فيليب سولرز في سيرته الذاتية: الإعجاب بالطغاة عارٌ للبشرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيليب سولرز في سيرته الذاتية: الإعجاب بالطغاة عارٌ للبشرية

    فيليب سولرز في سيرته الذاتية: الإعجاب بالطغاة عارٌ للبشرية
    جمال شحيّد 1 يناير 2023
    تغطيات
    فيليب سولرز خلال جلسة تصوير في باريس(12/ 9/ 2008/Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    قبل 15 عامًا، نشر الكاتب والناقد الفرنسي فيليب سولرز كتابًا بعنوان "رواية حقيقية، مذكرات" (دار غاليمار، سلسلة فوليو، 2007). وأنهى كتابه بهذه العبارة: "والآن، رواية" (ص 449). صحيح أنه يتكلم عن ولادته وطفولته وصباه ودراسته ومغامراته العاطفية وبداياته في جمهورية الآداب، ولكن الكتاب متابعة لأحداث القرن العشرين الكبرى، وللأجواء الثقافية والفكرية والسياسية العالمية، والفرنسية بخاصة.
    "من سيقول لاحقًا أنا ولجت هذا العالم البشري ظهر السبت الواقع في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 1936، في إحدى الضواحي القريبة من مدينة بوردو". وكان ينتمي إلى عائلة جوايو. ولأن بعض أطفال المدرسة كانوا يحورون اسمه إلى "بوايو" [مصران] فقرّر في سن الخامسة عشرة أن يُسمّى بـ"سولرز" تيمنًا بكلمة sollus [ماهر، حاذق] وars [فن] اللاتينيتين. وفي سن الحادية والعشرين، أصدر أول رواية له Une curieuse solitude [وحشة غريبة]، ظنّا منه أن "القلم يضاهي السيف". نحن في خضم الحرب العالمية التي "هزت العالم كله" [ص21] ودمّرت لندن كما دُمّرت قرطاجة: "في الثالثة ليلًا سمعنا صفارات الإنذار وهدير المدافع وأصوات التدمير فنزلنا إلى القبو عبر حديقة البيت" (ص25) ويستذكر بها ليل الحرب: الجنرال بيتان، ستالين، هتلر؛ وتنتهي هذه الحرب بالعودة من التهجير إلى مدينة بوردو وحضوره سمفونية "المسيح" لهاندل.
    ولم يَمِلْ إلى مهنة التعدين العائلية، بل قال: "لم أفعل قط سوى أن أقرأ وأن أكتب" (ص37)؛ وكَتب أكثر من 60 كتابًا في مجالات عديدة: الفن والموسيقى والشعر والرواية واللاهوت. وبقي اهتمامه الأساسي منصبًّا على إيطاليا، وعلى مدينة البندقية التي عشقها، شأنه شأن مارسيل بروست. وأكبّ على القراءة والتحصيل، ورأى أن الكتب هي "جزيرة الكنز" بالنسبة له. فقرأ جول فيرن، وفينيلون، وبالزاك بكامله، وبروست معلمه الأول، وبودلير، ورامبو، ولوتريامون، والسورياليين، وبونج، وبلانشو، وميشو، وبولان، وباتاي، ومورياك، وأراغون. ويذكر نصوص إهداءات بعض هؤلاء الكتّاب له: "إلى فيليب سولرز معشوق الجنيات" (بريتون)، "إلى فيليب سولرز، هذا الكتاب الصغير إهداء من أحد إخوته الكبار، مودتي" (أراغون)، "من بين الأحلام كلها، كانت الصداقة أجمل حلم. إلى فيليب سولرز آخر الوافدين وليس آخر الأحباء" (مورياك). ويستعرض علاقته برعيل الكتّاب الذين برزوا بعد الحرب العالمية الثانية: سارتر، آلان روب غرييه، جوليان غراك، مارغريت دوراس، كلود سيمون، ناتالي ساروت، جان جينيه، ميشيل ليريس، لويس فردينان سيلين، كلود سيمون، ناتالي ساروت...

