اطرش (فريد)
Al-Atrash (Farid-) - Al-Atrach (Farid-)
الأطرش (فريد ـ)
(1915 ـ 1974)
مُغنٍ وملحن وممثل سينمائي غنائي، سوري الأصل والمنشأ، ولد في القْرَيَّة في محافظة السويداء وتوفي في بيروت.
كان فريد منذ صغره مهذباً وكريماً. فعندما كان يلاعب أترابه في ساحة القرية لعبة «الدَّحَل» (الكِلّة الصغيرة) ويربح، كان يرق قلبه إذا بكى الخاسر فيعيد إليه ما خسره. وعندما انتقل عمل والده الأمير فهد إلى بلدة حاصبيا في لبنان، كان فريد صبياً يافعاً يتتبع أنباء القتال بين الرجال الوطنيين وقوات الاستعمار الفرنسي فيؤلف الروايات الوطنية ويجمع أولاد حارته ويوزع عليهم الأدوار التمثيلية ويصوغها حوارات غنائية ثم يدعو أهل الحارة كبيرهم وصغيرهم لمشاهدة هذه التمثيليات التي كان معظمها وطنياً يندد بالمستعمر مما كان يسبب إحراجاً لوالده بحكم وظيفته الرسمية.
بدأ فريد حياته الموسيقية عندما كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية (الفْرير) في القاهرة، فكان يغني في الإذاعات المحلية الخاصة غير عابئ بمتابعة الدراسة، وأدى به الأمر إلى فصله من تلك المدرسة والتحاقه بمدرسة أخرى أنهى فيها دراسته الابتدائية، ثم التحق بالنادي الموسيقي الشرقي وبدأ ينتقل بين الملاهي والصالات الموسيقية مؤدياً بعض الأغاني فيها كصالة بديعة مصابني التي كان كثير التردد عليها. وكان كلما اختلف مع صاحبة الصالة يترك فرقتها ليعمل عازفاً في فرق استعراضية أخرى، ثم لا يلبث أن يعود إليها. وتعرّف في أثناء ذلك كثيراً من المطربين والملحنين، وكان من أساتذته رياض السنباطي الذي علمه العزف على العود، والملحن اللبناني فريد غصن الذي كان يضع له ولشقيقته أسمهان ألحان الأغاني التي غنياها في بدء حياتهما الفنية.
لم يُتح لفريد أن يدرس الموسيقى دراسة علمية منتظمة، ولكنه كان موهوباً، كثير الاعتماد على الإلهام والحس الموسيقي، وقد ضمّن موسيقاه كثيراً من الألحان الغربية. ومع ذلك فإن أموراً عدة ساعدته في انطلاقته الموسيقية الفنية، منها الجو الفني الذي عاش في وسطه، وموهبته، ودفء صوته، ومهارته في العزف على العود، وعذوبة صوت أسمهان التي لحن لها بعض أغانيها، يضاف إلى ذلك تأثير عدد من كبار الموسيقيين الذين كانوا يترددون على المجالس الموسيقية والأدبية في بيت والدته، ومن هؤلاء: داود حسني، ومحمد القصبجي، وفريد غصن. وفي هذه الأجواء الفنية المختلفة نَمَت معارف فريد الموسيقية واكتسب خبرات علمية أغنت ثقافته الموسيقية وعوضته عن الدراسات الأكاديمية التي افتقدها. ونقل ألحانه من موسيقى التخت الشرقي [ر. الفرقة الموسيقية] إلى الموسيقى الحديثة مستعيناً بألوان التوزيع الآلي في أغانيه مثل: «يا زهرة في خيالي» و«لحن الخلود» و«حكاية غرامي». وقد برَّز فريد في الأغنية الخفيفة والشعبية واختص بألوانهما مستفيداً من الألحان والأغاني الشعبية السورية التي كان يحفظها في طفولته، مما جعل لأغانيه مسحة فنية جديدة في الأوساط الموسيقية السائدة آنذاك. وكانت أغنية «يا ريتني طير» أول أغنياته التي انطلق منها وكان لها نصيب في شهرته، وهي من ألحان الملحن السوري مصطفى اللبابيدي. وبنقل الأغنية السورية إلى مصر يكون فريد قد أسهم في توحيد الثقافة الموسيقية العربية.
