اتخذ بعض الأشخاص عبر التاريخ طريقًا سهلة لعبور مشقات الحياة وتعقيداتها عبر الوقوع في شرك الغرور وادعائهم العصمة عن الوقوع في الأخطاء، فمن لحظة للحظة، ومن تحدٍّ لتحد، سيتشبثون بأي تسويغ زائف لإثبات سقوط المتحدي الذي يواجههم أمام جبروت سلطتهم المطلقة. قد يسلك أي منا هذه الطريق، فهو يتعلق بنزعة الفرد الشخصية ومواهبه والفرص المتاحة أمامه. ولا ضير في القليل من النرجسية لدى الفرد حسب قول عالم النفس غريغ مالكن، لكن تركيزنا هنا يصب على من تشبع بهذه الصفة: النرجسي المطلق.
يتخذ النرجسي المطلق من الانحياز التأكيدي حلًا لجميع مشكلاته بدلًا من مواجهته إياها ومعالجتها، والانحياز التأكيدي هو النزعة العالمية التي تدفعنا إلى تبني الآراء التي تصب في صالحنا فقط ونبذ التي تعارضنا، وهو مشكلة يجدر بنا جميعًا تعلّم كيفية ضبطها.
يتبع النرجسي المطلق مبدأ سلوكيًا غير مألوف وهو مبدأ الخروج عن جميع المبادئ الأخرى، والعناد غير المتسق واللجوء إلى التبريرات الزائفة، كل هذا بهدف إنهاء جملتهم بقول: «هذا يثبت أني على صواب»، دون أي اكتراث بالحقيقة أو بمعنى ما يتلفظ به لأن الهدف هو البقاء بمظهر المنتصر، وكأنه رجل آلي مبرمج على ادعاء الانتصار في أي تحدٍّ وفق خوارزمية لتغليب كل من يهدد سلطته، شخص خلا رأسه من معرفة أي شيء سوى كيفية التظاهر بمعرفة كل شيء، ولا عجب أن النرجسية كانت دربًا مغريًا ليسلكه الأفراد عبر التاريخ.
ومع ذلك، لكي يحقق النرجسي المطلق هوسه الأناني عليه أن يتظاهر بحمل رسالة أخلاقية، فيرتدي عباءةً من التعليلات والتبريرات الأخلاقية الزائفة ليشن الحرب ضد منافسيه، فستعمل هذه العباءة على تشتيت المنافسين سواءً أخذوا معاني الكلمات بحرفيتها أو حاولوا معرفة القصد من ورائها.
أثبت النرجسي المطلق عبر التاريخ مرارًا وتكرارًا انعدام حاجته إلى رؤية محددة أو بصيرة لأن كل ما يحتاج إليه هو التظاهر بامتلاكه واحدةً مثل جميع المحتالين، فهو قادر على تزييف سلسلة انتصارات جيدة وحشد المزيد من السذج إلى جمهوره المعجب، وهكذا انتشرت على مر الأزمنة أوبئة من النرجسيين وطوائف منتشية بإيجادها طريقةً للهروب من الواقع عبر اتخاذهم من الانحياز التأكيدي حلًا لمشكلاتهم.
النرجسي المطلق شخص متجاهر سيحاول التسلل وفتح نقاش طبيعي، وعندما ينجح في ذلك ويقع خصمه في شراكه سيبدأ باستعراض القليل من عناده المنيع بثقة لأنه متيقن من فوزه في النقاش مهما كان رد خصمه، فإذا شتمه خصمه سينعته بقليل الحياء، وإذا تهرب من النقاش سينعته بالجبان، وإذا تعامل معه بكياسة سينعته بالضعيف، وإذا أساء التصرف سينعته بالمضطرب، وإذا هاجمه سينعته بالهمجي. بمعنى آخر سيتظاهر بأي مظهر يحافظ على مناعته وصلابته المبتذلة.
لم يجد أي مجتمع على الإطلاق ترياقًا لعلاج وباء النرجسية هذا، لكن هذه النرجسية مصيرها الأفول فببساطة، لا أحد يستطيع الاستمرار في ادعاء كونه أصدق من الواقع للأبد، لكنها ستسبب دمارًا شاملًا في مسيرتها قبل فنائها، فالسبب المحتمل لانقراض البشرية في النهاية هو انتشار الانحياز التأكيدي الذي تطلقه الحركات النرجسية سواءً عبر اجتياحها العالمي أو نتيجة حروب العصمة من الخطأ بين حركتين نرجسيتين متضادتين.
وهنا كان التحدي الذي استعصى على الجنس البشري حتى اللحظة: كيف تتصدى لنرجسي مطلق؟ كيف تتصدى للناس والحركات التي تهدف إلى البقاء دون هزيمة؟ إليك بعض الاقتراحات التي من العجيب أنها لم تُجرب من قبل:
لا تحاول إقناع النرجسي المطلق! بدلًا من ذلك تعمد إهانته وإزعاجه واستفزازه، اجعله يعاني مهما كلف الأمر بوجود جمهور يشاهده سواءً كانت المخاصمة وجهًا لوجه أو على وسائل التواصل الاجتماعي، انعته أمام الجمهور بأنه مجرد آلة عديمة العقل تدعي الصلابة.
كيف تؤذيهم؟
لا يملك النرجسي المطلق في جعبته سوى خدعة واحدة، لذا شدد تركيزك على هذه الخدعة بقول: «أرأيتم ماذا فعل الآن؟». هنا سيفضح نفسه بقول أي شيء ليضع نفسه موضع الفائزين.
سيحاول النرجسي الانتقام لكنه ما زال لا يملك سوى خدعة واحدة، وأي شيء يقوله سيؤكد اتهامك، لذا استجب بقول: «أرأيتم؟ إنه يفعل ذلك مجددًا». يجدر بك في هذه اللحظة الحفاظ على صلابتك، واحذر الوقوع في أي مشتتات يرميها عليك ليغطي فضيحته، وتذكر أنه لا يهتم بمحور النقاش بل بمظهر الفوز فقط.
