كتبت الأديبة السورية: لينا هويان الحسن.. هربت مرة من الشتاء وذهبتُ إلى الربيع.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتبت الأديبة السورية: لينا هويان الحسن.. هربت مرة من الشتاء وذهبتُ إلى الربيع.


    لينا هويان الحسن
    هربت مرة من الشتاء وذهبتُ إلى الربيع، نعم، صدّقوا، يحدث ذلك اذا كنت طفلًا شقيًّا، وأنا لم أتفوق إلّا بالعفرته: صفر بالرياضيات والعلوم ودون الوسط في بقية الدروس. لهذا يأس خالي الذي كان استاذي في الصف الثالث الابتدائي، مدرسة من الطين، ندرس فيها خلال النهار ويأخذ الجن راحتهم فيها خلال الليل. سمح لي خالي بالالتحاق بالربيع. كيف!؟ هكذا قالوا عندما سألت عن جدتي التي حزمت أمتعتها فجأة وغادرت، (راحت تربّع"! ) الربيع إذن حيث ذهبت جدتي مع أغنامها، ومنزل من شعر الماعز، خيمة صغيرة وكلب اسمه: برقان، وراعي اسمه مخلف ونسيت اسم حماره. .
    المهم، طرت من الفرح وأنا أتحرر من المدرسة والدروس ودون علم أمي أو أبي -اللذان كانا بعيدين لظروف طارئة.
    عشت مع جدتي في منزل مرفوع على بضعة أعمدة، أحد تلك الأعمدة مخصص لمعس الحيات الصغيرة التي تلجأ من البرد وتتكور تحت فراشي أو فراش جدتي. انهض مع ظهور نجمة الصبح وتفوح رائحة الخبز ، وبعده الحليب. تبدأ الحياة مع طقطقة النار، ورذاذ أمطار الربيع وأجراس الأغنام، نباح الكلاب، أغسل وجهي من مياه( الغادوس) وأخطط لنهاري المليء باللهو، اللعب، الركض. . والاختباء في المغائر الرومانية المنقورة في الصخر .
    يغمرني حتى اليوم السلام الذي اختلسته من زرقة سماء تلك الأيّام و اطمئنان سكونها الذي حملته معي أينما عشت، إضافة لفكرة لاتتزعزع: السعادة شيء والرفاهية شيء.
    في ذلك الربيع البعيد ترتبت حياتي برمتّها:
    -ألعبُ،أستمتعُ، وأملكُ العالم بالاستغناء.
    -لأنّ وجوهنا هي وشاية صريحة لما في داخلنا. أنظر من أحب، وآكل ما أحب، وألتقي من أحب.
    -كل بدوي يعلم أن القيمة تُضاف للأشياء وفق حاجتنا لها، والاستغناء يريحك من كل ذلك.
    -البدوي لا يزرع الحدائق، لأنه يعلم إن لم يكن الداخل مزهرًا لن يجمّله شيء.
    -البدوي يعلم أننا إذا لم نحب، لامعنى لشيء.
    -البدوي منتصر سلفًا، لا يخسر، لأنه يدرك بالفطرة أن ما من شيء نملكه حقًّا . . في النهاية الجميع سيرحلون.
    -البدوي، لايعرف نظرية "المؤمرات" لأنه يثق بذكائه، ووضوحه، فلا تعوزه المبررات، وكل تلك الثرثرة عن المؤمرات.
    -البدوي لا يضيّع وقتًا أو جهدًا لإثبات شيء لأحد.
    -البدوي لا يتحقق من وزنه كل يوم.
    انتبهوا "البداوة " ليست أن تذهب وتعيش في خيمة بالصحراء! البداوة إسلوب تفكير، حر، نظيف، بداوة العقل أي: استقلاله.


    *************************************
    كل التفاعلات:
    Fatat Hasan، وSabri Yousef

    Suheir Sarmini
    سرد رائع....
    حتى أن البدوي لايأبه للزلازل وكوارث الطبيعة

    لينا هويان الحسن
    Suheir Sarmini فعلا وكان الاهالي فيما مضى عندما يحدث زلزال في احد المدن يخرجون اربعيون للبر قبل ان يعودوا
يعمل...
X