الفارابي :
( ٢٥٩ - ٣٣٩ هـ / ٨٧٣ - ٧٥٣ م )
محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان أبو نصر
اختلف المؤرخون في نسب الفارابي وادعته أكثر من جهة إلى نفسها فالأتراك قالوا عنه بأنه من أصل تركي ، والإيرانيون قالوا عنه إيراني ، وفوق هؤلاء قال العرب بأنه فيلسوف عربي ، وبصرف النظر عن النظرة القومية العرقية الضيقة ، لنا أن نقول بأنه كان من أصل خراساني ، وخراسان كانت قطعة من ديار الخلافة العباسية ، امتزجت فيها ة أعراق في بوتقة العروبة والإسلام ، وعليه فالفارابي تيمت بأصله إلى الاسلام، وبثقافته ونتاجه إلى الحضارة الاسلامية ، قيل عنه كان تركي الأصل جاء من قرية فارياب التركية ، بينما ذكرت روايات أخرى بأن أباه كان فارسي الأصل ، سكن فارياب التركية فنسب ابنه إليها ، وذهب ابن النديم في الفهرس إلى أنه جاء من فارياب الخراسانية ، والمرجح هو الرواية الأخيرة ، فولادته كانت في بلدة وسيج القريبة من فارياب ، ويظن أن ولادته حصلت عام ٢٥٩ هـ لأنه عاش ثمانين عاماً ، وتوفي عام ٣٣٩ هـ ، وهناك خلاف حول مكانة أبيه فالبعض يقول أن والده كان قائداً عسكرياً والبعض الآخر يذهب إلى أنه كان جندياً فقيراً . ومهما يكن الحال فقد نشأ الفارابي في أطراف خراسان ، وظل هناك
مع بغداد ، يعيش أربعين سنة من عمره ، ثم انتقل الفارابي والده من بلدته إلى حيث أخذ علومه العربية على يد أبي بكر محمد بن سهل النحوي المعروف بابن السراج ( ت ٥٣١٦ / ٩٢٩ ) ودرس الطلب على يد الطبيب يوحنا بن حيلان ، والفلسفة على يد أبي بشر متى بن يونس (ت ۳۲۸ هـ ٩٤٠ م ) ، واثر دخول القائد الديلمي توزون الى بغداد ، ومقتل الخليفة المتقي [ ٢٩ ۳۲۹ - ٥٣٣٣۳ ] كثرت الفتن في العراق، فسافر الفارابي الى حران، ثم ييم شطر دمشق عام ۳۳۰ هـ ، وقد اشتغل حارساً في بستان معرضاً عن الوظائف التي عرضت عليه ، ثم انتقل الى حلب حيث لزم بلاط سيف الدولة وأصبحت حلب مقامه الدائم . وخلال اقامته بحلب سافر الفارابي الى مصر عام ( ۳۳۷ - ۳۳۸ هـ ) ثم سافر مع سيف الدولة الى دمشق عام ٣٣٩ حيث توفي في رحلته هذه في دمشق في رجب عام ٣٣٩ ٥ ، ودفن في مقبرة باب الصغير ، وقد حزن عليه سيف الدولة ، واكراماً له صلى عليه مع بعض خاصته . اشتغل الفارابي في القضاء أول عمره ، الا أنه تفرغ للعلوم وأصبح زاهداً في الدنيا ، لا يحفل بزيه أو هيئته ، لذلك كان رث الثياب ، تركي الزي ، أشعث الشعر ، وكان لا يحفل بما يغدقه عليه سيف الدولة وكان يكتفي بأربعة دراهم في اليوم لسد رمقه ، ولشراء ما يحتاجه من
ورق وأدوات كتابه . يروى بأن الفارابي أتقن الكثير من اللغات ، وقد بات مقرراً معرفته للعربية والتركية والفارسية وربما اليونانية ، وأن البعض يشكك في معرفته بها ، نظراً لأخطائه في شرح بعض الكلمات اليونانية ، وعـــــدد بعض الأوائل سبعين لغة للفارابي قالوا بأنه عرفها ، لكن هذا ضرب من الخيال وفيه مبالغه كبيرة.
