخصصة للأطفال وأفلام الخيال العلمي والأفلام الاستعراضية، إضافة إلى مساهمة التلفاز في إنتاج الأفلام الروائية والمسلسلات القصصية باستخدام مختلف وسائل التقانات الحديثة.
ظهرت الأوضاع السياسية والاجتماعية في بولندة، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، في السينما من حيث الأهداف والموضوعات والتقانات. وبحثت في مغزى الحياة وإحساس الإنسان بالغربة ومواجهة الأقدار في أفلام الكثيرين من السينمائيين البولنديين.
وتعد مدينة وودج مركزاً للإنتاج السينمائي بتوجيه من «المدرسة الوطنية العليا للفيلم والتلفزة والمسرح» ومصدر تأهيل الأطر الفنية للسينما البولندية، تليها العاصمة وارسو ثم مدينة كراكوف. ويقام في بولندة سنوياً الكثير من المهرجانات السينمائية المحلية والدولية، وتصدر عدة منشورات سينمائية مثل فيلم «الشاش» و»السينما العالمية» و»النشرة السينمائية الصحفية«، كما توجد أندية سينمائية كثيرة في مختلف أنحاء بولندة لتنظيم العروض السينمائية والحوارات الفنية حولها، وقد أُضيفت، منذ عام 1972، مادة درسية «قراءة لغة السينما» (22حصة سنوية) في منهج المدارس الثانوية، وذلك لتعليم الطلاب تذوق الفن السينمائي والتعريف به.
مجيد جمول
Poland - Pologne
المسرح والسينما
المسرح: تعود بدايات المسرح البولندي إلى العصور الوسطى، وكان دينياً كما في سائر أنحاء أوربة. ويعود أول نص عثر عليه «زيارة الضريح المقدس» إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، حيث ظهرت المسرحية الدينية liturgical drama، باللغة اللاتينية، المستمدة من موضوعات الكتاب المقدس وحياة القديسين مضافاً إليها مشاهد حوارية، وحركات إيمائية تنطوي على دعابة اجتماعية ساخرة متهكمة، وقد قدمت هذه العروض باللغة اللاتينية في الكنائس ثم في الساحات العامة من قبل طلبة المدارس الدينية أو أفراد متدينون، بينما قدمت «العروض الشعائرية» ritualstic باللغة البولندية منذ القرن الخامس عشر.
كان مسرح طلبة جامعة كراكوف Krakov أول المسارح الدنيوية التي ظهرت في بولندة في بداية القرن السادس عشر، وبدأ معتمداً على إعادة تقديم المسرحيات الأسطورية القديمة التي كانت تقدم باللغة اللاتينية. ثم صارت تقدم باللغة البولندية منذ منتصف القرن السادس عشر. وكانت مواضيع المسرحيات متعددة مثل: المسرحية الدينية التي استمرت حتى القرن الثامن عشر، و«المسرحية الأخلاقية» مثل «حياة يوسف» التي أُلّفت عام 1545، و»المسرحية المأساوية» وأولها «توجيه المبعوثين اليونانيين» التي قدمت عام 1578 لمؤلفها ي. كوخا نوفسكي (1530-1584)J.Kochanowski ، و«الملهاة» وتشمل فصولاً تمثيلية تتضمن معجزات القديسين، أو إعداد للمسرحيات التقليدية القديمة، أو «الملهاة الشعبية» مثل «مأساة شحاذ» بنصها البولندي عام 1552.
وفي القرن السادس عشر ظهرت فرق جوالة إنكليزية قدّمت في بولندة مسرحيات شكسبير Shakespeare. وقدمت فرق إيطالية «ملهاة الفن» commedia del l’arte في عروض للعامة وفي القصور الملكية. وأُقيمت أول منصة مسرح دائم في وارسو (المسرح الملكي) عام 1637، وبدأ النبلاء يقيمون في قصورهم مسارح منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر قدمت عليها مؤلفات بولندية. وكانت عروض المدارس الدينية التي كتبها المعلمون أشهر العروض المسرحية التربوية الدينية استمرت حتى القرن الثامن عشر، إضافة إلى عروض مسرحيات كبار المؤلفين الفرنسيين مثل كورني Corneille، و راسين Racine، وموليير Molière المقدمة باللغة الأصلية أو باللغة البولندية التي تدعم التطورات الاجتماعية والسياسية.
