الدورة الـ 76 لجوائز "البافتا": تكافؤ الفرص مقابل الاستحقاق
وائل سعيد 26 فبراير 2023
تغطيات
أوستن باتلر وكيت بلانشيت أفضل ممثل وممثلة (دور رئيسي)
شارك هذا المقال
حجم الخط
في العام الماضي، أعرب كريشنيندو ماجومدار، رئيس جوائز "البافتا"، عن سعادته "بتسليط الضوء على عدد هائل من الأفلام والقصص المتنوعة". وكانت الجائزة قد اتّبعت خطّة من الإصلاحات الداخلية خلال السنوات الثلاث الماضية، ترتَّبت عليها زيادة عدد الأعضاء، وإجراء ما يقارب من 100 تعديل على لوائح الجائزة الشهيرة التي وصفت فيما قبل بـ "الأوسكار البريطاني" وتمنحها الأكاديمية البريطانيّة للسينما والتلفزيون.
كثيرًا ما اتُّهِمَت الجائزة، كغيرها، بالتعصُّب والعنصريّة، سواء على مستوى اللون أو العرق. وهذا العام تُفاجئ متابعيها بنتائج أثارت الجدل بين الأوساط السينمائيّة العالميّة، وأعلن عددٌ من كبار السينمائيين عن استيائهم بسبب خلوّ قوائم الفوز من ذوي البشرة السمراء، ونَعَتَها البعض بـ "ليلة الأحد البيضاء". وكان ماجومدار قد أدلى بتصريح لصحيفة "نيويورك تايمز"، يُفيد بأن اللجنة تهتمّ هذا العام بتحقيق تكافؤ الفرص لجميع الأفلام المرشحة على أن يكون المعيار الوحيد هو الاستحقاق.
أقيم حفل توزيع الجوائز في التاسع عشر من فبراير/ شباط الجاري، بقاعة الاحتفال الملكيّة بلندن العاصمة، وحضره الأمير وليام، ولي عهد العرش البريطاني، بعد انقطاع عامين، بصحبة زوجته. وقد تغيب أمير ويلز عن الدورتين السابقتين بسبب القيود الصحية وقت تفشي كورونا، ووفاة جده الأمير فيليب في المرة الثانية، وكان لحضور الأمير وزوجته صدى بين الجمهور الذين توجهت أنظارهم إلى إطلالات النجوم والمشاهير فوق السجادة الحمراء "الريد كاربت"، وهي المراسم المعتادة قبل بدء الحفل، وتحظى بأهميّة جماهيريّة تتجاوز أهميَّة الحفل نفسه.
حصل فيلم "كلّ شيء هادئ في الميدان الغربي" على نصيب الأسد من جوائز "البافتا"، مقتنصًا وحده ثماني جوائز كأفضل فيلم. وهي المرة الثانية في تاريخ "البافتا" التي يُكرَّم فيها فيلم ناطق بغير الإنكليزية بعدد كبير من الجوائز |
لا شيء يجمع بين فيلمي "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" و"جنيات إينيشيرين" سوى صعود نجمهما في حصد الجوائز الواحدة تلو الأخرى. ربما تكون المحطة القادمة مع جوائز الأوسكار، وهما من أكثر الأفلام المرشحة للفوز بقوة. ولكن بنظرة أخرى، نجد أن الفيلمين من أكثر الأفلام تمثيلًا للإنسان المعاصر، إنسان الأوبئة والحروب والتغير المناخي والهزات الأرضية والاجتماعية. يطرح الفيلم الألماني مأساة مراهق حلم بشرف الجندية، وتحايل حتى وصل إلى الصفوف الأولى من العدو، حيث يتورط في صراع على البقاء. وفي الجنيات نجرب اختبار أقصى درجة من عدم تقبل الآخر، والتي تجعل الصديق يقطع أصابعه إصبعًا إصبعًا كلما حاول صديقه جذب أطراف الحوار بينهما واختراق القطيعة المفروضة عليه دون سبب واضح.
حصل فيلم "كلّ شيء هادئ في الميدان الغربي" على نصيب الأسد من جوائز "البافتا"، مقتنصًا وحده ثماني جوائز كأفضل فيلم. وهي المرة الثانية في تاريخ "البافتا" التي يُكرَّم فيها فيلم ناطق بغير الإنكليزية بعدد كبير من الجوائز، وكانت الأولى مع فيلم "سينما باراديزو الجديدة" لتورناتوري عام 1988، وحتى تورناتوري نفسه لم يتعدَ فيلمه خمس جوائز "بافتا".