    "كَتب سولرز أكثر من 60 كتابًا في مجالات عديدة: الفن والموسيقى والشعر والرواية واللاهوت. وبقي اهتمامه الأساسي منصبًّا على إيطاليا، وعلى مدينة البندقية التي عشقها"


    وعام 1960، يتفق سولرز مع دار سوي على إصدار مجلة أدبية شبابية هي "تيل كيل" [والاسم مقتبس من نيتشه] التي أصبحت لاحقًا منصة النقد البنيوي. وكتب فيها أدباء ونقاد كبار، من أمثال رولان بارت، وجورج باتاي، وميشيل فوكو، وجاك ديريدا، وتزفيتان تودوروف، وجيرار جينيت، وأمبرتو إيكو، وجوليا كريستيفا، وجاك لاكان، وجيل دولوز... وأطلقت دار سوي ـ إلى جانب المجلة ـ سلسلة من الكتب النقدية البنيوية التي طبعت النقد الأدبي قي القسم الثاني من القرن العشرين. وعام 1987، انتقلت إلى دار غاليمار تحت اسم L'infini. وهي التي عرّفت الجمهور الفرنسي بالشكلانيين الروس، وشجّعت ظاهرة "الرواية الجديدة"، وأطلقت العنان لقراءات حداثية للكتّاب الكلاسيكيين: راسين، لافونتين، هوميروس، بروست، ڨيّون، رامبو، دو ساد، دانتي...
    وعام 1966 ـ وبعد مغامرات عاطفية عديدة ـ يتعرّف سولرز على محللة نفسية بلغارية فرانكوفونية هاربة من الستار الحديدي هي جوليا كريستيفا، ويتزوجان ببساطة شديدة، ويرزقان عام 1975 بابن سمّياه دافيد، وعمّداه في الكنيسة. يقول عنها إنها أذكى امرأة عرفها، ويرى أنها تمثّل "العبقرية الأنثوية" (ص139)، وأنها مع دافيد يقبلان بوجوده معهما.
    ويعترف بأن ثورة 1968 الطلابية في فرنسا قد دفعته إلى تعلّم اللغة الصينية، وخلقت فوضى ماوية في أوساط الشباب الفرنسي والأوروبي، وهزت الإنتليجنسيا العالمية. أما الهزة الثانية في تلك الفترة فأحدثها انشقاق الكاتب الروسي ألكسندر سولجنيتسين، وانتخاب البابا البولوني يوحنا بولس الثاني، وسقوط جدار برلين. ويختصر أجواء السبعينيات السياسية بأسئلة شديدة الاقتضاب تركّز على إعادة النظر في التاريخ، فينعت حكم ستالين بالقرف، وهتلر بالهول، وميتران بالتوجّس. ويقول عن ماو إنه غول، ولكنه شاعر جيد، وخطاط متقن، ومخطط عسكري متميز. ويعترف بأن 20% من مقالات "تيل كيل" تناولت الشأن الصيني.
    "رواية حقيقية، مذكرات" للكاتب والناقد فيليب سولرز
    ويطلب منه أحد الصحافيين أن يزيره مكتبته خلال 8 دقائق، ويصوّرها للتلفزيون على الهواء، ويسخر سولرز من سطحية وسائل الإعلام، ومن مضيفة الطيران التي سألته عن اسمه لتتباهى بمعرفته أمام زميلاتها.
    ويتوقف مليًا عند ظاهرة الفلاسفة الجدد في فرنسا، وغوغائية برنار هنري ليفي BHL، الذي ما زال يسبّب لنفسه الشتائم، وعند خلو الساحة الأدبية والفكرية من بعض فرسانها، من خطف الموت بارت، وسارتر، ولاكان، وبوفوار، وفوكو، ودولوز، إبّان الثمانينيات. دفعه رحيل هؤلاء إلى فتح ألبوم صوره الشخصية، فقال: "هذا الأنا البالغ من العمر عشرين سنة لم يعد ذاك الأنا الآن، ولكنه أنا أكثر من أي وقت مضى. الأمر الأكثر صعوبة هو أن تولد فعلًا، وتبقى وتزول ثم تعود. نحن نكتب لنعود، ويتوقف الرهان على هذه العودة" (ص179).
    ويصف لنا جلساته الطويلة في أثناء كتابته روايته "نساء" عام 1983. ويبوح بالسر التالي: "ثمة موضوع واحد في جميع رواياتي تقريبًا: هنالك راوٍ يعيش حياة مزدوجة، لا بل ثلاثية الجوانب، وحياته رواية، فيجد نفسه شرطيًا سرّيًا يعمل لصالح نفسه، ويطّلع على أمور يجب ألا يعرفها (...). وتوصيفات مجتمع زمانه نقدية بامتياز، ولكنها تهكمية من دون أن تندرج في خانة الأخرويات. الشيطان غبي ومهووس وطهراني وتقيّ، ويبالغ في أذاه وذكائه مليارات ا
يعمل...
X