والقِ بأخلاقك الشخصية بعيدًا، واحرص ألا تعتمد في توبيخه على مبادئك الشخصية لأنه سيحاول تغليطها لمجرد امتلاكك لها، لكن تمسك جيدًا بمبدأ واحد وهو أن لا أحد يستطيع هزيمة الواقع، فالحقيقة والواقع أمور لا يعيرها النرجسي أدنى اهتمام، ومع ذلك هي السلاح القادر على هزيمة النرجسي المطلق مهما تمادى في عناده وادعائه التظاهر بالسيطرة على الواقع.
سيحاول نرجسينا إيقاعك في شراك نسج خيوطها من التشكيك في مبادئك الأخلاقية عبر ادعائه الاهتمام بها، وهنا أنت لا تحتاج إلى الدفاع عن نفسك فهو وكما ذكرنا سابقًا لا يهتم بها. وسينتقل إلى تطبيق منطق الافتراض، بمعنى أنه إذا وجد أي خطأ فيك فهذا سيثبت افتراض أنه بلا أخطاء، وكأنه ينادي بأعلى صوته بالمبادئ الأخلاقية كي يصم أذنيه عن سماع هرطقته ونفاقه، لذا احذر الوقوع في هذا الفخ، وكن فخورًا بكونك بشر قابل للخطأ وافضح مدعي العصمة المزيف ذاك.
على سبيل المثال، إذا حاول التذاكي بقول: «توقف عن كونك مطلق تسميات وقح» توجه إلى الجمهور قائلًا: «هذا الأحمق لا يدرك حتى أنه «أطلق علي تسمية» مطلق التسميات بدوره. جميعنا تتملكنا الوقاحة في بعض الأحيان وجميعنا يطلق التسميات، على الأقل أنا أحاول إطلاق تسمية دقيقة في موضعها، ولا أبدي وقاحة إلا عندما يتطلب الموقف ذلك، وهذا النرجسي المثير للشفقة لا يعير اهتمامًا للوقاحة وإطلاق التسميات، وإنما يتظاهر بذلك كي يبدو بالمظهر الذي يحبه، مظهر المعصوم عن الخطأ».
الآن اقلب الطاولة عليه، واتهمه باقتراف أفعال ليست منبوذة في كل المجتمعات، اتهمه مثلًا بأنه يستمني في الأماكن العامة، وعندما يحاول إنكار ذلك ظنًا منه أن هذا فعل مشين اسخر منه ومن تحفظه المبالغ فيه، واسخر من عدم محاولته لمعرفة الخطأ من الصواب ومن ادعائه أنه أحاط العالم كله بإدراكه.
ابقَ هادئًا وودودًا تجاه الشخص المنكمش داخل هذا النرجسي الزائف، ولا تأخذ المخاصمة على منحًى شخصي، فأي شخص قابل لأن يصبح نرجسيًا. هم يظنون أنهم فريدون لكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك، هم مجرد أشخاص ذُعروا من مواجهة الواقع.
لا تشغل بالًا في نتائج الأحكام التي تطلقها عليه كما لو أن اتهام شخص بالنرجسية سيؤدي به إلى عقوبة مدى الحياة. النرجسي المطلق هو مجرد مدمن على الاستفزاز قامت حياته على استفزاز الآخرين والشماتة بهم، وسبب تدخلك هو تفاؤلك بشفائه من هذا الإدمان. سينكر النرجسي ذلك وسيوبخك على هذه الألقاب التي تطلقها عليه مثل مدمن الكحول الذي يستاء من هذا اللقب. أنت متيقن من ضرورة اعتزاله هذه الحياة الروبوتية المشبعة بتعظيم الذات وإعادته إلى الحياة البشرية، لأنها بالنسبة لك حياة ستقوده إلى الدمار، أما بالنسبة له هي جوهره المطلق غير القابل للتغيير.
أطلق العنان لثقتك الحقيقية في أثناء مواجهته، فهي ليست مظهرًا اتخذته لمراوغة مناورات النرجسي المطلق، بل هي الثقة المنبثقة من معارضتك لجميع النرجسيين لادعائهم بكونهم آلهةً وأسيادًا على هذا الواقع بدل أن يكونوا جزءًا منه.
وإذا حاول إغواءك عبر تأييده لاهتماماتك ومبادئك اقطع الدرب أمامه أيضًا، فأنت لا تعارض معتقدات النرجسي المطلق لأنهم لا يؤمنون بشيء سوى مناعتهم المطلقة، وإنما تعارض جميع النرجسيين لكونك بشريًا غير معصوم تحاول التكيف مع متغيرات واقعك المتسارعة، مثل أي نرجسي لولا وقوعه في هذا الوهم، فالحياة كانت وما زالت قائمةً على الزلات والمحاكمات والشكوك غير المحدودة.
لا تسمح للنرجسي بتحويل النقاش إلى معركة إما أن تفوز فيها بكل شيء أو تخسر كل شيء ضد عصمة زائفة، لأنك في هذه الحالة إذا اعترفت بإنسانيتك سيصبح كل خطأ وقع فيه النرجسي مسوغًا ويصبح نتيجة ذلك محقًا في كل كلمة تفوه بها.
فازت القابلية للخطأ دومًا لأن الواقع لا يتأثر بتبختر النرجسيين، فالعالم الواقعي يجري بمفرده، وأفضل ما يمكننا فعله هو تعلم كيفية التأقلم معه، بدءًا من تعلم كيفية إسكات النرجسيين مدعي ختم العلم دون أن يفقهوا شيئًا.
