المؤرخ تامر الزغاري - Regent Tamer Zghari
ذكرى سقوط بغداد على يد هولاكو
بسبب خيانة ابن العلقمي وأنصاره، فإستشهد الخليفة البطل المستعصم الذي إنتصر على المغول سابقا
--حيث في مثل هذا اليوم.
-كان سقوط بغداد عاصمة الدنيا ومركز العصر الذهبي ومصدر النور الذي أنار الكون ومنطلق الخلفاء العباسيين الذين سطروا أمجاد أمتنا.
-وكان ذلك في 4 صفر 656 هجري
-الموافق في تاريخ 1258/02/10م.
--وفي نفس اليوم تم القبض على آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الخليفة العباسي السابع والثلاثون الشهيد عبد الله المستعصم بالله "قتيل التتار"، وأخذه المغول أسيراً وكانوا يهابون قتلَه ثم هون عليهم ابن العلقمي والنصير الطوسي قتلَه، فأعدموه في 14 صفر 656 هجري الموافق في 1258/02/20م.
--***قالوا عنه:
--قال الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء ): كان فاضلا تاليا لكتاب الله مليح الكتابة وكان كريما حليما دينا سليم الباطن حسن الهيئة.
-قال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية ): أتقن في شبيبته تلاوة القران حفظا وتجويدا واتقان العربية والخط الحسن.
-قال السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء): خرج له الدمياطي أربعين حديثا رأيتها بخطه. وكان كريما حليما سليم الباطن حسن الديانة.
-قال الشيخ قطب الدين: كان متدينا متمسكا بالسنة كأبيه وجده.
-قال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية ): كان كثير التلاوة حسن الأداء طيب الصوت يظهر عليه خشوع وانابة وقد نظر في شيء من التفسير وحل المشكلات وكان مشهورا بالخير مشكورا مقتديا بأبيه المستنصر جهده وطاقته وقد مشت الأمور في أيامه على السداد والاستقامة بحمد الله.
-قال إبن انجب الساعي : وأما سيرته فكان فيه أوصاف لم تجتمع في غَيره ممن مضى من آبائه وأجداده- رحمهم الله- فأنه كان حافظاً للقرآن المجيد، عاكفاً على تلاوته، مواظباً على الصلوات في أوقاتها وصوم الاثنين والخميس من كل شهر، وصوم شهر رجب دائماً، لا يُخِل بذلك مدة خلافته وقبل خلافته.
- قال ظهير الدين بن الكازورني: كان جميل الصورة حسن الوجه، كامل المحاسن، أسمر اللون، حسن العينين، مسترسل شعر الوجه، ظاهر الحياء، كثير التلاوة للقرآن المجيد، صالحاً ديناً لا يتعرض بشيء من المنكر ولعله لم يَرَ صورته ولا يعرفه، وكان ليَّن الأكناف صالحاً ديناً شريف النفس كريم الطباع.. صبر على الشدائد والأمور المستعصيات.
--*** تولي الخلافة
--تولى الخلافة بعد وفاة أبيه الخليفة العباسي منصور المستنصر بالله وذلك في 1242/12/05م.
--*** انتصار المستعصم على المغول في حملتهم الأولى.
--لم تكن حملة المغول التي أدت إلى سقوط بغداد هي محاولتهم الاولى بل سبق هذه محاولة في عهد الخليفة العباسي منصور المستنصر بالله وانتصر عليهم في معركة شهرزور عام 1227م، وكذلك محاولة في زمن الخليفة المستعصم في عام 1245م أي قبل حوالي 13 عام من سقوط بغداد، وانتصر فيها الخليفة نصر ساحق وهذا يدل على مدى قوة الدولة وحسن إدارة الخليفة للحكم.
-قال ظهير الدين بن الكازورني: نزل الخليفة بين الكُشك العتيق والملكية، فتلقاهم بعزم شديد ورأي سديد، وأخرج إليهم إقبالاً الشرابي بعسكر الديوان وثبت لهم إلى الليل، ثم لاحت لهم إمارة قوة عسكر بغداد فانهزموا ليلاً ولم يلاقوهم، وعادت عساكر بغداد منصورة محروسة من العدو ببركته.
- قال الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء ): سنة 43 جاءت فرقة من التتار الى بعقوبا فالتقاهم الدويدار فكسرهم.
-قال أبو الفدا في (المختصر في أخبار البشر): قصدت التتار بغداد وخرجت عساكر بغداد للقائهم ولم يكن للتتار بهم طاقة فولى التتر منهزمين على اعقابهم.