من كتاب النفس هي كانت مرحلة التفتح نحو النضج بالنسبة للفارابي عندما دخل بغداد للمرة الأولى عام ۳۱۰ ھ ، وكان عمره يقارب الخمسين وهو لم يتخذ بغداد داراً بل توجه الى حران حيث بدأ بدراسة الفلسفة ، ثم زار بغداد ثانية حيث تابع دراسة علوم الفلسفة ، وقد وجد على نسخة لأرسطو عبارة بخطه ه اني قرأت هذا الكتاب مائة مرة ، ويقال أنه قرأ و السماع الطبيعي لأرسطو أربعين مرة ، وشعر بأنه مازال محتاجاً إلى معاودة قراءته . .
وعلى الرغم من كثرة رحلاته ، وموته في دمشق نجد أن معظم مؤلفات الفارابي كانت في بغداد ، حيث عاش فيها ما يقرب العشرين عاماً ونظراً لما حصله وأعطاه في ميادين الفلسفة عده الناس المعلم الثاني بعـد أرسطو الذي عرف باسم المعلم الأول ، وقد وصفه الغزالي بأنه من الناقلين ، واعتبره ابن طفيل من كثيري الشكوك والتناقض ، أما ابن رشد فيعتبر فلسفته من الخرافات منسوبة الى الفلاسفة اليونان ونقولا عنهم ، وقد وقع أخطاء المترجمين الذين ترجموا كتب الفلاسفة ونسبوا بعضها لغير أهلها وحشوها بالكثير من الغريب ، لهذا ضللوا الفارابي ، حتى أن بعض الكتاب قرأها وعلق عليها على أنها لأرسطو ولكنها بالحقيقة كانت لأفلاطون أو أفلوطين . الفارابي في
وهذا لا يقلل من أهمية الفارابي ، فأصالته وعقله مكناه من التربع على عرش الفكر الفلسفي الاسلامي ، وليس غلوا القول بأن مامن فكرة في تاريخ الفلسفة الإسلامية إلا ووجدت جذورها الفارابي ، ويعتبر الفارابي من الفلاسفة أتباع المدرسة الاسكندرانية مدرسة أفلوطين المعروفة بالإفلاطونية المحدثة ، وقامت تجربة الفارابي على قاعدة أن كل فلسفة للتوفيق بين آراء أرسطو وأفلاطون، ثم قال بأن عند حق ، لهذا سعی
درس الفلسفة حق والدين حق ولا خلاف بين حق وحق ، وعليه عمل على التوفيق بين الدين والفلسفة ، وبالإضافة إلى الفلسفة يعتبر الفارابي من العلماء الموسوعيين فقد مارس الطب ، ومارس القضاء ، بعد أن الفقه والحديث والتفسير وعمل في علوم الرياضيات لكنه اتجه بكليته إلى الفلسفة وبها كانت شهرته ، كما عمل في ميدان الموسيقى ويقال أنه مخترع آلة القانون ، وأنه عزف مرة في بلاط سيف الدولة فأضحك الحاضرين ، ثم عزف ثانية فأبكاهم ، ثم عزف فأنامهم ، وذهب . وهو أيضاً شاعر مقل ، رغم أن هناك شكوك حول صحة الشعر المنسوب إليه ، ومما ينسب للفارابي مما ذكره ابن خلكان : أخي خل حيز ذي باطل وكن للحقائق في حيز فما الدار دار مقام لنـــــا وما المرء في الأرض بمعجز ومما ذكره ابن أبي أصيبعة منسوبا للفارابي هذا الدعاء : رب السموات الطباق ومركن في وسطهن حتى الثرى والأبحر إني دعوتك مستجيراً مذنباً فاغفر خطيئة مذنب ومقصر قامت شهرة الفارابي على الفلسفة ، فقد كان يميل الى التأمل والنظر ويؤثر العزلة والهدوء ، وكان خصب النتاج نسب إليه نحو مائة كتاب ، لعل أهمها :
و الفصوص ، وهو مطبوع ومترجم إلى الألمانية ، وكتاب « إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، مطبوع وفيه يبين بتفصيل علوم الأقدمين ، وكتاب « آراء أهل المدينة الفاضلة ، مطبوع ، وكتاب و إحصاء الايقاعات » وهو خطوط يتضمن ثلاثين ورقة ، و«الآداب الملوكية ) مخطوط ، وله ه مبادىء الموجودات ، وهي رسالة ترجمت إلى العبرية وطبعت بها ، وابطال أحكام النجوم، وهو مخطوط وتوجد نسخة منه بطهران .
