بوتشيني (جاكوم) Puccini (Giacomo-) - Puccini (Giacomo-) بوتشيني (جاكومو ـ) (1858 ـ 1924م) جاكومو بوتشيني Giacomo Puccini مؤلف موسيقي إيطالي، ولد في لوكّة Lucca وتوفي في بروكسل (بلجيكة). ينحدر بوتشيني من أسرة موسيقية لخمسة أجيال مضت كانت تشارك في المهرجان السنوي الذي كان يُقام بمناسبة انتخاب أعضاء بلدية لوكة. كان جاكومو خامس طفل من سبعة أبناء لوالديه، وصار يتيماً حين كان في السادسة من عمره. وكانت أسرته تأمل أن يحل محل والده المتوفى عازفاً على الأرغن [ر] ورئيساً للجوقة الغنائية الكنسية. وكان جاكومو يغني في جوقة الكنيسة بصوت صادح (سوبرانو) Soprano [ر. الموسيقى] حين كان في العاشرة من عمره. وقد بدأ دراسة العزف على الأرغن على يد أساتذة بلدته ثم صار عازفاً عليه في كنائسها. وفي العام 1875 حضر عرض أوبرا «عايدة» Aida للمؤلف الموسيقي فيردي[ر] Verdi بمناسبة فتح قناة السويس، أثار إعجابه وحفزه في كتابة الموسيقى للأوبرا مما دعاه إلى رفض أي منصب موسيقي في الكنائس، فيما بعد، ليكون مؤلفاً موسيقياً في مجال الأوبرا فحسب. وفي العام التالي كتب «قدّاساً» Mass [ر. الإنشاد الديني] للانتساب إلى المدرسة الموسيقية. وفي أثناء دراسته ألّف ثلاث قطع موسيقية هي: «بريلود سمفوني» [ر. الصيغ الموسيقية] Symphonic Prelude عام (1876)، و«موتيت» Motet [ر.الإنشاد الديني] (عام 1878)، و«قداس» (عام 1880) قدّمها امتحان قبول إلى المعهد الموسيقي (كونسرفاتوار) في مدينة ميلانو، بعد حصوله على منحة دراسية من الملكة مرغريتا، لدراسة التأليف الموسيقي، وكان أميلكار بونكييلّي (1834- 1886) A.Ponchielli أحد أساتذته. عاش بوتشيني في ميلانو حياة عبث حرة كان لها الأثر الأكبر في موسيقاه.ولما أنهى دراسته الموسيقية، ألف موسيقى أول أوبرا له «فيلي» Le Villi (من الأصل Willis) وهي ذات فصلين، عُرضت عام 1884 بعد إجراء بعض التعديلات عليها، ونالت إعجاباً جماهيرياً ملحوظاً. ثم عرض أوبراه الثانية «إدغار» Edgar (عام 1889)، ذات الفصول الأربعة، في مسرح «لاسكالا» La Scala في ميلانو. وفي عام 1893، قدم أوبراه الثالثة «مانون لسكو» Manon Lescaut وهي في أربعة فصول أيضاً نال فيها شهرة واسعة، وعززت مكانته مؤلفاً موسيقياً في مجال الأوبرا، وتهافت عليه الناشرون لنشر موسيقاه. وقد استوحى بوتشيني من فيردي تسلسل الألحان العذبة دون تجزئتها إلى أغنيات منفصلة، كما في كل من أوبرا «فالستاف» Falstaff و«عطيل» Otello لفيردي، كما أخذ عنه أسلوب جمالية الأغنية لحناً وانسياباً وسيطرتها على الأوركسترا [ر.الفرقة الموسيقية]، مع أنه اعتمد التقانة الفنية لطريقة «اللحن الدال» Leitmotiv [ر.الأوبرا] الفاغنرية (نسبة إلى المؤلف الموسيقي فاغنر[ر] Wagner) التي بقيت عنصراً دائماً في موسيقاه. استقر بوتشيني، عام 1891، في بلدة تورّه دل لاغو Torre del lago الهادئة القريبة من ميلانو حيث يستطيع ممارسة هوايتي صيد الطيور البرية والتمتع بالسيارات، إضافة إلى التأليف. وأسس مع أصدقائه «نادي البوهيمية» نسبة إلى أوبراه «البوهيمية» La Bohème التي عُرضت لأول مرة عام 1896 في تورينو Torino وهي أولى مآثره الفنية القيّمة مع أنها لم تلق نجاحاً يذكر آنذاك، وهي في أربعة فصول مقتبسة عن حياة الفنانين البوهيمية الواقعية التي تدور أحداثها في الحي اللاتيني في باريس عام 1830. ثم أتبعها بأوبرا «توسكا» Tosca التي عُرضت للمرة الأولى في رومة عام 1900، وهي مأساة في ثلاثة فصول يقوم موضوعها على الحب والانتقام. وتعالج موسيقاها القصة بمشاعر مأسوية إنسانية، وقد أثنى عليها الكثير من الموسيقيين. في عام 1904، تزوج بوتشيني زوجة أحد أصدقائه المتوفى، وألّف في السنة ذاتها، موسيقى أوبرا «مدام بترفلاي» Madame Butterfly وهي مأساة في فصلين ثم