بطش (عمر)
Al-Batsh (Omar-) - Al-Batsh (Omar-)
البطش (عمر ـ)
(1885 ـ 1950)
الشيخ عمر بن إبراهيم البطش موسيقي صوفي من سورية، من رواد إحياء فن الموشحات ورقص السماح في العصر الحديث، ولد في حلب وتوفي فيها. كان أبوه إبراهيم البطش بنّاء، فامتهن الابن حرفة البناء كوالده.
بدأ الشيخ عمر يتردد، بصحبة خاله بكري القصير، على المجالس الدينية وزوايا الطُرق الصوفية وتكاياتهم، ولاسيما الشاذلية والمولوية منها، وقبس الغناء الديني من مدائح نبوية وموشحات دينية، فهجر حرفة البناء وتلمذ لبعض الموسيقيين منهم صالح الجذبة، وأحمد عقيل، وأحمد الشعار، وأخذ عنهم فن أداء الموشحات وعلم المقامات والأوزان والضروب. كما تعلّم أصول رقص السماح (وهو سير إيقاعي ذو حركات تعبيرية بالأيدي والأرجل يرافقه غناء موشح أو أكثر) حتى برع فيه واشتهر في الوطن العربي بهذا اللون من الفن الغنائي الراقص. ثم تعلم العزف على العود وآلات الإيقاع مثل الدف والدُّرَابُكّة وصار من المتفوقين في النقر عليهما.
ولما زار الموسيقار محمد عبد الوهاب مدينة حلب عام 1933 التقى الشيخ عمر في جلسة موسيقية تضم نخبة من موسيقيي المدينة، وطلب الضيف الكبير من الشيخ عمر، أن يسمعه موشحاً من مقام السيكاه الأصلي [ر.الموسيقى العربية]، إذ كان هذا المقام مفقوداً في ألحان الموشحات، وهو مشابه لمقام الهزام مع اختلاف بسيط في بعض درجاتهما. وكان هذا الطلب امتحاناً لقدرات الشيخ عمر. فوضع البطش في ليلة واحدة ألحاناً لثلاثة موشحات من مقام السيكاه الذي لا تخالطه نغمة الهزام، وكان أبرزها «رمى قلبي رشا أحور». ولما استمع إليه محمد عبد الوهاب في الليلة التالية لم يكتم إعجابه به وتقديره له. وفي عام 1943 عُيّن الشيخ عمر مدرساً لفن الموشحات ورقص السماح في معهد الموسيقى الشرقية في دمشق، التابع لوزارة الشباب آنذاك، وكذلك في المعهد الموسيقي الشرقي عام 1947، التابع لوزارة التربية (المعارف سابقاً)، وأقام علاقات صداقة بكثير من الشخصيات الموسيقية والوطنية، كان من أبرزها فخري البارودي (وهو من مشجّعي الموسيقى) الذي صار من أكثر الناس إعجاباً بالبطش.
قام عمر البطش بتلحين نحو خمسين ومئة موشح من مختلف النغمات والأوزان، والمدوّن منها ثمانون موشحاً تقريباً. ومن أشهر هذه الموشحات: «يمر عجباً ويمضي» من مقام حجاز كار كرد، و«يا معير الغصن» من مقام الحسيني، و«بات بدري وهو معتنقي» من مقام الرصد (الراست). ولحّن أيضاً عدداً وفيراً من الأدوار (الدور كالموشح إلا أنه ينظم باللغة الدارجة وهو نوع من الزجل في مصر)، اثنان منها فقط مدوّنان موسيقياً هما: «يا قلبي مالك والغرام» و«يا قلبي افرح نلت المرام». كما أضاف إلى كل من موشحي «يا شادي الألحان»، و«العذارى والمائسات»، وهما من ألحان سيد درويش، خانة (وهي من أقسام الموشح) لافتقارهما إلى مثل هذه الخانة.
ويدين رقص السماح في تطوره وتقدمه على الصورة الزاهية المعروفة اليوم لعمر البطش، إذ استطاع تطبيق حركات الأيدي والأرجل على إيقاعات الموشحات، وجعل كل إيقاع من الموشح يختص بحركاتٍ للأيدي أو للأرجل أو لها معاً.
أتاحت له علاقته الفنية بفخري البارودي، الذي كان كلِفاً بالطرب، فرصة الاطلاع على مكتبة البارودي الموسيقية الضخمة التي جمعها من مختلف المصادر التي تعنى بالموسيقى العربية والشرقية، فأفاد منها. كما كان للبطش الفضل في جعل رقص السماح أكثر رقة وعذوبة، وبعمله هذا نقل فن السماح، الذي كان وقفاً على مدينة حلب، إلى دمشق. ففي عام 1947 رقصت طالبات معهد دوحة الأدب للبنات، أول مرة، السماح وهن ينشدن موشح «املا لي الأقداح صرفاً» في الحفل المدرسي السنوي بحضور بعض رجال الدولة. كما يعود الفضل للبطش في تهذيب وصلة الموشحات، بمرافقة رقص السماح، التي كانت تستغرق، قبـل أن يعدلها البطش ويطورها أكثر من ساعتين، فغدت لا تزيد على الساعة.
صميم الشريف