( ٢٥٩ - ٣٣٩ هـ / ٨٧٣ - ٧٥٣ م )
محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان أبو نصر
اختلف المؤرخون في نسب الفارابي وادعته أكثر من جهة إلى نفسها فالأتراك قالوا عنه بأنه من أصل تركي ، والإيرانيون قالوا عنه إيراني ، وفوق هؤلاء قال العرب بأنه فيلسوف عربي ، وبصرف النظر عن النظرة القومية العرقية الضيقة ، لنا أن نقول بأنه كان من أصل خراساني ، وخراسان كانت قطعة من ديار الخلافة العباسية ، امتزجت فيها ة أعراق في بوتقة العروبة والإسلام ، وعليه فالفارابي تيمت بأصله إلى الاسلام، وبثقافته ونتاجه إلى الحضارة الاسلامية ، قيل عنه كان تركي الأصل جاء من قرية فارياب التركية ، بينما ذكرت روايات أخرى بأن أباه كان فارسي الأصل ، سكن فارياب التركية فنسب ابنه إليها ، وذهب ابن النديم في الفهرس إلى أنه جاء من فارياب الخراسانية ، والمرجح هو الرواية الأخيرة ، فولادته كانت في بلدة وسيج القريبة من فارياب ، ويظن أن ولادته حصلت عام ٢٥٩ هـ لأنه عاش ثمانين عاماً ، وتوفي عام ٣٣٩ هـ ، وهناك خلاف حول مكانة أبيه فالبعض يقول أن والده كان قائداً عسكرياً والبعض الآخر يذهب إلى أنه كان جندياً فقيراً . ومهما يكن الحال فقد نشأ الفارابي في أطراف خراسان ، وظل هناك
مع بغداد ، يعيش أربعين سنة من عمره ، ثم انتقل الفارابي والده من بلدته إلى حيث أخذ علومه العربية على يد أبي بكر محمد بن سهل النحوي المعروف بابن السراج ( ت ٥٣١٦ / ٩٢٩ ) ودرس الطلب على يد الطبيب يوحنا بن حيلان ، والفلسفة على يد أبي بشر متى بن يونس (ت ۳۲۸ هـ ٩٤٠ م ) ، واثر دخول القائد الديلمي توزون الى بغداد ، ومقتل الخليفة المتقي [ ٢٩ ۳۲۹ - ٥٣٣٣۳ ] كثرت الفتن في العراق، فسافر الفارابي الى حران، ثم ييم شطر دمشق عام ۳۳۰ هـ ، وقد اشتغل حارساً في بستان معرضاً عن الوظائف التي عرضت عليه ، ثم انتقل الى حلب حيث لزم بلاط سيف الدولة وأصبحت حلب مقامه الدائم . وخلال اقامته بحلب سافر الفارابي الى مصر عام ( ۳۳۷ - ۳۳۸ هـ ) ثم سافر مع سيف الدولة الى دمشق عام ٣٣٩ حيث توفي في رحلته هذه في دمشق في رجب عام ٣٣٩ ٥ ، ودفن في مقبرة باب الصغير ، وقد حزن عليه سيف الدولة ، واكراماً له صلى عليه مع بعض خاصته . اشتغل الفارابي في القضاء أول عمره ، الا أنه تفرغ للعلوم وأصبح زاهداً في الدنيا ، لا يحفل بزيه أو هيئته ، لذلك كان رث الثياب ، تركي الزي ، أشعث الشعر ، وكان لا يحفل بما يغدقه عليه سيف الدولة وكان يكتفي بأربعة دراهم في اليوم لسد رمقه ، ولشراء ما يحتاجه من
ورق وأدوات كتابه . يروى بأن الفارابي أتقن الكثير من اللغات ، وقد بات مقرراً معرفته للعربية والتركية والفارسية وربما اليونانية ، وأن البعض يشكك في معرفته بها ، نظراً لأخطائه في شرح بعض الكلمات اليونانية ، وعـــــدد بعض الأوائل سبعين لغة للفارابي قالوا بأنه عرفها ، لكن هذا ضرب من الخيال وفيه مبالغه كبيرة.