ختامًا، من الخطأ تشبيه النرجسي المطلق بقصة الإمبراطور المجرد من ملابسه، فهو عبارة عن ثياب امبراطور دون جسد، وحتى تعيد هذه الثياب إلى وعيها البشري القابل للخطأ عليك إحراج النرجسي وإذلال قطعة الثياب هذه أمام الجمهور.
اتخذ بعض الأشخاص عبر التاريخ طريقًا سهلة لعبور مشقات الحياة وتعقيداتها عبر الوقوع في شرك الغرور وادعائهم العصمة عن الوقوع في الأخطاء، فمن لحظة للحظة، ومن تحدٍّ لتحد، سيتشبثون بأي تسويغ زائف لإثبات سقوط المتحدي الذي يواجههم أمام جبروت سلطتهم المطلقة. قد يسلك أي منا هذه الطريق، فهو يتعلق بنزعة الفرد الشخصية ومواهبه والفرص المتاحة أمامه. ولا ضير في القليل من النرجسية لدى الفرد حسب قول عالم النفس غريغ مالكن، لكن تركيزنا هنا يصب على من تشبع بهذه الصفة: النرجسي المطلق.
يتخذ النرجسي المطلق من الانحياز التأكيدي حلًا لجميع مشكلاته بدلًا من مواجهته إياها ومعالجتها، والانحياز التأكيدي هو النزعة العالمية التي تدفعنا إلى تبني الآراء التي تصب في صالحنا فقط ونبذ التي تعارضنا، وهو مشكلة يجدر بنا جميعًا تعلّم كيفية ضبطها.
يتبع النرجسي المطلق مبدأ سلوكيًا غير مألوف وهو مبدأ الخروج عن جميع المبادئ الأخرى، والعناد غير المتسق واللجوء إلى التبريرات الزائفة، كل هذا بهدف إنهاء جملتهم بقول: «هذا يثبت أني على صواب»، دون أي اكتراث بالحقيقة أو بمعنى ما يتلفظ به لأن الهدف هو البقاء بمظهر المنتصر، وكأنه رجل آلي مبرمج على ادعاء الانتصار في أي تحدٍّ وفق خوارزمية لتغليب كل من يهدد سلطته، شخص خلا رأسه من معرفة أي شيء سوى كيفية التظاهر بمعرفة كل شيء، ولا عجب أن النرجسية كانت دربًا مغريًا ليسلكه الأفراد عبر التاريخ.
ومع ذلك، لكي يحقق النرجسي المطلق هوسه الأناني عليه أن يتظاهر بحمل رسالة أخلاقية، فيرتدي عباءةً من التعليلات والتبريرات الأخلاقية الزائفة ليشن الحرب ضد منافسيه، فستعمل هذه العباءة على تشتيت المنافسين سواءً أخذوا معاني الكلمات بحرفيتها أو حاولوا معرفة القصد من ورائها.
أثبت النرجسي المطلق عبر التاريخ مرارًا وتكرارًا انعدام حاجته إلى رؤية محددة أو بصيرة لأن كل ما يحتاج إليه هو التظاهر بامتلاكه واحدةً مثل جميع المحتالين، فهو قادر على تزييف سلسلة انتصارات جيدة وحشد المزيد من السذج إلى جمهوره المعجب، وهكذا انتشرت على مر الأزمنة أوبئة من النرجسيين وطوائف منتشية بإيجادها طريقةً للهروب من الواقع عبر اتخاذهم من الانحياز التأكيدي حلًا لمشكلاتهم.
النرجسي المطلق شخص متجاهر سيحاول التسلل وفتح نقاش طبيعي، وعندما ينجح في ذلك ويقع خصمه في شراكه سيبدأ باستعراض القليل من عناده المنيع بثقة لأنه متيقن من فوزه في النقاش مهما كان رد خصمه، فإذا شتمه خصمه سينعته بقليل الحياء، وإذا تهرب من النقاش سينعته بالجبان، وإذا تعامل معه بكياسة سينعته بالضعيف، وإذا أساء التصرف سينعته بالمضطرب، وإذا هاجمه سينعته بالهمجي. بمعنى آخر سيتظاهر بأي مظهر يحافظ على مناعته وصلابته المبتذلة.
لم يجد أي مجتمع على الإطلاق ترياقًا لعلاج وباء النرجسية هذا، لكن هذه النرجسية مصيرها الأفول فببساطة، لا أحد يستطيع الاستمرار في ادعاء كونه أصدق من الواقع للأبد، لكنها ستسبب دمارًا شاملًا في مسيرتها قبل فنائها، فالسبب المحتمل لانقراض البشرية في النهاية هو انتشار الانحياز التأكيدي الذي تطلقه الحركات النرجسية سواءً عبر اجتياحها العالمي أو نتيجة حروب العصمة من الخطأ بين حركتين نرجسيتين متضادتين.
وهنا كان التحدي الذي استعصى على الجنس البشري حتى اللحظة: كيف تتصدى لنرجسي مطلق؟ كيف تتصدى للناس والحركات التي تهدف إلى البقاء دون هزيمة؟ إليك بعض الاقتراحات التي من العجيب أنها لم تُجرب من قبل:
لا تحاول إقناع النرجسي المطلق! بدلًا من ذلك تعمد إهانته وإزعاجه واستفزازه، اجعله يعاني مهما كلف الأمر بوجود جمهور يشاهده سواءً كانت المخاصمة وجهًا لوجه أو على وسائل التواصل الاجتماعي، انعته أمام الجمهور بأنه مجرد آلة عديمة العقل تدعي الصلابة.
كيف تؤذيهم؟
لا يملك النرجسي المطلق في جعبته سوى خدعة واحدة، لذا شدد تركيزك على هذه الخدعة بقول: «أرأيتم ماذا فعل الآن؟». هنا سيفضح نفسه بقول أي شيء ليضع نفسه موضع الفائزين.
