حصاد 2022 من كتب السياسة والتاريخ: قصص الطغاة والمُعذّبين
سناء عبد العزيز
تغطيات
(Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
أكثر ما يلفت الانتباه في كتب السياسة والتاريخ لهذا العام، ذلك التنوع الهائل لقصص الطغاة في كل زمان ومكان، وكأن الأرض تستنبتهم من تلقاء نفسها، في الوقت الذي لا يفوتها أن تزوّدنا ببذور المقاومة ممثلة في مجاهدين أشداء، ورائدات يتمتعن بروح أكثر صلابة من طبيعة أجسادهن الهشة، دفعن أثمانًا باهظة من أجل كشف الحقيقة وتوعية شعوبهن بما يجري تزييفه أو اقتطاعه عمدًا من سجل الصراع الإنساني. وكان لا بد لهذا اللون من التزييف من داعم أو أكثر لإنفاذ سلطانه، فوجد مبتغاه في الشركات التي تدير وسائل التواصل الإجتماعي ووعي العامة الذي ما يزال في عصرنا هذا بحاجة إلى إعادة تأهيل.
كاتبات في وجه الريح
للكاتبة مارينا هايد عمود ثابت في صحيفة "الغارديان" البريطانية يختص بالشؤون الجارية والمشاهير والرياضة، وهو ما قامت بتجميعه وتحريره في كتابها الفكاهي والجاد "ماذا حدث للتو؟! وفود من أزمنة مضطربة"، حتى أن المتابعين لمقالاتها الطريفة أعربوا عن شعورهم بالخديعة حين اشتروا نسخة الكتاب الذي قرؤوه مفرقًا، لولا أنها شكلت من أعمدتها رؤية متكاملة لأحداث السنوات الست الأخيرة، بدءًا من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 وفظائع دونالد ترامب وكوفيد -19، إلى ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون الذي أشبعته توبيخًا على طول مقالاتها بحسها الكوميدي الجريء. ويعتبر كتاب هايد بأكمله حسب رأي النقاد بمثابة مأدبة غنية بالمشاهير ومرتكبي الجرائم الجنسية في هوليوود والشعبويين وأبطال الرياضة وأباطرة الإعلام ونجوم السينما والمليارديرات وضباط الشرطة والأمراء والأميرات والمستشارين الأشرار، ما يجعل القارئ بدوره أحد المدعوين إلى تلك المأدبة، مع وعد حقيقي بكثير من المتعة والضحك والنكات الخارجة عن المألوف وأحيانًا غير اللائقة تمامًا.
ماريا ريسا هي الأخرى واحدة من أشهر الصحافيين في عصرنا. على مدى عقود، تحدّت الفساد والمخالفات في بلدها الفلبين، ما جعلها هدفًا لحكومتها الجديدة وعدوًا لأقوى رجل في بلدها: الرئيس رودريغو دوتيرتي، مع حقيقة تتويجها بجائزة "نوبل" للسلام 2021 عن تقريرها عن مضايقات نظام دوتيرتي. في كتابها "كيف تقف في وجه طاغية" تكشف ريسا عن الدور الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي في دعم الاستبداد في الفيلبين وفي كافة أنحاء العالم بسلطة الشركات التي تديرها، وكيف سمحت لمنصاتها بنشر الأكاذيب وتضليل الجميع، وما أفضى إليه من تسريع صعود المستبدين والديكتاتوريين في كل مكان. لقد خاضت ريسا حربًا لا هوادة فيها لأجل كشف الحقيقة وهي الآن متهمة بعدة جرائم، لعل أولها التشهير وتنتظر في أي لحظة أن يزج بها في السجن ولكنها تجبرنا عبر كتابها على طرح السؤال الذي تطرحه هي وزملاؤها كل يوم: ما الذي أنت على استعداد للتضحية به من أجل الحقيقة؟!
من داخل سجنها أجرت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي مقابلات مع 13 سجينة حول تجاربهن كسجينات رأي وناشطات في السجون الإيرانية والحبس الانفرادي المطول باعتباره انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، إلى جانب مضايقة وضرب الحراس لهن، وعصب العينين والحرمان من العلاج الطبي لتضمنه كتابها "التعذيب الأبيض" الذي يعتبر وثيقة مذهلة عن المقاومة والفساد في قلب النظام القانوني الإيراني المستمد عنفوانه من ساسة أوروبا. هؤلاء النساء لم يرتكبن أي جرائم تذكر حتى أن بعضهن محتجزات كورقة مساومة ليس إلا. أما سجينات الرأي، فمن خلال التعذيب النفسي، تأمل الدولة الإيرانية في إعادة تشكيل أرواحهن المتمردة وتأهيلهن مثل قطيع للتكيف مع الصمت.
