غالبًا ما يُعرّف التسامح بأنه قرار مُتعمَّد للتخلص من مشاعر الغضب والاستياء والانتقام تجاه المُسيئين. قد تكون أنت نفسك المسيء أو قد يكون شخصًا آخر. ربما نجد مُسامحة الآخرين أيسر من مسامحة أنفسنا على الأخطاء. لا شك في أننا جميعًا نُخطئ، لكننا -في كثير من الأحيان- لا نعرف كيف نتعلم من أخطائنا، أو كيف نُسامح أنفسنا على ما ارتكبناه، من أجل صحة عقلية جيدة وحالة نفسية أفضل.
سنتعرف في هذا المقال على فائدة التسامح مع أنفسنا وكيفية تحقيقه، وهو الجانب الأصعب في تحدي التسامح.
كيف تُسامح نفسك؟
لا تعني مسامحة النفس الضعف، ولا الهروب من المسؤولية، بل تعني اعترافك بخطئك، وإدراكك أن الأحداث الماضية لا يُمكن تغييرها، فلا بد من أن تمضي قُدمًا وأن تتجاوز ما حدث.
تقدم إحدى النظريات أسلوبًا علاجيًّا لمسامحة النفس، يتكون من 4 قواعد:
1. تحمل المسؤولية:
لا يعني التسامح أن تتجاهل الخطأ وتمضي قُدمًا. الخطوة الأولى هي أن تعترف بخطئك، وهي الخطوة الأصعب، فكثيرًا ما نحاول تبرير أخطاءنا وجعلها تبدو طبيعية. قد يجعلنا تحمل المسؤولية نتخلص من المبالغة في المشاعر السلبية كالندم وكثرة لوم أنفسنا.
2. التعبير عن الندم:
قد تشعر بعد اعترافك بالخطأ بموجة من العار والندم، وهذا شعور طبيعي، وله أثر مهم في اتخاذ طريق التسامح مع الذات، لكن الوقوف عنده سيجعلك ترى نفسك شخصًا سيئًا أو عديم القيمة، وإذا لم تُعالج هذه المشاعر فقد تقودك إلى الاكتئاب أو الإدمان أو العدوانية، لذلك فاعلم أن أخطائك لا تجعلك شخصًا سيئًا، ولا تقلل من قيمتك الحقيقية.
3. تصحيح الخطأ واستعادة الثقة:
سواءً كنت أنت من تعرض للإساءة أم شخص آخر، فما يحد من الشعور بالندم هو الاعتذار ومحاولة تصحيح الخطأ. لا يعني تصحيح الخطأ أن تصلح ما أفسدته فحسب، بل أن تُساعد نفسك على التخفيف من معاناتك وندمك.
4. التجديد:
يرتكب الجميع أخطاءً، ولدينا جميعًا ما نشعر حياله بالأسف والندم، لكن يجب ألا يكون هذا فخًا للوقوع في كراهية أنفسنا، بل يجب أن نتخذه طريقًا نحو التعلم من أخطائنا، ففي كل مرة نُخطئ، علينا أن نتساءل: لماذا أخطأنا؟ ولماذا نشعر بالذنب؟ وكيف نتلافى تكرار نفس الخطأ مستقبلًا؟
القيود
من المهم أن تدرك أن النهج المذكور آنفًا قد لا يصلح في حالة من يلومون أنفسهم على أخطاء هم غير مسؤولين عنها، فمن عانوا سوء معاملة الآخرين أو تعرضوا للصدمات أو الفقد قد يشعرون بالذنب تجاه أمور هم غير مسؤولين عنها أساسًا، إذ قد ننظر إلى ما يحدث من أخطاء أنها أمور متوقعة كان يمكن تلافيها، ما يثير الشعور بالندم، وهو ما يعرف بانحياز الإدراك المتأخر.
الفوائد
من مبادئ علم النفس أن التسامح مع نفسك أو مع الآخرين له العديد من الفوائد، سواءً كانت المعاناة حقيقية أم بسيطة، ومن هذه الفوائد:
1- الصحة العقلية
يحسن التسامح مع النفس صورتك أمام نفسك. أظهرت الدراسات أن من يصفحون عن أنفسهم يعانون مستوياتٍ أقل من الاكتئاب والقلق، ويختبرون مستويات متزايدة من النجاح والإنتاجية.
2- الصحة الجسدية
قد يمتلك التسامح آثارًا إيجابية على صحتك الجسدية، كأن يُحسّن من مستويات الكوليسترول، أو يقلل الآلام الجسدية واضطراب ضغط الدم وخطر الإصابة بنوبة قلبية.
3- العلاقات
إن امتلاك موقف متسامح مع النفس له دور كبير في إنجاح علاقاتك مع الآخرين، إذ يجعلك تُحافظ على الشعور باحترام الذات. إضافةً إلى أن طلب الصفح من الآخرين على ما ارتكبت في حقهم من أخطاء له دور في تحسين علاقاتك بهم. وجدت إحدى الدراسات أن الشريكين الَّذَين يسامح كل منهما الآخر يعيشان علاقة عاطفية أفضل، ويحمل كل منهما أفكارًا سيئة أقل عن الآخر.
التحديات
ما الذي يجعل التسامح مع الذات صعبًا في كثير من الأحيان؟ لماذا يستمر بعض الناس في معاقبة النفس وتوبيخها على الأخطاء الطفيفة؟
قد يؤدي الانخراط في أفعال لا تتماشى مع قيمنا ومعتقداتنا إلى تنمية مشاعر الذنب والندم وكراهية الذات.
إن بعض الناس أكثر ميلًا للتفكير والتأمل من سواهم، ما يجعل التفكير في المشاعر السلبية أسهل لديهم. قد تشعر أن التسامح مع الذات يتطلب تغييرات عملية، كمعالجة الخطأ والانتباه لسلوكياتنا في المستقبل، ما يصعب الأمر. كثيرًا ما نكون غير مستعدين لتغيير أنفسنا لسبب ما، لذا نلجأ إلى تجاهل أخطائنا أو تبريرها قدر الإمكان.
العيوب المُحتملة
رغم ما للتسامح من آثار إيجابية، فقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى آثار ضارة.
المأزق الرئيسي الذي قد يضعك فيه التسامح مع الذات، هو احتمال التقليل من تعاطفك مع من تضرروا من سلوكياتك، إذ يقل شعورك بما سببته لهم من أذى، ما ينعكس على تعاملك معهم. يمكن التقليل من خطر هذا العيب عبر التعاطف الواعي مع من تضرروا من أفعالنا.
خاتمة
لا تقل مسامحة النفس صعوبةً عن مسامحة الآخرين، ومن المهم أن تتذكر أن تعلّم كيفية مسامحة نفسك ليست شيئًا ثابتًا يصلح للجميع، فالأمر ليس بهذه السهولة. وتذكر دائمًا ما لمسامحة الآخرين من أثر جيد على صحتك العقلية والجسدية.
المصدر:.ibelieveinsci