أقيم أول مسرح دائم عام 1765 سمي فيما بعد بـ«المسرح القومي» ضم فرقاً مسرحية إيطالية وفرنسية، والفرقة البولندية المحترفة الأولى. ومثّل هذا المسرح انعطافا هاماً في تاريخ المسرح البولندي، وأسهم في تطوير الملهاة الاجتماعية الساخرة وازدهر كمؤسسة تضطلع بدور اجتماعي ووطني هام في الحقبة بين عامي 1783 و1814 بإدارة ف. بوغوسوافسكي (1757-1829)W.Boguslawski الذي لقب بأبي المسرح البولندي. ولم يتأثر المسرح القومي بمحنة سقوط الدولة البولندية عام 1795 بل استطاع أن يدعم اللغة والأدب البولنديين معبراً عن تطلعات المجتمع. وانقطعت الصلات بين المسرح البولندي والمسرح الأوربي الغربي بعد ثورة عام 1831، ثم عادت تنبعث في مؤلفات س. فيسبيانسكي (1869-1907)S.Wyspianski في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
أسس المسرح البولندي، ثم أنشئت في معظم المدن البولندية بعد الاستقلال عام 1918 مسارح خاصة نالت معونات مالية من الدولة. وتشكل اتحاد فناني المسرح كمنظمة قوية دافعت عن الفنانين من أعضائها، كما أُصدرت «مجلة المسرح البولندي».
زاد الاهتمام بالمسائل السياسية والاجتماعية، وظهر اتجاه جديد في المسرح سمي بالواقعية الجديدة، وأسس المخرج شيلّر L.Schiller المسرح البولندي الملحمي الذي أضحى رمزاً للثقافة المسرحية الحديثة في بولندة. وتطور المسرح الشعبي في الأرياف كما تحولت مدرسة وارسو للمسرح عام 1932 إلى المعهد الوطني للفنون المسرحية.
أغلقت المسارح كافة في أثناء الحرب العالمية الثانية، ونشأت عوضاً عنها مسارح سرية قدمت عروضاً، ونظمت دورات في البيوت لتعليم التمثيل. ونشطت فرق مسرحية في معسكرات الاعتقال وفي وحدات الجيش.
بدأ مسرح الجيش الأول البولندي يزاول نشاطه المسرحي في مدينة لوبلين، ثم انتشرت المسارح في مختلف المدن البولندية بتشجيع من الدولة باعتبار المسرح أداة توجيه سياسي واجتماعي. وصارت برامج المسرحيات غنية بأعمال طليعيي المسرح الشهيرين مثل: ي. غروتوفسكي (1933-1999) J.Grotowski الذي أنشأ «المختبر المسرحي» استمر من عام 1956إلى عام 1984 وهو مسرح تجريبي يبحث في أساليب جديدة لأداء الممثل وتعامله مع المسرح كوحدة متكاملة، فألغى الفصل بين المنصة والنظارة، وأسس مفهوم «المسرح الفقير».
نشطت الفرق المسرحية الطلابية التي تشكلت بعفوية مثل مسرح «س. ت. س» S.T.S الساخر (1954-1972) الذي قدّم عروضاً مسرحية واستعراضية ساخرة حقق بعضها شهرة كبيرة، وقدمت هذه الفرق كوادر من مخرجي وممثلي المسرح المحترف. أما مسرح الدمى فتعود تقاليده إلى القرن السادس عشر، وقام في مرحلة الاحتلال (1772- 1918)، بدور سياسي وتربوي هام بفضل الحرية في اختيار المواضيع والتمثيل باللغة البولندية وصار مسرح «باي» Paj أول مسرح دمى محترف. وبعد الحرب العالمية الثانية أقيم عدد من مسارح الدمى التي وصلت إلى مستوى فني متميز حازت التقدير داخل بولندة وخارجها.