سجون لم نختر أن نعيش فيها
بن ماكنتاير، المؤرخ البارع في الحرب العالمية الثانية، يقدم في كتابه "سجناء القلعة" القصة الحقيقية لواحد من أكثر السجون شهرة في التاريخ والمآثر الرائعة لأسرى الحرب الذين حاولوا بلا هوادة الهروب من السجن النازي سيئ السمعة شديد الحراسة، عبر سرد سينمائي مؤثر يشبه الهروب الكبير من سجين الكاتراز!
خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الجيش الألماني قلعة كولديتز الشاهقة لاحتجاز أسرى الحلفاء، وعلى مدار أربع سنوات، اختبر سجناء القلعة جدرانها وحراسها بمحاولات هروب بارعة تكاد تضارع الأساطير.
تشترك أسماء كولديتز الأكثر شهرة - مثل بات ريد الذي لا يقهر - في المجد مع شخصيات أقل شهرة ولكنها أبدت شجاعة لا تقل شأنًا مثل الطبيب الهندي بيريندرانات مازومدار الذي كانت معاملته السيئة وإضرابه عن الطعام وهروبه في نهاية المطاف ضربا من قصص الخيال.
في كتابها "هذه مرتنا الرابعة في الغرق"، تركز الأيرلندية سالي هايدن على شخصيات جربت طعم المخاطرة بكل شيء فقط للبقاء على قيد الحياة في نظام يجبرهم على الصمت والاختفاء. بدأ مشروع هايدن برسالة تلقتها عبر بريدها: "مرحبًا أخت سالي، نحتاج إلى مساعدتك، نحن في حالة سيئة في سجن ليبيا. إذا كان لديك وقت، يمكنني إخبارك بالقصة كاملة". وهكذا تدفقت إليها الرسائل من اللاجئين الذين لديهم قصص تستحق أن تروى، حكايات عن الاسترقاق والاتجار بالبشر في القرن الحادي والعشرين وتمويل الاتحاد الأوروبي للميليشيات الليبية، والتعذيب والقتل والسل والاعتداء الجنسي، والفساد داخل الأمم المتحدة، وإحباطات عمال الإغاثة، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التمويل الجماعي للحصول على فدية.
الأيام الخوالي ذهبت مع الريح
هل تقتفي الكتب السياسية أثر الرواية حين تستقرئ الأحداث بعد قرنٍ من الزمان؟ أم أن التاريخ هو الذي اعتاد على استنساخ نفسه؟ في كتابها "الغضب الآتي: ذهب مع الريح والأكاذيب التي تخبرنا بها أميركا" تعتمد سارة تشرشويل، أستاذة الأدب الأميركي، في تحليلها اللاذع لنفسية أميركا على رواية مارغريت ميتشل الأكثر مبيعًا "ذهب مع الريح"، لتفسير الانقسامات التي تمزق الولايات المتحدة في وقتنا الراهن، وكيف أثرت صناعة الأساطير في السياسات العنصرية والجندرية في أميركا، وعودة ظهور القومية البيضاء، وحركة "حياة السود مهمة"، وعنف الترامبية، حيث تبدأ تشرشويل كتابها بمشهد دامغ لأنصار دونالد ترامب وهم يقتحمون مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، ملوحين بأعلام المعارك الكونفدرالية.
فكرة الحنين إلى الماضي باعتباره الزمن الجميل ليست بجديدة على التكوين البشري، لكن الجديد بالفعل هو اتخاذها شكلًا مختلفًا سيما في بريطانيا؛ الجزيرة التي تحكمها النوستالجيا، فكيف وصلت بريطانيا إلى هذه المرحلة؟ من بين الكتب التي تحاول طرح هذا السؤال كتاب هانا روز وودز "القاعدة، الحنين: تاريخ بريطانيا بالعودة إلى الوراء".
