من خلف مكتبه الذي تحيطه جدران محجوبة بكتب الأدب والتاريخ والعلوم المختلفة، وبرفقة كأس من الحجم الكبير ممتلئ بالقهوة التي تُعد من أساسيات طقوس الكتابة لديه، وبمعارف وبلاغة أدبية راكمتها نشأة برفقة آيات القرآن الكريم والحديث الشريف وطبقة الشعر العالي والأدب والفكر والتاريخ، يجيب الدكتور الأردني أيمن العتوم (50 عاما) على أسئلة الجزيرة نت.
ويعتبر صاحب "يا صاحبي السجن" من الروائيين الذين احتلوا مكانة في عالم الرواية العربية منذ دخوله هذا المجال عام 2012، وقد صدر له ما يقرب من 20 رواية، وصل بعضها لأكثر من 50 طبعة، وترجم منها، وتم تناولها في عشرات الدراسات الأكاديمية، التفاف فئة الشباب حول تلك الروايات بشكل ظاهر دعانا لإجراء هذا الحوار الخاص مع العتوم للسؤال عن أسرار ذلك.
ربما هناك أكثر من سبب، أولها أنك تخاطب وجدانهم من جهة وعقولهم من جهة أخرى، تمزج بين ما كُوّن منه الإنسان "العقل والعاطفة"، والأمر الآخر أن المواضيع التي أطرحها هي مواضيع فيها اهتمام إنساني عام وشامل، مثل مواضيع الحرية والتمييز العنصري والفنتازيا وما بعد الموت وغيرها من القضايا التي تدور في أذهان الشباب وتحاول الروايات الإجابة عليها.
والنقطة الأخرى في تفسير إقبال الشباب هي أن اللغة التي أكتب بها لغة شاعرية، سهلة ممتنعة تمشي مع القرآن الكريم من ناحية السهولة البادية، لكن ما وراء المعنى خفي، وهذا الأسلوب لا يتقنه الكثيرون، فهو يحتاج إلى ثقافة عميقة وتَمَثُّل لغة القرآن ولغة العرب ولغة الشعر والفصاحة والبلاغة.
وأيضا المشهدية، أي أن يشعر القارئ أنه داخل مشهد تماما بكل تفاصيله، وأخيرا أنني قريب من الشباب، أجلس معهم وأحادثهم وألبي دعواتهم وأنصحهم من خلال أعمالي المرئية وبرامجي.
بوجه عام "كل ممنوع مرغوب" كما يقولون، لأنه عندما تمنع رواية يثير ذلك فضول الناس لمعرفة ما تتحدث عنه تلك الرواية، ومن جهة أخرى فأنا منعت مئات -وضع تحت مئات عشرة خطوط- المرات من إقامة ندوات في الجامعات الأردنية الرسمية بشكل رئيسي والخاصة أيضا، فبالتأكيد لو تمت تلك اللقاءات فإن الوجود مع الشباب كان يمكن أن يؤدي رسالة أكبر.
لكن من جهة أخرى صار المنع داعيا للناس لأن يقرؤوا هذا الممنوع، فمن جهة أثر ذلك سلبا ومن جهة أخرى أثر إيجابا، وبالنسبة لي أعتبر هذا كله "هراء" لأنه في النهاية لم نعد في عصر المنع، أنا حاليا وأنا أكلّمك كتبي سُحبت كلها من معرض القاهرة الدولي، وهذه هي المرة الثالثة، وأعتبر هذا هراء وتخلّفا معا لأنه لم يعد هناك منع حقيقي، فالقدرة متوفرة للحصول عليها إلكترونيا أو صوتيا وغيرها، لكننا نعيش مع أنظمة استبدادية تعيش بعقلية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
أنا كاتب نبّاش للتاريخ أجعله يقف على قدمين ويخاطب الناس، لكن الذي يجعله يقف هو لغتي وغايتي وهدفي من ذلك. لا يقتصر الأمر على الأردن، هناك أحداث تاريخية أكبر أيضا مثل العبودية في أميركا، وشراء الرقيق من غرب أفريقيا كما في رواية "أرض الله"، والمجاعات التي اجتاحت مصر وبعض الدول العربية مثّلتها في رواية "مسغبة"، كما ظهرت الحروب مع الاحتلال الإسرائيلي أعوام 1948 و1967 و1968 في رواية "يوم مشهود".