-قال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية): كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة وهزموا بين ايديهم
--*** تحكم المستعصم بالولايات الاسلامية:
--لقد كان المستعصم يملك كامل الصلاحيات ولم تكن خلافته صورية وابرز مثال على ذلك ما حدث في مصر بعد أن بايع المماليك شجر الدر عام 1250م لتكون والية على مصر أرسل لهم الخليفة المستعصم رسالة قال لهم فيها أن انتهت عندكم الرجال فحكمتم امرأة فسنرسل لكم رجلا ليحكمكم.
-قال المقريزي في كتاب(السلوك لمعرفة دول الملوك): ووصل الخبر إلى بغداد فبعث الخليفة المستعصم بالله كتابا وهو ينكر على الأمراء ويقول لهم: ان كانت الرجال عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلا.
--*** المستعصم والنساء.
-لقد قام المؤرخ الهمذاني الذي كان خائن وموالي لجيش المغول بتشويه صورة المستعصم وافترى عليه ان له مئات الجواري وأن جارية ضربت بسهم أثناء حصار المغول وهذا ظلم شديد وافتراء و هنا نورد ما قاله أحد مؤرخين بغداد.
-قال ابن أنجب الساعي: كان له جاريتان قبل الخلافة، له من إحداهما ثلاثة بنين وبنت، ومن الأخرى أربع بنات، فلما أفضت الخلافة إليه لم يتغير عليهما ولا أغارهما بل راعهما حفظاً لعهدهما، ثم طلبت منه أم البنين أن يعتقها ويتزوجها ففعل ذلك، فلما ماتت استجد بأخرى وحَظيت عنده فلم يعترض بغيرها وجاء منها بولد ذكر، وطلبت منه أيضاً أن يعتقها ويتزوجها ففعل ذلك، هذا فيما يرجع إلى حسن العشرة وحفظ العهد ومراعاة الصحبة والوفاء.
--***سقوط بغداد.
--لم يكن سقوط بغداد نتيجة تقصير او سوء إدارة او ضعف بل كان نتيجة الخيانة التي قد يتعرض لها الأنبياء والقادة العظام وهذه الخيانة لا تنتقص من قدرهم والذي قام بهذه الخيانة هو الوزير الحاقد الخائن ابن العلقمي الذي أطمع التتار بالعودة لمحاولة أخذ بغداد واعطاهم الخرائط.
-وفي وقت الحصار جعل انصاره يغدرون بجند الخلافة ويفتحوا للمغول ابواب الأسوار ثم قام بالغدر بالخليفة المستعصم حينما اوهمه بأنه وصل لاتفاق مع المغول ان تبقى الامور على ما هي عليه مقابل نصف خراج عام وأن يتزوج ابن المستعصم من إبنة هولاكو فعلى ابن العلقمي ما يستحق.
-وقد كان عدد الجيش العباسي المدافع عن بغداد حوالي 80000 مقاتل منهم 30000 مقاتل أيوبي، مقابل 150000 جندي مغولي من مختلف الأعراق، وبعد سقوط بغداد استمر المغول 12 يوما في إبادة سكان بغداد فاستشهد من سكانها حوالي 2 مليون نسمة، وقاموا بإلقاء الكتب الموجودة في بيت الحكمة في نهر دجلة فأصبح لون نهر دجلة أزرق كدلالة على الثروة العلمية التي كانت في بغداد.
قال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية ): وأوهم—يعني ابن العلقمي—الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم وأشار على الخليفة بالخروج إليه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان. وهكذا تم أسر الخليفة وقتله بناءً على نصيحة ابن العلقمي لهولاكو.
-قال ابن كثير في (البداية والنهاية ) : وقال الوزير ابن العلقمي: <<متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك<<، وحسنُّوا له قتل الخليفة.
-يقول شيخ الإسلام إبن تيمية في كتابه (منهاج السنة): وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم—يعني فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم—يعني التتار—ويكيد أنواعًا من الكيد.
-عندما قبض هولاكو على الخليفة قيل لهُ أنه لو قتله وأريقت دماؤه على الأرض فسيحدث كوارث عظيمة فأمر هولاكو بان يوضع الخليفة في جلد بقر وان يضرب بداخله حتى يموت، ولم يكتفوا بقتله بل ارادوا ايضا تشويه صورته فقام الهمذاني الخائن الذي كان خائما مواليا للمغول ضد العباسيين بإبتداع قصة الذهب.
-وكان يوم مقتلهِ يوم الأربعاء 14 صفر وقد أخذوه المغول أسيراً وكانوا يهابون قتلهِ أولاً ثم هون عليهم ابن العلقمي والنصير الطوسي قتلهِ، فقتل رفساً وقيل بل خنق وقيل بل أغرق، ولا يعلم حقيقة كيف كان قتلهِ وعفي قبره، وكان عمرهُ يومئذ 46 سنة وأربعة أشهر، ومدة خلافتهِ 15 سنة وثمانية أشهر، وبمقتلهِ انتهى عصر الدولة العباسية في العراق.
******************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
******************