لمئات السنين، حزن البريطانيون على فقدان هوياتهم القديمة وحثوا مواطنيهم على إحياء أساليب حياة "بسيطة" بداية من دعوة مارغريت تاتشر إلى العودة إلى "القيم الفيكتورية" في الثمانينيات، ودعوة ويليام بليك إلى مراقبي القرن السادس عشر الذين ينظرون بحزن إلى إنكلترا قبل اضطرابات الإصلاح. لكن هل كانت "الأيام الخوالي" جيدة كما نتذكرها؟ تبدأ هانا كتابها في عام 2021 وتعود إلى عام 1530، لرصد ذلك اللون من الحنين عبر أجيال متعددة لتخلص إلى أن ما نراه مهمًا أو غير مهم غالبًا ما يكون مرتبطًا باللحظة الراهنة أكثر من ارتباطه بالماضي الذي نلونه بعداساتنا الوردية.
يشكل المؤرخ البريطاني أنتوني بيفور في كتابه الجديد "روسيا: الثورة والحرب الأهلية 1917-1921" صورة كاملة للحرب الأهلية الروسية وكيف أثرت على مجرى التاريخ وحتى الأحداث التي تتكشف حاليًا في أوكرانيا، في سرد ملحمي ينقله بيفور من خلال عيون الجميع من العامل في شوارع بتروغراد إلى ضابط الفرسان في ساحة المعركة والطبيب في المستشفى مقدما بانوراما عن السنوات الخمس التي خلقت السوفييتات.
جواسيس على مستوى رفيع وآخرون هواة
في كتابه "التاريخ السري للعيون الخمس"، يحكي الكاتب وصانع الأفلام ريتشارد كرباج، المولود في ملبورن بأستراليا، القصة غير المروية لأقوى تحالف استخباراتي ظل محفوفًا بالسرية منذ تشكيله في عام 1956. ويتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. هذه المعلومات الخطيرة التي كشفت النقاب عن قصص التجسس والتدخل الروسي في منافسة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون على الرئاسة في عام 2016، وأثارت شكوكًا في مستقبل التحالف، حصل عليها كرباج عبر مقابلات شخصية مع قادة العالم بمن في ذلك رئيسًا الوزراء البريطانيان تيريزا ماي وديفيد كاميرون وأكثر من 100 مسؤول استخباراتي، وتمتد من حلقات التجسس النازية في الثلاثينيات إلى أحدث التطورات في أوكرانيا والصين.
على وتيرة مغايرة يكشف رجل الأعمال تشارلز سبايسر في كتابه الأول "قهوة مع هتلر" عن نوع آخر من الجاسوسية اضطلعت بها مجموعة من الهواة ليجنبوا بلادهم ويلات حرب وشيكة وليعملوا في الآن ذاته على حماية مصالحهم الاقتصادية.
اعتقد هؤلاء الدبلوماسيون أن من الحكمة تكوين رابطة للزمالة الأنجلو-ألمانية في بريطانيا في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، لترويض النازية الشرسة، بدلًا من مناطحتها، وذلك عن طريق إدماجها في مناسبات اجتماعية ومآدب ومؤتمرات وتبادلات ثقافية، وزيارات شبه رسمية بين شخصيات سياسية بريطانية معروفة ونازيين على مستوى رفيع، حتى ساد الاعتقاد أن بريطانيا استطاعت النجاة بنفسها، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية بعثر جهود هؤلاء وهدم الرابطة من أساسها. وإن ظل يحسب لهؤلاء الهواة تمكنهم من توفير أدق المعلومات الاستخباراتية عن العدوان المحيق ببلدهم، مقارنة بغيرهم من العملاء المحترفين.
حقيقة الطيب والشرس
يروي جون ميتشام، كاتب السيرة الذاتية الحائز على جائزة بوليتزر، حياة أبراهام لنكولن بأسلوبه الصحافي المتميز وعلى نحو مغاير لأي سيرة ذاتية سبق أن تناولته، وذلك في كتابه "ثمة ضوء هناك: أبراهام لنكولن والنضال الأميركي". يستكشف كتاب ميتشام كيف واجه لينكولن الانفصال وتهديدات الديمقراطية ومأساة العبودية لتوسيع إمكانيات أميركا. وكيف أن الرئيس المكروه الذي حكم دولة منقسمة ما زال لديه الكثير لنتعلمه في القرن الحادي والعشرين حيث تفشى الاستقطاب وتصاعدت الأزمات السياسية. يروي ميتشام قصة لنكولن منذ ولادته على حدود كنتاكي في عام 1809 إلى قيادته خلال الحرب الأهلية ثم إلى اغتياله المأساوي في مسرح فورد يوم الجمعة العظيمة 1865، متفحصًا صعوده، تعليمه الذاتي من خلال القراءة، حبه، نوباته من الاكتئاب، إخفاقاته السياسية، وإيمانه المستمر بأن العبودية يجب أن تنتهي.