سيحاول النرجسي الانتقام لكنه ما زال لا يملك سوى خدعة واحدة، وأي شيء يقوله سيؤكد اتهامك، لذا استجب بقول: «أرأيتم؟ إنه يفعل ذلك مجددًا». يجدر بك في هذه اللحظة الحفاظ على صلابتك، واحذر الوقوع في أي مشتتات يرميها عليك ليغطي فضيحته، وتذكر أنه لا يهتم بمحور النقاش بل بمظهر الفوز فقط.
والقِ بأخلاقك الشخصية بعيدًا، واحرص ألا تعتمد في توبيخه على مبادئك الشخصية لأنه سيحاول تغليطها لمجرد امتلاكك لها، لكن تمسك جيدًا بمبدأ واحد وهو أن لا أحد يستطيع هزيمة الواقع، فالحقيقة والواقع أمور لا يعيرها النرجسي أدنى اهتمام، ومع ذلك هي السلاح القادر على هزيمة النرجسي المطلق مهما تمادى في عناده وادعائه التظاهر بالسيطرة على الواقع.
سيحاول نرجسينا إيقاعك في شراك نسج خيوطها من التشكيك في مبادئك الأخلاقية عبر ادعائه الاهتمام بها، وهنا أنت لا تحتاج إلى الدفاع عن نفسك فهو وكما ذكرنا سابقًا لا يهتم بها. وسينتقل إلى تطبيق منطق الافتراض، بمعنى أنه إذا وجد أي خطأ فيك فهذا سيثبت افتراض أنه بلا أخطاء، وكأنه ينادي بأعلى صوته بالمبادئ الأخلاقية كي يصم أذنيه عن سماع هرطقته ونفاقه، لذا احذر الوقوع في هذا الفخ، وكن فخورًا بكونك بشر قابل للخطأ وافضح مدعي العصمة المزيف ذاك.
على سبيل المثال، إذا حاول التذاكي بقول: «توقف عن كونك مطلق تسميات وقح» توجه إلى الجمهور قائلًا: «هذا الأحمق لا يدرك حتى أنه «أطلق علي تسمية» مطلق التسميات بدوره. جميعنا تتملكنا الوقاحة في بعض الأحيان وجميعنا يطلق التسميات، على الأقل أنا أحاول إطلاق تسمية دقيقة في موضعها، ولا أبدي وقاحة إلا عندما يتطلب الموقف ذلك، وهذا النرجسي المثير للشفقة لا يعير اهتمامًا للوقاحة وإطلاق التسميات، وإنما يتظاهر بذلك كي يبدو بالمظهر الذي يحبه، مظهر المعصوم عن الخطأ».
الآن اقلب الطاولة عليه، واتهمه باقتراف أفعال ليست منبوذة في كل المجتمعات، اتهمه مثلًا بأنه يستمني في الأماكن العامة، وعندما يحاول إنكار ذلك ظنًا منه أن هذا فعل مشين اسخر منه ومن تحفظه المبالغ فيه، واسخر من عدم محاولته لمعرفة الخطأ من الصواب ومن ادعائه أنه أحاط العالم كله بإدراكه.
ابقَ هادئًا وودودًا تجاه الشخص المنكمش داخل هذا النرجسي الزائف، ولا تأخذ المخاصمة على منحًى شخصي، فأي شخص قابل لأن يصبح نرجسيًا. هم يظنون أنهم فريدون لكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك، هم مجرد أشخاص ذُعروا من مواجهة الواقع.
لا تشغل بالًا في نتائج الأحكام التي تطلقها عليه كما لو أن اتهام شخص بالنرجسية سيؤدي به إلى عقوبة مدى الحياة. النرجسي المطلق هو مجرد مدمن على الاستفزاز قامت حياته على استفزاز الآخرين والشماتة بهم، وسبب تدخلك هو تفاؤلك بشفائه من هذا الإدمان. سينكر النرجسي ذلك وسيوبخك على هذه الألقاب التي تطلقها عليه مثل مدمن الكحول الذي يستاء من هذا اللقب. أنت متيقن من ضرورة اعتزاله هذه الحياة الروبوتية المشبعة بتعظيم الذات وإعادته إلى الحياة البشرية، لأنها بالنسبة لك حياة ستقوده إلى الدمار، أما بالنسبة له هي جوهره المطلق غير القابل للتغيير.
أطلق العنان لثقتك الحقيقية في أثناء مواجهته، فهي ليست مظهرًا اتخذته لمراوغة مناورات النرجسي المطلق، بل هي الثقة المنبثقة من معارضتك لجميع النرجسيين لادعائهم بكونهم آلهةً وأسيادًا على هذا الواقع بدل أن يكونوا جزءًا منه.
وإذا حاول إغواءك عبر تأييده لاهتماماتك ومبادئك اقطع الدرب أمامه أيضًا، فأنت لا تعارض معتقدات النرجسي المطلق لأنهم لا يؤمنون بشيء سوى مناعتهم المطلقة، وإنما تعارض جميع النرجسيين لكونك بشريًا غير معصوم تحاول التكيف مع متغيرات واقعك المتسارعة، مثل أي نرجسي لولا وقوعه في هذا الوهم، فالحياة كانت وما زالت قائمةً على الزلات والمحاكمات والشكوك غير المحدودة.
لا تسمح للنرجسي بتحويل النقاش إلى معركة إما أن تفوز فيها بكل شيء أو تخسر كل شيء ضد عصمة زائفة، لأنك في هذه الحالة إذا اعترفت بإنسانيتك سيصبح كل خطأ وقع فيه النرجسي مسوغًا ويصبح نتيجة ذلك محقًا في كل كلمة تفوه بها.
فازت القابلية للخطأ دومًا لأن الواقع لا يتأثر بتبختر النرجسيين، فالعالم الواقعي يجري بمفرده، وأفضل ما يمكننا فعله هو تعلم كيفية التأقلم معه، بدءًا من تعلم كيفية إسكات النرجسيين مدعي ختم العلم دون أن يفقهوا شيئًا.