عُدلت إلى ثلاثة فصول، وهي مستقاة من المسرحية الأمريكية التي تحمل الاسم ذاته. وتدور أحداث الأوبرا في اليابان في بداية القرن العشرين. وقد قدمت للمرة الأولى في ميلانو ولم تنل نجاحاً يذكر، ثم أُعيد عرضها في مدينة بريشة Brescia نالت استحساناً كبيراً. وبهذه الأوبرا، ولدت لدى بوتشيني الرغبة في مداولة الموضوعات الأجنبية، غير الإيطالية، ومعاصرة الأحداث العالمية ومسايرة الركب الموسيقي الحديث. وتعززت لديه هذه الفكرة حين زار الولايات المتحدة الأمريكية عام 1907، وقدم فيها أوبرا «فتاة الغرب» La Fanciulla del West، وهي ذات أربعة فصول عُرضت عام 1910 في مسرح «المتروبوليتان» Metropolitan في مدينة نيويورك، وكانت الأوبرا الأكثر أصالة من بين أعماله في هذا الحقل، كما تعد أفضل مآثره في رحلته إلى القارة الأمريكية. وقد نال بوتشيني في إثرها، استحساناً ونجاحاً باهرين لم يلق مثلهما في أوربة. وخاض غمار «الأوبريت» Operette [ر.الأوبرا] مع أوبرا «عصفورة السنونو» La Rondine (عام 1917). ثم قدّم عام 1918 عملاً أوبرالياً في ثلاث أوبرات Trittico ذات موضوعات مختلفة وهي: «العباءة» Tabarro وتعتمد على الواقعية المأسوية Verismo[ر.الأوبرا]، وأوبرا «الراهبة أنجيليكا» suor Angelica ذات الموضوع الحزين التي تتحلى بالألحان الغنائية المؤثرة، وأوبرا «جانّي سكيكّي» Gianni Schicchi وهي أوبرا ضاحكة. اختار بوتشيني أوبراه، الأخيرة، «تورندوت» Turandot بعد التمحيص والاختيار للكثير من الموضوعات المطروحة عليه. ولم تثنه إصابته بمرض سرطان الحنجرة عن متابعة كتابته الموسيقية لها بدأب شديد. إلا أنه اضطر إلى التوقف عن متابعة التأليف فيها للذهاب إلى بروكسل وإجراء الجراحة، لكن وفاته، إثر ذلك، حالت دون إتمامها. وقام زميله فرانكو ألفانو[ر] F.Alfano بإتمامها. وعرضت «تورندوت»، بعد وفاة بوتشيني بعامين، في ميلانو، وكان قائد الأوركسترا أرتورو توسكانيني[ر] A.Toscanini قد توقف في أثناء قيادته الأوركسترا عن الأداء في العرض الأول لها، عند المرحلة التي توصل بوتشيني إليها في التأليف إجلالاً له. وفي هذه الأوبرا يختار بوتشيني الموضوع الأجنبي ذا الجو الصيني الخيالي الساخر والانتقادي، تمشياً مع مبدئه، معبراً عنه بكتابة موسيقية معاصرة متلازماً مع الطليعة الفنية الأوربية. كان بوتشيني يميل إلى القصص والموضوعات التي تفسح له في المجال لإبراز المشاعر والتعابير الإنسانية ليصبها في موسيقى تنساب منها الألحان الجميلة التي تعبر عن أحداث القصة. ومع ذلك لم تأخذ بعض أعماله مكانتها المرموقة شعبياً، مثل «البوهيمية»، و«مدام بترفلاي» كما لم يفهمها الجمهور العادي في حينها، وخاصة الإيطالي، مع أن توسكانيني كان قد أجاد أداء هذه الأعمال بتقانة عالية. كما أن رائعتيه «فتاة الغرب» و«تورندوت» لم تُعرضا إلا نادراً. وإن النقد الموسيقي لأعماله لم يكن متوازياً مع إعجاب الجماهير عامة لباقي مؤلفاته إلا بعد مرور زمن غير قصير، حين اعترف النقاد الموسيقيون بقدرته مؤلفاً موسيقياً أوبرالياً فذاً. ويمثل بوتشيني «الواقعية الإيطالية»، ولاشك في أنه بزّ زملاءه، في هذه المدرسة، مثل بييترو ماسكانيي[ر] P.Mascagni، وروجيرو ليونكافالّو[ر] R.Leoncavallo. وترتكز مميزات فن بوتشيني الأساسية على الفعالية الدرامية في أوبراته وفي موسيقاه الغنائية والأوركسترالية الملتحمتين معاً. وتُعد أعماله في الأوبرا مثل «توسكا» و«مدام بترفلاي» و«فتاة الغرب» و«تورندوت» خطوات جريئة في الألحان الغنائية كما يماثلها من أوبرات القرن العشرين. كتب بوتشيني ألحان اثنتي عشرة أوبرا، وقطعة سمفونية للأوركسترا «نزوة» Caprice [ر.الصيغ الموسيقية] (عام 1883)، وبعض القطع الموسيقية من موسيقى الحجرة[ر] Chambre Music، وبعض القطع الغنائية. حسني الحريري