على النقيض يتبنى العديد من الإيطاليين وجهة نظر متسامحة إلى حد ما عن ديكتاتورية بينيتو موسوليني. في كتابه "موسوليني في الأسطورة والذاكرة: أول دكتاتور شمولي"، يفسر بول كورنر، الفجوة المزعجة بين الذاكرة الشعبية والواقع القاسي لحكم موسوليني. في إيطاليا وأماكن أخرى، يوصف موسوليني بأنه زعيم قوي وحاسم وما يزال الناس يتحدثون عن "العديد من الأشياء الجيدة" التي قام بها. يتناول كورنر في كتابه فكرة تزييف الوعي أو عدم تأهيله، موثقَا أوجه القصور والفساد والعنف في نظام قمعي للغاية. لكن هذه الدراسة القصيرة لا تقتصر على تصحيح الأمور؛ إنها تسعى أيضًا للإجابة على السؤال عن سبب وجود حنين - ليس فقط في إيطاليا - إلى الحكم الديكتاتوري. على نفس المنوال يبدأ جون فوت كتابه "الدم والقوة: صعود وسقوط الفاشية الإيطالية" بحكاية عائلية: نقاش بهيج أثناء تناول الطعام تتذكر فيه جدته باعتزاز الحياة في ظل الديكتاتورية. أتذكر تناول الغداء على طاولة جدتي التي أشارت إلى إيطاليا في الثلاثينيات بتلك النكتة: على العشاء، سأل صبي صغير أبيه: "أبي، ما الفاشية؟" أجاب الأب: "اخرس وكل!" لتلخص له الحياة في كنف الفاشية بـ"غلق الفم" وعلى الرغم من عمل أجيال من المؤرخين، لا يزال الصمت قائمًا في إيطاليا بشأن نظام موسوليني الإجرامي. وبدلًا من الصمت وابتلاع الروايات التي نتغذى عليها أحيانًا، يتعمق فوت في الحياة الحقيقية للإيطاليين في ظل الفاشية، بكل تعقيداتها الفوضوية، أملًا منه في الكشف عن طاغية.
سناء عبد العزيز
تغطيات
(Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
أكثر ما يلفت الانتباه في كتب السياسة والتاريخ لهذا العام، ذلك التنوع الهائل لقصص الطغاة في كل زمان ومكان، وكأن الأرض تستنبتهم من تلقاء نفسها، في الوقت الذي لا يفوتها أن تزوّدنا ببذور المقاومة ممثلة في مجاهدين أشداء، ورائدات يتمتعن بروح أكثر صلابة من طبيعة أجسادهن الهشة، دفعن أثمانًا باهظة من أجل كشف الحقيقة وتوعية شعوبهن بما يجري تزييفه أو اقتطاعه عمدًا من سجل الصراع الإنساني. وكان لا بد لهذا اللون من التزييف من داعم أو أكثر لإنفاذ سلطانه، فوجد مبتغاه في الشركات التي تدير وسائل التواصل الإجتماعي ووعي العامة الذي ما يزال في عصرنا هذا بحاجة إلى إعادة تأهيل.