الهدف الرئيسي من ذلك هو أن أجعل التاريخ يحدّث الناس، لأن هناك الكثير من الأبطال المنسيين أو الذين أريد لهم أن يُنسوا، وأنا أعيدهم إلى الذاكرة، فلو ذهبت إلى الرواية التاريخية فستجد مساحة أكبر بكثير عندي من رواية أدب السجون مثلا، قبل كتابتي لأي عمل أقرأ عشرات الكتب حول الموضوع وأعطيه حقه من البحث والتمحيص.
الدافع كان في رواية "يا صاحبي السجن" هو التعبير عن ذاتي، ولم يكن في بالي أن أكون روائيا أو أنني أريد أن أتابع هذه المسيرة، ولكن عندما نجحت الرواية -بفضل الله تعالى- فتحت الباب لغيرها، أردت بروايتي الأولى أن أعبر عن مشاعري في تجربتي الشخصية.
ومن جهة أخرى أردت أن أقول للذين يقعون في محنة كهذه إن السجن ليس نهاية الكون وليس تلك المصيبة التي يبكي بها الإنسان على الأطلال ويندب ويصيح "لماذا فعلوا بي ذلك؟"، أردت أن أقول إنه يمكن أن تستفيد من فترة السجن وإنه يجب أن تكون لديك الإرادة والأمل في مواجهة محنة كهذه، فهذا كان هدفي، وكذلك أن يطلع الناس على تجربتي من جانب الأمل وليس من جانب اليأس.
تحدثنا عن التاريخ، لكن ماذا عن الحاضر والقضايا المعاصرة لاسيما فلسطين والتطبيع ومشاريع التغيير في الوطن العربي والحراكات الإصلاحية؟ ما دور الشاعر والروائي في هذه القضايا والأحداث التي تعيشها أمته؟
ويعتبر صاحب "يا صاحبي السجن" من الروائيين الذين احتلوا مكانة في عالم الرواية العربية منذ دخوله هذا المجال عام 2012، وقد صدر له ما يقرب من 20 رواية، وصل بعضها لأكثر من 50 طبعة، وترجم منها، وتم تناولها في عشرات الدراسات الأكاديمية، التفاف فئة الشباب حول تلك الروايات بشكل ظاهر دعانا لإجراء هذا الحوار الخاص مع العتوم للسؤال عن أسرار ذلك.
ربما هناك أكثر من سبب، أولها أنك تخاطب وجدانهم من جهة وعقولهم من جهة أخرى، تمزج بين ما كُوّن منه الإنسان "العقل والعاطفة"، والأمر الآخر أن المواضيع التي أطرحها هي مواضيع فيها اهتمام إنساني عام وشامل، مثل مواضيع الحرية والتمييز العنصري والفنتازيا وما بعد الموت وغيرها من القضايا التي تدور في أذهان الشباب وتحاول الروايات الإجابة عليها.
والنقطة الأخرى في تفسير إقبال الشباب هي أن اللغة التي أكتب بها لغة شاعرية، سهلة ممتنعة تمشي مع القرآن الكريم من ناحية السهولة البادية، لكن ما وراء المعنى خفي، وهذا الأسلوب لا يتقنه الكثيرون، فهو يحتاج إلى ثقافة عميقة وتَمَثُّل لغة القرآن ولغة العرب ولغة الشعر والفصاحة والبلاغة.