يتمتع المسرح البولندي بسمعة دولية جيدة للعروض التي تقدمها الفرق المسرحية البولندية خارج البلاد، والجوائز التي نالتها في المهرجانات الدولية، واستقدام المسارح الأجنبية للمخرجين والمصممين البولنديين. ويقام في بولندة سنوياً العديد من المهرجانات المسرحية في المجالات المختلفة. كما تصدر دوريات كثيرة تهتم بشؤون المسرح والنقد المسرحي مثل «الحوار»، و«المسرح»، و«يوميات مسرحية»، و«المسرح في بولندة».
ويتركز النشاط المسرحي في العاصمة وارسو، وأسست مسارح كبيرة أخرى في مدن كراكوف، وفروتسواف، و غدانْسك، وبوزنان.
السينما
بذل ك. بروشينسكي (1875-1945) K.Broszynski جهوداً كبيرة في محاولة اختراع السينما عن طريق تحريك الصور الفوتوغرافية ونظم أول عرض سينمائي في بولندة عام 1896، للأخوين الفرنسيين لوميير Lumière. وبدأ السينمائيون البولنديون عملهم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في تنفيذ أفلام قصيرة وثائقية ومشاهد من الحياة اليومية. ونشأت أول شركة إنتاج بولندية في عامي 1901 و1902. وتحقق أول فيلم روائي قصير «عودة عربيد» (1902). وبدأ نمو الإنتاج السينمائي في السنوات (1908-1914) نفذت فيها أفلام ذات طابع اجتماعي مثل «زيارته الأولى إلى وارسو» من تمثيل الممثل المشهور أنطوني فيرتنير (1874-1959)A.Fertner . وتحقق أول فيلم ناطق «أخلاقيات السيدة دولسكا» (1930). واستمر تنفيذ المؤلفات الأدبية سينمائياً والأفلام التاريخية والاستعراضية والساخرة الهزلية والموسيقية جسدت المضامين الإجتماعية التي تميزت بجمالية المشاهد والمناظر، وحركية الأحداث. وانتشرت دور العرض السينمائي وصار عددها 807 دارعرض عام 1938. ووجد عدد من السينمائيين البولنديين فرصهم في السينما العالمية مثل الممثلة بولا نيغري P.Negri التي أضحت نجمة في السينما الألمانية ثم الأمريكية، و ر. بوليسوافسكي (1889-1937)R.Poleslawski أحد مخرجي هوليوود المرموقين، و ف. ستاريفيتش (1899-1965) W.Starewicz وهو من رواد أفلام الكرتون في روسية القيصرية ثم في فرنسة.
أضعفت الحرب العالمية الثانية من أهمية الإنتاج السينمائي وانتشار دور العرض، ووجد السينمائيون أنفسهم في خطوط القتال، إلا أن مجموعات سينمائية مثل «الطليعة السينمائية للجيش البولندي«، وأسست عام 1943 إلى جانب صفوف الجيش وأضحت أول مركز سينمائي إنتاجي بعد التحرير. وفي عام 1945، أُمم الإنتاج السينمائي وبدأ بعرض الأفلام الإخبارية والوثائقية حول التهديم وإعادة البناء، وانبعثت الأفلام العلمية والتعليمية من جديد.
بدأت السينما البولندية تؤكد وجودها عالمياً في نهاية أربعينيات القرن العشرين، إذ عالجت أحداث الحرب والسلام والمتغيرات الاجتماعية والسياسية، وكان أول أفلامها «الأغاني الممنوعة» (1947) للمخرج ل.بوتشكوفسكي (1900-1967)L.Buczkowski ، وبرزت مجموعة من المخرجين والممثلين والمصورين اُطلقت على أعمالهم «المدرسة السينمائية البولندية» في الأعوام 1957- 1965، وكانوا من خريجي المعهد العالي للسينما في مدينة وودج الذي أسس عام 1947.