كاتبات في وجه الريح
للكاتبة مارينا هايد عمود ثابت في صحيفة "الغارديان" البريطانية يختص بالشؤون الجارية والمشاهير والرياضة، وهو ما قامت بتجميعه وتحريره في كتابها الفكاهي والجاد "ماذا حدث للتو؟! وفود من أزمنة مضطربة"، حتى أن المتابعين لمقالاتها الطريفة أعربوا عن شعورهم بالخديعة حين اشتروا نسخة الكتاب الذي قرؤوه مفرقًا، لولا أنها شكلت من أعمدتها رؤية متكاملة لأحداث السنوات الست الأخيرة، بدءًا من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 وفظائع دونالد ترامب وكوفيد -19، إلى ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون الذي أشبعته توبيخًا على طول مقالاتها بحسها الكوميدي الجريء. ويعتبر كتاب هايد بأكمله حسب رأي النقاد بمثابة مأدبة غنية بالمشاهير ومرتكبي الجرائم الجنسية في هوليوود والشعبويين وأبطال الرياضة وأباطرة الإعلام ونجوم السينما والمليارديرات وضباط الشرطة والأمراء والأميرات والمستشارين الأشرار، ما يجعل القارئ بدوره أحد المدعوين إلى تلك المأدبة، مع وعد حقيقي بكثير من المتعة والضحك والنكات الخارجة عن المألوف وأحيانًا غير اللائقة تمامًا.
"كتاب الناشطة الإيرانية نرجس محمدي "التعذيب الأبيض" يعتبر وثيقة مذهلة عن المقاومة والفساد في قلب النظام القانوني الإيراني المستمد عنفوانه من ساسة أوروبا" |
من داخل سجنها أجرت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي مقابلات مع 13 سجينة حول تجاربهن كسجينات رأي وناشطات في السجون الإيرانية والحبس الانفرادي المطول باعتباره انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، إلى جانب مضايقة وضرب الحراس لهن، وعصب العينين والحرمان من العلاج الطبي لتضمنه كتابها "التعذيب الأبيض" الذي يعتبر وثيقة مذهلة عن المقاومة والفساد في قلب النظام القانوني الإيراني المستمد عنفوانه من ساسة أوروبا. هؤلاء النساء لم يرتكبن أي جرائم تذكر حتى أن بعضهن محتجزات كورقة مساومة ليس إلا. أما سجينات الرأي، فمن خلال التعذيب النفسي، تأمل الدولة الإيرانية في إعادة تشكيل أرواحهن المتمردة وتأهيلهن مثل قطيع للتكيف مع الصمت.
سجون لم نختر أن نعيش فيها
بن ماكنتاير، المؤرخ البارع في الحرب العالمية الثانية، يقدم في كتابه "سجناء القلعة" القصة الحقيقية لواحد من أكثر السجون شهرة في التاريخ والمآثر الرائعة لأسرى الحرب الذين حاولوا بلا هوادة الهروب من السجن النازي سيئ السمعة شديد الحراسة، عبر سرد سينمائي مؤثر يشبه الهروب الكبير من سجين الكاتراز!
خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الجيش الألماني قلعة كولديتز الشاهقة لاحتجاز أسرى الحلفاء، وعلى مدار أربع سنوات، اختبر سجناء القلعة جدرانها وحراسها بمحاولات هروب بارعة تكاد تضارع الأساطير.
تشترك أسماء كولديتز الأكثر شهرة - مثل بات ريد الذي لا يقهر - في المجد مع شخصيات أقل شهرة ولكنها أبدت شجاعة لا تقل شأنًا مثل الطبيب الهندي بيريندرانات مازومدار الذي كانت معاملته السيئة وإضرابه عن الطعام وهروبه في نهاية المطاف ضربا من قصص الخيال.
في كتابها "هذه مرتنا الرابعة في الغرق"، تركز الأيرلندية سالي هايدن على شخصيات جربت طعم المخاطرة بكل شيء فقط للبقاء على قيد الحياة في نظام يجبرهم على الصمت والاختفاء. بدأ مشروع هايدن برسالة تلقتها عبر بريدها: "مرحبًا أخت سالي، نحتاج إلى مساعدتك، نحن في حالة سيئة في سجن ليبيا. إذا كان لديك وقت، يمكنني إخبارك بالقصة كاملة". وهكذا تدفقت إليها الرسائل من اللاجئين الذين لديهم قصص تستحق أن تروى، حكايات عن الاسترقاق والاتجار بالبشر في القرن الحادي والعشرين وتمويل الاتحاد الأوروبي للميليشيات الليبية، والتعذيب والقتل والسل والاعتداء الجنسي، والفساد داخل الأمم المتحدة، وإحباطات عمال الإغاثة، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التمويل الجماعي للحصول على فدية.