ختامًا، من الخطأ تشبيه النرجسي المطلق بقصة الإمبراطور المجرد من ملابسه، فهو عبارة عن ثياب امبراطور دون جسد، وحتى تعيد هذه الثياب إلى وعيها البشري القابل للخطأ عليك إحراج النرجسي وإذلال قطعة الثياب هذه أمام الجمهور.
يتخذ النرجسي المطلق من الانحياز التأكيدي حلًا لجميع مشكلاته بدلًا من مواجهته إياها ومعالجتها، والانحياز التأكيدي هو النزعة العالمية التي تدفعنا إلى تبني الآراء التي تصب في صالحنا فقط ونبذ التي تعارضنا، وهو مشكلة يجدر بنا جميعًا تعلّم كيفية ضبطها.
يتبع النرجسي المطلق مبدأ سلوكيًا غير مألوف وهو مبدأ الخروج عن جميع المبادئ الأخرى، والعناد غير المتسق واللجوء إلى التبريرات الزائفة، كل هذا بهدف إنهاء جملتهم بقول: «هذا يثبت أني على صواب»، دون أي اكتراث بالحقيقة أو بمعنى ما يتلفظ به لأن الهدف هو البقاء بمظهر المنتصر، وكأنه رجل آلي مبرمج على ادعاء الانتصار في أي تحدٍّ وفق خوارزمية لتغليب كل من يهدد سلطته، شخص خلا رأسه من معرفة أي شيء سوى كيفية التظاهر بمعرفة كل شيء، ولا عجب أن النرجسية كانت دربًا مغريًا ليسلكه الأفراد عبر التاريخ.
ومع ذلك، لكي يحقق النرجسي المطلق هوسه الأناني عليه أن يتظاهر بحمل رسالة أخلاقية، فيرتدي عباءةً من التعليلات والتبريرات الأخلاقية الزائفة ليشن الحرب ضد منافسيه، فستعمل هذه العباءة على تشتيت المنافسين سواءً أخذوا معاني الكلمات بحرفيتها أو حاولوا معرفة القصد من ورائها.
أثبت النرجسي المطلق عبر التاريخ مرارًا وتكرارًا انعدام حاجته إلى رؤية محددة أو بصيرة لأن كل ما يحتاج إليه هو التظاهر بامتلاكه واحدةً مثل جميع المحتالين، فهو قادر على تزييف سلسلة انتصارات جيدة وحشد المزيد من السذج إلى جمهوره المعجب، وهكذا انتشرت على مر الأزمنة أوبئة من النرجسيين وطوائف منتشية بإيجادها طريقةً للهروب من الواقع عبر اتخاذهم من الانحياز التأكيدي حلًا لمشكلاتهم.
النرجسي المطلق شخص متجاهر سيحاول التسلل وفتح نقاش طبيعي، وعندما ينجح في ذلك ويقع خصمه في شراكه سيبدأ باستعراض القليل من عناده المنيع بثقة لأنه متيقن من فوزه في النقاش مهما كان رد خصمه، فإذا شتمه خصمه سينعته بقليل الحياء، وإذا تهرب من النقاش سينعته بالجبان، وإذا تعامل معه بكياسة سينعته بالضعيف، وإذا أساء التصرف سينعته بالمضطرب، وإذا هاجمه سينعته بالهمجي. بمعنى آخر سيتظاهر بأي مظهر يحافظ على مناعته وصلابته المبتذلة.
لم يجد أي مجتمع على الإطلاق ترياقًا لعلاج وباء النرجسية هذا، لكن هذه النرجسية مصيرها الأفول فببساطة، لا أحد يستطيع الاستمرار في ادعاء كونه أصدق من الواقع للأبد، لكنها ستسبب دمارًا شاملًا في مسيرتها قبل فنائها، فالسبب المحتمل لانقراض البشرية في النهاية هو انتشار الانحياز التأكيدي الذي تطلقه الحركات النرجسية سواءً عبر اجتياحها العالمي أو نتيجة حروب العصمة من الخطأ بين حركتين نرجسيتين متضادتين.
وهنا كان التحدي الذي استعصى على الجنس البشري حتى اللحظة: كيف تتصدى لنرجسي مطلق؟ كيف تتصدى للناس والحركات التي تهدف إلى البقاء دون هزيمة؟ إليك بعض الاقتراحات التي من العجيب أنها لم تُجرب من قبل:
لا تحاول إقناع النرجسي المطلق! بدلًا من ذلك تعمد إهانته وإزعاجه واستفزازه، اجعله يعاني مهما كلف الأمر بوجود جمهور يشاهده سواءً كانت المخاصمة وجهًا لوجه أو على وسائل التواصل الاجتماعي، انعته أمام الجمهور بأنه مجرد آلة عديمة العقل تدعي الصلابة.
كيف تؤذيهم؟
لا يملك النرجسي المطلق في جعبته سوى خدعة واحدة، لذا شدد تركيزك على هذه الخدعة بقول: «أرأيتم ماذا فعل الآن؟». هنا سيفضح نفسه بقول أي شيء ليضع نفسه موضع الفائزين.
سيحاول النرجسي الانتقام لكنه ما زال لا يملك سوى خدعة واحدة، وأي شيء يقوله سيؤكد اتهامك، لذا استجب بقول: «أرأيتم؟ إنه يفعل ذلك مجددًا». يجدر بك في هذه اللحظة الحفاظ على صلابتك، واحذر الوقوع في أي مشتتات يرميها عليك ليغطي فضيحته، وتذكر أنه لا يهتم بمحور النقاش بل بمظهر الفوز فقط.