سيناريو الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الألماني، إريك ماريا ريمارك، الشهيرة التي تحمل العنوان نفسه. والعمل من إخراج إدوارد بيرغر وبطولة دانيال برول. وهذا الأمر لم يرُق لآراء بعض النقاد الألمان، الذين وجدوا أن الفيلم يُعد بمثابة طُعم مُرسل للأوسكار، خصوصًا وأن "البافتا" هي التنافس الأخير قبل الأوسكار، وكثيرًا ما تشابكت واختلطت نتائج الأكاديميتَيْن. على أي حال، فوز الفيلم بهذا العدد من الجوائز يعتبر خطوة هامة في تاريخ "نيتفلكس" الإنتاجي. ولا شك في أنَّ فرصة الفيلم كبيرة لنيل إحدى الجوائز في الأوسكار، وقد سبق لـ"نيتفلكس" أكثر من محاولة مع الأوسكار، إما بالترشح: مثل "قصة زواج" أو "الإيرلندي"، أو حين فاز فيلم "روما" سنة 2019 بأوسكار أفضل فيلم أجنبي. يأتي فيلم "جنيات إينيشيرين"، من تأليف وإخراج مارتن ماكدونا، في المركز الثاني من حيث عدد الجوائز، فقد حصل على أربع منها: أفضل سيناريو وأفضل فيلم بريطاني وأفضل ممثلة مساعدة. وذهبت الأخيرة للممثلة الإيرلندية، كيري كوندون، بعد أن نودي بالخطأ في البداية على اسم، كاري موليغان، بدلًا منها. فيما ذهبت جائزة أفضل ممثل مساعد رجال للممثل الشاب، باري كيوغان. وبخلاف كل التوقعات، لم تلتفت جوائز التمثيل لأداء كولين فاريل في دور الصديق غريب الأطوار، وقد كان متميزًا بحق. ربّما فرصة فاريل لم تنته بعد، فقد يكون على موعد قريبًا جدًا مع الأوسكار.
ذهبت جائزة أفضل ممثلة دور رئيسي للممثلة والمخرجة الأسترالية، كيت بلانشيت، عن دورها المميز في فيلم "تار"، من تأليف وإخراج تود فيلدمان. كانت بلانشيت من أقوى الأسماء المرشحة للتنافس على القائمة التي ضمت فيولا ديفيس ودانييل ديدويل وآنا دي ماراس وميشيل يوه وأيما طومسون. كما فاز الممثل الشاب، أوستن باتلر، بجائزة أفضل ممثل دور رئيسي عن فيلم "إلفيس" من إخراج باز لورمان عن حياة المغني الأميركي إلفيس بريسلي: وحصل الفيلم أيضًا على جائزتي أفضل ملابس وأفضل مكياج. فيما ذهبت جائزة أفضل نجم صاعد للممثلة الشابة، إيما ماكي، وهي الجائزة الوحيدة ضمن "البافتا" التي يتم فيها تصويت الجمهور.
لم يكن من الغريب أن يحصل فيلم "أفاتار... طريق الماء" على جائزة أفضل مؤثرات بصرية، وهو واحد من أضخم الإنتاجات السينمائية، إلا أن جائزة أفضل تصميم إنتاج كانت من نصيب فيلم "بابليون" |
لم يكن من الغريب أن يحصل فيلم "أفاتار... طريق الماء" على جائزة أفضل مؤثرات بصرية، وهو واحد من أضخم الإنتاجات السينمائية، إلا أن جائزة أفضل تصميم إنتاج كانت من نصيب فيلم "بابليون" من تأليف وإخراج داميان تشازيل وبطولة براد بيت. فيما حصد فيلم "وداعا أيتها الإيرلندية" على جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير، وهو من تأليف وإخراج مشترك لروس وايت وتوم بيركلي، وفيه يقدم المخرجان في قالب كوميدي ريف إيرلندا الشمالية، حين يجتمع شقيقان منفصلان بعد وفاة والدتهما.
في مسابقة التسجيلي حصل فيلم "نافالني" على جائزة أفضل فيلم وثائقي من إخراج دانيال روهر. يتتبع الفيلم قصة الرجل الذي نجا من محاولة اغتياله بالغاز، وهو المحامي والناشط السياسي الروسي أليكسي نافالني. اكتسب نافالني شهرة واسعة في وسائل الإعلام الروسية بصفته أحد المتصدين لفساد السلطة وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين. فيما حصلت المخرجة الشابة شارلوت ويلز على جائزة التميز للعمل الأول عن فيلمها "بعد الشمس"، إذْ يغوصُ الفيلم في أعماق المشاعر المتقلّبة للبطلة، صوفي، المتأرجحة بين الفرح والحزن، حين تستعيد عطلة قديمة قضتها مع والدها، وهي تحاول التوفيق بين الأب الذي تعرفه والرجل القابع داخل الصور الفوتوغرافية.
أما جائزة التحريك فذهبت لفيلم "بينوكيو" من إخراج ديل تورو، والذي أكد عقب الفوز بأن الرسوم المتحركة هي إحدى الوسائل التي لا يجب تجاهلها. يلعب الفيلم على الدمج بين الأسطورة والخيال، ويستخدم التحريك المجسم، مضيفًا بعدًا حركيًا فعّالًا، ليس على مستوى الكارتون وفقط، بل يشاكس به المخيلة الطفولية ويضيف للأسطورة القديمة، كأن يمتد أنف بينوكيو على سبيل، ويتحول إلى شجرة صغيرة جدًا. والكلُّ يعلم أن مشكلة بينوكيو كانت الكذب، الذي كلما اقترفه استطال أنفه.