الأيام الخوالي ذهبت مع الريح
هل تقتفي الكتب السياسية أثر الرواية حين تستقرئ الأحداث بعد قرنٍ من الزمان؟ أم أن التاريخ هو الذي اعتاد على استنساخ نفسه؟ في كتابها "الغضب الآتي: ذهب مع الريح والأكاذيب التي تخبرنا بها أميركا" تعتمد سارة تشرشويل، أستاذة الأدب الأميركي، في تحليلها اللاذع لنفسية أميركا على رواية مارغريت ميتشل الأكثر مبيعًا "ذهب مع الريح"، لتفسير الانقسامات التي تمزق الولايات المتحدة في وقتنا الراهن، وكيف أثرت صناعة الأساطير في السياسات العنصرية والجندرية في أميركا، وعودة ظهور القومية البيضاء، وحركة "حياة السود مهمة"، وعنف الترامبية، حيث تبدأ تشرشويل كتابها بمشهد دامغ لأنصار دونالد ترامب وهم يقتحمون مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، ملوحين بأعلام المعارك الكونفدرالية.
"بدأ مشروع الأيرلندية سالي هايدن برسالة تلقتها عبر بريدها: "مرحبًا أخت سالي، نحتاج إلى مساعدتك، نحن في حالة سيئة في سجن ليبيا..." وهكذا تدفقت إليها الرسائل من اللاجئين... حكايات عن الاسترقاق والاتجار بالبشر في القرن الحادي والعشرين وتمويل الاتحاد الأوروبي للميليشيات الليبية، والتعذيب والقتل والسل والاعتداء الجنسي، والفساد داخل الأمم المتحدة" |
لمئات السنين، حزن البريطانيون على فقدان هوياتهم القديمة وحثوا مواطنيهم على إحياء أساليب حياة "بسيطة" بداية من دعوة مارغريت تاتشر إلى العودة إلى "القيم الفيكتورية" في الثمانينيات، ودعوة ويليام بليك إلى مراقبي القرن السادس عشر الذين ينظرون بحزن إلى إنكلترا قبل اضطرابات الإصلاح. لكن هل كانت "الأيام الخوالي" جيدة كما نتذكرها؟ تبدأ هانا كتابها في عام 2021 وتعود إلى عام 1530، لرصد ذلك اللون من الحنين عبر أجيال متعددة لتخلص إلى أن ما نراه مهمًا أو غير مهم غالبًا ما يكون مرتبطًا باللحظة الراهنة أكثر من ارتباطه بالماضي الذي نلونه بعداساتنا الوردية.
يشكل المؤرخ البريطاني أنتوني بيفور في كتابه الجديد "روسيا: الثورة والحرب الأهلية 1917-1921" صورة كاملة للحرب الأهلية الروسية وكيف أثرت على مجرى التاريخ وحتى الأحداث التي تتكشف حاليًا في أوكرانيا، في سرد ملحمي ينقله بيفور من خلال عيون الجميع من العامل في شوارع بتروغراد إلى ضابط الفرسان في ساحة المعركة والطبيب في المستشفى مقدما بانوراما عن السنوات الخمس التي خلقت السوفييتات.
جواسيس على مستوى رفيع وآخرون هواة
في كتابه "التاريخ السري للعيون الخمس"، يحكي الكاتب وصانع الأفلام ريتشارد كرباج، المولود في ملبورن بأستراليا، القصة غير المروية لأقوى تحالف استخباراتي ظل محفوفًا بالسرية منذ تشكيله في عام 1956. ويتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. هذه المعلومات الخطيرة التي كشفت النقاب عن قصص التجسس والتدخل الروسي في منافسة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون على الرئاسة في عام 2016، وأثارت شكوكًا في مستقبل التحالف، حصل عليها كرباج عبر مقابلات شخصية مع قادة العالم بمن في ذلك رئيسًا الوزراء البريطانيان تيريزا ماي وديفيد كاميرون وأكثر من 100 مسؤول استخباراتي، وتمتد من حلقات التجسس النازية في الثلاثينيات إلى أحدث التطورات في أوكرانيا والصين.
على وتيرة مغايرة يكشف رجل الأعمال تشارلز سبايسر في كتابه الأول "قهوة مع هتلر" عن نوع آخر من الجاسوسية اضطلعت بها مجموعة من الهواة ليجنبوا بلادهم ويلات حرب وشيكة وليعملوا في الآن ذاته على حماية مصالحهم الاقتصادية.