وأيضا المشهدية، أي أن يشعر القارئ أنه داخل مشهد تماما بكل تفاصيله، وأخيرا أنني قريب من الشباب، أجلس معهم وأحادثهم وألبي دعواتهم وأنصحهم من خلال أعمالي المرئية وبرامجي.
بوجه عام "كل ممنوع مرغوب" كما يقولون، لأنه عندما تمنع رواية يثير ذلك فضول الناس لمعرفة ما تتحدث عنه تلك الرواية، ومن جهة أخرى فأنا منعت مئات -وضع تحت مئات عشرة خطوط- المرات من إقامة ندوات في الجامعات الأردنية الرسمية بشكل رئيسي والخاصة أيضا، فبالتأكيد لو تمت تلك اللقاءات فإن الوجود مع الشباب كان يمكن أن يؤدي رسالة أكبر.
لكن من جهة أخرى صار المنع داعيا للناس لأن يقرؤوا هذا الممنوع، فمن جهة أثر ذلك سلبا ومن جهة أخرى أثر إيجابا، وبالنسبة لي أعتبر هذا كله "هراء" لأنه في النهاية لم نعد في عصر المنع، أنا حاليا وأنا أكلّمك كتبي سُحبت كلها من معرض القاهرة الدولي، وهذه هي المرة الثالثة، وأعتبر هذا هراء وتخلّفا معا لأنه لم يعد هناك منع حقيقي، فالقدرة متوفرة للحصول عليها إلكترونيا أو صوتيا وغيرها، لكننا نعيش مع أنظمة استبدادية تعيش بعقلية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
أنا كاتب نبّاش للتاريخ أجعله يقف على قدمين ويخاطب الناس، لكن الذي يجعله يقف هو لغتي وغايتي وهدفي من ذلك. لا يقتصر الأمر على الأردن، هناك أحداث تاريخية أكبر أيضا مثل العبودية في أميركا، وشراء الرقيق من غرب أفريقيا كما في رواية "أرض الله"، والمجاعات التي اجتاحت مصر وبعض الدول العربية مثّلتها في رواية "مسغبة"، كما ظهرت الحروب مع الاحتلال الإسرائيلي أعوام 1948 و1967 و1968 في رواية "يوم مشهود".
الهدف الرئيسي من ذلك هو أن أجعل التاريخ يحدّث الناس، لأن هناك الكثير من الأبطال المنسيين أو الذين أريد لهم أن يُنسوا، وأنا أعيدهم إلى الذاكرة، فلو ذهبت إلى الرواية التاريخية فستجد مساحة أكبر بكثير عندي من رواية أدب السجون مثلا، قبل كتابتي لأي عمل أقرأ عشرات الكتب حول الموضوع وأعطيه حقه من البحث والتمحيص.
الدافع كان في رواية "يا صاحبي السجن" هو التعبير عن ذاتي، ولم يكن في بالي أن أكون روائيا أو أنني أريد أن أتابع هذه المسيرة، ولكن عندما نجحت الرواية -بفضل الله تعالى- فتحت الباب لغيرها، أردت بروايتي الأولى أن أعبر عن مشاعري في تجربتي الشخصية.
ومن جهة أخرى أردت أن أقول للذين يقعون في محنة كهذه إن السجن ليس نهاية الكون وليس تلك المصيبة التي يبكي بها الإنسان على الأطلال ويندب ويصيح "لماذا فعلوا بي ذلك؟"، أردت أن أقول إنه يمكن أن تستفيد من فترة السجن وإنه يجب أن تكون لديك الإرادة والأمل في مواجهة محنة كهذه، فهذا كان هدفي، وكذلك أن يطلع الناس على تجربتي من جانب الأمل وليس من جانب اليأس.
تحدثنا عن التاريخ، لكن ماذا عن الحاضر والقضايا المعاصرة لاسيما فلسطين والتطبيع ومشاريع التغيير في الوطن العربي والحراكات الإصلاحية؟ ما دور الشاعر والروائي في هذه القضايا والأحداث التي تعيشها أمته؟