من كتاب النفس هي كانت مرحلة التفتح نحو النضج بالنسبة للفارابي عندما دخل بغداد للمرة الأولى عام ۳۱۰ ھ ، وكان عمره يقارب الخمسين وهو لم يتخذ بغداد داراً بل توجه الى حران حيث بدأ بدراسة الفلسفة ، ثم زار بغداد ثانية حيث تابع دراسة علوم الفلسفة ، وقد وجد على نسخة لأرسطو عبارة بخطه ه اني قرأت هذا الكتاب مائة مرة ، ويقال أنه قرأ و السماع الطبيعي لأرسطو أربعين مرة ، وشعر بأنه مازال محتاجاً إلى معاودة قراءته . .
وعلى الرغم من كثرة رحلاته ، وموته في دمشق نجد أن معظم مؤلفات الفارابي كانت في بغداد ، حيث عاش فيها ما يقرب العشرين عاماً ونظراً لما حصله وأعطاه في ميادين الفلسفة عده الناس المعلم الثاني بعـد أرسطو الذي عرف باسم المعلم الأول ، وقد وصفه الغزالي بأنه من الناقلين ، واعتبره ابن طفيل من كثيري الشكوك والتناقض ، أما ابن رشد فيعتبر فلسفته من الخرافات منسوبة الى الفلاسفة اليونان ونقولا عنهم ، وقد وقع أخطاء المترجمين الذين ترجموا كتب الفلاسفة ونسبوا بعضها لغير أهلها وحشوها بالكثير من الغريب ، لهذا ضللوا الفارابي ، حتى أن بعض الكتاب قرأها وعلق عليها على أنها لأرسطو ولكنها بالحقيقة كانت لأفلاطون أو أفلوطين . الفارابي في
وهذا لا يقلل من أهمية الفارابي ، فأصالته وعقله مكناه من التربع على عرش الفكر الفلسفي الاسلامي ، وليس غلوا القول بأن مامن فكرة في تاريخ الفلسفة الإسلامية إلا ووجدت جذورها الفارابي ، ويعتبر الفارابي من الفلاسفة أتباع المدرسة الاسكندرانية مدرسة أفلوطين المعروفة بالإفلاطونية المحدثة ، وقامت تجربة الفارابي على قاعدة أن كل فلسفة للتوفيق بين آراء أرسطو وأفلاطون، ثم قال بأن عند حق ، لهذا سعی
درس الفلسفة حق والدين حق ولا خلاف بين حق وحق ، وعليه عمل على التوفيق بين الدين والفلسفة ، وبالإضافة إلى الفلسفة يعتبر الفارابي من العلماء الموسوعيين فقد مارس الطب ، ومارس القضاء ، بعد أن الفقه والحديث والتفسير وعمل في علوم الرياضيات لكنه اتجه بكليته إلى الفلسفة وبها كانت شهرته ، كما عمل في ميدان الموسيقى ويقال أنه مخترع آلة القانون ، وأنه عزف مرة في بلاط سيف الدولة فأضحك الحاضرين ، ثم عزف ثانية فأبكاهم ، ثم عزف فأنامهم ، وذهب . وهو أيضاً شاعر مقل ، رغم أن هناك شكوك حول صحة الشعر المنسوب إليه ، ومما ينسب للفارابي مما ذكره ابن خلكان : أخي خل حيز ذي باطل وكن للحقائق في حيز فما الدار دار مقام لنـــــا وما المرء في الأرض بمعجز ومما ذكره ابن أبي أصيبعة منسوبا للفارابي هذا الدعاء : رب السموات الطباق ومركن في وسطهن حتى الثرى والأبحر إني دعوتك مستجيراً مذنباً فاغفر خطيئة مذنب ومقصر قامت شهرة الفارابي على الفلسفة ، فقد كان يميل الى التأمل والنظر ويؤثر العزلة والهدوء ، وكان خصب النتاج نسب إليه نحو مائة كتاب ، لعل أهمها :
و الفصوص ، وهو مطبوع ومترجم إلى الألمانية ، وكتاب « إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، مطبوع وفيه يبين بتفصيل علوم الأقدمين ، وكتاب « آراء أهل المدينة الفاضلة ، مطبوع ، وكتاب و إحصاء الايقاعات » وهو خطوط يتضمن ثلاثين ورقة ، و«الآداب الملوكية ) مخطوط ، وله ه مبادىء الموجودات ، وهي رسالة ترجمت إلى العبرية وطبعت بها ، وابطال أحكام النجوم، وهو مخطوط وتوجد نسخة منه بطهران .
تعليق