والقِ بأخلاقك الشخصية بعيدًا، واحرص ألا تعتمد في توبيخه على مبادئك الشخصية لأنه سيحاول تغليطها لمجرد امتلاكك لها، لكن تمسك جيدًا بمبدأ واحد وهو أن لا أحد يستطيع هزيمة الواقع، فالحقيقة والواقع أمور لا يعيرها النرجسي أدنى اهتمام، ومع ذلك هي السلاح القادر على هزيمة النرجسي المطلق مهما تمادى في عناده وادعائه التظاهر بالسيطرة على الواقع.
سيحاول نرجسينا إيقاعك في شراك نسج خيوطها من التشكيك في مبادئك الأخلاقية عبر ادعائه الاهتمام بها، وهنا أنت لا تحتاج إلى الدفاع عن نفسك فهو وكما ذكرنا سابقًا لا يهتم بها. وسينتقل إلى تطبيق منطق الافتراض، بمعنى أنه إذا وجد أي خطأ فيك فهذا سيثبت افتراض أنه بلا أخطاء، وكأنه ينادي بأعلى صوته بالمبادئ الأخلاقية كي يصم أذنيه عن سماع هرطقته ونفاقه، لذا احذر الوقوع في هذا الفخ، وكن فخورًا بكونك بشر قابل للخطأ وافضح مدعي العصمة المزيف ذاك.
على سبيل المثال، إذا حاول التذاكي بقول: «توقف عن كونك مطلق تسميات وقح» توجه إلى الجمهور قائلًا: «هذا الأحمق لا يدرك حتى أنه «أطلق علي تسمية» مطلق التسميات بدوره. جميعنا تتملكنا الوقاحة في بعض الأحيان وجميعنا يطلق التسميات، على الأقل أنا أحاول إطلاق تسمية دقيقة في موضعها، ولا أبدي وقاحة إلا عندما يتطلب الموقف ذلك، وهذا النرجسي المثير للشفقة لا يعير اهتمامًا للوقاحة وإطلاق التسميات، وإنما يتظاهر بذلك كي يبدو بالمظهر الذي يحبه، مظهر المعصوم عن الخطأ».
الآن اقلب الطاولة عليه، واتهمه باقتراف أفعال ليست منبوذة في كل المجتمعات، اتهمه مثلًا بأنه يستمني في الأماكن العامة، وعندما يحاول إنكار ذلك ظنًا منه أن هذا فعل مشين اسخر منه ومن تحفظه المبالغ فيه، واسخر من عدم محاولته لمعرفة الخطأ من الصواب ومن ادعائه أنه أحاط العالم كله بإدراكه.
ابقَ هادئًا وودودًا تجاه الشخص المنكمش داخل هذا النرجسي الزائف، ولا تأخذ المخاصمة على منحًى شخصي، فأي شخص قابل لأن يصبح نرجسيًا. هم يظنون أنهم فريدون لكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك، هم مجرد أشخاص ذُعروا من مواجهة الواقع.
لا تشغل بالًا في نتائج الأحكام التي تطلقها عليه كما لو أن اتهام شخص بالنرجسية سيؤدي به إلى عقوبة مدى الحياة. النرجسي المطلق هو مجرد مدمن على الاستفزاز قامت حياته على استفزاز الآخرين والشماتة بهم، وسبب تدخلك هو تفاؤلك بشفائه من هذا الإدمان. سينكر النرجسي ذلك وسيوبخك على هذه الألقاب التي تطلقها عليه مثل مدمن الكحول الذي يستاء من هذا اللقب. أنت متيقن من ضرورة اعتزاله هذه الحياة الروبوتية المشبعة بتعظيم الذات وإعادته إلى الحياة البشرية، لأنها بالنسبة لك حياة ستقوده إلى الدمار، أما بالنسبة له هي جوهره المطلق غير القابل للتغيير.
أطلق العنان لثقتك الحقيقية في أثناء مواجهته، فهي ليست مظهرًا اتخذته لمراوغة مناورات النرجسي المطلق، بل هي الثقة المنبثقة من معارضتك لجميع النرجسيين لادعائهم بكونهم آلهةً وأسيادًا على هذا الواقع بدل أن يكونوا جزءًا منه.
وإذا حاول إغواءك عبر تأييده لاهتماماتك ومبادئك اقطع الدرب أمامه أيضًا، فأنت لا تعارض معتقدات النرجسي المطلق لأنهم لا يؤمنون بشيء سوى مناعتهم المطلقة، وإنما تعارض جميع النرجسيين لكونك بشريًا غير معصوم تحاول التكيف مع متغيرات واقعك المتسارعة، مثل أي نرجسي لولا وقوعه في هذا الوهم، فالحياة كانت وما زالت قائمةً على الزلات والمحاكمات والشكوك غير المحدودة.
لا تسمح للنرجسي بتحويل النقاش إلى معركة إما أن تفوز فيها بكل شيء أو تخسر كل شيء ضد عصمة زائفة، لأنك في هذه الحالة إذا اعترفت بإنسانيتك سيصبح كل خطأ وقع فيه النرجسي مسوغًا ويصبح نتيجة ذلك محقًا في كل كلمة تفوه بها.
فازت القابلية للخطأ دومًا لأن الواقع لا يتأثر بتبختر النرجسيين، فالعالم الواقعي يجري بمفرده، وأفضل ما يمكننا فعله هو تعلم كيفية التأقلم معه، بدءًا من تعلم كيفية إسكات النرجسيين مدعي ختم العلم دون أن يفقهوا شيئًا.
ختامًا، من الخطأ تشبيه النرجسي المطلق بقصة الإمبراطور المجرد من ملابسه، فهو عبارة عن ثياب امبراطور دون جسد، وحتى تعيد هذه الثياب إلى وعيها البشري القابل للخطأ عليك إحراج النرجسي وإذلال قطعة الثياب هذه أمام الجمهور.
