ابن الهيثم
أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم
[ ٣٥٤ _ ٤٣٠ / ٩٦٥ _ ١٠٣٩ م ]
ولد في البصرة سنة ٣٥٤ هـا ونشأ ، وبدأ تعلمه في مدارسها ، وقد بقي في هذه المدينة حتى أتم تحصيله وبدأت ملامح عبقريته تظهر الوجود ، وبدأ أمره في الظهور ، وأخذت شهوته تتسع وتنمو في مدينته ، وقد تسلم في البصرة عدة وظائف منها الكتابة لبعض ولاة المدينة ، إلا أن العمل الوظيفي لم يتساير مع ميوله وأهوائه مما دفعه إلى تركه منقطعاً إلى العلم والتأليف ، فقد كان كثير الأسفار ، سافر إلى الأهواز متكسباً لعيشه ، وزار بغداد عدة مرات ، وقد قامت شهرته في الهندسة في حينها وفاقت كل حد إلى آذان الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حكم بين سنتي ٩٦٦ . فتاقت نفسه لرؤيته ، وخصوصاً حينما بلغه من اتقان ابن الهيثم للعلوم، وخصوصاً الهندسة واستناداً لقوله المشهور : « لو كنت في نيلها عملا يحصل به النفع ، فقد بلغني أنه ينحدر من موضع عال وهو في طرف الإقليم المصري أرسل الحاكم سراً وفداً إليه مع مبلغ من المال ، ورغبة في الحضور إليه ، وما لبث ابن الهيثم أن سافر إلى مصر للإلتحاق بخدمته، ، حتى وصلت لعملت بادر
ولما وصلها خرج الحاكم للقائه وتم اللقاء في قرية الخندق على باب القاهرة ، وأمر الحاكم بإنزال ابن الهيثم وإكرامه ، وبعد دخوله القاهرة وإقامته فيها مدة للراحة استدعاه الحاكم وطالبه بتنفيذ ما وعد به من أمر النيل ، وقد أرفقه بجماعة من الصناع والمتولين للعمارة ، ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له ، وكان مطمح ابن الهيثم بناء سد
ينظم ري مصر . سار ابن الهيثم وركبه في اقليم مصر بطوله ، حتى وصل إلى الموضع الذي يعرف بالجنادل جنوب أسوان ، وهو موضع ينحدر منه ماء النيل ، فأجرى هناك حساباته واختباراته ، ولكنه أخفق في تطبيق نظرياته « ووجد أمره لا يمشي على موافقة مراده » ، وكان في بعثته هذه قد تبين أن الأقدمين من ساكني وادي النيل من الأمم الخالية قد أتقنوا الهندسة ، ووضعوها على غاية من إحكام الصنعة وجودها وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومثالات هندسية وتصوير معجز ، مما تحقق له أن الذي قصده ليس بمكن ، ولو كان ممكناً لكان الأقدمون قد سبقوه بتنفيذه ، فانكسرت همته ووقف خاطره . . عاد ابن الهيتم إلى القاهرة معتذراً من الحاكم ، لخطأه في التقدير ، وقد عذره الحاكم وعينه في بعض الدواوين ، وقد تولاه رهبة من الحاكم لا رغبة فيه مبلغاً ليعيش منه ورغم ذلك فإن الحاكم عامله بالرفق واللين والاكرام والاحترام .
إلا أن ابن الهيثم خشي تبدل قلب الحاكم عليه ، وهو المعروف بتقلب الرأي والإقدام على سفك الدماء ، وفكر في الحل ، فكان أن تظاهر بالجنون ، مما سبب حجره والحجز على أملاكه ، وقد ترك له
عن بقي حال ابن الهيثم هكذا حق غيبة الحاكم الغامضه ، وبعد تحقق وفاته بفترة بسيرة ، أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه ، وقد أفرج أملاكه واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر ، وأقام بها متنسكا واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة ، وكان يقتات من ثمن ما يخطط وينسخ . ولم تكن اقامته بمصر مدعاة للسرور بالنسبة إليه ، فغادرها إلى إلى بغداد ، وقد تحققت إقامته في بغداد أول عام ٤١٨ هـ ، إلا أنه عاد لمصر ثانية وتوفي فيها حوالي عام ٤٣٠ ٥ / ١٠٣٩ م .
