عندما ينتحر أحدهم، يترك وراءه أهله وأحباءه في ألم عظيم، ولهذا يعتبر الكثيرون أن الانتحار تصرف، أناني فالمنتحر لا يفكر في تأثير انتحاره على الآخرين. هذا الاعتقاد هو أحد أخطر الخرافات التي يؤمن بها الكثيرون عن الانتحار.
كريستي هاغستاد وجدت نفسها في موقف مشابه بعد انتحار زوجها بيل: «بعد وفاة بيل، كان أكثر ما قاله الناس لي هو “كيف استطاع أن يفعل هذا بك؟”»، تقول هاغستاد في حديثها معنا على منصة فكّر تصرّف كن Think Act Be وتضيف: «كان كل ما يعنيهم هو كيف تسبب بيل بالألم للأشخاص الذين أحبوه».
مثل هاغستاد، عانيت أنا أيضًا ألمًا مشابهًا بعد انتحار أشخاص عرفتهم، فما زلت حتى اليوم أتساءل لماذا قتل صديقي المقرب نفسه منذ ثلاث سنوات؟ ما الذي دفعه إلى هذا؟ كيف شعر في أيامه ولحظاته الأخيرة؟ وماذا كان بوسعي أن أفعل لمساعدته؟ ورغم أني لم أعرف جدي لأبي أبدًا، إلا أن انتحاره قبل ثماني سنوات من ولادتي ترك لي إرثًا من الألم شعرت به في منزلنا خلال نشأتي.
تضيف هاغستاد في حديثها عن زوجها: «الانتحار ليس فعلاً أنانيًا على الإطلاق، فقد شعر بيل أنه عبء على الأشخاص الذين أحبوه، وأننا سنكون أفضل حالاً من دونه».
يُعد شعور “أن الناس سيكونون أفضل حالاً دوني” شعورًا شائعًأ بشكل كبير بين الأشخاص ذوي الميول الانتحارية، وقد سمعته من عدة مرضى كنت قد عالجتهم، بمن فيهم أولئك الذين نجوا من محاولة انتحار.
راودني أنا أيضًا هذا الإحساس أثناء أشدّ نوبات اكتئابي، شعرت أن تقلّباتي المزاجية وانزوائي عن ممارسة الحياة العائلية استنزفا زوجتي وأطفالي الصغار. كنتُ أقول لنفسي إنهم يستحقون أفضل من هذا، واقتنعت بعدها بفترة قصيرة أن إنهاء حياتي أمر منطقي.
لم أكن وقتها -لحسن حظي- قد استسلمت تمامًا للأفكار الكئيبة. إذ أدركت كمّ الألم الذي سأخلفه ورائي إن رحلت. كنت أعرف أن تفكيري مشوش تمامًا بسبب الاكتئاب ومع هذا أحسست أن كل مشاعري وأفكاري حقيقية تمامًا.
ليس كل من يفكر بالانتحار يعتقد أن انتحاره سيحسّن حياة من حوله بالضرورة، ولكن يعتقد البعض أن انتحارهم سيؤثر قليلًا في حياة أحبائهم.
عندما يفقد المرء الإحساس بقيمة حياته، يصعب عليه تصور أن يحبه الآخرون بصدق. فيتخيل مثلًا أن زوجته ستتجاوز موته بسرعة وأن والديه سيتقبلان الأمر بلا حزنٍ يُذكر.
انتحار زوج هاغستاد -بالنسبة لها- فعل مناقض تمامًا للأنانية. كان قد كره نفسه إلى درجة استحالت تصديقه لأن الآخرين ما زالوا يحبونه. حتى ظن أن موته سيؤثر على حياة من حوله، وأن حياتهم ستتحسن بموته.
أسباب الانتحار:
الآن وقد عرفنا أن الأنانية ليست دافعًا للانتحار، ما هي إذًا دوافع الانتحار؟
يوجد العديد من الظروف التي قد تساهم في تفكير المرء بالانتحار، كالأزمات المادية الخطيرة، أو المشاكل العاطفية أو الإحساس الشديد بالوحدة. لكن يوجد بعض العوامل التي تُعتبر دوافع قوية للانتحار وهي:
شعور اليأس:
يزداد خطر الانتحار بشكلٍ كبير عندما يفقد الشخص أي أمل في تحسّن ظروف حياته. تقول هاغستاد: «الاكتئاب أشبه بلص يسرق منك الأمل في تحسّن حياتك، تشعر أنه لا يوجد أي مخرج من مشاكلك وأنك قليل الحيلة» فتسيطر عليك مشاعر اليأس والعجز ويصبح الانتحار خيارك الوحيد.
الآلام النفسية والعاطفية الشديدة:
تقول هاغستاد: «لم يكن بيل يريد أن يموت أو أن يؤذي أحدًا، كان فقط يعاني آلامًا عاطفية لا تُحتمل، وأراد أن ينهي هذه الآلام»، جدي أيضًا عانى من اضطراب ما بعد الصدمة PTSD والاكتئاب الشديد نتيجة تجاربه القتالية المؤلمة في جنوب المحيط الهادئ، فاكتفى-على غرار بيل- من متاعب الحياة. تضيف هاغستاد: «تشعر بعد هذا الألم بالرغبة في الرحيل، تريد فقط للألم أن يتوقف».
الاعتقاد أنه الحل الأفضل للجميع:
يؤمن الشخص المُقدم على الانتحار-كما ذكرنا سابقًا- أن العالم سيكون أفضل من دونه. المعادلة سهلة بالنسبة له: أنا عنصر سلبي في هذا العالم، وإزالة العناصر السلبية تعطي نتائج إيجابية، ولا يخطر طبعًا على بال المنتحر كم الألم الذي سيخلفه وراءه.
كيف تبدأ الكلام عن الانتحار؟
إذا كنت قلقًا على سلامة شخص عزيز عليك، فليس من السهل طرح موضوع الانتحار، هذه بعض التوصيات التي اقترحتها هاغستاد:
1) اختر الوقت المناسب:
تقول هاغستاد: «احرص على اختيار الوقت الذي تستحوذ فيه على كامل اهتمامه» ليس من المناسب الحديث إليه وهو يعمل أو يستخدم هاتفه، اختر المكان والوقت المناسبين لإجراء هذا الحديث.
2) صارحه بملاحظاتك:
أخبره بما يثير قلقك، قُل مثلًا، «لاحظت أنك تقضي وقتًا طويلًا في غرفتك ولم تعد تجتمع مع أصدقائك كالسابق»، اجعل الأمر واقعيًا قدر الإمكان، كأنك تدعوه إلى التحدث بصراحة عن سبب تغيره.
3) تجنب وضعه في موقع الدفاع:
ليس من السهل التكلم عن الانتحار بالنسبة لمعظم الناس، ولن تساعد القسوة على جعل من تحب يفصحون عما في داخلهم، وقد يدفعهم الضغط ومطالبتهم بالإفصاح عن مشاكلهم إلى الانغلاق أكثر. وتنصح هاغستاد: «تقرب منهم بالحب والطيبة، ودعهم يعرفون أن قلقك صادر عن محبة».
المصدر:.ibelieveinsci