أتاحت السينما العربية مجالاً كبيراً لمواهب فريد الأطرش الموسيقية والفنية، فوضع لها الموسيقى الغنائية والراقصة والمرافقة منذ بداية الأربعينات وقام بتلحين لوحات استعراضية غنائية راقصة أطلق عليها اسم «أوبريت» [ر.الأوبرا] خطأً مثل «أوبريت انتصار الشباب» و«أوبريت بساط الريح». ومن أشهر هذه الأفلام: «انتصار الشباب» الذي شارك ببطولته أسمهان وأنور وجدي، وقد اختتمت حوادث هذا الفيلم باستعراض غنائي هو «ليالي الأنس» الذي كان الأول من نوعه، وفيلم «حبيب العمر» الذي قامت بدور البطولة فيه إلى جانب فريد الراقصة سامية جمال، وفيلم «لحن الخلود» الذي التقى فيه مع فاتن حمامة، وفيلم «غرام وانتقام» بطولة يوسف وهبي وأسمهان، وقد لحّن فريد فيه ثلاث أغنيات هي: «ليالي الأنس» و«أنا أهوى» و«يا ديرتي مالك علينا لوم»، وفيلم «نغم في حياتي» الذي كان نهاية أفلامه إذ قام بتمثيل آخر لقطاته قبل شهرين من وفاته. وقد فاق عدد الأفلام، التي أسهم فيها تمثيلاً وبطولةً أو إنتاجاً أو وضع موسيقاها، الثلاثين.
توصف أغاني فريد وألحانه بغنى العاطفة الجياشة، ويترجح أسلوبه فيها بين المرح والنواح والتأسّي. ولعل مرد ذلك إلى حياته الاجتماعية القلقة وتجاربه العاطفية الملأى بالعذاب والإخفاق. فقد أحب فريد نساء كثيرات منهن مطربات وممثلات سينمائيات وراقصات. كما اشتهرت قصة غرامه بالملكة السابقة ناريمان، زوجة الملك فاروق، فكانت حديث المجتمعات والصحافة آنذاك. وقد غنى لها «جميل جمال» و«نورا يانورا» وهو اسم تحبب لناريمان. ولم يتزوج فريد لأنه كان يؤمن بأن الحب يولّد الانفعالات فيخلق الإحساس المرهف ويغذي كيان الفنان وعقله وروحه. وأما الزواج، في نظره، فيقتل الحب وهو «بَلْوة الحياة»، فكانت عواطفه موزعة بين أكثر من محبوبة، وكانت جميع مغامراته العاطفية تنتهي إلى الإخفاق. وقد أصبحت أغنيته الشهيرة «حبيب العمر» شعاراً له في حبه. كان كثير التنقل بين القاهرة وبيروت ودمشق بقصد العمل والاستجمام. وقد لاقت أغانيه وألحانه ومؤلفاته الموسيقية استحساناً واسعاً لحداثتها، ولما فيها من عفوية وذوق موسيقي مرهف استطاع بها أن يحتفظ بحب الجماهير له ولفنه. وتُعد أغانيه التي لحَّنها لشقيقته أسمهان في أجمل ألحانه مثل: «نويت أداري ألامي» و«عليك صلاة الله وسلامه» و«رجعت لك يا حبيبي»، إضافة إلى أغاني فيلمي «انتصار الشباب» و«غرام وانتقام».
ومع كون فريد الأطرش مغنياً وملحناً، فإنه يعد عازفاً ماهراً على العود يعرف كيف يثير إعجاب مستمعيه بأدائه المتميز.
ـ كتاب حكايات النجوم (فريد الأطرش) (المكتبة الحديثة، بيروت).