لقد عرف ابن الهيثم بالزهد والبعد عن ترف الدنيا وجاهها ، محباً الحياة العزلة والزهد وكفاف العيش ، والتجرد عن الشواغل التي تمنعه عن العلم والبحث ، فقد كان رائده العلم وإيثار الحق ، وقد قال : « إني از دريت عوام الناس ، واستخففت بهم ، ولم ألتفت إليهم ، واستنهيت إيثار الحق وطلب العلم ، واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا شيئا أجود ولا أشد قربة إلى الله من هذين الأمرين
وقد عمل ابن الهيثم بالطب وخصوصاً في العينية ، فوصف العين وأعطى أقامها مسميات ما تزال تستعمل في العالم ، وكان رائداً في هذا المضمار ، ونتيجة عمل ابن الهيتم الذي آثره ومارسه زمنا طويلا ، فقد قرأ وتدير ودرس کتب سابقيه ، فعلق عليها وشرحها ، ووضع تصانيف بمؤلفاته الخاصة
وقد تناول إضافة للطب الكثير من الموضوعات العلمية والعلوم الفعلية ، فطرق الحساب ، والحساب الهندي ( الترقيم ، والجبر والمقابلة والهندسة والمثلثات ، وحساب المعاملات ، ووضع كتابا في تعلم الرياضيات ، وكذلك له كتب في الفلك والطبيعيات وفي الجغرافية
والطب والصيدلة ، وصنف كتاباً في المنطق ، وفي الفلسفة العقلية ، وفي علم الكلام وما وراء الطبيعة ، وفي السياسة والأخلاق والأدب ، لكن أهم منجزاته العلمية كانت في البصريات فهو لم يكتف بدراسة العين والرؤيا وتشريحها، وتسمية أجزائها ، فهو الذي وضع اسم الشبكيه ، والقرنية ، والسائل الزجاجي ، والسائل الماني ، وفسر آلية الرؤيا ، وكان أول من أشار إلى أن الرؤيا تتم من انعكاس شعاع صادر عن الجسم إلى العين ، بعكس النظريه التي كانت قائمة قبله من أن الرؤيا تتم بشعاع يرسل من العين إلى الجسم المرئي .
ووضع كتاباً سماه ( المناظر ، وهو في الضوء ، ترجم إلى اللاتينية ونشر عدة مرات ، وبين وظيفة كل قسم في العين ، وبين كيف ننظر إلى الأشياء في العينين ، وأن الخيال المرئي يسقط على الشبكة في محلين متماثلين من الشبكية ، وأن الشبكية تنقل التأثير إلى المخ . وقد عرف ابن الهيثم خواص العدسات وكان ممهداً لاختراع العدسات
المصححه لعيوب الرؤيا وقد بين أن الفجر يبدأ حينما تكون الشمس على تسعة عشر درجة ، تحت الأفق قبل شروقها ، وأن الشفق يتلاشى حينما تصبح الشمس على تسع عشرة درجة تحت الأفق بعد غيابها ، وقد حاول أن يقيس طبقة الهواء ، وقال أنها تساوي بالعلو « زهاء عشرة أميال وقدم تعليلاً صحيحاً لاتساع حجم الشمس والقمر في الرؤيا ، وهما عند الأفق ، وفسر ظاهرة قوس قزح ، والهالة والكسوف والخسوف واختبر انكسار الأشعة الضوئية داخل الأوساط الشفافة ، كالماء أن وبين سرعة الضوء كبيرة جداً حتى لتظهر أنها متناهية ،، والهواء
تعليق