اتخذ بعض الأشخاص عبر التاريخ طريقًا سهلة لعبور مشقات الحياة وتعقيداتها عبر الوقوع في شرك الغرور وادعائهم العصمة عن الوقوع في الأخطاء، فمن لحظة للحظة، ومن تحدٍّ لتحد، سيتشبثون بأي تسويغ زائف لإثبات سقوط المتحدي الذي يواجههم أمام جبروت سلطتهم المطلقة. قد يسلك أي منا هذه الطريق، فهو يتعلق بنزعة الفرد الشخصية ومواهبه والفرص المتاحة أمامه. ولا ضير في القليل من النرجسية لدى الفرد حسب قول عالم النفس غريغ مالكن، لكن تركيزنا هنا يصب على من تشبع بهذه الصفة: النرجسي المطلق.
يتخذ النرجسي المطلق من الانحياز التأكيدي حلًا لجميع مشكلاته بدلًا من مواجهته إياها ومعالجتها، والانحياز التأكيدي هو النزعة العالمية التي تدفعنا إلى تبني الآراء التي تصب في صالحنا فقط ونبذ التي تعارضنا، وهو مشكلة يجدر بنا جميعًا تعلّم كيفية ضبطها.
يتبع النرجسي المطلق مبدأ سلوكيًا غير مألوف وهو مبدأ الخروج عن جميع المبادئ الأخرى، والعناد غير المتسق واللجوء إلى التبريرات الزائفة، كل هذا بهدف إنهاء جملتهم بقول: «هذا يثبت أني على صواب»، دون أي اكتراث بالحقيقة أو بمعنى ما يتلفظ به لأن الهدف هو البقاء بمظهر المنتصر، وكأنه رجل آلي مبرمج على ادعاء الانتصار في أي تحدٍّ وفق خوارزمية لتغليب كل من يهدد سلطته، شخص خلا رأسه من معرفة أي شيء سوى كيفية التظاهر بمعرفة كل شيء، ولا عجب أن النرجسية كانت دربًا مغريًا ليسلكه الأفراد عبر التاريخ.
ومع ذلك، لكي يحقق النرجسي المطلق هوسه الأناني عليه أن يتظاهر بحمل رسالة أخلاقية، فيرتدي عباءةً من التعليلات والتبريرات الأخلاقية الزائفة ليشن الحرب ضد منافسيه، فستعمل هذه العباءة على تشتيت المنافسين سواءً أخذوا معاني الكلمات بحرفيتها أو حاولوا معرفة القصد من ورائها.
أثبت النرجسي المطلق عبر التاريخ مرارًا وتكرارًا انعدام حاجته إلى رؤية محددة أو بصيرة لأن كل ما يحتاج إليه هو التظاهر بامتلاكه واحدةً مثل جميع المحتالين، فهو قادر على تزييف سلسلة انتصارات جيدة وحشد المزيد من السذج إلى جمهوره المعجب، وهكذا انتشرت على مر الأزمنة أوبئة من النرجسيين وطوائف منتشية بإيجادها طريقةً للهروب من الواقع عبر اتخاذهم من الانحياز التأكيدي حلًا لمشكلاتهم.
النرجسي المطلق شخص متجاهر سيحاول التسلل وفتح نقاش طبيعي، وعندما ينجح في ذلك ويقع خصمه في شراكه سيبدأ باستعراض القليل من عناده المنيع بثقة لأنه متيقن من فوزه في النقاش مهما كان رد خصمه، فإذا شتمه خصمه سينعته بقليل الحياء، وإذا تهرب من النقاش سينعته بالجبان، وإذا تعامل معه بكياسة سينعته بالضعيف، وإذا أساء التصرف سينعته بالمضطرب، وإذا هاجمه سينعته بالهمجي. بمعنى آخر سيتظاهر بأي مظهر يحافظ على مناعته وصلابته المبتذلة.
لم يجد أي مجتمع على الإطلاق ترياقًا لعلاج وباء النرجسية هذا، لكن هذه النرجسية مصيرها الأفول فببساطة، لا أحد يستطيع الاستمرار في ادعاء كونه أصدق من الواقع للأبد، لكنها ستسبب دمارًا شاملًا في مسيرتها قبل فنائها، فالسبب المحتمل لانقراض البشرية في النهاية هو انتشار الانحياز التأكيدي الذي تطلقه الحركات النرجسية سواءً عبر اجتياحها العالمي أو نتيجة حروب العصمة من الخطأ بين حركتين نرجسيتين متضادتين.
وهنا كان التحدي الذي استعصى على الجنس البشري حتى اللحظة: كيف تتصدى لنرجسي مطلق؟ كيف تتصدى للناس والحركات التي تهدف إلى البقاء دون هزيمة؟ إليك بعض الاقتراحات التي من العجيب أنها لم تُجرب من قبل:
لا تحاول إقناع النرجسي المطلق! بدلًا من ذلك تعمد إهانته وإزعاجه واستفزازه، اجعله يعاني مهما كلف الأمر بوجود جمهور يشاهده سواءً كانت المخاصمة وجهًا لوجه أو على وسائل التواصل الاجتماعي، انعته أمام الجمهور بأنه مجرد آلة عديمة العقل تدعي الصلابة.
كيف تؤذيهم؟
لا يملك النرجسي المطلق في جعبته سوى خدعة واحدة، لذا شدد تركيزك على هذه الخدعة بقول: «أرأيتم ماذا فعل الآن؟». هنا سيفضح نفسه بقول أي شيء ليضع نفسه موضع الفائزين.
سيحاول النرجسي الانتقام لكنه ما زال لا يملك سوى خدعة واحدة، وأي شيء يقوله سيؤكد اتهامك، لذا استجب بقول: «أرأيتم؟ إنه يفعل ذلك مجددًا». يجدر بك في هذه اللحظة الحفاظ على صلابتك، واحذر الوقوع في أي مشتتات يرميها عليك ليغطي فضيحته، وتذكر أنه لا يهتم بمحور النقاش بل بمظهر الفوز فقط.