تميزت هذه السينما بطرح قضايا مصير الإنسان البولندي والبطولات الفردية في أثناء الكوارث الحياتية، كما أعادت الارتباط بالتقاليد الرومنسية الوطنية. وقد ظهرت معالمها في منحيين تركز الأول منهما في تحقيق أفلام ذات حبكة اجتماعية معمقة توضح التعقيدات النفسية للإنسان المعاصر كما في أفلام المخرج أ. فايدا (1926)A.Wajda . بينما تركز المنحى الثاني في البحث عن صيغ وأشكال جديدة لتقديم القصة ـ الحدث، مبتعداً عن الأساليب التقليدية في العرض السينمائي في ثلاثينيات القرن العشرين، واقترب هذا المنحى من مفاهيم الفن الحديث كما في فيلمي «الشجاعة» (1958) و«رجل فوق السكة» (1957) للمخرج أ. مونك (1921-1961)A.Munk . وجدد الجيل الجديد من المخرجين مثل ك. كاراباس (1930)K.Karabasz الفيلم الوثائقي والفيلم الصامت محققين لهذين النوعين صدىً وتواجداً عالمياً. وقد أشار نقاد السينما العالميون إلى المدرسة السينمائية البولندية الحديثة بالظاهرة المتميزة في تطور السينما العالمية.
ظهرت في أواخر ستينيات القرن العشرين اتجاهات فنية جديدة في السينما البولندية إذ صار كتاب السيناريو يعملون في إخراج أفلامهم ت. كونفيتسكي (1926)T.Konwicki ، و س. روجيفتش (1924)S.Rozewicz . وتعددت الاتجاهات الفنية في السينما البولندية في سبعينيات القرن العشرين، فظهرت «الواقعية المحدودة» التي قدّمت أفلاماً عن الحياة والثقافة في مناطق بولندة المختلفة من منظور الوقائع الهامة في الحياة مثل فيلم «ملح الأرض السوداء» (1970) للمخرج ك. كوتز (1929)K.Kutz ، وتحول الكثير من القصص الأدبية البولندية الشهيرة إلى أفلام مثل فيلم «فرعون» (1966) عن رواية للأديب ب. بروس B.Prus، وفيلم «العرس» (1972) عن رواية للأديب س. فيسبيانسكي، وبرز جيل جديد من المخرجين صاحب مدرسة «السينما الثالثة» مثل الفرنسي من أصل بولندي ر. بولانسكي (1933)R,Polanski ، و ي. سكوليموفسكي (1938) J.Skolimowski ، و ك. زانوسي (1939)K.Zanussi .
وتطورت أفلام الكرتون والأفلام المخصصة للأطفال وأفلام الخيال العلمي والأفلام الاستعراضية، إضافة إلى مساهمة التلفاز في إنتاج الأفلام الروائية والمسلسلات القصصية باستخدام مختلف وسائل التقانات الحديثة.
ظهرت الأوضاع السياسية والاجتماعية في بولندة، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، في السينما من حيث الأهداف والموضوعات والتقانات. وبحثت في مغزى الحياة وإحساس الإنسان بالغربة ومواجهة الأقدار في أفلام الكثيرين من السينمائيين البولنديين.
وتعد مدينة وودج مركزاً للإنتاج السينمائي بتوجيه من «المدرسة الوطنية العليا للفيلم والتلفزة والمسرح» ومصدر تأهيل الأطر الفنية للسينما البولندية، تليها العاصمة وارسو ثم مدينة كراكوف. ويقام في بولندة سنوياً الكثير من المهرجانات السينمائية المحلية والدولية، وتصدر عدة منشورات سينمائية مثل فيلم «الشاش» و»السينما العالمية» و»النشرة السينمائية الصحفية«، كما توجد أندية سينمائية كثيرة في مختلف أنحاء بولندة لتنظيم العروض السينمائية والحوارات الفنية حولها، وقد أُضيفت، منذ عام 1972، مادة درسية «قراءة لغة السينما» (22حصة سنوية) في منهج المدارس الثانوية، وذلك لتعليم الطلاب تذوق الفن السينمائي والتعريف به.
مجيد جمول