اعتقد هؤلاء الدبلوماسيون أن من الحكمة تكوين رابطة للزمالة الأنجلو-ألمانية في بريطانيا في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، لترويض النازية الشرسة، بدلًا من مناطحتها، وذلك عن طريق إدماجها في مناسبات اجتماعية ومآدب ومؤتمرات وتبادلات ثقافية، وزيارات شبه رسمية بين شخصيات سياسية بريطانية معروفة ونازيين على مستوى رفيع، حتى ساد الاعتقاد أن بريطانيا استطاعت النجاة بنفسها، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية بعثر جهود هؤلاء وهدم الرابطة من أساسها. وإن ظل يحسب لهؤلاء الهواة تمكنهم من توفير أدق المعلومات الاستخباراتية عن العدوان المحيق ببلدهم، مقارنة بغيرهم من العملاء المحترفين.
حقيقة الطيب والشرس
يروي جون ميتشام، كاتب السيرة الذاتية الحائز على جائزة بوليتزر، حياة أبراهام لنكولن بأسلوبه الصحافي المتميز وعلى نحو مغاير لأي سيرة ذاتية سبق أن تناولته، وذلك في كتابه "ثمة ضوء هناك: أبراهام لنكولن والنضال الأميركي". يستكشف كتاب ميتشام كيف واجه لينكولن الانفصال وتهديدات الديمقراطية ومأساة العبودية لتوسيع إمكانيات أميركا. وكيف أن الرئيس المكروه الذي حكم دولة منقسمة ما زال لديه الكثير لنتعلمه في القرن الحادي والعشرين حيث تفشى الاستقطاب وتصاعدت الأزمات السياسية. يروي ميتشام قصة لنكولن منذ ولادته على حدود كنتاكي في عام 1809 إلى قيادته خلال الحرب الأهلية ثم إلى اغتياله المأساوي في مسرح فورد يوم الجمعة العظيمة 1865، متفحصًا صعوده، تعليمه الذاتي من خلال القراءة، حبه، نوباته من الاكتئاب، إخفاقاته السياسية، وإيمانه المستمر بأن العبودية يجب أن تنتهي.
على النقيض يتبنى العديد من الإيطاليين وجهة نظر متسامحة إلى حد ما عن ديكتاتورية بينيتو موسوليني. في كتابه "موسوليني في الأسطورة والذاكرة: أول دكتاتور شمولي"، يفسر بول كورنر، الفجوة المزعجة بين الذاكرة الشعبية والواقع القاسي لحكم موسوليني. في إيطاليا وأماكن أخرى، يوصف موسوليني بأنه زعيم قوي وحاسم وما يزال الناس يتحدثون عن "العديد من الأشياء الجيدة" التي قام بها. يتناول كورنر في كتابه فكرة تزييف الوعي أو عدم تأهيله، موثقَا أوجه القصور والفساد والعنف في نظام قمعي للغاية. لكن هذه الدراسة القصيرة لا تقتصر على تصحيح الأمور؛ إنها تسعى أيضًا للإجابة على السؤال عن سبب وجود حنين - ليس فقط في إيطاليا - إلى الحكم الديكتاتوري. على نفس المنوال يبدأ جون فوت كتابه "الدم والقوة: صعود وسقوط الفاشية الإيطالية" بحكاية عائلية: نقاش بهيج أثناء تناول الطعام تتذكر فيه جدته باعتزاز الحياة في ظل الديكتاتورية. أتذكر تناول الغداء على طاولة جدتي التي أشارت إلى إيطاليا في الثلاثينيات بتلك النكتة: على العشاء، سأل صبي صغير أبيه: "أبي، ما الفاشية؟" أجاب الأب: "اخرس وكل!" لتلخص له الحياة في كنف الفاشية بـ"غلق الفم" وعلى الرغم من عمل أجيال من المؤرخين، لا يزال الصمت قائمًا في إيطاليا بشأن نظام موسوليني الإجرامي. وبدلًا من الصمت وابتلاع الروايات التي نتغذى عليها أحيانًا، يتعمق فوت في الحياة الحقيقية للإيطاليين في ظل الفاشية، بكل تعقيداتها الفوضوية، أملًا منه في الكشف عن طاغية.