والقِ بأخلاقك الشخصية بعيدًا، واحرص ألا تعتمد في توبيخه على مبادئك الشخصية لأنه سيحاول تغليطها لمجرد امتلاكك لها، لكن تمسك جيدًا بمبدأ واحد وهو أن لا أحد يستطيع هزيمة الواقع، فالحقيقة والواقع أمور لا يعيرها النرجسي أدنى اهتمام، ومع ذلك هي السلاح القادر على هزيمة النرجسي المطلق مهما تمادى في عناده وادعائه التظاهر بالسيطرة على الواقع.
سيحاول نرجسينا إيقاعك في شراك نسج خيوطها من التشكيك في مبادئك الأخلاقية عبر ادعائه الاهتمام بها، وهنا أنت لا تحتاج إلى الدفاع عن نفسك فهو وكما ذكرنا سابقًا لا يهتم بها. وسينتقل إلى تطبيق منطق الافتراض، بمعنى أنه إذا وجد أي خطأ فيك فهذا سيثبت افتراض أنه بلا أخطاء، وكأنه ينادي بأعلى صوته بالمبادئ الأخلاقية كي يصم أذنيه عن سماع هرطقته ونفاقه، لذا احذر الوقوع في هذا الفخ، وكن فخورًا بكونك بشر قابل للخطأ وافضح مدعي العصمة المزيف ذاك.
على سبيل المثال، إذا حاول التذاكي بقول: «توقف عن كونك مطلق تسميات وقح» توجه إلى الجمهور قائلًا: «هذا الأحمق لا يدرك حتى أنه «أطلق علي تسمية» مطلق التسميات بدوره. جميعنا تتملكنا الوقاحة في بعض الأحيان وجميعنا يطلق التسميات، على الأقل أنا أحاول إطلاق تسمية دقيقة في موضعها، ولا أبدي وقاحة إلا عندما يتطلب الموقف ذلك، وهذا النرجسي المثير للشفقة لا يعير اهتمامًا للوقاحة وإطلاق التسميات، وإنما يتظاهر بذلك كي يبدو بالمظهر الذي يحبه، مظهر المعصوم عن الخطأ».
الآن اقلب الطاولة عليه، واتهمه باقتراف أفعال ليست منبوذة في كل المجتمعات، اتهمه مثلًا بأنه يستمني في الأماكن العامة، وعندما يحاول إنكار ذلك ظنًا منه أن هذا فعل مشين اسخر منه ومن تحفظه المبالغ فيه، واسخر من عدم محاولته لمعرفة الخطأ من الصواب ومن ادعائه أنه أحاط العالم كله بإدراكه.
ابقَ هادئًا وودودًا تجاه الشخص المنكمش داخل هذا النرجسي الزائف، ولا تأخذ المخاصمة على منحًى شخصي، فأي شخص قابل لأن يصبح نرجسيًا. هم يظنون أنهم فريدون لكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك، هم مجرد أشخاص ذُعروا من مواجهة الواقع.
لا تشغل بالًا في نتائج الأحكام التي تطلقها عليه كما لو أن اتهام شخص بالنرجسية سيؤدي به إلى عقوبة مدى الحياة. النرجسي المطلق هو مجرد مدمن على الاستفزاز قامت حياته على استفزاز الآخرين والشماتة بهم، وسبب تدخلك هو تفاؤلك بشفائه من هذا الإدمان. سينكر النرجسي ذلك وسيوبخك على هذه الألقاب التي تطلقها عليه مثل مدمن الكحول الذي يستاء من هذا اللقب. أنت متيقن من ضرورة اعتزاله هذه الحياة الروبوتية المشبعة بتعظيم الذات وإعادته إلى الحياة البشرية، لأنها بالنسبة لك حياة ستقوده إلى الدمار، أما بالنسبة له هي جوهره المطلق غير القابل للتغيير.
أطلق العنان لثقتك الحقيقية في أثناء مواجهته، فهي ليست مظهرًا اتخذته لمراوغة مناورات النرجسي المطلق، بل هي الثقة المنبثقة من معارضتك لجميع النرجسيين لادعائهم بكونهم آلهةً وأسيادًا على هذا الواقع بدل أن يكونوا جزءًا منه.
وإذا حاول إغواءك عبر تأييده لاهتماماتك ومبادئك اقطع الدرب أمامه أيضًا، فأنت لا تعارض معتقدات النرجسي المطلق لأنهم لا يؤمنون بشيء سوى مناعتهم المطلقة، وإنما تعارض جميع النرجسيين لكونك بشريًا غير معصوم تحاول التكيف مع متغيرات واقعك المتسارعة، مثل أي نرجسي لولا وقوعه في هذا الوهم، فالحياة كانت وما زالت قائمةً على الزلات والمحاكمات والشكوك غير المحدودة.
لا تسمح للنرجسي بتحويل النقاش إلى معركة إما أن تفوز فيها بكل شيء أو تخسر كل شيء ضد عصمة زائفة، لأنك في هذه الحالة إذا اعترفت بإنسانيتك سيصبح كل خطأ وقع فيه النرجسي مسوغًا ويصبح نتيجة ذلك محقًا في كل كلمة تفوه بها.
فازت القابلية للخطأ دومًا لأن الواقع لا يتأثر بتبختر النرجسيين، فالعالم الواقعي يجري بمفرده، وأفضل ما يمكننا فعله هو تعلم كيفية التأقلم معه، بدءًا من تعلم كيفية إسكات النرجسيين مدعي ختم العلم دون أن يفقهوا شيئًا.
ختامًا، من الخطأ تشبيه النرجسي المطلق بقصة الإمبراطور المجرد من ملابسه، فهو عبارة عن ثياب امبراطور دون جسد، وحتى تعيد هذه الثياب إلى وعيها البشري القابل للخطأ عليك إحراج النرجسي وإذلال قطعة الثياب هذه أمام الجمهور.